الحِلْم في واحة الشِّعر
قال الشافعي:
يخاطبني السَّفِيهُ بكلِّ قبحٍ***فأكرهُ أن أكونَ له مجيبَا
يزيدُ سفاهةً فأزيدُ حلمًا***كعودٍ زاده الإحراقُ طيبَا
وقال أيضا:
إذا نطق السَّفِيهُ فلا تُجِبْه***فخيرٌ مِن إجابتِه السُّكوتُ
فإن كلَّمته فرَّجت عنه***وإن خلَّيته كمدًا يموتُ
وقال أيضا:
إذا سبَّني نذلٌ تزايدت رفعةً***وما العيبُ إلَّا أن أكونَ مساببه
ولو لم تكنْ نفسي عليَّ عزيزةً***لمكَّنتُها مِن كلِّ نذلٍ تحاربُه
ولو أنَّني أسعى لنفعي وجدتني***كثيرَ التَّواني للَّذي أنت طالبُه
ولكنَّني أسعى لأنفعَ صاحبي***وعارٌ على الشَّبعانِ إن جاع صاحبُه
وقال الشاعر:
وإني لأترك عورَ الكلا***مِ لئلَّا أجابَ بما أكرهُ
وأغضى على الكلمِ المحْفِظا***تِ وأحْلُمُ والحِلْمُ بي أشبهُ
فلا تغتررْ برواءِ الرِّجال***وما زخرفوا لك أو موَّهوا
فكم مِن فتى يعجبُ النَّاظريــــ***ـن له ألسنٌ وله أوجهُ
ينامُ إذا حضر المكرما***تِ وعند الدَّناءةِ يستنبهُ
وقال آخر:
تخالهم للحِلْم صمًّا عن الخنا***وخرسًا عن الفحشاء عند التهاترِ
ومرضى إذا لاقوا حياءً وعفةً***وعند الحروب كاللُّيوثِ الخوادرِ
لهم ذلُّ إنصافٍ ولينُ تواضعٍ***بهم ولهم ذلَّت رقابُ المعاشرِ
كأنَّ بهم وصمًا يخافون عارَه***وما وَصمُهم إلَّا اتقاءُ المعايرِ
وقال آخر:
ألم تر أنَّ الحِلْم زَيْنٌ مُسَوِّدٌ***لصاحبِه والجهلُ للمرءِ شائنُ
فكن دافنًا للجهل بالحِلْم تسترحْ***مِن الجهل إنَّ الحِلْمَ للجهلِ دافنُ
وقال الشاعر:
ألَا إنَّ حِلْمَ المرءِ أكبرُ نسْبةٍ***يُسامى بها عند الفخار كريمُ
فيا ربِّ هَبْ لي منك حِلْمًا فإنَّني***أرى الحِلْمَ لم يندمْ عليه حليمُ
وقال الشاعر:
وفي الحِلم رَدْعٌ للسَّفِيه عن الأذى***وفي الخُـرْق إغراءٌ فلا تَكُ أَخْرَقا
فَتَنْدَمَ إذ لا تنفعنك ندامةٌ***كما ندِم المغْبُونُ لما تَفَــرَّقا
وقال الشاعر:
رجعت على السَّفِيه بفضلِ حِلْمٍ***وكان الفعلُ عنه له لِجَاما
وظنَّ بي السَّفاهَ فلم يجدني***أسافهُه وقلتُ له سلاما
فقام يجرُّ رجليه ذليلًا***وقد كسب المذمَّةَ والملاما
وفضلُ الحِلْمِ أبلغُ في سفيهٍ***وأحرى أن ينالَ به انتقاما
وقال الآخر:
أيا مَن تدَّعي شتمي سفاهًا***عجلت عليَّ خيرًا يا أخيَّا
أكسيك الثَّواب بِبِنْتِ شتمي***وأستدعي به إثمًا إليَّا
فأنت إذن وقد أصبحت ضدًّا***أعزُّ عليَّ مِن نفسي عليَّا
