عرض مشاركة واحدة
  #5  
قديم 26-04-2013, 07:14 PM
الصورة الرمزية aymaan noor
aymaan noor aymaan noor غير متواجد حالياً
رئيس مجلس الادارة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 26,986
معدل تقييم المستوى: 10
aymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond repute
افتراضي

المحور الأول: معضلات المرحلة الانتقالية


3- المناعة المفقودة: ملامح "الاستعصاء الديمقراطي" في مصر بعد الثورة


د.خالد حنفي علي

بعد أن كانت عصية على التغيير قبل ثورة 25 يناير، باتت مصر عصية على الاستقرار السياسي والتوافق الوطني بعد الثورة، إذ لم يستطع أي تيار سياسي سواء أكان عسكريًّا أم إسلاميًّا أن يروض ذلك المجتمع الذي خرج من عقاله إبان الثورة، ليحتج على نظام سياسي حرم الدولة المصرية ليس فقط من تفعيل مواردها عبر آليات الإفساد والإفقار والاحتكار، ولكن من طموحها الإقليمي والدولي، مقابل تكريسه لمعادلة "الاستقرار الهش" و"التبريد المصطنع" للمجتمع، حتى يضمن النظام بقاءه.

ولأن الساحة السياسية بعد الثورة اصطبغت بـ"الاستقطاب الثنائي" ما بين تيارات إسلامية صاعدة أبرزت نفوذها عبر صناديق الانتخاب في الاستحقاقات الانتخابية المختلفة التي تلت الثورة، وتيارات مدنية تضم نخبًا وكتلا ليبرالية ويسارية وثورية تتمركز جل قوتها في التأثير على مزاج الرأي العام، فقد باتت مصر تخرج من أزمة لتقع لتوها في أخرى، دون وجود توافق حقيقي، فضلا عن تنامي أجواء التشكك وعدم الثقة من قبل التيارات المدنية في حكم الإخوان، لا سيما وأن سياسات الرئيس محمد مرسي لم تستطع رفع مستوى المعيشة، أو تحقيق الاستقرار، أو حتى إرساء منطق الشركاء بين أطياف الوطن الواحد، فضلا عن غياب رؤية واضحة لما ينبغي أن تكون عليه الدولة والنظام "واقعًا"، وليس "دستورًا" تم إقراره انتخابيًّا، برغم وجود خلافات عميقة على بعض مواده.

إن الاستقطاب السياسي، وإن شئنا الدقة "التطاحن" في مصر، خلق حالة من "الاستعصاء الديمقراطي"، فكلما شهد المجتمع تطورًا باتجاه استحقاق ديمقراطي أو سياسي ما بعد الثورة، برزت بعده "كمائن سياسية"، أو" ثغرات قضائية" تعيد عقارب الساعة مرة أخرى إلى الوراء، ويصبح النقاش السياسي الدائم في المربع رقم صفر، وكأن قدر المصريين أن يظلوا "عالقين" في المرحلة الانتقالية بعد الثورة، بعد أن ضرب الاستعصاء فضاءات متعدة داخل الدولة، ومن أبرزها:

- استعصاء سياسي، فرغم كثرة الدعوة لحوارات وطنية، إلا أن غياب الاتفاق على مضمونها، حال دون أن تصل تلك الحوارات إلى نتائج بناءة، وأضحى كل طرف متمسكًا بأوراقه، فجبهة الإنقاذ -التي أعلنت مقاطعتها للانتخابات التشريعية- تشترط للحوار تعديل المواد الخلافية في الدستور، وتغيير الحكومة التي يراها الكثيرون أنها لم تنجز ما يقنع المصريين بشرعية السلطة الحاكمة، في مقابل تمسك الرئاسة ومعها جبهة الموالاة بالحكومة، والإصرار على قانون انتخابات دفعت الثغرات فيه المحكمة الدستورية لوقف العملية الانتخابية برمتها، وإعادة الكرة مرة أخرى لمجلس الشورى، وما بين المعارضة والموالاة تغيب الحلول الوسط حتى بدت نذر معارك "كسر العظم"، وخاصة بعد ما سمي بـ"موقعة المقطم" أمام مكتب إرشاد جماعة الإخوان المسلمين.

- استعصاء اقتصادي، فرغم التحركات الخارجية للرئيس مرسي لجذب استثمارات للخروج من المأزق الاقتصادي، إلا أن غياب الاستقرار السياسي والأمني حال دون أن تتحول تلك التحركات إلى مخرجات يلمسها المواطنون اقتصاديًّا، حتى بات قدر الاقتصاد المصري بعد الثورة أن يدخل في الحلقة المفرغة للقروض الخارجية، والتي تمثل حلولا سهلة يدفع عادة الفقراء كلفتها، علاوةً على ‬ارتباك السياسات الاقتصادية، فثمة تردد ما بين العودة إلى انتهاج سياسات ما قبل الثورة الاقتصادية القائمة على تحرير الاقتصاد، والانفتاح على الاقتصاديات العالمية* ‬بلا ضوابط أو مراعاة للمصالح الوطنية، وبين العودة إلى ممارسة الدور المهيمن للدولة لوظائفها التنموية لمواجهة متطلبات العدالة والفقر والبطالة*.‬

- استعصاء أمني، إذ إن مصر ما بعد الثورة تمر بما يسميه البعض "المناطق الرمادية" للأمن، فلا الشرطة غائبة، ولا هي فاعلة أو استعادت هيبتها المهدرة لتحقيق الاستقرار الأمني المنشود من المواطنين في ظل تزايد معدلات الجريمة في المجتمع، كما لم تستطع السلطة الحاكمة منذ المجلس العسكري وحتى إدارة الرئيس مرسي انتهاج سياسات احترافية تضع قواعد مهنية لفك الاشتباك اليومي بين الشرطة والمجتمع الثائر عبر تكريس هيبة القانون وليس الأشخاص بعد الثورة.

- استعصاء اجتماعي، إذ إن المجتمع بدوره رفع راية الاستعصاء على السلطة ليس فقط في أزمة بورسعيد، ولكن في رفض مجتمعي لفكرة الامتثال لقرارات السلطة، فغياب احترام القانون جعل القضاء في مهب الجدل الاجتماعي، حتى باتت مشاهد تطبيق الأهالي للقانون لما يسمى بحد الحرابة بأيديهم معتادة يوميًّا، وخاصة في المحافظات التي تواجه ترديًا في أحوالها الأمنية.

صراعات قشرية وصلبة

ورغم أن كل تلك الاستعصاءات قد تفسر الأزمات المتوالية التي تشهدها الساحة المصرية بعد الثورة على أصعدة الدستور والإعلام والقضاء والاحتجاجات ضد استثمار الإخوان للحظة التاريخية للسيطرة على الدولة المصرية، إلا أن تلك القضايا على أهميتها لا تشكل إلا "صراعًا قشريًّا" تدور رحاه بين نخب تتصارع على حيازات سياسية، وربما تظل تكلفته محتملة بمنطق تداعيات المراحل الانتقالية.

فالصراع الحقيقي لم يتبلور بعد، وهو المتعلق بـ"القضايا الصلبة"، كالهوية والقيم المجتمعية المشكلة للشخصية المصرية، لا سيما وأن التيارات الإسلامية على اختلاف مشاربها لا يزال موقفها "غامضًا" تجاه مفردات الحياة الشخصية اليومية في مصر، خاصة وأن هنالك محاولات تبزغ ما بين حين وآخر لتسريب أفكار كجماعات "الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر" في مجتمع خضعت قاعدته خاصة من الطبقة الوسطى لعمليات "تحديث" جعلت هويته مركبة ومتعددة المشارب، ما قد يعني أن احتمالات الصدام قائمة مع بعض التيارات الدينية المتشددة التي تعادي كلا من الحداثة والتراث التاريخي للشخصية المصرية. وحينها ستكون كلفة الصراع أكثر حدة و***ًا مما يحدث حاليًّا في عراك التظاهر ومشاحنات الإعلام.

إن مآلات الاستعصاء تصب جلها في إضعاف الدولة المصرية، والتي تتضاءل مناعتها باضطراد مستمر إثر عوامل متراكمة، بعضها يتعلق بفقدان الثقة المجتمعية في تحقيقها للوظائف التنموية والأمنية، والبعض الآخر يتعلق باحتكار قلة مجتمعية لعوائد تلك الدولة، واعتبار أن هيمنتهم "الانتخابية" على النظام السياسي يتيح لهم السيطرة على مفاصل الدولة، ما أحدث شرخًا في مفهوم "الدولة العادلة"، والذي مثل أحد استحقاقات ثورة 25 يناير التي رفعت شعارات الحرية والعدالة بين الشرائح الاجتماعية.

ومن هنا فمستقبل مصر يتأرجح بين سيناريوهات عدة، أولها يتعلق بـ"التفاؤل المشروط"، والذي يعتبر أن تجاوز النظام الحاكم للأزمات المتوالية مشروط بمدى قدرته على كسب شرعية إنجاز، وخاصة على صعيد مستوى المعيشة الآخذ في التردي والانحدار، وإصلاح ذات البين مع القوى السياسية المدنية، وصياغة مشروع وطني يستوعب التيارات السياسية المصرية في النظام السياسي، دون استثئار أو تمكين جماعة بعينها، وهو ما قد يرفع من مناعة الدولة في مواجهة أزمات النظام السياسي.

بينما السيناريو الآخر يغلب عليه "التشاؤم المفرط" والذي يصل بالدولة إلى حد الانهيار والاحتراب الأهلي بين التيارات السياسية المختلفة، وخاصة في ظل السيولة الأمنية، وعدم قدرة الفصيل السياسي الحاكم على السيطرة على مجريات الأمور، وما بين هذا وذاك، يلوح سيناريو "العودة للعسكرة بأردية مدنية"، إثر "الضجر المجتمعي" من الاستقطاب المزمن الذي بات خصيصة تلاحق المشهد السياسي بعد الثورة.

على أن ترجيح أيٍّ من تلك السيناريوهات سيرتبط بقدرة السلطة على رفع أو خفض المناعة السياسية للدولة المصرية، فكلما ضعفت تلك المناعة اقترب المجتمع من السيناريو الأسوأ، والعكس صحيح.

آخر تعديل بواسطة aymaan noor ، 26-04-2013 الساعة 08:56 PM
رد مع اقتباس