عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 27-04-2013, 04:42 PM
الصورة الرمزية aymaan noor
aymaan noor aymaan noor غير متواجد حالياً
رئيس مجلس الادارة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 26,986
معدل تقييم المستوى: 10
aymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond repute
افتراضي

مخاوف تقشفية :

هل تنجح مفاوضات مصر للحصول على قرض صندوق النقد ؟



د.محمد السمهوري

أثار الطلبُ الرسمي الذي تقدمت به الحكومة المصرية للحصول على قرض بقيمة 4.8 مليار دولار أثناء زيارة المدير العام لصندوق النقد الدولي كريستين لاجارد لمصر يوم 22 أغسطس 2012؛ العديدَ من الأسئلة حول طبيعة الأزمة المالية والاقتصادية التي تمر بها مصر في الوقت الراهن من ناحية، وحول القيود المختلفة المحتملة التي قد يفرضها الصندوق على الاقتصاد المصري،

من ناحية ثانية، كشرط لمنحها القرض المطلوب.

وتعد هذه هي المرة الثالثة التي تحاول فيها مصر خلال فترة الـ15 شهرا الماضية الاقتراض من الصندوق، بعد أن رفض المجلس الأعلى للقوات المسلحة المصرية في المرة الأولى (خلال شهر مايو 2011) الاستمرار في المفاوضات للحصول على قرض بقيمة 3.2 مليار دولار من الصندوق، وبعد تعثر المحادثات في المرة الثانية (خلال الفترة بين شهر إبريل ويونيو 2012) نتيجة الخلافات بين الأحزاب الإسلامية التي كانت تسيطر على مجلس الشعب في ذلك الوقت (حزب الحرية والعدالة التابع لجماعة الإخوان المسلمين، وحزب النور السلفي) وبين حكومة د. كمال الجنزوي السابقة، حول الحصول على قرض بنفس القيمة من الصندوق، وما نتج عن هذا الاختلاف من غياب للإجماع السياسي والمجتمعي الذي كان يشترط صندوق النقد تحققه لمنح مصر القرض الذي تريد.

دلالات المحاولة الثالثة للقرض

ثمة دلالات اقتصادية في المحاولة المصرية الثالثة للقرض من صندوق النقد الدولي وهي:

- أن قيمة القرض المطلوب (4.8 مليار دولار) الآن تزيد عن قيمة القرض السابق بحوالي 50%، كما أن صندوق النقد الدولي يتعامل هذه المرة مع وضع سياسي جديد تماما في مصر، بوجود رئيس مصري وحكومة مصرية ذات توجه إسلامي، ومع غياب كامل للجهة التشريعية والرقابية نتيجة حل مجلس الشعب في شهر يونيو الماضي.

- تعكس زيادة قيمة القرض المطلوب من صندوق النقد الدولي، بشكل واضح طبيعة الأزمة المالية بالغة التعقيد التي تمر بها مصر في الوقت الراهن، والتي هي استمرار للأزمة التي بدأت منذ يناير 2011. فخلال الشهرين الماضيين كانت هناك حاجة كبيرة للحصول على الأموال اللازمة لتمويل العجز المتواصل في الموازنة العامة، والذي وصل في السنة المالية الحالية إلى حوالي 135 مليار جنيه مصري (23 مليار دولار، أو 8% من الناتج الإجمالي) من ناحية، ولوقف النزيف المستمر، من ناحية ثانية، في احتياطيات مصر من النقد الأجنبي التي انخفض مستواها إلى أقل من 15 مليار دولار في الشهر الماضي، بعد أن كان قد بلغ 36 مليار دولار عشية ثورة يناير 2011.

- أن هذا الوضع المالي المتأزم تم التعامل معه بأكثر من طريقة، فمحليا، استمرت وزارة المالية في إصدار أذونات الخزانة (أدوات دين قصيرة الأجل، تتراوح مددها الزمنية من 3 أشهر إلى سنة) لبيعها للمصارف المصرية، بالعملة المحلية وبالدولار الأمريكي. كما ينوي البنك المركزي في نهاية الشهر الحالي (أغسطس 2012) طرح أذونات خزانة لبيعها محليا باليورو. هذه هي المرة الأولى منذ بدء طرح أذونات الخزانة بالدولار في نهاية العام الماضي التي سيتم فيها الطرح بالعملة الأوروبية. أما خارجيا، فقد حصلت مصر من المملكة العربية السعودية في شهر يونيو الماضي على وديعة مالية بقيمة مليار دولار لحساب الخزانة العامة في البنك المركزي المصري، وعلى وديعة من دولة قطر، بضعف القيمة، 2 مليار دولار، لإيداعها في البنك المركزي أيضا لنفس الغرض. هذا بالإضافة إلى الاستمرار في الحصول على قروض بقيم مختلفة من مصادر خارجية متعددة مثل بنك التنمية الإسلامي وبنك التنمية الإفريقي. هذه الاستدانة محليا وخارجيا أوصلت الدين العام المصري في نهاية الشهر الماضي إلى 226 مليار دولار (حوالي 80% من الناتج الإجمالي)، منها 193 مليار دولار دين محلي، و33.8 مليار دولار ديون خارجية.

- تعكس الزيادة الكبيرة في قيمة القرض الذي ترغب مصر في الحصول عليه من صندوق النقد الدولي استمرار الأزمة الاقتصادية التي شهدتها مصر، ولا زالت، بعد ثورة يناير 2011. ملامح هذه الأزمة، بصورة عامة، تتمثل في انخفاض معدلات النمو الاقتصادي، وانخفاض العائدات من قطاع السياحة، وخروج كبير للاستثمارات الأجنبية، واستمرار العجز في الميزان التجاري الخارجي، وفقدان الجنيه المصري أكثر من 5% من قيمته خلال الأشهر الـ18 التي أعقبت التغير في النظام السياسي. يضاف إلى هذا كله استمرار الاضطرابات التي تشهدها قطاعات الإنتاج والخدمات الحكومية العامة، واستمرار التدهور في خدمات البنية التحتية (مثل الكهرباء والمياه)، والانقطاع المتكرر لبعض السلع الأساسية في الأسواق المصرية.

هل تحصل مصر على القرض؟

السؤال الأكثر أهمية الآن هو ما إذا كانت المفاوضات بين مصر وصندوق النقد الدولي هذه المرة، وعلى عكس المرتين السابقتين، ستؤدي إلى الاتفاق بينهما حول القرض وشروطه، وحول البرنامج المالي والاقتصادي الذي سيتم تمويله من خلال القرض المطلوب.

ما هو متاح من معلومات رسمية عن الزيارة التي قامت بها المسئولة الأولى في صندوق النقد الدولي لمصر، تشير إلى توقع الجانب المصري التوصل إلى اتفاق مع الصندوق بشأن القرض في نهاية العام الحالي، وبسعر فائدة يصل إلى 1.1%، على أن يتم السداد بعد فترة سماح تبلغ 39 شهرا. من أجل هذا الغرض، سيصل فريق فني من خبراء الصندوق إلى مصر في بداية الشهر القادم (سبتمبر) لإجراء مشاورات بهذا الشأن، وللعمل عن قرب مع خبراء وزارة المالية المصرية لوضع الإطار العام للبرنامج الذي سيقوم الصندوق بتمويله.

ورغم أنه من غير الممكن عمليًّا التنبؤ مسبقا بالطبيعة النهائية لهذا البرنامج، أو بالشروط التي قد يفرضها الصندوق على مصر للحصول على القرض المطلوب (4.8 مليار دولار)؛ إلا أنه يمكن القول بشكل عام، وبناء على العلم بالطريقة التي يعمل بها الصندوق من ناحية، وما تم التوصل بشأنه مع الطرف المصري خلال جولات المحادثات السابقة؛ بأن العمل في البرنامج الجديد سيتم على ثلاثة محاور رئيسية، هي:

- تخفيض قيمة العجز في الموازنة الجارية وذلك من خلال تقليل جانب النفقات، ومحاولة زيادة جانب الإيرادات.

- ترشيد الدعم الذي تقدمه الحكومة لقطاع الطاقة الذي يستهلك الجزء الأكبر من مجموع الدعم الذي تقدمه الحكومة المصرية (والذي يصل إلى حوالي ربع الموازنة الجارية).
- أزمة ميزان المدفوعات ودراسة إمكانية قيام البنك المركزي بإجراء تخفيض على قيمة الجنيه المصري.

ورغم تأكيد مسئولي الصندوق في مناسبات عديدة أنهم يدركون تأثير مثل هذه الإجراءات على الطبقات محدودة الدخل، وبأنهم يراعون الجوانب الاجتماعية للبرامج التي يقومون بوضعها في الدول التي تلجأ للاقتراض من الصندوق؛ إلا أن الحالة المصرية ما بعد الثورة تعتبر حالة ذات طبيعة خاصة، وذلك بسبب ارتفاع التوقعات لتحسين مستويات المعيشة لقطاعات عريضة من الشعب من ناحية، وبسبب حدة الصعوبات الاقتصادية والاجتماعية (والأمنية) التي تمر بها البلاد في الوقت الراهن من ناحية ثانية.

أضف إلى ذلك -وهذه نقطة في منتهى الأهمية- أن "برنامج النهضة" الذي وعد د. محمد مرسي الشعب المصري بتطبيقه في حالة انتخابه هو برنامج توسعي بالأساس، ويتعارض جملةً وتفصيلًا مع الإجراءات التقشفية التي من المتوقع أن يتضمنها البرنامج الذي قد يتوصل إليه صندوق النقد الدولي مع الحكومة المصرية خلال المفاوضات التي ستبدأ الشهر المقبل بين الجانبين.

وخلاصة القول: إن من الصعب في الوقت الراهن الحكم على نتائج المحادثات التي ستجري بين مصر والصندوق حول القرض الجديد، أو على الفترة الزمنية التي قد تستغرقها المفاوضات، وما إذا كانت هناك اعتباراتٌ سياسية، سواء من جانب الصندوق أو الجانب المصري قد تدفع بالمحادثات في اتجاه معين دون الآخر. الأمر أيضا ليس بالبساطة التي ينظر إليها بعض المعارضين للاقتراض من صندوق النقد الدولي، والنظر إلى القرض على أنه من قبيل "الربا"، أو على أنه يضع مصر "تحت سيطرة" الصندوق والدول التي تتحكم فيه؛ إذ إن هناك الكثير من العوامل الموضوعية الخاصة بطريقة عمل الصندوق من جهة، وبدقة الظروف المالية والاقتصادية التي يمر بها الجانب المصري من جهة ثانية، والتي تتطلب قدرا كبيرا من الشفافية والوعي للتعامل معها.
رد مع اقتباس