عرض مشاركة واحدة
  #6  
قديم 29-04-2013, 11:37 PM
الصورة الرمزية aymaan noor
aymaan noor aymaan noor غير متواجد حالياً
رئيس مجلس الادارة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 26,986
معدل تقييم المستوى: 10
aymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond repute
افتراضي

البلاك بلوك نموذجاً:
المسارات المحتملة للحركات الفوضوية العنقودية في مصر



محمد عز العرب

إن واحدةً من الظواهر التي تشكلت في مصر خلال الأيام القليلة الماضية هي ظهور حركات مجتمعية جديدة، تعتبر أحد أبرز اللاعبين الأساسيين في عـنف الشارع، كنمط مختلف لتحدي السلطة، يعبر عن "فكرة" وليس "تنظيما"، بل هي قائمة على عدم التنظيم، وإخفاء الهوية، وتجنب الإفصاح، من خلال تكوين مجموعات عنقودية منفصلة، ويتراوح أعدادها بين 10 و100 في وقفة احتجاجية في بقعة جغرافية بحسب مقدرة كل مجموعة على اجتذاب الأشخاص، بشرط ضمان الثقة في الأعضاء الجدد، وفقًا لكلمات "كودية" تتغير بشكل متواصل، وذلك بغرض عدم السيطرة عليها، أو تفتيت القدرة على حلها إذا لحق ضررٌ بعدد من أعضائها، عبر تكتيكات عدائية مختلفة مثل الاشتباك مع أجهزة الأمن، وقطع الطرق والكباري وخطوط المترو، وإعاقة حركة المرور، واقتحام المحاكم، ومقرات المحافظات، والمجالس المحلية، وإحراق بعض الأقسام، وعدد من مقرات الإخوان المسلمين.

والحقيقة أن من المبكر الحديث عن عـنف مجتمعي قد يكون عابرًا وليس بنائيًّا أو هيكليًّا في إطار مجموعات أو حركات تحمل ملامح "ظاهرة قيد التشكل" بسبب ندرة ما كتب عنها وغياب جهد بحثي وصحفي بشأن الاقتراب من أعضائها، غير أنه يمكن الاعتماد على بعض المصادر الأولية، سواء المكتبية أو الإلكترونية أو الميدانية التي تعاملت مع تلك الحركات كفاعل جديدٍ وافد على تفاعلات الثورة المصرية، والتي ربما تنتقل بتأثيراتها على تفاعلات القوى السياسية والمجتمعية خلال المرحلة المقبلة.

الكتلة السوداء

فقد شهدت عدة محافظات مصرية كالقاهرة والإسكندرية والمنوفية والشرقية والغربية والدقهلية وكفر الشيخ ودمياط وأسيوط وسوهاج والبحر الأحمر، بروز مجموعات شبابية ثورية حديثة النشأة ومختلفة الهوية، تطلق على نفسها "بلاك بلوك" أو "بلاك ماسك" أو "الكتلة السوداء" Black Blocks، ويتراوح أعمار المنتمين إليها ما بين 18 إلى 30 عامًا. ويرتدي الأعضاء في تلك المجموعات زيًّا موحدًا وهو ملابس وأقنعة سوداء، ربما لإيصال فكرة الحداد على شهداء الثورة، أو للتعبير عن الهوية الخاصة من خلال التمييز بالملابس، أو كنوع من إنكار الذات لواجبٍ يقتضي عمله، وفي بعض الأحيان يرتدون خوذات الدراجات النارية، بما يسهم في إخفاء ملامح وجوههم وهوياتهم، ويمسكون الأعلام السوداء بجانب علم مصر، حيث يرفعون شعارًا محددًا وهو BB Revolution، أي أن الثورة المصرية لم تنتهِ بل لها موجات أخرى.

لا توجد إحصاءات دقيقة بشأن أعداد المنطوين داخل هذه المجموعات، بل تُشير التقديرات إلى أنها تتراوح بين 150 فردًا في حدها الأدنى و800 في حدها الأعلى. ويقوم بعضهم بمهمة أقرب إلى اللجان الشعبية التي عليها تأمين الميدان من المتسللين والمندسين والبلطجية، وخاصةً في لحظات "التصعيد الكبرى" وفقًا لرؤيتهم. وعلى الرغم من أن المنتمين لتلك الحركات يتسمون بالاستقلال، إذ لا توجد لديهم انتماءات سياسية وأيديولوجية ولا يرتبطون بأطر حزبية؛ فإنه انضم إليهم بعض شباب حركة 6 إبريل السابقين، فضلا عن شباب مشجعي النادي الأهلي "ألتراس أهلاوي" ونشطاء في الحركات اليسارية. ووفقًا لبياناتهم المختلفة فإن "فرسان الظلام" لا تجمعهم هيئة تنظيمية محددة، ولا يمتلكون مقرًّا، بل يتخذون من المقاهي في وسط العاصمة مكانًا للالتقاء ببعضهم، مع الالتزام بالسرية في تحركاتهم الميدانية. فالمنخرطون في المجموعة أو الكتلة يختلطون -في كثير من الأحيان- مع مجموعات أكبر من المتظاهرين، وبعدها ينفصلون عنها، ويمسكون بأذرع بعضهم بعضًا ويندفعون إلى الشوارع، لتوصيل رسالتين هما: كبر العدد، والتكتل الموحد، والتي تمثل الهوية الجمعية لأعضاء هذه الحركات العنقودية.

البيئة القاعدية

إن هذا النمط من المجموعات الشبابية لا يعتبر ظاهرةً مصرية خاصةً بقدر ما يعبر عن واحدة من ملامح الظواهر الاحتجاجية المعروفة في عدد من دول العالم منذ عقود، إذ إن منشأ الظاهرة ألماني، وتطورها أوروبي، وتجليها أمريكي، وأحدث إصداراتها مصري. فقد استلهمت هذه الحركات السياق الاحتجاجي الغربي الذي ولدت فيه حركات احتجاجية تحمل ذات الاسم في دول مثل ألمانيا واليونان، وسرعان ما امتدت إلى الولايات المتحدة وخاصة في مظاهرات سياتل المناهضة للعولمة والرأسمالية الغربية "المتوحشة" في عام 1999، إذ تعتبر هذه الحركات نوعًا من الاحتجاج عن طريق التظاهر بشكل مختلف، حيث تعتمد على تكتلات صغيرة لا تعرف بعضها، ولا توجد بينها صلة.

غير أنها تلتقي في نقاط تجمّع محددة، وتهدف تظاهراتها إلى تدابير هجومية على الشركات والبنوك ومحطات البنزين وكاميرات فيديو المراقبة في الشارع، وتقديم الإسعافات الأولية للأشخاص المتضررين من الغاز المسيل للدموع والرصاص المطاطي، ومحاربة قوات الأمن عن طريق بناء المتاريس. وبالتالي، فإن التوصيف الشائع لتلك الحركات في الخارج هو الحركات "الفوضوية" أو "الأناركية"، بسبب تعاملها ككتلة واحدة لمواجهة قوات الأمن، ومنعهم من اختراق المظاهرة، أو القبض على المحتجين، رغم إتلافهم ممتلكات عامة وخاصة.

اقتراب الفرصة

لذا يحرص أعضاء هذه الحركات في مصر على التأكيد على أنهم ليسوا صناعةً غربية، ولا يخدمون أجندات خارجية، وإنما يعبرون عن أوجاع مجتمعية محلية ثورية. وفي هذا السياق، تزامن ظهور أعضاء هذه المجموعات، وفقًا لما يسمى في أدبيات الاجتماع السياسي بـ"اقتراب الفرصة"، خلال التظاهرات والاحتجاجات التي غطت أنحاء البلاد في الذكرى الثانية لثورة 25 يناير. فقد نظموا العديد من الوقفات الاحتجاجية في وسط العاصمة المصرية، رافعين لافتات مكتوبًا عليها "القصاص بأيدينا فنحن نسيج من دماء الشهداء".

كما قاموا بقطع كوبري 6 أكتوبر في القاهرة، وقطع طريق ترام المدينة بالإسكندرية، وكذلك أعلى كوبري استانلي، وهددوا بإشعال النيران بمقر مجلس الشورى، فضلا عن الإعلان عن مسئولية حرق بعض مقار جماعة الإخوان المسلمين، ووجود احتمال تورطهم في حرق الجزء الخلفي للمجمع العلمي، مع التهديد بإحراق المتحف المصري، ومجمع التحرير الإداري، وهي التحركات التي تحاول هذه المجموعات من خلالها إثبات أن لها أدوارًا ميدانية وليس مجرد مقاومة إلكترونية على الإنترنت، أو على نحو ما وصفه شباب البلاك بلوك أنفسهم بأنهم "درع وسيف".

إن الظهورَ العنيف لتلك المجموعات يعبر في أحد أبعاده عن رد فعل طبيعي للتهديدات التي يعبر عنها بعض شباب الإخوان المسلحين من "الفرقة 95" الذين ينقلون في وسائل الإعلام جاهزيتهم للانقضاض على أعداء تنظيم الإخوان بزعم حماية الثورة. ووفقًا لذلك؛ هناك من يعتبرهم "الميليشيات الثورية" التابعة لجبهة الإنقاذ أو التيار الشعبي "حماة الثورة" لمواجهة ميليشيات الإخوان المسلمين، فضلا عن استعراض القوة من جانب بعض ممثلي تيار الإسلام السياسي مثل أنصار حازم أبو إسماعيل، وعاصم عبد الماجد، وطارق الزمر.

لذا، فإن أحد أبرز أهداف هذه المجموعات -وفقًا لما جاء في بيانهم الأول على موقع "اليوتيوب"، بتاريخ 23 يناير الجاري- يتمثل في مواجهة جماعة الإخوان المسلمين وأي جماعة تستغل الدين من أجل تحقيق أهداف سياسية خاصة، حيث "تسعى لتحرير الإنسان، وهدم الفساد، وإسقاط الطاغية الفاشية"، والتي يقصد بها جماعة الإخوان المسلمين بذراعها العسكرية. ورغم إعلانهم عدم التعرض لرجال الشرطة أو الجيش نهائيًّا؛ حذر البيان وزارة الداخلية من التدخل لتوقيفهم، إذ قالوا "إنهم لن يتهاونوا في الرد على وزارة الداخلية إذا ما واجهتهم لدى محاولتهم إسقاط الفاشية".

ومن ثمَّ، لم يكن غريبًا أن تطلق على نفسها "المجموعات الانتحارية للقصاص للشهداء"، نظرًا لفشل نظام الحكم الجديد في التعبير عن روح وأهداف الثورة التي ضحى من أجلها ما يزيد عن 800 شهيد، وهو ما برز في الشعارات التي رفعتها "هما اتنين ما لهمش أمان.. حكم المرشد والإخوان" و"بيع بيع بيع الثورة يا بديع" و"ثوار أحرار هانكمل المشوار". واللافت للنظر أن هذه الحركات رفعت شعارات غريبة مثل "التخريب هدفه مصلحة البلد" و"هتبقى فوضى" و"نحن فوضى تمنع الفوضى"، وهو ما يحمل المعنى ونقيضه معًا، لأن هناك ضرورة -وفقا لوجهة نظرهم- لمحاربة نظام قمعي وسياسة مستبدة لا تختلف عن سياسات مبارك، غير أن الفوضى لا يمكنها أن تصنع إلا قلاقل داخلية، وحروبًا أهلية، وصراعات عنيفة.

مسارات مختلفة

لا يوجد مستقبل واحد لظاهرة البلاك بلوك في مصر، وإنما هناك عدة سيناريوهات، على النحو التالي:

أ- سيناريو الأفول. يستند هذا السيناريو إلى الطبيعة غير التنظيمية الدقيقة، والعشوائية في الممارسة، وعدم التشابه في التوجهات السياسية والفكرية، فضلا عن تعرض أعضاء هذه المجموعات بصورة متقطعة لاتهامات مختلفة، تصب في مجملها في اتجاه تشويه السمعة، والنيل من المكانة، على الرغم من النفي المتكرر لها. فقد انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي أنباء عن انتماء المدونة العارية علياء المهدي للبلاك بلوك، وهو ما نفاه الأعضاء.

على جانب آخر؛ يشير البعض إلى أن المحرك الرئيسي لمجموعة "البلاك بلوك" هو الناشط القبطي "شريف الصيرفي" أحد القيادات المهمة فيما يطلق عليه "الكتيبة الطيبية" التي ترعى بعض أنشطة الكنيسة، وتصوير أعضاء تلك المجموعات بأنهم "جماعة قبطية" أو "نصارى"، وفقًا لما يراه المركز الإسلامي لمكافحة التنصير، على الرغم من النفي المتكرر لذلك. أضف إلى ذلك، بدء التشديد الأمني في التعامل معهم؛ حيث تم إلقاء القبض على أحدهم بتهمة حيازة أسلحة نارية، أو التعدي على مأمور قسم قصر النيل. كما تقدم المحامي عابد مطاوع، في 27 يناير الجاري، ببلاغ للنائب العام المستشار طلعت عبد الله، ضد حركة "بلاك بلوك"، يتهمهم فيه بقلب نظام الحكم، أو إثارة الفتنة، والسعي لهدم مؤسسات الدولة ونشر الفوضى في ربوع البلاد، والاعتداء على أبناء الشعب.

ب- سيناريو الانتشار. إن هذا السيناريو يفترض قيام هذه المجموعات بحركات تصعيد سواء ضد جماعة الإخوان أو أجهزة الدولة، لا سيما في ظل الاحتقان الداخلي في مصر، وهو ما يعبر عن ترجمة لشعار رفعته "احنا فيروس يصيب مصر". ووفقًا لهذا السيناريو، فإن مجموعات البلاك بلوك لا يمكن التقليل من خطورتها، على نحو ما يعتبره محمد طوسون رئيس اللجنة التشريعية في مجلس الشورى "ظاهرة وهمية لإرهاب المواطنين"؛ إذ تكمن خطورتها في الأثر الانتشاري لهذه المجموعات التي تتعامل مع الوضع الداخلي في مصر وكأنها جماعات أو حركات أو جماعات فوق الدولة، إن لم تكن هي الدولة ذاتها التي تمتلك الاحتكار، أو الاستخدام الشرعي للقوة، وخاصة مع رخاوة الدولة في مصر، والتي يتوقع أن تصل إلى حالة "الدولة الفاشلة" في المرحلة المقبلة؛ إذ إن بعض العاملين في أجهزة الأمن لا يريدون فتح مجالات جديدة للثأر منها، على نحو ما تعبر عنه المؤشرات التالية:

- تداولت صفحات على مواقع التواصل الاجتماعي مقاطع فيديو لمجموعة من الرجال الملثمين الذين يحملون أسلحة أطلقوا على أنفسهم مجموعة "كتائب مسلمون"، وأكدوا عدم تبعيتهم لحركة "حازمون" أو الإخوان المسلمين أو السلفيين، ووجهت هذه المجموعة تهديدات بالاغتيال لكل من أطلقت عليه يجول برأسه تقسيم مصر، أو الإضرار بمنشآتها، أو من يحاول إسقاط نظام الحكم، أو مواجهة الدولة الإسلامية في مصر. كما حذرت ما أطلقت عليهم "الإعلاميين مثيري الفتنة". فضلا عن بروز نسبي لما يسمى بـ"شباب الإيجلز"، دون تحديد دقيق للاختلافات الجوهرية بينهم وبين البلاك بلوك.

- دشنت مجموعة من العاملين في قطاع الكهرباء صفحة "بلاك بلوك كهرباء" على موقع التواصل الاجتماعي فيس بوك، رافعين شعار "المجد للمشاغبين"، حيث يسعى ما يقرب من 160 ألف عامل لتوحيد المزايا والحوافز والبدلات بين شركات التوزيع والنقل والإنتاج، وإقرار حد أدنى للأجور، وغيرها من الإجراءات التي تهدف إلى استرداد ما وصفوه بالحقوق المنهوبة.

- أصدر ائتلاف "معدومي الدخل والعاطلين" بالأقصر بيانًا في 26 يناير الجاري دعا فيه كافة القوى الثورية إلى بدء المقاومة المسلحة ضد لواءات الداخلية، وميليشيات جماعة الإخوان المسلمين في كل المحافظات.

ج- سيناريو التذبذب. بحيث تشبه هذه المجموعات "ثورات البراكين"، التي تظهر أحيانًا وتختفي أحيانًا أخرى متى توافرت البيئة السياسية والأمنية والاقتصادية بل والقانونية المهيئة لظهورها في البلاد، على نحو ما برز في حمل بعضهم أمام مجلس الشورى لافتة دون عليه "المرحوم دولة القانون". وفي هذا السياق، تكون مجموعات "البلاك بلوك" أصغر مواليد دولة غياب القانون في مصر.

وبناء على هذا السيناريو؛ قد تقوم أجهزة الدولة بتتبع بعض العناصر المنتمية لتلك المجموعات، ولكنها لا تصل إلى كل أفرادها التي قد تستقوي بمجموعات إجرامية وفوضوية تسهم في إنهيار الدولة، لتمثل البلاك بلوك تحولا في مسار المعارضة الثورية في مصر.
رد مع اقتباس