عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 03-05-2013, 09:45 AM
الصورة الرمزية aymaan noor
aymaan noor aymaan noor غير متواجد حالياً
رئيس مجلس الادارة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 26,986
معدل تقييم المستوى: 10
aymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond repute
افتراضي

الغليان الاجتماعي:
المتغيرات الوسيطة لبروز "العـنف الفوضـوي" في الدول العربية



محمد عز العرب

تشهد عدد من الدول العربية، بدرجات متفاوتة وأشكال مختلفة، تصاعدًا في الغليان الاجتماعي social Turmoil، الذي قاد العـنف ليتحول إلى فوضى، أو بروز ما يطلق عليه علماء الاجتماع "العـنف الفوضوي"، وهو ما برز في مؤشرات عملية متصاعدة وليست أحداثًا فردية عابرة، تعبر عن سياسة القوة المنفلتة التي تتبعها الجماهير الثائرة في المنطقة العربية، ومنها الهجوم على مديريات الأمن وأقسام الشرطة، ومحاصرة المحاكم، واستهداف مقرات المحافظات والحكم المحلي، وقطع الطرق، وتعطيل المترو، والتمثيل بالجثث، وتصاعد الاحتجاجات الفئوية إلى درجة وصلت إلى مطالبة المساجين بالإفراج الفوري عنهم، على نحو يعطي انطباعًا بتآكل إن لم يكن انهيار دور الدولة في نهاية المطاف، لأن نمط "التفكير الفوضوي" صار هو الحاكم في الممارسة العملية.

وقد عبرت عن هذه الحالة التساؤلات التي طرحها الكاتب والإعلامي عماد الدين أديب "الدولة إما أنها موجودة أو معدومة الوجود.. السلطة إما أنها لدولة القانون أو الفوضى.. الاحتكام إما أنه للقضاء الحر أو للشارع الغاضب.. إدارة للبلاد أم فوضى"، وهو ما أعاد إلى الأذهان المقولة الشهيرة للرئيس المصري السابق مبارك "أنا أو الفوضى". غير أن العـنف ليس ظاهرة سلبية على الدوام. ففي بعض الأحيان تنتج عنه آثار إيجابية، فممارسات العـنف غير الرسمي قد تدفع النظام السياسي إلى تطوير سياسات فعالة لمواجهة المشكلات التي تفرز العـنف، وتؤدي إلى تصاعده.كما قد يكون العـنف الوسيلة الوحيدة المتاحة للتخلص من أوضاع بائسة وظالمة، على نحو ما خبرته الأمم والمجتمعات التي شهدت تحولات ثورية كبرى، إذا ارتبطت غالبًا بدرجة ما من العـنف السياسي.

ومن ثم، فإن واحدًا من الأسئلة المركزية المثارة خلال المراحل الانتقالية في دول الثورات العربية أو حتى تلك الناجية من عاصفة التغيير الجذري، تلك التي تتعلق بالمتغيرات الوسيطة التي تجعل بعض المجتمعات لا تشهد ***ا صريحًا وتتفادى ما يطلق عليه "دوامات العـنف المتكرر" أو تحتويه الدول في مناطق جغرافية صغيرة أو خلال فترات زمنية قصيرة، مقارنة بتحول العـنف إلى فوضى مستمرة، خاصة وأن العـنف مرحلة سابقة على الفوضى، ويمكن التعامل معه واحتوائه بدرجات مختلفة، لكن الفوضى يصعب السيطرة عليها في كثير من الأحيان، لا سيما في لحظات الانتقال الديمقراطي حيث تزداد أعمال ال*** أكثر من الوقاية والتعافي منه، فمن الصعوبة بمكان الفصل بين أسباب العـنف وآثاره.

فأغلب المجتمعات تواجه بيئة قاعدية ملائمة لاندلاع العـنف، وفي بعض الأحيان تحوله إلى فوضى عارمة، فالدخول المنخفضة والبطالة المرتفعة والمؤسسات الضعيفة والثقة المتدنية والمخاطر المستمرة وزيادة عدم المساواة بين الفئات الاجتماعية والسلطوية السياسية، لها جميعًا علاقات سببية بالعـنف الداخلي بأبعاده المختلفة، سواء الاجتماعي أو الجنائي أو السياسي. وتكمن المشكلة التحليلية في فرملة تدحرج العـنف ككرة الثلج إلى فوضى، وهو ما يتعين التعامل معه بمعالجة المشكلات "من المنبع" كما هو متبع في النظام الضريبي الحجز من المنبع.

مسببات اندلاع الفوضى

هناك العديد من المتغيرات التي تفسر تحول العـنف إلى فوضى، في العديد من الدول العربية، لأن هناك ما يسمى بلغة الإحصاء "معامل الارتباط المتعدد" أي العلاقة بين العـنف من جانب والمتغيرات الأخرى من جانب آخر على النحو التالي:

(*) هشاشة المؤسسات. تركزت أغلب الإجابات في أدبيات العلوم السياسية على المتغير الوسيط وهو "ضعف الشرعية المؤسسية والحوكمة السياسية" إذ إن مؤسسات الدولة القوية التي تتيح فرصًا سياسية واقتصادية مفتوحة، مما يخلق سبلا سلمية للتنافس ولها مصداقيتها؛ هي الكفيلة بذلك باعتبارها قوة النظام المحصنة أو القدرة الاجتماعية على التكيف الكامنة في صلب المؤسسات الشرعية. على الجانب الآخر، يتبنى البنك الدولي مفهوم "الهشاشة" للدلالة على العلاقة الارتباطية بين الضعف المؤسسي والعـنف الفوضوي. ففي الأوضاع الهشة، وهي الفترات التي تفتقر فيها الدول أو المؤسسات للقدرة، والخضوع للمساءلة، أو المشروعية اللازمة للتوسط في العلاقات بين مجموعات المواطنين والدولة نتيجة ضعف رأس المال الاجتماعي، مما يجعلها معرضة للمعاناة من العـنف.

وهنا يقارن تقريرُ البنك الدولي لعام 2011 العلاقة السببية بين المشروعية المؤسسية الضعيفة والعـنف بالعلاقة بين نظام المناعة في جسم الإنسان وبين المرض. فالمؤسسات الضعيفة تجعل الدولة معرضة للمعاناة من تحول العـنف إلى فوضى، مثلما يجعل نظام المناعة الضعيف الجسم معرضًا للمعاناة من المرض. ولا تعني استعادة صحة الجسم معالجة المرض فحسب، بل تعني أيضًا استعادة قدرة الجسم على محاربة المرض. والحال مماثل بالنسبة لضعف الشرعية المؤسسية، قد يتباين سبب كل نشوب للعـنف، لكن العلة الأساسية لعجز المجتمعات عن مقاومة الضغوط هي أن مؤسساتها أضعف من أن تعالج سلميًّا.

ومن ثم، تتطلب الحلول الدائمة للعـنف ما هو أكثر من مجرد التصدي لكل ضغط بمفرده، فالحلول السببية التي لا تنطوي على تغيير المؤسسات قد تؤدي إلى تأجيل المشكلات بدلا من الاتجاه إلى حلها. بعبارة أخرى، العـنف لا يمكن احتواؤه بسهولة وخاصة عندما لا تكون المؤسسات ضعيفة. ويجد هذا التصور جذورًا له في كتابات أحد فلاسفة العقد الاجتماعي "توماس هوبز" الذي يرى أن الصراع المدني العنيف يحدث نتيجة ضعف قدرة الدولة على ردع من يتحدونها وإدارة الصراع بين الجماعات في المجتمع. وقد عبر البعض عن هذه المعضلة بالثنائيات الحدية "تعسف في استخدام الحرية من جانب قوى المعارضة، يوازيه تعسف في استخدام الحرية من جانب أحزاب السلطة" أو ما أطلق عليه المفكر السيد يسين "انتهازية النخبة وغوغائية الشارع".

(*) مخاطر التوقعات المعاكسة. تبرز إشكالية أخرى تسهم في تحول العـنف إلى فوضى، وفقًا لأحد التفسيرات، وهي ارتفاع الضغوط الاجتماعية في مرحلة ما بعد الثورات الشعبية والانتفاضات الجماهيرية، مع تصاعد الإحباطات المجتمعية نتيجة الإخفاقات المتلاحقة في تحقيق أهداف الحالة الثورية، وهو ما يطلق عليه "مخاطر التوقعات المعاكسة"، لا سيما في ظل محاولة الحزب الحاكم في السلطة أو التيار السياسي المهيمن من خلال صندوق الاقتراع السيطرة على مفاصل الدولة، وليس مجرد الاكتفاء بمواقع الحكم، على نحو يُعلي من هدف المغالبة على الاتجاه نحو المشاركة، وفقًا لمنطق "الفائز يحصد كل شيء"، وهو ما يؤدي إلى عدم استيعاب مغزى العـنف، وتحوله إلى فوضى، الأمر الذي عبر عنه البعض بـ"الطغيان الانتحاري".

وهناك العديد من النظريات الاقتصادية والسياسية المفسرة لاندلاع العـنف الفوضوي في المجتمعات، منها التغيير السريع المتلازم بتصاعد التوقعات. ومفادها أن العـنف السياسي والاجتماعي يحدث عندما تعاني جماعات ما من مشاعر الحرمان النسبي وتشعر بالإحباط إزاء التوقعات المتعلقة بمكانة اجتماعية أو اقتصادية تستحقها. وفي هذا السياق، يُشير عالم السياسة الأمريكي "صامويل هانتجتون" إلى أن حدوث العـنف الفوضوي مرهون بافتقار المؤسسات السياسية إلى القدرة على التوفيق بين المطالب المتزايدة سريعًا والقدرة على تحقيقها. وبلغة إحصائية، ارتفاع الضغوط + ضعف المؤسسات= مخاطر تحول العـنف إلى فوضى.

(*) أعباء الالتزامات. يرى الكثير من علماء الاقتصاد والسياسة أن العـنف يتطور إلى فوضى نتيجة "مشاكل الالتزام"، وهي أوضاع تكون فيها للجماعات المنظمة مصالح متضاربة لكنها لا تستطيع الاتفاق على نحو يحظى بالمصداقية على الامتناع عن ممارسة العـنف لطائفة متنوعة من الأسباب. وينصب محور هذه النظريات على صعوبة التزام أفراد وجماعات في بعض الهياكل بعدم استخدام القوة عندما يكون ذلك مفيدًا لها. وهنا، يرى البعض أن "تحالفات النخبة" تمنع تحول ال*** إلى فوضى، ويمكنها أن تحتوي العـنف، إذ إن التغير في علاقات القوى السياسية بما يترتب عليها من نزاعات تعتبر سمة ثابتة في مختلف المجتمعات، ولا غرابة في حدوث مواجهة اجتماعية حادة إبان دمقرطة المؤسسات، الأمر الذي ينطوي على إحداث تغيرات في توزيع السلطة والثروة. لكن هذا النوع من الاتفاقات عرضة لإعادة تفاوض مستمرة مع تغير الظروف، ومن ثم يظل خطر ال*** قائمًا والفوضى محتملا. فقد حذر راشد الغنوشي -رئيس حزب النهضة- مؤخرا من إحياء الذكرى الثانية للثورة التونسية من تحول الثورة إلى فوضى.

(*) تصارع الشرعيات. هناك سبب محوري يؤدي إلى سيادة العـنف الفوضوي وهو التنازع القائم في عدد من الدول العربية بين الشرعية الديمقراطية القانونية والشرعية المؤسسية، وعدم قدرة إحداهما على حسم هذا التنازع لمصلحته حتى الآن، وهو ما أدى إلى عدم تنظيم أو تقنين للصراع السياسي الذي تحول في كثير من الأحيان إلى فوضى لأنه عـنف غير مبرر. ففي الوقت الذي يرى فيه البعض أن الثورة هي قمة اللا قانون، فإن الثورة على الجانب الآخر لا بد أن تترجم وبسرعة إلى إصلاحات قانونية ومؤسسية حتى نتحول من شرعية الثورة وفوضى الشارع إلى دولة القانون وشرعية المؤسسات.

(*) تلاحم المتغيرات. يؤدي اندماج المتغيرات الخاصة بالعـنف مع بعضها إلى تحوله إلى فوضى بمرور الوقت، ووفقًا لما يشير إليه "بيترم سروكين" فإن حجم وطبيعة العـنف يتحدد بناء على عدة متغيرات أساسية، يتمثل المتغير الأول في حجم البشر المشاركين فيه من داخل وحدة اجتماعية معينة (النطاق)، فيما يتصل المتغير الثاني بقدر التدمير الذي تحققه أعمال العـنف، وهو ما يعرف بالعمق، ويشير المكون الثالث إلى الفترة التي يستمر فيها العـنف أو ما يعرف بدوامة العـنف. ويضيف د. علي ليلة إلى ذلك متغيرًا رابعًا يتمثل في ضرورة حضور النظام السياسي أو أي من العناصر التي تمثله كطرف بارز في موقف العـنف. ومن ثم، فإن حاصل جمع هذه المتغيرات يؤدي في النهاية إلى زيادة مخزون التوتر، وتنشيط سلوكيات الخروج على القانون، وتكثيف العـنف، وتدحرجه إلى الفوضى، أو ما يعرف بالعشوائية الفوضوية في الدول العربية.

إجراءات مواجهة الفوضى

إن هناك إجراءات عديدة لمواجهة العـنف الفوضوي الآخذ في التزايد في عدد من الدول العربية. فالمؤسسات القادرة والخاضعة للمساءلة، والمشروعة هي العامل المشترك الذي يفسر السبب في أن بعض المجتمعات أكثر قدرة على التصدي للعـنف من غيرها. وبغير الاهتمام بتغيير المؤسسات، تتعرض الدول لدائرة مفرغة من العـنف المتكرر. فالإجراء المحوري، في هذا السياق، يتطلب توجهًا فوريًّا لمعالجة أعراض الهشاشة في الأبنية المؤسسية في الدول أو المناطق المبتلاة بالعـنف، وخاصة تلك التي توفر للمواطن الأمن والعدالة وفرص العمل، مع إيجاد توازن دقيق بين السرعة المفرطة والبطء الشديد، والموازنة بين مخاطر العمل ومخاطر التقاعس عن العمل.

فالمؤسسات المحورية لحل الصراعات تسمو على كل أعمال العـنف المدّعاة أو التفسيرات المختلفة للقواعد التي تضعها المجتمعات لتحكم بها سلوك أعضائها، وخاصة عناصر نظام العدالة الأشد حسمًا بالنسبة لمنع العتنف أو استبعاده، وهي وظائف العدالة الجنائية الأساسية، وقدرة الشرطة والمحاكم والنظام الجزائي على التحقيق والتحري والملاحقة والعقاب بصورة سليمة على الأعمال المرتبطة بالعـنف المنظم. بعبارة أخرى، إن إعادة الثقة بين المجتمع والدولة ينبغي أن يبدأ بالوظيفة الجوهرية للدولة، والقدرة على تأكيد احتكارها للاستخدام الشرعي للقوة.

غير أن بناء الثقة بمثابة مقدمة ضرورية لتغير مؤسسي أكثر ديمومة في مواجهة العـنف. ولا يمكن للدولة وحدها أن تستعيد الثقة، فبناء الثقة في أوضاع العـنف والهشاشة يتطلب جهدًا مجتمعيًّا لبناء ائتلافات تضم فئات أوسع من المجتمع. وهذه الائتلافات تكون شاملة لنطاق أوسع من فئات المجتمع. وتعمل هذه الائتلافات بطريقتين: على مستوى عريض، ببناء تأييد وطني للتغيير من خلال التعاون بين الحكومة وقوى المعارضة والقطاع الخاص وممثلي المجتمع المدني.

وعلى مستوى محلي بالتشجيع على التواصل بين المؤثرين كل في محيطه، بهدف تحديد الأولويات وتقديم البرامج، وإرسال إشارات دالة على إحداث قطيعة مع الماضي، مثل إنهاء الإقصاء السياسي والاقتصادي للجماعات المهمشة. إن إعلانات الحكومة عن التغيير لن تحظى بالمصداقية دون عمل ملموس. فضلا عن التشاركية في الحلول للمشكلات وخاصة الاقتصادية القائمة، لا سيما وأن أحد الأسباب لتفاقم العـنف الفوضوي "تحمل العبء السابق لأوانه" من قبل المؤسسات، إذ إن كثيرًا من المطالب والتوقعات تُلقَى على عاتقها في فترة وجيزة.

حالات مكافحة الفوضى

تجدر الإشارة إلى عدد من التجارب التي استعادت الثقة في انتقال آمن وتفادي حالة الفوضى، وهي ليست ككتب في فن الطبخ تقدم وصفات جاهزة، إذ إن كل بلد يختلف في سياقه الداخلي، وهو ما يتطلب تطويع البيئة لذلك، فهناك دول ركزت على وضع البرامج التي تدعم علاقات الدولة بالمجتمع من أسفل إلى أعلى في المناطق غير الآمنة، عبر خلق فرص العمل، وتسوية المنازعات والقدرة على تحقيق العدالة المحلية، مثل برنامج التضامن الوطني في أفغانستان، والبرامج متعددة القطاعات لمنع العـنف أو تجدده في أمريكا اللاتينية.

وتقدم جنوب إفريقيا تجربة ملهمة في كيفية بناء الثقة بين الدولة والمجتمع، بعد لحظة التحول في عام 1994، والتي نتج عنها إقامة الديمقراطية والمصالحة، والنقاش حول العنصرية وانعدام المساواة والإقصاء الاجتماعي وإرساء نموذج الدولة الدستورية، وتنشيط دور المجتمع المدني والمساءلة وتطوير الرعاية الصحية، واستخدام هياكل المجتمعات المحلية في تحسين إمدادات المياه، وهي عوامل أسهمت في الحفاظ على الثقة في الحكومة الجنوب إفريقية.

فضلا عن ذلك، هناك تجربة كولومبيا في عام 2002، التي واجهت تحدي انهيار الدولة بواسطة هجمات رجال حرب العصابات والقوات شبه العسكرية ومهربي المخدرات، حيث كانت هذه الجماعات تخطف السيارات والأفراد. ومن هنا، جعلت الحكومة من استعادة الأمن في الشوارع وعلى الطرق الرئيسية أولوية على جدول أعمالها، وفقًا لشعار مرفوع على نطاق واسع "تحيا كولومبيا.. تنقَّل في أرجائها". وكان الهدف من هذا البرنامج هو استعادة السيطرة على الشوارع الرئيسية من أيدي الجماعات المسلحة غير الشرعية من خلال عملية كبرى للجيش والمخابرات والشرطة (قوات الانتشار السريع) لترسيخ الأمن وإعادة تنشيط السياحة والتجارة، مما أدى إلى استعادة الثقة لدى المجتمع الكولومبي.

كما قدمت سنغافورة تجربة جديرة بالتأمل في عقد الستينيات من القرن الماضي، حيث تم استحداث جهاز الخدمة الوطنية في غضون عام، وتم وضع حد للمجتمعات السرية وغيرها من الأنشطة الإجرامية، بحيث استُئصل الفساد، وتم تشجيع الاستثمار، وخلق فرص العمل، وإصلاح قوانين حيازة الأراضي. فقد كان مقياس النجاح هو كسب ثقة الناس.

مسارات مستقبل الفوضى

إن المسار الأكثر احتمالا للدول العربية التي تشهد حالة من التحول المؤسسي، في المرحلة الراهنة، يتوقع أن تستمر في حالة وسيطة بين العـنف والفوضى، لا سيما في إطار الطبيعة المتغيرة للعـنف، لعدة أسباب رئيسية. أولها أن مسألة شكل الدولة وطبيعة نظام الحكم فضلا عن أبعاد أخرى كثيرة يحكمها عدم التوافق المبدئي، لأن النخب الحاكمة والقوى المعارضة لا تثق ببعضها. كما أن هناك قطاعًا من المجتمع لا يثق بالدولة.

ثانيها، أن الحفاظ على توافق ما مسألة صعبة لأن التغيير المؤسسي قد يزيد مخاطر العـنف على المدى القصير، نظرًا لافتقاد مجموعات داخل المعارضة للسلطة السياسية أو المزايا الاقتصادية لرموز النظام القديم. ثالثها، أن الدول لا توجد في عزلة عن بعضها، ومثلما شهدت المجتمعات عدوى الثورات تشهد نفس هذه المجتمعات عدوى "الفوضى" في ظل تهديدات خارجية ومشكلات داخلية إبان مراحل الانتقال. ويصعب التغلب على هذه التحديات حينما يكون رأس المال المادي والبشري والمؤسسي منخفضًا نسبيًّا. وأخيرًا، فإن التعافي من الأوضاع الهشة ليس عملية مقيدة تسير في اتجاه خطي، لا سيما في صعوبة السيطرة على تحركات وسياسات الشارع.

آخر تعديل بواسطة aymaan noor ، 03-05-2013 الساعة 09:57 AM
رد مع اقتباس