عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 06-05-2013, 01:25 PM
الصورة الرمزية aymaan noor
aymaan noor aymaan noor غير متواجد حالياً
رئيس مجلس الادارة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 26,986
معدل تقييم المستوى: 10
aymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond repute
افتراضي

المحور السادس: العلاقات الخارجية

شراكة "مرتبكة":
نمط جديد للعلاقات بين واشنطن والإخوان في دول الثورات العربية



عفراء أحمد البابطين
باحثة في الشئون السياسية - دولة الكويت

رغم اندلاع ثورات "الربيع العربي" في تونس ومصر وليبيا واليمن، ونجاحها في إسقاط أنظمتها، لا تزال هذه الدول تمر بمرحلة ممزوجة بالفوضى وعدم وضوح شكل وأسلوب ومنهج أنظمة الحكم الجديدة. فوصول جماعات الإسلام السياسي إلى سدة الحكم في بعض هذه الدول، وتنامي نفوذها السياسي في دول أخرى؛ بدأ يطرح تساؤلات عدة حول كيفية إدارة تلك الجماعات لدولها، وحول طبيعة العلاقة بين الولايات المتحدة الأمريكية باعتبارها القوة الأكثر تأثيرًا في المنطقة، وهذه الجماعات.

وتشيرُ عدة وقائع سياسية إلى أن هناك قبولًا أمريكيًّا لجماعات الإسلام السياسي، وتحديدًا جماعة الإخوان المسلمين، على خلاف ما كان سائدًا منذ عقود من الزمن؛ حيث كانت الجماعة تنتقد الولايات المتحدة الأمريكية لدعمها الديكتاتوريات القائمة آنذاك في الدول العربية، ومن الجهة المقابلة، كانت الولايات المتحدة تخشى هذه الجماعة وغيرها من جماعات الإسلام السياسي، وتعتقد أنها غير قادرة على تبني قواعد الديمقراطية والالتزام بها؛ حيث لم تر فيها "حليفا إستراتيجيا" يحافظ على المصالح الأمريكية في المنطقة.

إن هذا التحول السريع في العلاقات بين الولايات المتحدة وجماعة الإخوان المسلمين، لم يكن ليحدث لولا التغيرات السياسية الأخيرة في المنطقة، فلطالما كانت واشنطن مترددة في دعم مشاريع دعم الديمقراطية في العالم العربي خوفا من تصاعد الوزن السياسي لجماعات الإسلام السياسي في ظل ضعف التيارات الليبرالية في المنطقة، ولكن بعد أن تغير المشهد السياسي نتيجة الثورات العربية وإسقاط معظم النظم السلطوية الحاكمة؛ تغيرت رؤية واشنطن لهذه الجماعات.

وفي هذا الإطار؛ تحاول هذه الورقة تحليل أبعاد ودوافع هذا التحول في العلاقة بين الولايات المتحدة وجماعات الإسلام السياسي، وتحديدًا جماعة الإخوان المسلمين، باعتبارها الجماعة الأكثر تأثيرًا في المشهد السياسي العربي؛ حيث تحولت العلاقات بين الجانبين من انعدام الثقة المتبادلة، إلى ما يشبه "الشراكة" بينهما. كما تحلل الورقة العوائق والإشكاليات التي يمكن أن تكتنف هذه العلاقة الجديدة خلال الفترة المقبلة، وكيف ستتم إدارتها.

دوافع التحول في العلاقة:

لقد تراجعت مكانة الولايات المتحدة الأمريكية عالميًّا، وهو أمر يمكن تَلَمُّسُهُ من خلال إخفاقها في المجالين الاقتصادي والعسكري؛ حيث تراجعت قوة الولايات المتحدة أمام الصين وروسيا بصورة كبيرة مقارنة بفترات سابقة، وتُعتبر أزمتا إيران وكوريا الشمالية والصراع في سوريا مثالا واضحا على ذلك؛ حيث لم تستطع الولايات المتحدة أن تفرض هيمنتها ولا قوتها المعتادة على الصين أو روسيا لحل هاتين الأزمتين، وخاضت حروبًا ودخلت في تصفيات سياسية وأمنية كبيرة للحد من ظاهرة الإرهاب بعد أحداث 11 سبتمبر 2001، ومن ذلك حربها ضد حكم طالبان في أفغانستان؛ حيث لا يزال الوضع مرتبكًا وضبابيًّا هناك دون تحقيق نجاح يذكر. كما فشلت الولايات المتحدة في حربها على العراق؛ حيث أخفقت في تحويل العراق إلى "نموذج" للديمقراطية في الوطن العربي. لذا فإن الفشل في حل تلك القضايا أرهق الإدارة الأمريكية، ووضعها في حرج كبير، ناهيك عن أنها في الفترة الأخيرة لم تستطع أن تضع حلولا لإنهاء الصراع في سوريا.

ويمكن القولُ، إن رغبة الولايات المتحدة في تجاوز هذا الوضع، وتحقيق اصطفافات سياسية تضمن أمنها الإستراتيجي، ومصالحها في المنطقة؛ لم يُبقِ أمامها من خيارٍ بعد قيام ثورات الربيع العربي إلا مساعدة الشعوب العربية في تحقيق الديمقراطية والحرية وضمان الشفافية ومكافحة الفساد لكي تنشأ من خلالها بيئة مستقرة تخدم مصالحها. وبالتالي، وجدت الولايات المتحدة نفسها "مضطرة" للتقرب من جماعة الإخوان المسلمين، كإحدى قوى الإسلام السياسي، والتي حققت انتصارًا شعبيًّا في أغلب دول الثورات العربية.

وهذا التقاربُ الاضطراري قد يحل محل النمط القديم الذي ميز السياسات الأمريكية؛ حيث كانت تصنف تيارات الإسلام السياسي عامة، على أنها جماعات وأحزاب وحركات متطرفة وإرهابية غير قادرة على دعم الديمقراطية. وبذلك فإن الولايات المتحدة تنتهج مسعى جديدًا يهدف إلى دعم هذه الجماعات التي أصبحت واقعًا سياسياً؛ حيث أصبحت هي من يحكم، ويرعى مصالح شعوبها عبر القانون والدستور الذي من المفترض أن يحمي حقوقَ الإنسان، ويدعم حرية الفكر والتعبير، ويضمن حماية الأقليات، ويدعم حقوقَ المرأة.

البحث عن شراكة "حقيقية"؟

منذ اندلاع ثورات "الربيع العربي"، احتفت الولايات المتحدة بتونس كونها أول دولة تصنع "الربيع العربي الديمقراطي"، ففي خطاب الرئيس باراك أوباما لتونس أشار إلى أن "قصة تقرير المصير بدأت مع الشاب التونسي محمد البوعزيزي، الذي أحرق نفسه وأدى الى اندلاع ثورة حتى غادر الديكتاتور". وتحليل خطاب الإدارة الأمريكية تجاه ما يحدث في الشرق الأوسط، وخصوصا بعد أحداث "الربيع العربي"؛ توضح التحول السريع والتقبل المسبق لنتائج الثورات العربية، سواء كانت حكومات إسلامية أم غيرها؛ حيث قدمت الولايات المتحدة كل ما تحتاجه مصر وتونس من دعم معنوي ودبلوماسي، سواء على مستوى خطابات الرئيس الأمريكي باراك أوباما، أو تصريحات وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلنتون.

فبعد ثورة الياسمين التونسية؛ انتقد الكثير من المحللين السياسيين عدمَ قدرة الحكومات التونسية -وخاصة حكومة محمد الغنوشي وقائد السبسي- على تسويق الثورة التونسية في واشنطن، على نحو يوفر ما تحتاجه تونس من دعم اقتصادي، وفي هذا الخصوص، يرى رضوان المصمودي أن الحكومتين التونسيتين بعد الثورة "أضاعتا كثيرا من الفرص للحصول على الدعم الاقتصادي الكافي لإنجاح الانتقال الديمقراطي، فالدعم السياسي الأمريكي لتونس موجود، وساهم في حماية الثورة من كثير من أعدائها في الداخل والخارج، ولكن الدعم الاقتصادي بالخصوص ما زال دون المطلوب، وأن الشراكة بين البلدين لم تبلغ المستوى المأمول". وبالتالي، تحتاج تونس إلى الدعم الاقتصادي الأمريكي بقدر حاجتها للدعم السياسي والدبلوماسي.

أما في حالة مصر؛ فبعد أن كان الرئيس السابق حسني مبارك من أقوى حلفاء واشنطن الإستراتيجيين في المنطقة، نظرا لما لمصر من مكانة وقوة ووزن في منطقة الشرق الأوسط؛ لم تختلف الرؤية الأمريكية حول الثورة المصرية وحق الشعب المصري في الانتفاض وتغيير النظام عن حالة تونس وليبيا واليمن آنذاك. ومتابعة التطورات اللاحقة، تكشف عن مدى التقارب والقبول الأمريكي لجماعة الإخوان المسلمين في مصر، بدءًا من حصول حزب الحرية والعدالة على 45% من مقاعد مجلس الشعب المصري، حتى وصول الرئيس محمد مرسي إلى سدة الحكم في مصر. ويبدو أن الجانب الأمريكي يراهن على قدرة الإخوان المسلمين على تبني مبادئ الديمقراطية، والحفاظ عليها، والالتزام بها، كونها أصبحت مطلبًا شعبيًّا يجعل من الصعب أن تحيد عنه جماعة الإخوان، وخصوصا بعد أحداث "الربيع العربي".

وهذا الوضع يفرز إشكالية جديدة في شكل وطبيعة علاقة واشنطن مع دول الثورات العربية، فالحكومات العربية الجديدة تسعى لتوطيد العلاقات مع واشنطن بشرط عدم الاصطفاف وراء القرار السياسي الأمريكي كما كان يحدث في السابق، فعندما ثارت الشعوب العربية على أنظمتها، لم تكن الشئون الخارجية لدولها -وتحديدًا في حالتي تونس ومصر- منفصلة عن الشئون الداخلية. حيث إن نظرية "التابع والمتبوع" ونظرية "الولاء المطلق" للولايات المتحدة، وكسب لقب الحليف أو الصديق الإستراتيجي، لم تعد من اهتمامات هذه الشعوب في الوقت الراهن، حيث تريد هذه الشعوب من الولايات المتحدة شراكات اقتصادية وتكنولوجية وعلمية حقيقية، على أسس تقوي من اقتصاد دولها، وتحول دون اعتمادها على المعونات والمساعدات المالية.

أربعة معوقات متصورة:

من الضروري القول إن الولايات المتحدة لم تخرج عن المألوف في تصريحاتها تجاه الثورات العربية، فطالما كانت واشنطن طرفا أساسيا في محادثات السلام في الشرق الأوسط، وفي التأثير في عملية التغيير السياسي في المنطقة العربية، ولها من العلاقات والمصالح في دول الشرق الأوسط ما يجعلها قوة مهمة لا يمكن إغفالها. لكن الواقع السياسي الجديد يؤكد أنه إذا كانت الولايات المتحدة مهتمة باستمرار علاقاتها "الجيدة" مع الدول العربية، فلا بد لها من تغيير إستراتيجياتها احترامًا لرغبة الشعوب العربية، وتأكيدًا منها على حرية التعبير والتداول السلمي للسلطة.

ولكن هذا لا يعني أن تغير واشنطن إستراتيجياتها تجاه المنطقة بما يضر مصالحها، وينشئ بيئة جديدة تضر بها، سواء من خلال الإرهاب أو أي صورة أخرى. فهناك أولويات محددة في سياسة الولايات المتحدة في المنطقة، وأية انحرافات في سياسات جماعة الإخوان المسلمين على نحو يضر بالمصالح الأمريكية سيشكل عوائق وكوابح يمكن أن تسبب ارتباكًا في تلك العلاقة الجديدة. ويمكن أن نوجز تلك الأولويات الأمريكية تجاه المنطقة في أربع قضايا رئيسية.

تتمثل القضية الأولى، في أمن إسرائيل، والذي يُعتبر قضية جوهرية للسياسة الخارجية الأمريكية تجاه المنطقة. فالولايات المتحدة لا يمكن أن تطور علاقتها مع جماعة الإخوان المسلمين بدون ضمانات فعلية لحماية أمن إسرائيل، ويعد الهجوم الذي وقع مؤخرا في سيناء، وأودى بحياة 16 من قوات حرس الحدود المصرية؛ أول اختبار حقيقي لجماعة الإخوان في هذه القضية، ورغم أهمية قرارات الرئيس مرسي التي اتخذها بعد هذه العملية، والخاصة بإحالة وزير الدفاع المشير طنطاوي ورئيس الأركان سامي عنان للتقاعد؛ إلا أن ما يهم واشنطن هو أن يلتزم بالمعاهدات الدولية، وخصوصًا معاهدة السلام مع إسرائيل، وأن يقف في وجه الجماعات الإرهابية؛ حيث لا يمكن أن تتوطد العلاقات بين الجانبين دون تأمين فعليٍّ للحدود والمعابر بين غزة والحدود المصرية، والتي تعتبر الضامن لأمن إسرائيل.

وتتعلق القضية الثانية بالعلاقات مع إيران؛ حيث إن شكل وطبيعة علاقة جماعة الإخوان المسلمين مع إيران ستؤثر على شكل وطبيعة علاقتها مع واشنطن، وتتطلب البراجماتية من الطرفين أن يستوعب كل طرف مصالحه في المنطقة، فبلا شك، لا تريد واشنطن أن تكون لإيران مساندة عربية، كما أنها لا تريد أن يكون لإيران قوى ونفوذ في الدول العربية، كما أن عزل إيران على المستوى الدولي يشكل إحدى أولويات واشنطن في المنطقة. وبالتالي، فإن اتجاه الجماعة للتقارب أو التحالف سياسيًّا مع إيران، سيكون عائقا لاستمرار حالة القبول الأمريكي لها.

وتنصرف القضية الثالثة إلى مدى قدرة جماعة الإخوان المسلمين على تطبيق وتنفيذ مبادئ الديمقراطية في دولها، فوصول جماعة الإخوان إلى الحكم -من ناحية- يفرض عليها استيعاب كافة شرائح المجتمع، وتقبل الرأي الآخر، وتوسيع قاعدة الحقوق والحريات، وإذا ما فشل الإخوان في تحقيق ذلك، سيكون من الصعب عليها الحفاظ على استمرار الدعم الشعبي لها، وبالتالي فإن الإخفاق في ذلك سيكون عائقًا كبيرًا أمام الولايات المتحدة؛ حيث أصبح تعزيز فرص الحكم الديمقراطي يشكل اليوم نقطة الالتقاء بين الجانب الأمريكي وجماعات الإسلام السياسي، فالسياسة الأمريكية كانت ولا تزال تبني ائتلافاتها وعلاقاتها وتحقق مصالحها من باب المزاوجة بين المصالح والقيم والقوة. ومن ناحية أخرى، لا تستطيع جماعة الإخوان أن تحيد عن مطالب الشعوب العربية في الكرامة والإنسانية، وحكم القانون، والحد من السلطات المطلقة للرئيس.

وتتعلق القضية الرابعة بعلاقة الإخوان المسلمين بجماعات الإسلام السياسي الأخرى، فرغم إطلاق واشنطن "الحرب العالمية على الإرهاب" بعد أحداث 11 سبتمبر، والتي تمخض عنها إسقاط حكم طالبان في أفغانستان، وإضعاف تنظيم القاعدة؛ إلا أن الإدارة الأمريكية لديها منظور متكامل حول كيفية التعامل مع الجماعات الإسلامية المتشددة.

وقد بدأ العديدُ من المحللين السياسيين بعد ثورات الربيع العربي ووصول الإخوان المسلمين للحكم، في طرح تساؤل في غاية الأهمية: هل يمكن أن تكون مصر وتونس دولتين حاضنتين للجماعات الإسلامية المتشددة؟، وقد أجاب راشد الغنوشي عن ذلك مدللا: "إن الثورة المصرية والتونسية السلمية فتحت طريقًا ثالثًا للتغيير في العالم، بعيدًا عن ال*** والانقلابات المسلحة، في وقت نؤكد فيه أن الجماعات الإسلامية المتشددة التي نشأت في القاهرة لن تعود، وأنها نشأت بسبب القمع الذي من الطبيعي أن يكفر الشخص بجلاده، بعدما تعرضوا لل***** والجلد في السجون، كما أن هذه الثورة لن تصنع فرعونًا جديدًا لمصر طالما استمر الشعب في ثورته السلمية، وكذلك في ظل عصر فضاء وإعلام مفتوح يرصد ويتابع خطوات وتحركات الرئيس".

ويمكن القول، إن العلاقة الأمريكية الجديدة مع جماعة الإخوان المسلمين يجب أن تعمل في ظل تطبيقات فعلية للحد من انتشار واتساع نفوذ الجماعات الإسلامية المتشددة، فإذا كانت جماعة الإخوان قد حققت انتصاراتٍ شعبيةً أوصلتها إلى مراحل متقدمة جدًّا في الحكم؛ فإنه أصبح مُلِحًّا أن تقنع واشنطن بأن الإسلام كفكر ومنهج حياة لا يتعارض في صميمه ومضمونه مع التجربة الديمقراطية التعددية، ويرفض ال*** والتشدد في الدين.

لكن معطيات الواقع تفرض احتمال أن يصطدم الإخوان المسلمين يوما بالولايات المتحدة بشأن حركة المقاومة الإسلامية حماس، فحركة حماس التي تتوافق فكريا مع جماعة الإخوان المسلمين، قد تكون بمثابة "الشوكة" في العلاقة بين الجانبين؛ حيث تطالب الولايات المتحدة حماس بالاعتراف بإسرائيل، ونزع سلاح المقاومة، وإثبات "حسن السير والسلوك" في إدارة العلاقات الدولية، ويبقى التساؤل مرتبطا بمدى قدرة جماعة الإخوان في مصر وتونس على مواجهة الولايات المتحدة، وتثبيت حق حركة حماس في المقاومة، واستخدام السلاح ضد الاحتلال الإسرائيلي، كما هو الحال مع حزب الله اللبناني، وغيره من الحركات والفصائل والتنظيمات التي تدعو إلى مقاومة إسرائيل علنًا وتتبنى العمليات العسكرية ضدها.

خاتمة:

إن أول ما يتبادر إلى الذهن عند تحليل القبول الأمريكي لجماعة الإخوان المسلمين وغيرها من جماعات الإسلام السياسي، أن هذه العلاقة يمكن أن تتحول إلى شراكة فعلية حقيقية مبنية على احترام وجهات النظر، وقواسم اقتصادية وعلمية وتكنولوجية مشتركة، تحقق التنمية الإنسانية العربية أولا، وتعزز من أمن واستقرار المنطقة ثانيًا.

ولا يعني هذا القبول الأمريكي تغيرا راديكاليا في توجهات واشنطن، وخصوصا فيما يتعلق بتعزيز الحريات والكرامة الإنسانية، والمطلوب من الحكومات العربية الجديدة أن تقوم بتعزيز حرية التعبير، وتطبيق العدالة والتسامح الديني والإثني، واحترام الملكية الخاصة، واحترام المرأة، وسيادة القانون، والتداول السلمي للسلطة، فهذا بدون شك سيدفع إلى بناء أرضية مشتركة بين الطرفين يتم فيها تجاوز كل الإشكاليات الأيديولوجية والفكرية بينهما.

ومن جهة أخرى؛ يجب أن تتحمل الحكومات العربية الجديدة مسئولياتها، وأن تبتعد عن الأزمات التي يمكن أن تخلق جوا من التصادم مع واشنطن، في بيئة لم تحقق حتى الآن الاستقرار المأمول والاقتصاد المريح لشعوبها. فالمهادنة والتروي والدبلوماسية الحكيمة يمكن أن تصب في صالح تلك الشعوب، وتحقق إنجازات كبيرة على المديين المتوسط والبعيد.

وأخيرًا ومن باب الواقعية السياسية، فإن الاستقلالية في القرار وفي عمل وإدارة حكومات دول الثورات قد يعطي زخما داخليا، ولكن على مستوى العلاقات الدولية فهناك تشابك كبير في المصالح العالمية، وإذا ما أرادت جماعات الإسلام السياسي أن تشارك في العمل الدولي وتكون شراكات حقيقية مع الولايات المتحدة وغيرها من القوى الدولية، فعليها أن تستوعب جيدا مصالحها ومصالح تلك القوى، وأن توجد قواسم مشتركة معها، وأن تعمل من أجل تقليل حدة الاختلافات الأيديولوجية، كما عليها أن تسعى لتحقيق علاقات سياسية ودبلوماسية دائمة، بحيث تطور ثوابت وركائز للعلاقات مع هذه القوى، لتضمن استمرار المخرجات الجيدة من تلك الشراكة للأجيال القادمة.
رد مع اقتباس