مشروع إقليم قناة السويس
محمد حبيب
لا أدرى من هو صاحب مشروع قانون «إنشاء الهيئة العامة لتنمية إقليم قناة السويس».. كلام كثير قرأناه وسمعناه حول هذا المشروع خلال الأيام القليلة الماضية.. قيل إن المشروع قدمته الحكومة ويتضمن 30 مادة، ويعطى رئيس الجمهورية الحق فى تعيين هيئة تتكون من رئيس و14 عضواً مصرياً، لم يحدد معايير وشروط اختيارهم، اللهم إلا أنه لم يسبق الحكم على أى منهم بعقوبة جناية أو جنحة، ولم تسبق إحالته للمحاكم التأديبية أو مجازاته تأديبياً، وجاء شرط التمتع بالخبرة والكفاءة كما يقول المستشار البشرى «مجرداً من أى وصف منضبط وظاهر يكشف عن توافر هذه الخبرة، أو شرط سبق تولى وظائف أو مهام عامة تكشف عن خبرته السابقة».
ووفقاً لهذا المشروع لا تتبع الهيئة أى كيان سياسى فى مصر إلا رئيس الجمهورية، وهو الذى يضع نظامها الأساسى، ويحدد الأبعاد والحدود والمناطق الخاصة والمشروعات الداخلة فى نطاق الهيئة.. وباستثناء وزراء الدفاع والداخلية والعدل، يكون لرئيس مجلس إدارة الهيئة جميع اختصاصات الوزراء ورؤساء الهيئات العامة فى نطاق الإقليم.. وتستطيع هذه الهيئة أن تنشئ فروعاً داخل مصر وخارجها.. كما أنها ليست مسئولة أمام السلطة التشريعية، وتتولى اختيار وإدارة وتنظيم أنشطة الشركات المسجلة والمستثمرين فى قطاعات المنطقة الأربعة؛ شرق بورسعيد، شمال غرب خليج السويس، ميناء العين السخنة، ووادى التكنولوجيا بالإسماعيلية.. وتمتلك الهيئة أراضى هذه المناطق (التى لم يتم تحديدها)، ولها أن تنتزع ملكية ما تشاء من أراضٍ، وتعمل بمنأى عما هو متبع فى الدولة من قوانين، ويكون لها نظامها الخاص بها، من حيث إبرام العقود، والتأجير والاستئجار، وتخصيص الأراضى للاستثمار، وإنشاء الموانئ والمطارات، والتأمينات الاجتماعية والسجلات التجارية والنظام الضريبى... إلخ.
وقد تناول المستشار طارق البشرى هذا الموضوع فى مقال له بصحيفة «الشروق» (10/ 5/ 2013)، بعنوان «ماذا يعنى مشروع إقليم قناة السويس؟».. وقد أبرزت الصحيفة عدة عناوين، معبرة عما جاء بالمقال وتمثل إجابات مختصرة ومفيدة أتفق معها كل الاتفاق حول السؤال الذى طرحه المستشار البشرى.. وتشمل العناوين: «إعلان استقلال إقليم قناة السويس عن الدولة المصرية».. «نصوص المشروع تتعارض مع مواد الدستور الجديد».. «أهالى هذا الإقليم سيصبحون شعباً آخر حتى فى التعليم والثقافة».. «تحويل المشروع إلى ملكية خاصة لأعضاء الهيئة العامة لتنمية إقليم قناة السويس».. «منح رئيس الجمهورية سلطات مطلقة فى المنطقة بعيداً عن أية رقابة».
وقد تناولت الموضوع ذاته أ. سكينة فؤاد فى مقالها بصحيفة «التحرير» (12/ 5/ 2013) تحت عنوان «أوقفوا الصفقة الملغومة»، واتفقت فيه مع كثير مما جاء بمقال المستشار البشرى.. وقد أوردت فى مقالها شروط القوات المسلحة التى نشرتها صحيفة «المصرى اليوم» (9/ 5/ 2013) بشأن هذا الأمر، حيث تضمنت: إقامة المشروعات على بعد 5 كم من الضفة الشرقية للقناة على الأقل لاعتبارات عسكرية، وحتمية ألا يقل رأس المال المصرى فى أى مشروع عن 60% من إجمالى رأس المال الكلى للمشروع، وألا يقل عدد أعضاء مجلس الإدارة المصريين فى أى شركة تعمل فى هذا المحور عن 50% من إجمالى عدد أعضائه، وألا يسمح بعمل الشركات التى يملكها إسرائيليون، وعدم استخدام أى جزء من ضفتى القناة يؤثر بشكل فردى أو جماعى على المدى القصير أو البعيد على حركة المجرى الملاحى.
فى التصريحات التى أدلى بها وزير الإسكان والمجتمعات العمرانية، د. طارق وفيق إلى صحيفة «المصرى اليوم» (12/ 5/ 2013)، قال: «إن هناك تنسيقاً تاماً مع القوات المسلحة على خرائط المشروع التى عُرضت عليها، مع مراجعة مشروع القانون الخاص بتنظيم الإقليم فى المرحلة المقبلة».. وقد نفى الفريق أول عبدالفتاح السيسى، وزير الدفاع، فى تصريحاته أمام المثقفين ورجال الإعلام (11/ 5/ 2013)، أن يكون هناك حديث حول إقامة المشروعات على بعد 5 كم من الضفة الشرقية للقناة.
إن مشروع القانون على هذا النحو مرفوض بكل المقاييس للأسباب المذكورة آنفاً، ولأسباب أخرى تناولتها أقلام عدة وبرامج حوارية كثيرة فى عدد من القنوات الفضائية.. وأياً كان الزعم بأن المشروع محاولة لإعطاء رئيس الجمهورية صلاحيات مطلقة للخروج من دائرة الفساد والبيروقراطية العتيدة التى نعانى منها داخل أجهزة الدولة، إلا أن ذلك لا يعطيه صكاً أو شيكاً على بياض فى أن يفعل ما يريد، خاصة فى مثل هذا الأمر الخطير، فنحن لا نريد العودة إلى الاستبداد مرة أخرى.. هل نحن بصدد دولة منفصلة عن الدولة الأم، اسمها دولة محور قناة السويس؟! وهل يفتح ذلك الباب على مصراعيه لسيطرة دولة هنا أو هناك؟
كنت أتصور أن تعمد الحكومة، أو بالأحرى الرئيس، إلى عمل مؤتمر يُدعى إليه ممثلو الأحزاب، وأساتذة القانون، ورجال الاقتصاد، وخبراء الاستراتيجية والأمن القومى لمناقشة هذه القضية الكبرى وما سيترتب عليها من آثار وتداعيات، حتى يكون الرأى العام على بينة مما يجرى.. إذ لا أحد يريد أن يقف عقبة أمام تنمية محور قناة السويس، أو تنمية أى منطقة أخرى.. لكن أى تنمية؟!
http://www.elwatannews.com/news/details/181881