عرض مشاركة واحدة
  #536  
قديم 19-05-2013, 11:53 PM
الصورة الرمزية محمد رافع 52
محمد رافع 52 محمد رافع 52 غير متواجد حالياً
مشرف ادارى متميز للركن الدينى ( سابقا )
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 19,444
معدل تقييم المستوى: 36
محمد رافع 52 will become famous soon enough
افتراضي

أسباب دنو الهمة

1- المعاصي:
إن المعاصي أحد أسباب انحطاط الهمم، إذ كيف ينطلق الإنسان إلى المعالي وهو مكبل بالشهوات، مثقل بالذنوب، منهك القوى بالمعاصي، يقول ابن قيم الجوزية: (فالذنب يحجب الواصل، ويقطع السائر، وينكس الطالب، والقلب إنما يسير إلى الله بقوته، فإذا مرض بالذنوب ضعفت تلك القوة التي ستسيره، فإذا زالت بالكلية انقطع عن الله انقطاعًا يبعد تداركه، فالله المستعان) .
2- الخوف والهم والحزن:
وهذه الثلاثة من الآفات التي توهن الهمة، وتضعف العزيمة، وتدفع إلى الفتور؛ ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم كثيرًا ما يستعيذ بالله منها، فيقول: (( اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، والعجز والكسل، والبخل والجبن، وضلع الدين وغلبة الرجال .)) .
(فاستعاذ من ثمانية أشياء، كلُّ اثنين منها قرينان، فالهم والحزن قرينان وهما من آلام الروح ومعذباتها، والفرق بينهما أن الهم توقع الشر في المستقبل، والحزن التألم على حصول المكروه في الماضي أو فوات المحبوب، وكلاهما تألم وعذاب يرد على الروح فإن تعلق بالماضي سمي حزنًا، وإن تعلق بالمستقبل سمي همًّا) .
3- الغفلة:
الغفلة من أسباب ضعف الهمة، فكيف يرتقي الإنسان معالي الأمور، وهو في غفلة عن مصالحه وأسباب سعادته، والغفلة والجهل قرينان، فـ(شجرة الغفلة تُسْقَى بماء الجهل الذي هو عدو الفضائل كلِّها.


هل علمتم أمة في جهلها***ظهرت في المجد حسناءَ الرداء؟



قال عمر رضي الله عنه: الراحة للرجال غفلة.
وقال شعبة بن الحجاج: لا تقعدوا فراغًا فإنَّ الموت يطلبكم.
وسئل ابن الجوزي: أيجوز أن أفسح لنفسي في مُباح الملاهي؟ فقال: عند نفسك من الغفلة ما يكفيها) .
4- إهدار الوقت:
فالوقت هو رأس مال الإنسان، فإذا أهدره فهو في الحقيقة يضيع عمره، فيبوء بالخسران، وما أفدحها من خسارة، فينبغي تجنب (إهدار الوقت الثمين في الزيارات والسمر وفضول المباحات: قال - صلى الله عليه وسلم: ((نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ)).


والوقت أنفس ما عُنيت بحفظه***وأراه أسهلَ ما عليك يضيع



(ويقول الفضيل بن عياض: أعرف من يَعُدُّ كلامه من الجمعة إلى الجمعة.
ودخلوا على رجل من السلف، فقالوا: لعلنا شغلناك؟، قال: أصدقكم، كنت أقرأ فتركتُ القراءة لأجلكم.
وجاء عابدٌ إلى السَّرِيِّ السَّقَطي، فرأى عنده جماعة، فقال: صِرتَ مُناخَ البطالين! ثم مضى ولم يجلس.
وقعد جماعة عند معروف الكرخي، فأطالوا، فقال: إن مَلَك الشمس لا يفتر عن سوقها، فمتى تريدون القيام؟) .
5- الوهن:
(وهو كما فسره رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((حب الدنيا، وكراهية الموت)) .


أمَّا حب الدنيا: فرأس كلِّ خطيئة كما في
الحكمة المشهورة، وهو أصل التثاقل إلى الأرض، وسبب الاستئسار للشهوات، والانغماس في الترف، والتنافس على دار الغرور التي:


تفانى الرجال على حبِّها***وما يحصلون على طائل



(يقول -أي ابن الجوزي- واعلم أنَّ زمان الابتلاء ضيف قِراهُ الصبر، كما قال أحمد بن حنبل: إنما هو طعام دون طعام، ولباس دون لباس، وإنها أيام قلائل، فلا تنظر إلى لذة المترفين، وتَلَمَّحْ عواقبهم، ولا تضق صدرًا بضيق المعاش، وعلل الناقة بالحدْو تسِرْ:


طاوِلْ بها الليلَ مالَ النجمُ أم جَنحَا***وماطِلِ النومَ ضَنَّ الجَفْنُ أمْ سَمَحا



فإن تَشَكَّتْ فَعَلِّلْها المجَرَّةَ مِن***ضوءِ الصباحِ وعِدْها بالرواحِ ضحَى



... وأما كراهية الموت فثمرة حب الدنيا والحرص على متاعها مع تخريب الآخرة، فيكره أن ينتقل من العمران إلى الخراب، قال الطغرائي مبينا أثر حب السلامة في الانحطاط بالهمة:


حبُّ السلامة يثني عزم صاحبه***عن المعالي ويغري المرء بالكسل



6- التسويف والتمني:
(وهما صفة بليد الحس، عديم المبالاة، الذي كلما همت نفسه بخير، إما يعيقها بـ (سوف) حتى يفجأه الموت، فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ [المنافقون: 10]، وإما يركب بها بحر التمني، وهو بحر لا ساحل له، يُدمن ركوبه مفاليس العالم، كما قيل:


إذا تمنيت بتُّ الليلَ مغتبطًا***إن المنى رأسُ أموال المفاليس



7- مجالسة البطالين والمثبطين:
(مجالس البطالين والقاعدين توهن العزائم وتضعف الهمم بما يعلق في القلب من أقوالهم من الشبه، وما يحصل بمجالستهم من ضياع للوقت، وإشغال بتوافه الأمور.. وكلما أردت العمل ثبطك وقال: أمامك ليل طويل فارقد.) .
إياك إياك ومجالسة البطالين (فإن طبعك يسرق منهم، وأنت لا تدري، وليس إعداء الجليس جليسة بمقاله وفعاله فقط، بل بالنظر إليه، والنظر في الصور يورث في النفوس أخلاقًا مناسبة لخلق المنظور إليه، فإن مَن دامت رؤيته للمسرور سرَّ، أو للمحزون حزن... ومن المشاهد أن الماء والهواء يفسدان بمجاورة الجيفة فما الظن بالنفوس البشرية التي موضعها لقبول صور الأشياء خيرها وشرها؟) .
8- المناهج التربوية والتعليمية الهدامة:
هذه المناهج (التي تثبط الهمم وتخنق المواهب، وتكبت الطاقات وتخرب العقول، وتنشئ الخنوع وتزرع في الأجيال ازدراء النفس، وتعمق فيه احتقار الذات والشعور بالدونية) .
9- توالي الضربات وازدياد اضطهاد العاملين للإسلام:
وينتج عنه الشعور بالإحباط في نفوس الذين لا يفقهون حقيقة البلاء، وسنن الله عز وجل في خلقه، كما ينتج عنه استطالة الطريق فيضعف السير إلى الله عز وجل. وقد كان صلى الله عليه وسلم يعزي أصحابه المضطهدين في مكة بتبشيرهم بأن المستقبل للإسلام، وبأن العاقبة للمتقين .
فلا ينبغي أن يستولي اليأس والتشاؤم على الدعاة، فعندما يرى بعضهم (تفوق الأعداء، وتفرق الأصدقاء، والتضييق على الدعاة، وتشريدهم، والزج بهم في السجون، ونحوها من الابتلاءات، ييأسوا ويتشاءموا ويدب الوهن إلى قلوبهم؛ فتضعف هممهم، ويقعدوا عن العمل، ويفقدوا الأمل.. على الرغم من انتصارات الدعوة والبشائر التي تبدو في الأفق؛ ولكن يأبى بعضهم إلا النظرة المتشائمة) .
أسباب علو الهمة :
إن علو الهمة يحتاج إلى جهد ومجاهدة وصبر ومصابرة، وتلمس الأسباب التي توصل إليه، وسلوك الطرق التي تؤدي إليه، وفيما يلي بعض أسباب علو الهمة:
1- العلم:
العلم أحد أسباب علو الهمة، فهو يرشد من طلبه إلى مصالحه، ويدفعه إلى العمل، ويعرفه بآفات الطريق ومخاطره، ويورث صاحبه فقها بالأولويات ويعرفه بمراتب الأعمال. وكلما ازداد الإنسان من العلم النافع علت همته، وازداد عمله؛ ونماذج العلماء الصادقين الذين علت هممهم أكبر برهان على ذلك.
2- الدعاء:
وهو سلاح المؤمن الذي يلجأ إليه إذا فترت الهمة وضعفت العزيمة، فعلى المسلم ألا يغفل هذا الباب فهو من أعظم الأسباب لتحصيل الهمة العالية، والعاجز من عجز عن الدعاء.
3- تذكر اليوم الآخر:
فلا شك أن تذكر الموت، وفتنة القبر، وأهوال القيامة، يبعث في القلب الهمة ويوقظه من غفلته، وتبعثه من رقدته؛ وتدبر قوله عز وجل وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ [آل عمران: 133]، وكان صلى الله عليه وسلم يذكر أصحابه بالجنة والنار، فالحث على العمل وبعث الهمم يكون بالتذكير باليوم الآخر والجنة والنار.
4- طبيعة الإنسان:
من الناس من جبل على علو الهمة، فلا يرضى بالدون، ولا يقنع بالقليل، ولا يلتفت إلى الصغائر.
ولهذا قيل: ذو الهمة إن حط فنفسه تأبى إلا علوًّا، كالشعلة في النار يصوبها صاحبها وتأبى إلا ارتفاعًا .
قال عمر بن عبد العزيز: إنَّ لي نفسًا تواقة؛ لم تزل تتوق إلى الإمارة، فلما نلتها تاقت إلى الخلافة، فلما نلتها تاقت إلى الجنة !
5- أثر الوالدين، ودورهما في التربية الصحيحة:
فأثر الوالدين في التربية عظيم، ودورهما في إعلاء همم الأولاد خطير وجسيم؛ فإذا كان الوالدان قدوة في الخير، وحرصا على تربية الأولاد، واجتهدا في تنشئتهم على كريم الخلال وحميد الخصال، مع تجنيبهم ما ينافي ذلك من مساوئ الأخلاق ومرذول الأعمال – فإن لذلك أثرًا عظيمًا في نفوس الأولاد؛ لأن الأولاد سيشبون – بإذن الله – متعشقين للبطولة، محبين لمعالي الأمور، متصفين بمكارم الأخلاق، مبغضين لسفساف الأمور، نافرين عن مساوئ الأخلاق.
6- النشأة في مجتمع مليء بالقمم:
فمن بواعث الهمة، أن ينشأ الصغير في مجتمع تكثر فيه النماذج المشرقة من الأبطال المجاهدين، والعلماء العاملين؛ والتي تمثل القدوة، فهذا مما يحرك همته؛ كي يقتدي بهم، ويسير على طريقهم، ومن لم يتهيأ له ذلك فليتحول عن البيئة المثبطة، الداعية إلى الكسل والخمول وإيثار الدون.
7- وجود المربين الأفذاذ، والمعلمين القدوات:
الذين يستحضرون عظم المسؤولية، ويستشعرون ضخامة الأمانة، والذين يتسمون ببعد النظرة، وعلو الهمة، وسعة الأفق وحسن الخلق، والذين يتحلون بالحلم والعلم، والصبر والشَّجَاعَة، وكرم النفس والسماحة.
8- مصاحبة أصحاب الهمم ومطالعة سيرهم:
فلا شك أنَّ الصحبة لها تأثير كبير، لذا من أراد تحصيل الهمة العالية فليصحب أصحاب الهمم العالية، فإنه يستفيد من أفعالهم قبل أقوالهم، ومن لم يوفق لصحبة هؤلاء فليكثر من مطالعة سيرهم، وقراءة أخبارهم فإن ذلك مما يبعث الهمة، ويدعو إلى علوها.
يقول ابن الجوزي: (فسبيل طالب الكمال في طلب العلم الاطلاع على الكتب، التي قد تخلفت من المصنفات، فليكثر من المطالعة؛ فإنه يرى من علوم القوم، وعلو هممهم ما يشحذ خاطره، ويحرك عزيمته للجد، وما يخلو كتاب من فائدة...
فالله الله وعليكم بملاحظة سير السلف، ومطالعة تصانيفهم وأخبارهم، فالاستكثار من مطالعة كتبهم رؤية لهم) . إلى أن قال: (فاستفدت بالنظر فيها من ملاحظة سير القوم، وقدر هممهم، وحفظهم وعباداتهم، وغرائب علومهم: ما لا يعرفه من لم يطالع، فصرت أستزري ما الناس فيه، وأحتقر همم الطلاب) .
9- استشعار المسؤولية:
وذلك بأن يستشعر الإنسان مسؤوليته، ويعمل ما في وسعه ومقدوره، ويحذر كل الحذر من التهرب من المسؤولية، والإلقاء باللائمة والتبعة على غيره؛ ذلك أن المسؤولية في الإسلام عامة، تشمل كل فرد من المسلمين؛ فهم جميعًا داخلون في عموم قوله صلى الله عليه وسلم: ((كلكم راع وكلم مسؤول عن رعيته)) .
فالمسؤولية مشتركة، كل امرئ بحسبه، هذا بتعليمه وكلامه، وهذا بوعظه وإرشاده، وهذا بقوته وماله، وهذا بجاهه وتوجيهه إلى السبيل النافع وهكذا.
__________________