عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 30-05-2013, 03:47 PM
الصورة الرمزية الأستاذة ام فيصل
الأستاذة ام فيصل الأستاذة ام فيصل غير متواجد حالياً
مدير الأقسام العامة
 
تاريخ التسجيل: Feb 2009
المشاركات: 16,538
معدل تقييم المستوى: 10
الأستاذة ام فيصل is just really nice
افتراضي عندما يمتزج حب الحبيبه مع حب الوطن

عندما يمتزج حب الحبيبه مع حب الوطن







عندما تكون ولدت في ارض يحتلها المغتصب ، فان هذا سيترك


في نفسيتك شغفا لروح العدالة والحق ، فتخوص نفسك في عمق مفاهيم الظلم والاضطهاد


والجبروت والاحتلال ، ستغوص للأسفل لتعود وتخرج كالمارد حاملا معه العدل


والحق والقوه التي تحمي الحق ، فالحق بلا قوه كالروح بلا جسد .


منذ ان كنت صغيرا ومنذ ان ولدت وأنا أسمع عن حيفا ويافا والناصره وبيسان وصفد واللد


والرمله وكل المدن الفلسطينيه التي احتلتها اسرائيل بحماية من مجتمع دولي


ظالم ، ويقترن باسم تلك المدن تحذير من دخول أي عربي لها ، فممنوع دخولها


الا باذن صعب من الاحتلال الاسرائيلي ، أو اذا كنت من العرب الذين بقو فيها


وتم منحهم الهويه الاسرائيليه ، فاسرائيل بعد أن طردت مئات الآلاف من


الفلسطينيين ، بقي من بقي منهم في مدنهم ولم تتمكن اسرائيل من طردهم لكي لا


تظهر بمظهر المطهّر العرقي ، ولكن اسرائيل تمهد منذ عام 1948 للآن لطردهم .



حين


أصبحت في فترة المراهقه ، كنت كالعديد من أقراني ، أحلم بأن أرى حيفا


ويافا والناصره وشقيقاتهما ، لكن كان ذلك صعب جدا ، بسبب الاجرائات المشدده


التي يفرضها الجيش الاسرائيلي ، ومن كوني ولدت في منتصف الثمانينات ، على


أبواب الانتفاضه الأولى وشببت في الانتفاضه الثانيه ، فقد كانت فرصتي لأرى


حيفا وشقيقاتها فرصه ضئيله .


في فتره المراهقه يكون الانسان متخبطا


ويبحث عن صقل شخصيته ، وكما أن هناك مراهقه عاطفيه فهناك أيضا مراهقه


سياسيه ، كانت مراهقتي العاطفيه مع فتاة لم أكن قادرا على تفسير مشاعري


تجاهها ، هل هو حب أم اعجاب أم صداقه واخوه ، لكني حسمت الموضوع في سنتي


المدرسيه الأخيره واعتبرته حب أخوي وطويت صفحته ، ولم أعد أفكر في تلك


الفتاه كحبيبه .


أما بخصوص مراهقتي السياسيه فاستمرت ولم أتمكن من حسمها


مثلما حسمت مراهقتي العاطفيه ، فكنت مؤمن بأن الثوره والسلاح هو عامل مهم


في قضيتي الوطنيه ، وكنت متأكد بأن السلاح يجب أن يبقى بالصداره ولكن ليس


وحده ، بل بجانب الفكر والمنطق ، وكنت ضد الانطلاق بالثوره أو النضال من


منطلق ديني ، لأن قضيتي وطنيه ويجب أن نناضل باسم الوطن ولأجل الوطن ، ولكن


لم أعرف أي حزب سأحمل أفكاره ، هل هو حزب علماني أم علماني اشتراكي ؟؟


دخلت


الجامعه ، وهناك تعرفت على طالبين قدما من منطقة 48 ( عرب 48 / هو اسم


نطلقه على الفلسطينيين الذين يعيشون داخل المدن الفلسطينيه التي احتلتها


اسرائيل عام 1948 ) ، ولم يمكثا بالجامعه سوى شهر لأنهما سافرا الى أوروبا


للالتحاق بجامعات هناك ، ولكن كنت من خلالهم تعرفت على مجموعة شباب من عرب


48 خارج الجامعه .



وجاءت اللحظه الذهبيه ، حيث تمكنت برفقة أحد "


شباب 48 " من التوجه لمشارف حيفا ، ورأيت حيفا عن بعد ، ورأيت الجدار الذي


تبنيه اسرائيل لفصل المدن المحتله عن المدن الأخرى ، كان منظرا مأساويا ،


أنظر لوطني ولمدينة أهلي ولكن ممنوع عليّ الاقتراب ، أرى سهل حيفا وشاطئ


حيفا من بعيد ، أرى البيوت العربيه القديمه المحاطه بمنازل اليهود المحتلين


، أرى علم اسرائيل يرفرف في سماء وطني ، أرى جدارا يفصل الأخ عن أخيه ،


والأم عن ولدها ، وأحيانا الزوجه عن زوجها الذي يعمل بمدينه أخرى ، أرى


الوطن المسلوب في زمان الظلم والغطرسه ، في عالم كاذب يرفع شعار الحريه


والانسانيه في العلن ليدوس الحريه والانسانيه في الخفاء ، أرى أطفالا من


أطفال وطني يلعبون خلسة كي لا تراهم أعين العدو وهم يلهون بأماكن ممنوع


عليهم الاقتراب منها لأنها حكر على أطفال اليهود ، أرى الطيور فقط ، هي


الوحيده التي يمكنها أن تمر من فوق سياج الحدود دون أن يسقطها رصاص


الاحتلال ، أرى كيف يتحول وطن لمنفى ... أشمّ رائحة حيفا الممزوجة برائحة


البحر وبحنية اللاجئين المشردين الحالمين بالعوده ... أسمع الأجداد .. هناك


.. في مخيمات اللاجئين ، يحدّثون أحفادهم عن حيفا ويافا والناصره وعن


فلسطين .. كل فلسطين .


كنت لم أحسم أمري بعد .. أي حزب سياسي سأتبع ؟؟


كانت فتح هي الخيار الأول والأرجح ، لعدة أسباب ، من ضمنها : أن فتح تعتبر


حجر الأساس لكل الفصائل الفلسطينيه ، وفتح حركه واقعيه وتقدر على حمل


السلاح وقلم التفاوض معا ، وفتح تتبع مبدأ التدرج فهي تقبل بقيام دوله


فلسطينيه على حدود عام 1967دون أن تمحى خريطة فلسطين التاريخيه ، وهناك سبب


شخصي وهو أن عمي كان من الفدائيين الفتحاويين الذي شارك بجانب القائد خليل


الوزير أبو جهاد في معركة بيروت ضد الجيش الاسرائيلي ، وعمي الآخر تم أسره


لمدة خمس سنوات لأنه كان يخطط وينفذ عمليات مسلحه ضد الجيش الاسرائيلي مع


رفاقه الفتحاويين ، وعم آخر لي كان مع مجموعة الفهد الأسود الجناح العسكري


لحركة فتح في الانتفاضه الأولى ونفذ عدة عمليات مسلحه ضد الجيش الاسرائيلي


قبل أن يقع أسيرا في قبضتهم ، أما والدي فلقد كان مستقلا ولكنه غرس حب فتح


في قلبي كحركة نضال وأحرار ، " بالمناسبه ، لقد كان والدي من حفظة القرآن


ولكنه لم يكن متزمت بالدين ، بل كان رجلا حضاريا ومثقفا في كل المجالات


لدرجة أني لا أذكر أن أحدا سأله سؤال ولم يجب الا ما ندر " .


لذلك كانت


فتح هي الخيار الأرجح عندي ولكني لم أحسم أمري .


في السنه الأولى لمعظم


طلاب الجامعه ، يكون الطلبه قليلي التواجد في كلياتهم نظرا للمواد الحره


التي يأخذوها ، ومع بداية السنه الجامعيه الثانيه يكون الطلاب دائمي


التواجد في كلياتهم ، وقد كنت أنا طالبا في كلية القانون ، وكان مبنى كلية


القانون وكلية العلوم والآداب مبنى واحد .



وجاء اللقاء الرائع ..


فلقد كنت داخلا من باب الكليه ، فالتقت عيناي بعيون شابه .. تمسمرت في


مكاني عندما رأيتها ، كأني كنت أبحث عن شئ ضائع فوجدته ، كأنها ضوء أضاء لي


في الظلمه ، أحيانا كثيره تعبر العيون عن كلمات عديده وتختصر عبارات


وعبارات ، فكأن العين تعكس أحاسيس باطنة فينا ، حوالي دقيقه وأنا أتبادل


النظرات معها ، لا أدري ما السحر الرائع الذي وجدته فيها ، انتهت النظره مع


صوت زميلي يناديني للدخول للمحاضره ، دخلت المحاضره ولم أسمع كلمه واحده


من الدكتور ، فلقد كان عقلي وذهني وتفكيري بتلك الشابه التي لم أعرف عنها


سوى أنها طالبه "عرفت ذلك من شنطة الكتب التي كانت تحملها " ، عرفت لا حقا


أنها طالبه في كلية العلوم والآداب سنه ثانيه في أحد التخصصات ، واسمها (


لا أريد ذكره ) ، أسرتها من عرب 48 ويسكنون في احدى مدن الضفه .


استمرينا


في تبادل النظرات اليوميه ، حتى كلمتها لأول مره واستمر بعدها حديثنا على


الموبايل أو في مكان نائي بالجامعه لكي لا تشاهدها احدى صديقاتها معي ، فقد


كانت من أسره محافظه ، اكتشفت أنه تجمعنا أفكار متشابهة وتقارب عجيب ،


فالحب مثل السحر .. تشعر وكأنك وجدت نصفك الضائع ، كانت شابه محافظه محترمه


.. مسلمه لا ترتدي الحجاب ، استمر لقائنا وحديثنا ولم نكن نشطح بالأحلام


ولكنا كنا على يقين بأننا سنكون معا ، كان الاسم الذي اسميها به على


موبايلي هو" ليلى " ، فأنا لم أكن أخبر أحدا بأموري العاطفيه ، لأني


أعتبرها أمر شخصي وجدّي للغايه ، ولم يكن أحدا يعلم بعلاقتي مع " ليلى "


سوى صديقي المقرّب والذي كانت شقيقته من صديقات " ليلى " ، وفي احدى


الأيام سرق أو ضاع موبايل شقيقتي ولم أهتم بموبايل شقيقتي بقدر ما اهتممت


بالبحث عن موبايلي خشية أن يكون قد سرق ( الخوف على الأرقام وبالذات رقم


ليلى ) عل فكره ، لقد أصبح اسم ليلى هو الاسم الذي أطلقه عليها أكثر من


اسمها الحقيقي .


كنت أنا من أسرة متوسطة الحاله الماديه ، ولم أتمكن من


أن أكون طالبا منتظما بل كنت أعمل على تأجيل بعض الفصول ، أما " ليلى " فقد


استمرت بالدراسه حتى تخرجت ، وكانت علاقتنا على أفضل ما يكون .


مضت


الأيام ، وفي احدى الليالي كنت سهرانا في منزل أحد الأصدقاء مع " شلّة


الصحاب " ، كنا نلعب الشده ، ونتسامر ودخان الأرجيله يملأ المكان ، وصوت


ضحكتنا يصل لبعيد ، لدرجة أن صديقي قال لي : " الله يسترك من هالليله ..


لأنك ضحكت كثير " .


انتهت السهره وعدنا لأدراجنا ، وأثناء عودتي للبيت


كنت أتصل على موبايل ليلى ولكن لا أحد يجيب ، وبعد دقائق اتصل بي صديقي


المقرّب ، ولأنه يعرف مالي من قدره هائله على التحمل / حقيقة بدون أي


مبالغه ، قال لي مباشرة : " ليلى صار معها حادث وماتت " ... انه الموت


مجددا ، وهذا المره سرق مني أغلى ما لديّ .



كان للموت معي تجارب ،


بدأت بوفاة عمي في حادث سير ، كان عمري حينها 12 عاما ، وكان ذاك اليوم


الذي رحل فيه عمي ورقد جثمانه في القبر ، كان آخر يوم أبكي فيه ، لأني قررت


بعدها أن لا تنزل دمعتي وأن أكون عصي الدمع ، فلقد كان لدي قرار بأن الرجل


يجب أن لا يبكي سوى في سرّه ، وهو قرار خاطئ بالمناسبه ، الا أنه بقي في


أعماقي حتى أصبحت عصي الدمع بالعلن والخفاء ، وبدون أي مبالغه فقد ودّعت


البكاء بقلب جسور تختلج المشاعر بداخله ، وفي سنتي الجامعيه الأولى توفي


أحد أصدقائي الذي توجه للدراسه في أوروبا ، وبعد ثلاث سنوات توفي والدي ،


ولم أبكي عليه طبعا لأني صرت عصي الدمع ، ولكن والدي ترك جرحا كبيرا بقلبي


لا تداويه الأيام ، فلقد كان رجلا حرّا بكل ما للكلمة من معنى ، ثم جاء موت


" ليلى " وأطفأ شعلة الفرح بحياتي .



سياسيا وحزبيا كنت قد التحقت


بالجبهة الشعبيه لتحرير فلسطين لمدة أشهر ثم تركتهم لأنهم " مع احترامي "


يعيشون في أحلام الاشتراكيه ، واخترت طريقي ، انه طريق الفتح .. فاخترت


حركة التحرير الوطني الفلسطيني فتح وحملت أفكارها .


كان ايجادي لخيار


فتح مثل لقائي بحب ليلى ، وكما أن حب ليلى لن يموت في قلبي ، فان خيار حركة


فتح لن يزول من رؤيتي الثوريه والسياسيه .


استجمعت قواي ولملمت جراحي ،


وصممت أن يبقى حب ليلى في قلبي أملا لحياتي ، فلن أمنح روحي لسواها حتى لو


منحت جسدي لأنثى غيرها .



وكما سيبقى عشقها بقلبي ، فسيبقى عشق كل


فلسطين بقلبي


وكما ستبقى روحها معي ، فسيبقى أمل عودة كل لاجئ لفلسطين


.. حتى لو عاد أحفاده


وكما سيبقى اسمها عنواني ، قستبقى حيفا ويافا


والناصره وكل فلسطين عنوان كل عربي


وكما سيبقى اخلاصي لها ، فسيبقى


مفتاح بيت كل لاجئ معه حتى يعود هو أو أحفاده لأرضه


واذا كنت لا أنسى


ذكراها ، فلن تكون فلسطين ذكرى .. بل الماضي والحاضر والمستقبل


واذا


كان الأحرار منقسمين بين مؤمنين وغير مؤمنيين بوجود لقاء بعد الموت ، فكل


الأحرار مؤمنين بوجود لقاء في فلسطين

رد مع اقتباس