الغش في الامتحانات
 
  محمد بن عطية الجابري
         
  1- مقدمة : 
    فلا شك أن الغش ظاهرة خطيرة و سلوك مشين. 
    و الغش له صور متعددة ، و أشكالا متنوعة ، ابتداء من غش الحاكم لرعيته ، و      مرورا بغش الأب لأهل بيته ، و انتهاء بغش الخادم في عمله . 
    و حديثي سوف يكون فقط عن الغش في الامتحانات ، و الذي أصبح يشكو كثير من      المدرسين و التربويين من انتشاره و فشوه . 
    و هذا حق، فان ظاهرة الغش بدأت تأخذ في الانتشار، ليس على مستوى المراحل      الابتدائية فحسب ، بل تجاوزتها إلى الثانوية و الجامعة . 
    فكم من طالب قدم بحثا ليس له فيه إلا أن اسمه على غلافه . 
    و كم من طالب قدم مشروعا و لا يعرف عما فيه شيئا . 
    و بل و قد تعجب من انتكاس الفطر عند بعض الطلاب ، فيرمي من لم يغش بأنه مقعد و      متخلف و جامد الخ .. تلك الألقاب . 
    و لربما تمادى أحدهم فاتهم الطالب الذي لا يساعده على الغش بأنه لا يعرف معنى      الأخوة و لا التعاون . 
    هذه الظاهرة التي أنتجها الفصام النكد الذي يعيشه كثير منا في مجالات شتى . 
    نعم لما عاش كثير من طلابنا فصاما نكدا بين العلم و العمل ، ترى كثيرا منهم      يحاول أن يغش في الامتحانات ، و هو قد قرأ حديث الرسول صلى الله عليه و سلم : (      من غش فليس منا ) ، بل ربما أنه يقرأه على ورقة الأسئلة ، و لكن ذلك لا يحرك      فيه ساكنا . 
    لأنه قد استقر في ذهنه أنه لا علاقة بين العلم الذي يتعلمه و بين العمل الذي      يجب أن يأتي به بعد هذا العلم . 
    و لا أبالغ إن قلت : إن ظاهرة الغش قد تسربت حتى عند بعض المدرسين 
    و المراقبين . 
    
    2- أسباب الغش : 
    هذه بعض الأسباب التي تنتج هذا الخلق المشين : 
    1- ضعف الإيمان : 
    فان القلوب إذا ملئت بالإيمان بالله لا يمكن أن تقدم على الغش و هي تعلم أن ذلك      يسخط الله . 
    لا يمكن للقلوب التي امتلأت بحب الله أن تقدم على عمل و هي تعلم أنه يغضب الله      . 
    2- ضعف التربية : 
    خاصة من قبل الوالدين أو غيرهما من المدرسين أو المرشدين . 
    فلا نرى أبا يجلس مع ابنه لينصحه و يذكره بحرمة الغش ، و يبين له أثاره و      عواقبه ، بل تعجب من بعض الإباء إذا قلت له ذلك أجابك مباشرة : لماذا ، هل ابني      غشاش ؟ 
    بل ربما لو وقع الابن في يد المراقب ، لجاء ذلك الأب يدافع عنه بالباطل . 
    3- تزين الشيطان : 
    فالشيطان يزين لكثير من الطلاب أن الأسئلة سوف تكون صعبة ، و لا سبيل إلى حلها      و النجاح في الامتحانات إلا بالبرشام و الغش . 
    فيصرف الأوقات الطويلة في كتابة البراشيم ، و اختراع الحيل و الطرق للغش ؛ ما      لو بذل عشر هذا الوقت في المذاكرة بتركيز لكان من الناجحين الأوائل . 
    4- الكسل و ضعف الشخصية : 
    فترى كثير من الطلاب يرى زملائه من بداية العام و هم يجدون و يذاكرون و يهيئون      أنفسهم للامتحان الأخير ، و هو لا هم له إلا اللعب و المرح . 
    فإذا ما جاءت الامتحانات النهائية تراه يطلب المساعدة ، و يطلب النجاح و لو كان      على ظهور الآخرين و لو كان ذلك بالغش . 
    إن الغش هو حيلة الكسول ، و هو طريق الفاشلين . 
    وهو دليل على ضعف الشخصية حيث أن الذي يغش لا يجد الثقة في نفسه بأنه قادر على      تجاوز الامتحانات بنفسه و جهده و استذكار دروسه لوحده ، و من ثم الإجابة معتمدا      على مذاكرته . 
    5- الخوف من الرسوب : 
    فإن الخوف من الفشل و الخوف من الرسوب يسبب قلقا مستمرا لكثير من الطلاب مما      يجعلهم يلجئون إلى الغش كسبيل للنجاة . 
    
    3- آثار الغش :
     أن الغش كما قلنا له أشكال متعددة ، و يدخل في مجالات شتى ، و لكن من أخطر      أنواع الغش هو الغش في الأمور التعليمة ، و ذ لك لعظيم أثره و شره ، 
    و من ذلك : 
    1- أنه سبب لتأخر الأمة ، و عدم تقدمها و عدم      رقيها ، و ذلك لا ن الأمم لا تتقدم إلا بالعلم و بالشباب المتعلم ، فإذا كان      شبابها لا يحصل على الشهادات العلمية إلا بالغش ، فقل لي بريك : ماذا سوف ينتج      لنا هؤلاء الطلبة الغشاشون ؟ 
    ما هو الهم الذي يحمله الواحد منهم ؟ 
    ما هو الدور الذي سيقوم به في بناء الأمة ؟ 
    لا شيء ، بل غاية همه ؛ وظيفة بتلك الشهادة المزورة يأكل منها قوته و رزقه .     
    لا هم له في تقديم شيء ينفع الأمة ، أو حتى يفكر في ذلك . 
    و هكذا تبقى الأمة لا تتقدم بسبب أولئك الغششة بينها . 
    و نظرة تأمل للواقع : نرى ذلك واضحا جليا ، فعدد الطلاب المتخرجين في كل عام      بالآلاف و لكن قل بربك من منهم يخترع لنا ، أو يكتشف ، أو يقدم مشروعا نافعا      للأمة ، قلة قليلة لا تكاد تذكر . 
    2- أن الغاش غدا سيتولى منصبا ، أو يكون معلما و      بالتالي سوف يمارس غشه للأمة ، بل ربما علّم طلابه الغش . 
    3- أن الذي يغش سوف يرتكب عدة مخالفات –إضافة إلى      جريمة الغش – منها السرقة ، و الخداع ، و الكذب ، و أعظمها الاستهانة بالله ، و      ترك الإخلاص ، و ترك التوكل على الله .. 
    4- أن الوظيفة التي يحصل عليها بهذه الشهادة المزورة ، أو التي حصل عليها بالغش      سوف يكون راتبها حراما ، و أيما جسد نبت من حرام فالنار أولى به . 
    
    4- علاج الغش 
     لاشك أن خطبة واحدة ، بل خطب لن تقاوم هذا المنكر العظيم . 
    لذا كان لا بد من تعاون الجميع في مقاومة هذه الظاهرة ، كل بحسب استطاعته و      جهده . 
    فالأب في بيته ينصح أبنائه و يرشدهم و يحذرهم بين الحين و الآخر . 
    و المعلم و المرشد في المدرسة و الجامعة كل يقوم بالوعظ ، و الإرشاد . 
    بل لابد من تشكيل اللجان التي تدرس هذه الظاهرة و أسبابها و كيفية العلاج لها .     
    و لكن سوف اذكّر ببعض الأمور التي أرجو من الله أن تكون سببا في الحد من هذه      الظاهرة . 
    
    أخي الكريم : 
     تذكر قول الرسول صلى الله عليه و سلم : ( من غش فليس منا ) رواه البخاري 
    لاحظ أن الرسول قال : ( من غش ) ليشمل كل صور الغش ، كبيره و حقيره ، 
    في المواد الشرعية أو الأجنبية ، فكل ذلك داخل في الحديث . 
    فهل ترضي أن يتبرأ منك النبي صلى الله عليه و سلم . 
    أي خير ترتجي إذا تخلى عنك الرسول صلى الله عليه و سلم و أعلن البراءة منك .     
    تذكر أنك بمجرد أن تفكر في الغش فقد تخليت عن أهم صفة يجب أن تتحلى بها في هذا      العلم . 
    ألا و هي الإخلاص لله ؛ و ذلك لأنك بتفكيرك في الغش؛ يكون همك هو الدرجات و      الشهادة فقط ، و هل تدري أي خطر في هذا ؟ 
    إن هذه العلوم التي تدرسها ؛ أن كانت من علوم الدنيا فقد ضيعت على نفسك أعظم      الأجر . 
    و إن كان فيها بعض العلوم شرعية ( كالفقه و التوحيد ..) وهي مما يجب ابتغائها      لوجه لله ، و لو طلبها العبد لغير الله فيخشى عليه أن يكون من أصحاب هذا الحديث      : ( من تعلم علما مما يبتغي به وجه الله لا يتعلمه إلا لغرض نمن الدنيا زائل ،      لم يرح رائحة الجنة ) . 
    يا لله ؛ لم يرح رائحة الجنة ! 
    و أعظم من ذلك كله ، أنك جعلت الله أهون الناظرين إليك . 
    نعم جعلت الله الذي ( يعلم خائنة الأعين و ما تخفي الصدور ) أهون من المراقب .     
    كم من طالب لو وقف المراقب بجواره لأصبح قلبه يرتجف ، و أوصاله تضطرب ، و العرق      يتحدر من جبينه . 
    و لكن إذا ابتعد المراقب جاءت النظرات ، و جاءت المحاولات للغش و الخداع . 
    أو ليس حاله يقول : 
    يا رب أنت عندي أهون من هذا المراقب . 
    يا رب أنا أخشي المراقب أعظم و أكثر منك . 
    تذكر 
    أن الشهادة التي تحصل عليها و التي سوف تتوظف بها هي شهادة مزورة ، و بالتالي      فسوف يكون الراتب الذي تأخذه حراما . 
    سوف يكون مالك من حرام ، و سوف تغذي أبناءك بالحرام ، و زوجتك بالحرام . 
    و هنا نقطة لا بد من التنبيه عليها : 
     ألا و هي أن بعض الطلاب يقول : أنا لا أغش ، و لكن أغشش غيري ، وهذا أهون . 
    فأقول : لا والله ليس بأهون بل هو أخطر . 
    فإنك إذا غششت ثم تبت فانك سوف تصحح شهادتك ، لكنك إذا غشّشت غيرك ، ثم تبت أنت      من ذلك ، فأني لك أن من غششته سوف يتوب ، أنى لك أن تصحح شهادته ، أنى لك أن      توقف أكله للحرام . 
    و نقطة أخرى : أن بعض الطلاب يرى غيره يغش و لا      يحرك ساكنا ، بل ربما قال : هذا ليس من شأني ، فأنا و الحمد لله لا أغش . 
    و هذا في الحقيقة شيطان أخرس ، لأنه رأى منكرا و لم يغيّره . 
    و الواجب عليه أن ينصح ذلك الطالب ، فإن لم يستطع فيجب أن يبلغ المراقب ، و أن      لا تأخذه في الله لومة لائم ، و لا يخش إلا الله . 
    و نقطة أخرى : إن بعض المدرسين قد يحابي بعض      الطلاب في بعض الدرجات و يظن أن ذلك من صلاحيته، و ربما قاس ذلك على أن من حقه      أن يعطي من ماله ما يشاء . 
    و هذا خطأ عظيم فالمدرس ليس من حقه أن يعطي بعض الطلاب درجات لا يستحقها 
    ، بل الواجب العدل ، لأنه مستأمن على هذه الدرجات ، و التي لا يملك منها شيئا ،     
    و إنما هو مطبق للنظام . 
    يقول فضيلة الشيخ محمد بن عثيمين : ( فإن المعلم      الذي يقدر درجات أجوبة الطلبة و يقدر درجات سلوكهم هو حاكم بينهم لان أجوبتهم      بين يديه بمنزلة حجج الخصوم بين يدي القاضي . 
    فإذا أعطى طالبا درجات أكثر مما يستحق ، فمعناه أنه حكم له بالفضل على غيره مع      قصوره ، وهذا جور في الحكم . 
    و إذا كان لا يرضى أن يقدم على ولده من هو دونه ، فكيف يرضى لنفسه أن يقدم على      أولاد الناس من هو دونهم ) ا.هـ من كتاب ( نصائح في الاختبارات 12). 
    
    فيا أخي الكريم : 
     عليك أن تراقب الله قبل كل شيء ، و أن تعلم أن روحك التي بين جنبيك بيد الله ،      أنفاسك التي تتردد في صدرك هي بيد الله ، فاتق الله و لا تجعل الله ينظر إليك و      أنت تعصيه . 
    تذكر أن الأمانة سوف تنصب على جنب الصراط ، و لن يجوز عليه إلا من كان أمينا ،      و الغش ينافي الأمانة كل المنافاة . 
    أسأل الله أن يسهل على أبناءنا ، و أن يحميهم من الغش و الخيانة ، و أن يأخذ      بنواصيهم لما يحب و يرضى . 
    
    المراجع : 
     - نصائح في الاختبارات : للشيخ ابن عثيمين . 
    - للطلاب فقط : للأخ محمد العبدلي . 
    - الغش في الاختبار خيانة و انهيار للأخ أحمد بن حسن كرزون. 
    
    ملحق الفتاوى : 
    
    س: ما حكم الغش في أوقات      الامتحان علما بأني أرى كثيرا من الطلبة يغشون و انصح لهم و لكنهم يقولون : ليس      في ذلك شيء ؟ 
     ج: الغش في الامتحانات و في العبادات و المعاملات      محرم لقول النبي صلى الله عليه و سلم : (( من غشنا فليس منا )) و لما يترتب      عليه من الأضرار الكثيرة في الدنيا و الآخرة . 
    فالواجب الحذر منه و التواصي بتركه . ( ابن باز ) 
    
    س: ما حكم الغش في دورة      اللغة الانجليزية أو العلوم البحتة كالرياضيات و غيرها ؟ 
     ج : لا يجوز الغش في أي مادة من المواد مهما كانت      لان الاختبار المقصود منه هو تحديد مستوى الطالب في هذه المادة ، و لما في ذالك      أيضا من الكسل و الخداع ، و تقديم الضعيف على المجتهد . 
    قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : (( من غشنا ليس منا )) و لفظ الغش هنا عام      لكل شيء ، و الله أعلم ( ابن جبرين ) .     
   أخوكم 
    محمد بن عطية الجابري 
    عضو مركز الدعوة بجدة 
    jabry*myway.com