وحين جاء القرآن الكريم يتحدى غير العرب .. تحداهم فى آيات الكون والخلق ولذلك نجد مثلا قول الحق سبحانه وتعالى عن اصحاب النار
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَاراً كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُوداً غَيْرَهَا لِيَذُوقُواْ الْعَذَابَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَزِيزاً حَكِيماً(56)
سورة النساء
هذه الآية الكريمة عندما نزلت فهمت بأنه كلما احترقت الجلود تجددت ، وعندما توصل العلم الحديث الى ان مراكز الأعصاب موجودة تحت الجلد بحيث انه اذا احترق الجلد ضاع الإحساس بالألم ، كانت هذه معجزة جديدة للدنيا فى عصرنا .. يريد بعض الناس ان يتخذ العلم الها من دون الله . وهكذا كان الإعجاز المتجدد الذى يجعل القرآن معجزة خالدة .. وهذا دليل جديد على ان القرآن من عند الله وانه كلام الله .
نأتى بعد ذلك الى معجزة اخرى فى اختيار رسول الله عليه الصلاة والسلام واعداده للرسالة .. اننا اذا تتبعنا حياة رسول الله صلى الله عليه نجد ان الله تبارك وتعالى اختاره أميا لا يقرأ ولا يكتب ، ومع ذلك اجرى عليه معجزات كلها تنطق بصدق رسالته صلى الله عليه وسلم .. أولها انه لم يشتهر عليه الصلاة والسلام انه نبغ فى شعر او نثر مثل قيس بن ساعدة واكثم بن صيفى..ومن هنا كان حظ رسول الله صلى الله عليه وسلم من البلاغة حظا عاديا دون نبوغ
ومع ذلك فقد جاءت رسالته عليه الصلاة والسلام تتحدى قومه فى البلاغة وفى اللغة . ولو انه صلى الله عليه وسلم كان مشهورا بالشعر او النثر او الخطابة لقالوا ان القرآن عبقرية ادائية لمواهب كانت موجودة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم منذ الصغر .. ومواهب الناس عادة كانت تظهر قبل سن العشرين او الثلاثين اذا كانت المواهب متأخرة ، ولكنها لا تظهر فجأة على الإنسان فى سن الأربعين ، ولا توجد عبقرية تتأخر ابدا حتى الأربعين .. ولكن الناس فوجئوا بأن محمدا عليه الصلاة والسلام الذى ما خطب ولا كتب وما قال شعرا يأتى بقرآن يعجز عنه أشهر البلغاء ..
واكثرهم موهبة فى فن الكلام .. من اين اتى بهذا الكلام المعجز الذى تحدى به الإنس والجن وهو فى هذه السن ؟!
بعض الناس يدعون ان رسول الله صلى الله عليه وسلم كان عنده الإعجاز اللغوى ..وأخفاه عن الناس حتى سن الأربعين وبعد ذلك اظهره .. نقول ان هذا الكلام لا يتفق مع العقل .. لأننا نعيش فى عالم اغيار يموت فيه الناس قبل سن العشرين وقبل سن الثلاثين وقبل سن الأربعين ..فمن الذى اخبر محمدا عليه الصلاة والسلام انه لن يموت قبل سن الأربعين حتى يكتم هذه العبقرية الى هذه السن .. لقد مات ابوه وهو فى بطن امه .. وماتت امه وهو طفل صغير .. هذه المقدمات لا يمكن ان توحى الى محمد عليه الصلاة والسلام ان يكتم عبقريته عن الناس حتى يصل الى هذه السن ، لأن اباه وامه قد ماتا وهو طفل صغير .
ولذلك عندما جاء الكفار وطلبوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم ان يغير القرآن كما يروى لنا القرآن الكريم فى قوله تعالى:
وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَاءنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَـذَا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِن تِلْقَاء نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ(15)
سورة يونس
ولو ان القرآن من عند محمد عليه الصلاة والسلام ربما بدله حتى يؤمن من كفر ، ولكن الحق سبحانه وتعالى يعلم رسوله صلى الله عليه وسلم ليرد عليهم بالحجة البالغة:
قُل لَّوْ شَاء اللّهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلاَ أَدْرَاكُم بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُراً مِّن قَبْلِهِ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ(16)
سورة يونس
الله سبحانه وتعالى يعلم رسوله الكريم ان يرد على الكفار انه عاش معهم اربعين سنة قبل الرسالة .. لم يشتهر بينهم بالخطابة والشعر او البلاغة .. فلو انهم فكروا بعقولهم لعرفوا ان هذا القرآن ليس من عند رسول الله ، بل من عند الله . ثم من الذى ينب اليه الكمال فيرفضه ؟.. ويقول ليس من عندى .. مع ان الناس تدعى كمالات الغير..فكم من انسان رأى اعجاب الناس بعمل من الأعمال .. لم يعرف صاحبه فنسبه الى نفسه .. بل ان الناس تتصارع على نسب الأشياء الجيدة لنفسها .. وكم رأينا نزاعا امام القضاء بين اشخاص مختلفين كل منهم يدعى ملكيته لعمل جيد.