الموضوع: سقوط غرناطة
عرض مشاركة واحدة
  #4  
قديم 20-07-2013, 01:30 PM
abomokhtar abomokhtar غير متواجد حالياً
عضو لامع
 
تاريخ التسجيل: Jan 2008
المشاركات: 11,687
معدل تقييم المستوى: 29
abomokhtar is just really nice
New مآسي المسلمين بعد سقوط غرناطة

مآسي المسلمين بعد سقوط غرناطة
كالعادة ولطبيعة جُبلت نفوسهم عليها -بعد أن ترك أبو عبد الله محمد الثاني عشر البلاد- لم يوف النصارى بعهودهم مع المسلمين، بل تنكَّروا لكلامهم والتزامهم بالحفاظ على الحريات الدينية في غرناطة، وحماية الأماكن المقدسة للمسلمين، وما إلى ذلك مما ورد في شروط تسليم المدينة، فقد أهانوا المسلمين بشدة، وصادروا أموالهم؛ وكان ذلك مصداق قوله تعالى: {كَيْفَ وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لَا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً يُرْضُونَكُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَى قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ} [التوبة: 8].
وبعد تسع سنوات من سقوط غرناطة، وفي سنة (1501م) أصدر الملكان فرناندو الخامس وإيزابيلا أمرًا كان خلاصته أنه لَمَّا كان الله قد اختارهما لتطهير مملكة غرناطة من الكفرة (المسلمين)، فإنه يحظر وجود المسلمين فيها، فإذا كان بعضهم فإنه يحظر عليهم أن يتصلوا بغيرهم؛ خوفًا من أن يتأخر تنصيرهم، أو بأولئك الذين تنصروا لئلاَّ يفسدوا إيمانهم، ويعاقب المخالفون بالموت أو بمصادرة الأموال[1].
ومن هذا المنطلق قام النصارى بعدة أمور؛ كان منها:
التنصير
ولكي يعيش آخرون في بلاد الأندلس في ظل حكم النصارى الإسبان، تَنَصَّر من المسلمين بعضهم[2]، وهؤلاء لم يرتضِ لهم النصارى الإسبان حتى بالنصرانية، فلم يتركوهم دون إهانة، وقد سمَّوْهم بالمورسكيين؛ احتقارًا لهم، وتصغيرًا من شأنهم، فلم يكن المورسكي نصرانيًّا من الدرجة الأولى؛ لكنه كان تصغيرًا لهذا النصراني الأصيل[3].
وقد نقل إلينا الدون لورنتي مؤرِّخ ديوان التحقيق الإسباني وثيقة من أغرب الوثائق القضائية؛ تضمنت طائفة من القواعد والأصول التي رأى الديوان المقدس أن يأخذ بها العرب المتنصرين في تهمة الكفر والمروق، وإليك ما ورد في تلك الوثيقة الغريبة:
«يعتبر الموريسكي أو العربي المتنصر قد عاد إلى الإسلام: إذا امتدح دين محمد، أو قال: إن يسوع المسيح ليس إلهًا، وليس إلا رسولاً. أو أنَّ صفات العذراء أو اسمها لا تناسب أمه، ويجب على كل نصراني أن يُبَلِّغَ عن ذلك، ويجب عليه -أيضًا- أن يُبَلِّغ عما إذا كان قد رأى أو سمع بأن أحدًا من الموريسكيين يُباشر بعض العادات الإسلامية؛ ومنها أن يأكل اللحم في يوم الجمعة وهو يعتقد أن ذلك مباح، وأن يحتفل يوم الجمعة بأن يرتدي ثيابًا أنظف من ثيابه العادية، أو يستقبل المشرق قائلاً باسم الله، أو يوثق أرجل الماشية قبل ***ها، أو يرفض أكل تلك التي لم ت***، أو ***تها امرأة، أو يختن أولاده، أو يسميهم بأسماء عربية، أو يُعرب عن رغبته في اتباع هذه العادة، أو يقول: يجب ألا يعتقد إلا في الله وفي رسوله محمد، أو يقسم بأيمان القرآن، أو يصوم رمضان، ويتصدق خلاله، ولا يأكل ولا يشرب إلا عند الغروب، أو يتناول الطعام قبل الفجر -السحور- أو يمتنع عن أكل لحم الخنزير وشرب الخمر، أو يقوم بالوضوء والصلاة؛ بأن يُوَجِّه وجهه نحو الشرق، ويركع ويسجد، ويتلو سورًا من القرآن، أو أن يتزوج طبقًا لرسوم الشريعة الإسلامية، أو ينشد الأغاني العربية، أو يُقيم حفلات الرقص والموسيقى العربية، أو أن يستعمل النساء الخضاب - الحناء - في أيديهن أو شعورهن، أو يتبع قواعد محمد الخمس، أو يلمس بيده على رءوس أولاده أو غيرهم؛ تنفيذًا لهذه القواعد، أو يغسل الموتى ويكفنهم في أثواب جديدة، أو يدفنهم في أرض بكرٍ، أو يغطي قبورهم بالأغصان الخضراء، أو أن يستغيث بمحمد وقت الحاجة واصفًا إياه بالنبي ورسول الله، أو يقول: إن الكعبة أول معابد الله، أو يقول: إنه لم ينصَّر إيمانًا بالدين المقدس، أو أن آباءه وأجداده قد غنموا رحمة الله؛ لأنهم ماتوا مسلمين... إلخ[4].
التهجير
لم تخل البلاد الإسلامية من ثورات شعبية ومواجهات محدودة الإمكانيات بمنطق «حرب العصابات»، وكان المجاهدون يختبئون في الجبال والأودية والمناطق البعيدة، ثم يشنُّون غاراتهم على القوات الإسبانية، وقد نجحوا كثيرًا في إنزال خسائر مؤثرة بالإسبان، وقد اشتدت هذه الحركات لا سيما بعد قرار التنصير الذي اعتمدته إسبانيا، فزاد عدد الثائرين والمنحازين للمجاهدين، وقد عزم الإسبان في البداية على القضاء على الثوار، إلا أنهم فشلوا في ذلك فشلاً ذريعًا، فلما يئسوا من القضاء عليهم، أصدروا عفوا عامًّا عنهم، وسمحوا لهم بالهجرة إلى بلاد المغرب، دون أن يأخذوا معهم غير الثياب التي كانت عليهم، أما الباقون فقد كان ثمة أمر ملكي بمنع الهجرة، ثم صدر الأمر بعد ذلك عام (1609م) -أي بعد مائة سنة تقريبًا- بنفي الموريسكيين[5].
[1] محمد عبد الله عنان: دولة الإسلام في الأندلس، 7/324.

[2] انظر: نبذة العصر، ص130، والمقري: نفح الطيب، 4/527.

[3] انظر: محمد عبد الله عنان: دولة الإسلام في الأندلس، 7/322، 326، 345.

[4] محمد عبد الله عنان: دولة الإسلام في الأندلس، 7/346.

[5] مجهول: نبذة العصر، ص132، والمقري: نفح الطيب، 4/527، 528، ومحمد عبد الله عنان: دولة الإسلام في الأندلس، 7/345.





د. راغب السرجاني
__________________
رد مع اقتباس