أسباب اختلاف القراءة بين العشر قراءات
تعدد القراءات القرآنية أمر واقع أجمعت عليه الأمة سلفاً وخلفًا، وليس ثمة دليل لمن ينكر ذلك أو يستنكره؛ وإذ كان هذا واقعاً لا يمكن نكرانه أو تجاهله فإن السؤال الوارد هنا: ما السبب الذي أوجب أن يختلف القراء في قراءة القرآن على قراءات عدة ومتعددة، وصل المتواتر منها إلى أكثر من سبع قراءات .
ومن المفيد والمهم هنا التذكير بداية، أن الاختلاف في القراءات القرآنية إنما كان فيما يحتمله خط المصحف ورسمه، سواء أكان الاختلاف في اللفظ دون المعنى، كقراءة قوله تعالى : { جِذوة } بضم الجيم وكسرها وفتحها، أم كان الاختلاف في اللفظ والمعنى، كقراءة قوله تعالى : { ننشرها } و { ننشزها } وقوله تعالى : { يسيركم } و { ينشركم } وعلى هذا ينبغي أن يُحمل الاختلاف في القراءات القرآنية ليس إلاَّ .
بعد هذا التوضيح الذي نرى أنه مهم، نقول : إن الصحابة رضي الله عنهم كان قد تعارف بينهم منذ عهد النبي صل الله عليه وسلم ترك الإنكار على من خالفت قراءته قراءة الآخر، بل إن النبي صل الله عليه وسلم قد أقرهم على ذلك، ولو كان في الأمر شيء لبيَّن لهم ذلك، أَمَا وإنه لم يفعل فقد دلَّ ذلك على أن الاختلاف في القراءة أمر جائز ومشروع، وله ما يسوغه .
وقد صح في الحديث عنه صل الله عليه وسلم أنه قال : ( إن القرآن نزل على سبعة أحرف كلها شافٍ كافٍ ) رواه النسائي .
وفي "الصحيحين" عنه صل الله عليه وسلم أيضًا، قوله : ( أُنزل القرآن على سبعة أحرف، فاقرؤوا ما تيسر ) رواه البخاري و مسلم .
وقد ذكرنا في مقال سابق لنا، أن القول المعتمد عند أهل العلم في معنى هذا الحديث، أن القرآن نزل على سبع لغات من لغات العرب، وذلك توسيعًا عليهم، ورحمة بهم، فكانوا يقرؤون مما تعلموا، دون أن يُنكر أحد على أحد؛ بل عندما حدث إنكار لهذا، كما كان من أمر عمر رضي الله عنه مع هشام بن حكيم بيَّن له صل الله عليه وسلم أن ليس في ذلك ما يُستنكر، وأقر كل واحدٍ منهما على قراءته، والحديث في " صحيح البخاري " .
ثم إن النبي صل الله عليه وسلم والخلفاء من بعده رضي الله عنهم وجَّهوا الصحابة إلى البلدان ليعلِّموا الناس القرآن وأحكام دينهم، فعلَّم كل واحدٍ منهم أهل البلاد التي أُرسل إليها ما كان يقرأ به على عهد النبي صل الله عليه وسلم، فاختلفت قراءة أهل تلك البلاد باختلاف قراءات الصحابة رضي الله عنهم .