عرض مشاركة واحدة
  #7  
قديم 07-10-2013, 07:46 PM
الصورة الرمزية محمد رافع 52
محمد رافع 52 محمد رافع 52 غير متواجد حالياً
مشرف ادارى متميز للركن الدينى ( سابقا )
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 19,444
معدل تقييم المستوى: 36
محمد رافع 52 will become famous soon enough
افتراضي

مراتب تلاوة القرآن
ومن خلال هذا الأثر عن ابن مسعود -رضي الله عنه- يجرنا إلى ذكر مراتب التلاوة، فإذا كان عبد الله بن مسعود نهى عن هذه الطريقة في التلاوة؛ وهي الهذ أو الهذرمة أو النثر، إذن فما الطريقة الصحيحة في تلاوة القرآن الكريم؟
ومن خلال هذا الأثر عن ابن مسعود -رضي الله عنه- يجرنا إلى ذكر مراتب التلاوة، فإذا كانعبد الله بن مسعود نهى عن هذه الطريقة في التلاوة؛ وهي الهذ أو الهذرمة أو النثر، إذن فما الطريقة الصحيحة في تلاوة القرآن الكريم؟
ذكر العلماء أربع مراتب لتلاوة القرآن، هي: الترتيل، ثم التحقيق، ثم الحدر، ثم التدوير.
المرتبة الأولى: الترتيل، هي المرتبة التي جاء بها القرآن الكريم، والترتيل يعني الترسل في التلاوة والتأني والتمهل، والتبيين بألفاظ القرآن الكريم كما قال الله -تعالى: ﴿ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً(2)، أي: بينه تبيينًا، وقال -سبحانه: ﴿وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلاً﴾(3)، وقال -جل ذكره: ﴿ وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ﴾، أي: على تمهل، ﴿ وَنَزَّلْنَاهُ تَنزِيلاً(4)؛ ولهذا لما نزل القرآن الكريم على النبي -عليه الصلاة والسلام- بادر بالعجلة في التلقي محبة في هذا القرآن وخوفًا ألا يضيع منه شيء، قال الله -تعالى: ﴿ لاَ تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ * إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ * فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ﴾(5).
فالله يأمر نبيه أن يقرأ كما يقرأ جبريل -عليه السلام، فجبريل يقرأ ثم هو يتلقى، كما قال الله -تعالى: ﴿وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ﴾(6)، فالترتيل هو التأني والتمهل والترسل في التلاوة، وقال -تعالى: ﴿وَلاَ تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِن قَبْلِ أَن يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ(7)، أي: لا تعجل في قراءته، ولا تعجل في تلقيه، فأمره ربه -جل وعلا- أن يطمئن في الأخذ وفي التلاوة؛ لأن ترتيل القرآن الكريم بهذه الصورة التي فيها التأني والتمهل والترسل ثمرتها أن يتدبر القارئ ما يقرأ، وأن يفهم ويتأمل ثم بعد ذلك يعمل بما قرأ، فترتيل القرآن الكريم هو الذي جاء في القرآن، وهو الذي فعله النبي -عليه الصلاة والسلام- وحث أصحابه عليه لما فيه من الحكم والفوائد.
المرتبة الثانية: التحقيق، والتحقيق مرتبة قريبة من الترتيل، لكن التحقيق يستعمل في رياضة اللسان، وفي مقام التعليم وفي بيان مخارج الحروف وصفاتها، وفي زيادة ضبط وتعليم، فهو يقوم في مقام التعليم، فيعلم القارئ من يقرأ عليه كيف ينطق الحرف، ويعلمه كيف يخرج هذا الحرف، ومن أي مخرج هو؟ مثل أن يقول: إذا أردت أن تعرف مخرج الحرف فسكِّنه، وأدخل عليه همزة القطع، فستعرف مخرج هذا الحرف، مثلاً: القاف، أدخل عليها همزة قطع وسكنها فتقول: (أَقْ)، فهي من أقصى الحلق، وفي الباء: (أَبْ)، فهي من طرف اللسان، حينئذ يبدأ في القراءة، فإذا قرأ مثلاً: بسم الله الرحمن الرحيم، فهو يقول لهم: بِسم الله، (يوضح الكسرة)، ولا يقول، بَسم الله (الكسرة غير واضحة)، فهو يبين كسرة الحرف وفتحته وضمته، وكان المتقدمون في السابق يكتبون قواعد تسمى بالقاعدة البغدادية ويكتبون كل حرف ثلاثة مرات:
الكتابة الأولى فتحة، والثانية ضمة، والثالثة كسرة؛ وبذلك أتقنوا الحروف وأتقنوا ضبطها ومخارجها ومعرفة مخرج كل حرف، فهذا يدخل في التحقيق، والعلماء قد تكلموا عن مخارج الحروف وصفاتها، وبينوا عدد مخارج الحروف، وبينوا عدد صفاتها، فهذا من الأهمية بمكان لقارئ القرآن أن يعرف هذه المخارج في مقام الإقراء وفي مرتبة التحقيق، فضبط القراءة وإتقانها وتجويدها لا يكون إلا في مرتبة التحقيق؛ ولهذا فالتحقيق داخل في الترتيل، فالذي ضبط التحقيق يستطيع أن يقرأ قراءة مرتلة ولا يخل بشيء من الأحرف ولا الكلمات.
ومن مقامات التحقيق أنه يتعرض للوقف والابتداء، فيعرف متى يقف، ومتى يبتدئ، ومتى يصل... إلى غير ذلك من الأمور متعلقة بالتحقيق، وبعض أهل العلم لم يفرق بين الترتيل والتحقيق، وجعلهما مرتبة واحدة، وسأذكر كلام أهل العلم وأيهما أفضل، بعد سياق هذا العرض.
المرتبة الثالثة: الحدر، وهو السرعة في القراءة مع المحافظة على أحكام التلاوة، وفيه تكثير للحسنات؛ لأن الإنسان يقرأ كثيرًا إذا حدر، فإذا قرأ كثيرًا أخذ أجرًا كثيرًا، كما تقدم في الحديث أن قارئ القرآن يؤجر على كل حرف من أحرف القرآن الكريم.
والمرتبة الرابعة: التدوير، وهو حالة متوسطة بين مرتبة الترتيل ومرتبة الحدر، ويكون مع المحافظة على أحكام الحروف والوقف والابتداء والمخارج والصفات، وأكثر أهل الأداء أخذوا بهذا النوع من أنواع مراتب القراءة وهو التدوير، ونقل ذلك ابن القيم -رحمه الله تعالى- في كتاب زاد المعاد، وبنى على ذلك مسائل.
إذن علمنا أن مراتب القراءة هي: الترتيل والتحقيق والحدر والتدوير، فالترتيل فيه تأنٍ في التلاوة، والحدر: فيه سرعة مع ضبط، والسؤال الآن: أيهما أفضل؛ الترتيل أم الحدر؟
ذكرنا في أول الكلام أن الترتيل يصحبه التدبر والتأمل والتفكر، وهذا هو المقصود من التلاوة، أما الحدر فإن فيه كثرة ثواب لكثرة القراءة، إذن يوجد مذهبان لأهل العلم في هذه المسألة: ما الأفضل الترتيل أم الحدر؟ ذهب عبد الله بن مسعود -كما سبق في الأثر- وابن عباس -رضي الله عنهما- وغيرهما من الصحابة والتابعين إلى أن الترتيل مع قلة القراءة أفضل من الحدر الذي فيه سرعة للقراءة، واحتجوا بحجج منها: أن المقصود من القراءة هو: الفهم والتدبر والفقه والعمل بما يقرأ، وليس الكثرة، وتلاوته بتأنٍ وتدبر وسيلة إلى فهم معانيه، وهذا يكون في التأني، والقرآن الكريم كما هو معلوم نزل ليعمل به لا أن يكون يقرأ فقط.
__________________
رد مع اقتباس