واعتزلت قبائل من بكر الحرب وكرهوا مساعدة بني شيبان ومجامعتهم على قتال إخوتهم، وأعظموا قتـل جساس كليباً بناب من الإبل فظعنت عجل عنهم وكفت يشكر على نصرتهم ودعت تغلب النمر من قاسط فانضمت إليها وصاروا يداً معهم على بكر ولحقت بهم عقيل بنت ساقط.
وكان الحارث بن عباد بن ضبيعة من قيس بن ثعلبة من حكام بكر وفرسانها المعدودين، فلما علم بمقتـل كليب أعظمه واعتزل بأهله وولد إخوته وأقاربه وحل وتر قوسه ونزع سنان رمحه.
ووقعت الحرب بين الحيين، وكانت وقعات مزاحفات يتخللها مغاورات، وكان الرجل يلقى الرجل والرجلان والرجلين هكذا، وأول وقعة كانت على ماء لهم يقال له النهى كان بنو شيبان نازلين عليه، ورئيس تغلب المهلهل ورئيس شيبان الحارث بن مرة فكانت الدائرة لتغلب، وكانت الشوكة في شيبان، واستحر القتال فيهم، إلا أنه لم يقتـل ذلك اليوم أحد من بني مرة.
ثم التقوا بالذنائب فظفرت بنو تغلب وقتـلت بكر مقتـلة عظيمة، ثم التقوا بواردات فظفرت بنو تغلب، وكان جساس بن مرة وغيره طلائع قومهم وأبو نويرة التغلبي طلائع قومهم أيضاً، فالتقوا بعض الليالي فقال له أبو نويرة : اختر إما الصراع أو الطعان أو المسايفة ( أي التضارب بالسيوف ) فاختار جساس الصراع فاصطرعا، وأبطأ كل واحد منهما على أصحاب حيه وطلبوهما فأصابوهما وهما يصطرعان، وقد كاد جساس يصرعه ففرقوا بينهما.
ثم التقوا بعنيزة فتكافأ الحيان، ثم التقوا بالقصيبات وكانت الدائرة على بكر، وقـتل في ذلك اليوم همام بن مرة أخو جساس، فمر به مهلهل مقـتولاً فقال له : والله ما قُتـل بعد كليب قتيل أعز عليّ فقداً منك.