إلى اليمين إحدى أشهر الصور في تاريخ الرياضة العالمية. تومي سميث (ذهبية 200 متر أوليمبياد مكسيكو سيتي 1968) وجون كارلوس (برونزية نفس السباق). كلاهما من السود، في زمان تمييز عتصري صارخ ضد السود، وبعد ستة أشهر من اغتيال مارتن لوثر كينج.
صعد الرجلان على المنصة بصحبة صاحب الميدالية الفضية، الأسترالي بيتر نورمان، وعلّق ثلاثتهم على صدورهم شعار حقوق الإنسان، ثم ما أن بدأت الفرقة الموسيقية في عزف السلام الوطني الأمريكي، إلا ونكّس كارلوس وسميث رأسيهما، ورفعا قبضتيهما في قفاز أسود، في رمز للصمود الأسود ضد العنصرية البيضاء.
مشهد تاريخي بحق!
لحظات واندلعت عاصفة الغضب من صنيع الرجلين. هتافات في الملعب من قبيل: (أيها السود..مكانكم إفريقيا التي جئتم منها) (أهكذا تعاملوننا أيها السود بعد أن سمحنا لكم بالمشاركة في مسابقاتنا؟!)
وفي التو، يأمر رئيس اللجنة الأوليمبية بإخراج الرجلين من القرية بالكلية. ثم تقوم الدنيا ولا تقعد في أمريكا. تتسابق الصحف الأمريكية في إهانتهم أبلغ الإهانة، مستخدمة ألفاظ من قبيل: "الأقبح" "الأقذر". بل تدعي لوس أنجلوس تايمز في عددها الصادر بعد الحادثة أن الرجلين رفعا شعارا مشابها لشعارات النازية! (رابعة شعار الماسونية!)
صورة طبق الأصل لما يحدث عندنا اليوم مع بطل الكونج فو: محمد يوسف رمضان، ولكن بفارق 45 عاما فقط! تخللها نضال أسود في أمريكا وفي أكثر من بقعة في العالم، حتى مُحيت من الذاكرة ومن الوجدان بالكلية فكرة (إحنا شعب وانتو شعب!)
أبطال رياضة يرفعون اسم بلادهم في المحافل العالمية، فيهلل لهم الجميع، ويسعد المسئولون بتلك الميداليات الغالية التي ستضاف إلى رصيد منجزاتهم! لكن ما أن يرفعوا أيديهم بشعار يناهض ما يعانونه من عنصرية وقهر وقمع، يفضحون بإشارة يد بغي الباغين أمام العالم بأسره، إذا بالصدمة تكون شديدة الوقع على عبيد الطاغية، وإذا بمن هلل لهم واستفاد من إنجازهم ينقلب عليهم في لحظة، ويتعهّد بإيقافهم وعقوبتهم والتحقيق معهم.
حين يُسأل جون كارلوس عن هذه اللحظة التاريخية، تجد في جوابه دررا من الحديث بحق، يقول كارلوس:
(في الحياة، هناك بداية ونهاية. دعك من البداية والنهاية، كل ما يهم: هو ماذا ستفعل بينهما، وما إذا كنت مستعدا لبذل كل ما يتطلبه صنع التغيير.
لابد أن يكون هناك تضحية. وعندما ينجلي الغبار..تكون أكبر جائزة أن تدرك أنك قمت بوظيفتك على أتم وجه عندما كنت على ظهر هذا الكوكب! )
يا لها من معانٍ قيمة، قامت بتمامها وكمالها لا شك بقلب محمد يوسف حين رفع شعار رابعة على منصة تتويجه بطلا للعالم، رامزا لصمود الأحرار في بلاده، متحديا طغاة لم يعودوا يرقبون في مؤمن إلا ولا ذمة ولا إنجازا عالميا! لقد كان يعلم عاقبة فعلته، لكنه قرر أن يضحي بمجده ومستقبله الرياضي، إذ وجد نفسه مكلّفا بنصرة قضيته العادلة، آتاه الله فضلا وابتلاه في توظيفه، فأحسن التوظيف.
لقد خلقنا الله لنضحي لإقامة الحق الذي ندين الله به، كلٌ يضحي في موضعه وقدر استطاعته، والله وحده شاكر عليم.
ياله من شريف حر، وجب علينا إعلان التضامن الكامل مع قضيته، فقد خاطر الرجل بمستقبله نصرة لقضية عادلة، فليس من شِيَم الكرام أن نخذله.
لست وحدك يا محمد يوسف !
آخر تعديل بواسطة mr/Guirguis George ، 29-10-2013 الساعة 05:54 PM
|