- الوصية الثانية: (لا ترق "ماء وجه" الطرف الآخر).
جاء رجل إلى الإمام علي وأراد أن يسأل شيئاً، فقال له الإمام: (اكتب حاجتك على الأرض،
حتى لا أرى ذلّ السؤال في وجهك). فهو لم يكن يحب للرجل أن يريق ماء وجهه.
فكما لا يجوز أن نريق "ماء وجه" الآخرين عن طريق إذلالهم، كذلك لا يجوز أن نذل أنفسنا عند
الآخرين.
وإذا كان الأمر كذلك بالنسبة إلى الإنسان نفسه، فكيف يكون بالنسبة إلى إخوانه وأصدقائه؟
والحقيقة أنّ مشاعر الناس ليست من الخرسانة المسلّحة بل هي من الزجاج، والزجاج ينكسر
من رمية حجر صغير، وإذا انكسر يمكن إعادته إلى وضعه السابق من دون أن يترك أثراً.
وكما الزجاج كذلك مشاعر الناس، إذا انكسرت فلا تعود بسهولة إلى وضعها السابق، بل يبقى
في النفس منها شيء.
* يقول الشاعر:
جراحاتُ السنان لها التئامُ ***** ولا يلتام ما جَرَح اللّسانُ
إذن: ما يفتخر به البعض بقوله: "جاءني فلان، فقلت له كلمة اصفرّ لها وجهه!".
هذا تصرف غير إنساني، ويمثل نوعاً من الاعتزاز بالعمل السيئ، ولا شك أن من يأنس ويفرح
لإراقة ماء وجه الآخرين، ليس أكثر من طاغوت صغير. لأنه لا يجوز إراقة ماء وجه أحد، حتى
الأطفال، لأن ذلك يضع في نفسه جرحاً لا يندمل بسهولة.
ذات مرة أرادوا إقالة شخص من منصبه، وكان مرهف الإحساس، رقيق العاطفة، فغيروا موقعه
بطريقة لبقة جداً، ومن دون إراقة ماء وجهه، وذلك بأن عيّنوه "مستشاراً"، فسرى الارتياح في
نفسه، لأن منصبه قد ارتفع، ولكنهم في الحقيقة كانوا قد حوّلوه من مسؤول له حق اتخاذ القرار،
إلى مجرد مستشار.
إن بضع دقائق من التفكير، وكلمة مهذبة، أو اثنتين، وإدراك وجهة نظر الشخص الآخر كفيل بان
يخفف من وطأة اللّطمة، ويكسر حدّتها، فدعنا نذكر هذا الأمر، ونعمل به في المرة التالية التي
تواجهنا فيها مهمة إقالة موظف أو الاستغناء عن خادم، أو نصح طفل.
إن إراقة ماء وجه الآخرين، إهانة لهم، والإهانة محرّمة حتى لمن يحكم عليه بالموت شرعاً، فكيف
بالنسبة إلى الناس، وخاصة الأصدقاء؟!
***************
يتبع
__________________
فكري إبراهيم الكفافي
مدير التعليم الابتدائي
بإدارة الجمالية التعليمية
دقهلية
أمين اللجنة النقابية للمعلمين
آخر تعديل بواسطة فكري ابراهيم ، 01-11-2013 الساعة 05:56 PM
|