عرض مشاركة واحدة
  #260  
قديم 02-11-2013, 10:22 AM
Mr. Ali 1
ضيف
 
المشاركات: n/a
افتراضي

مسجد قسنطينة الكبير - الجزائر








يعتبر الجامع الكبير بقسنطينة (500 كلم شرق الجزائر)، من أشهر المساجد في البلاد، وهو أقدم مساجد المدينة إلى جانب جامع سيدي الكتاني الذي أنشأه صالح باي بن مصطفى الذي تولى حكم قسنطينة بين (1185- 1207 هـ) الموافق (1771- 1792 ميلادية) وجلب دعائمه الرخامية وأهم مواد بنائه من ايطاليا، وأنفق عليه أموالا طائلة، لتطبع الروح المسجدية والهالة الروحية مدينة قسنطينة التي تأسست سنة 1450 قبل الميلاد، بعد أن نزح إليها بنو كنعان النازحين من فلسطين حوالي سنة 1300 قبل الميلاد، وامتزجوا بقدماء النوميديين – سكان المغرب الأوسط- وقتئذ.


وحسب المحقّق الجزائري عبد الله بوفولة، فإنّ كتابات عربية كوفية وجدت على محراب الجامع الكبير، وتشير إلى أنّ هذا الأخير جرى اتمام بنائه قبل نحو تسع قرون، ونص تلك الكتابة يقول: “هذا من عمل محمد أبو علي البغدادي في عام 513 هجري الموافق لسنة 1136 ميلادي”.


ومن وجهة تاريخية، يتزامن التاريخ المذكور مع أيام حكم الدولة الصنهاجية الحمادية بالجزائر وتونس، وعلى وجه التحقيق أيام الأمير يحيى بن تميم بن المعز ابن باديس أحد ولاة بني حماد الذين كانوا مقتسمين الحكم في تونس وبعض الولايات مثل بجاية وقسنطينة، إلى أن استولى على ممتلكاتهم “عبد المؤمن ابن علي” مؤسس دولة الموحدين بعد المهدي بن تومرت.


لكن الباحث جورج مارصي في كتابه” تاريخ الفن الاسلامي المعماري” ذهب إلى أنّ: “تاريخ الجامع الكبير مجهول، حتى وإن كان هذا المسجد موجودا في القرن السادس الهجري حسبما دلت عليه كتابة عربية عثر عليها أثناء عمليات التغيير التي أدخلها الفرنسيون عليه، ووجدت هذه الكتابة بالجانب الغربي من المسجد منقوشة في الشاهد الرخامي القائم عند رأس العالم الجزائري الشهير محمد بن ابراهيم المراكشي المتوفى بقسنطينة والمدفون بتربة الجامع المذكور العام 618 هـ (1222م)، وهي الفترة التي تولى فيها الأمير الحفصي عبد الرحمن بن محمد الذي ولي الحكم بقسنطينة وتونس بعد وفاة أبيه محمد بن أبي حفص شيخ الحفصيين، وهي وثيقة تاريخية معتبرة استدل بها المستشرق الفرنسي شربونو على وجود المسجد قبل القرن السادس الهجري، ورجّح أن يكون تاريخ (530هـ- 1136م) عنوانا لاستكمال أشغال تزينيية خاصة بالمحراب.


الجامع الكبير الذي يقع ببطحاء السويقة وسط قسنطينة، ويمر أمامه الآن شارع بن مهيدي الذاهب من ساحة باب الوادي الى قنطرة محطة السكة الحديدية، شهد العام 1000 هـ الموافق 1679 م، قيام شيخ الاسلام محمد بن أحمد بن عبد الكريم الفقون، بتجديد وتوسيع الجزء الشرقي من الجامع الكبير، علما إنّ هذا الجزء حوّل الآن إلى معهد للتدريس، وقد دلت على هذا التجديد كتابة عربية وجدت أثناء عمليات التغيير التي أدخلها عليه المهندس الفرنسي جيل بواتي العام1227 هـ الموافق 1860 ميلادي، وتمكّن بواتي الذي كان مولوعا بالفن المعماري الإسلامي، من استكمال بيت الوضوء والمنارة بتمامهما، مع الإشارة أنّ المنارة ارتفعت إلى حدود 133 درجة، لذا تظهر المدينة من أعلى المنارة في أبهى حلة وأجمل مظهر.


وذكر المؤرخ الجزائري علي النبيري (اليوناني الأصل التونسي النشأة) الترجمان الشرعي بالمحكمة المدنية بقسنطينة، العام 1263 هـ الموافق 1846 م في كتابه” علاج السفينة في بحر قسنطينة”، أنّه في السنوات العشر التي تلت غزو الفرنسيين العام 1832، كان يشرف على تسيير وخدمة الجامع الكبير أربعة عشر موظفا، بينهم أئمة ومؤذنون وقيمون وحراس ومدرسون وقراء حزب، ورجال إفتاء، وظلّ محلّ اعتناء كبير من مشايخ المدينة وأبنائها على مدار فترة الاستعمار الفرنسي على نحوة حال دون تحويله إلى كنيسة مثلما كان مصير أغلب المساجد آنذاك، وأكثر من ذلك تحوّل المسجد الكبير طوال تلك الحقبة، إلى مدرسة لتكوين القادة وإعداد النخبة، التي حملت مشعل الإصلاح، وأخذت بيد الأمة تعلمها دينها، وتصحح عقائدها، وتوحد صفوفها ضد المستعمر الغاشم، واتخذ العالم الشهير ورائد النهضة الجزائرية الحديثة عبد الحميد بن باديس(1889- 1940) الجامع الكبير مقاما لإلقاء دروسه، فبعد إتمام دراسته بجامع الزيتونة، ابتدأ حلقاته العلمية فيه بدراسة كتاب الشفاء للقاضي عياض، حتى عمد مفتي قسنطينة وقتئذ ابن الموهوب إلى منعه بإيعاز من السلطات الاستعمارية الفرنسية.


ونصت قرارات ما كان يعرف بـ “قائد البلد” الصادرة في المدة الواقعة بين 30 ماي 1848م و28 فيفري 1850 م، على تسمية عدة مدرسين بالجامع الكبير، وأقرّ سلما للأجور يتقاضاها المدرسون، والأئمة الذين كانوا متساوين في الرتب، وتراوحت أجورهم بين 200 و300 فرنك فرنسي في العام، وهي أجور محترمة بالنسبة لذلك الوقت، بينما كانت أجور بقية موظفي السلك الديني يومئذ أدناها عشرة فرنك في العام. مع العلم أنّ الأئمة وكذلك القضاة كانوا يتطوعون بالتدريس في المساجد زيادة على أعمال وظائفهم الأصلية. 
ونشرت جريدة” لاديباش القسنطينية” التي كانت تصدر بالفرنسية، بتاريخ 13 نوفمبر عام 1378 هـ الموافق لسنة 1951 ميلادي مقالا ضافيا احتوى حقائق عن تاريخ المسجد الكبير وصور لبعض أجزائه، وفي العام نفسه، أجرت الإدارة الفرنسية عدة تحسينات ظاهرية على سقف المسجد الكبير وأبوابه وجصصت جدرانه وصبغت بالأصباغ الدهنية وانتصبت في سطح المسجد الأعلى ساعتان شمسيتان، بينما عرف المسجد ذاته في الأعوام التي تلت استقلال الجزائر سنة 1962، تطويرا غير مسبوق في مختلف مرافقه، وتمّ العام 1388 هـ الموافق لسنة 1968 م، تغطية سقفه الخارجي المقابل لبيت الصلاة لاحتياج المصلين الى تغطيته نظرا لتزايد عدد المصلين.


وعلى مدار تاريخه الطويل الحافل، تولى التدريس في المسجد الكبير، العديد من مشاهير علماء المدينة. قبل الاحتلال الفرنسي وبعده، منهم الشيخ المكي البوطالبي، والشيخ محمد الشاذلي، والشيخ عبد القادر المجاوي والشيخ حمدانا الونيسي، وغيرهم من المتأخرين كالشيخ مرزوق بن الشيخ الحسين وكذا العالم المصري الراحل محمد الغزالي والشيخ الداعية يوسف القرضاوي اللذان واظبا على إلقاء دروس بالمسجد الكبير في أواسط ثمانينيات القرن الماضي.
رد مع اقتباس