عرض مشاركة واحدة
  #13  
قديم 04-11-2013, 08:05 PM
الصورة الرمزية محمد رافع 52
محمد رافع 52 محمد رافع 52 غير متواجد حالياً
مشرف ادارى متميز للركن الدينى ( سابقا )
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 19,444
معدل تقييم المستوى: 36
محمد رافع 52 will become famous soon enough
افتراضي

وكانت تحفظ كثيرًا مما حَدَث أيام طفولتها، وتفقه من الأحاديث ماتيسَّر لها،
فتقول: (لقد أُنزل على محمد صلَّ الله عليه وسلم بمكة، وإنِّى لجارية ألعب: ﴿بَلِ ٱلسَّاعَةُ مَوۡعِدُهُمۡ وَٱلسَّاعَةُ أدۡهَٰ وَأمَرُّ) [ القمر /46 ].
وعندما هاجر النَّبي صلَّ الله عليه وسلم إلى المدينة لم تكن عائشة تجاوزت الثامنة
من عمرها، لكنها كانت تفهم وتعي، وتحسن الحفظ لأسرار وقائع الهجرة النبوية.
ومما يحسن التنبيه إليه هنا تلك العلاقة المميزة التي كانت تجمع بينها وبين أبيها
رضي الله عنهما، فقد كانت علاقة تقوم على الحبِّ والثقة والتقدير، فكانت تراه خير
صحابة النَّبي صلَّ الله عليه وسلم، وترى مِن نُصرته لنبي الله صلَّ الله عليه وسلم ما
يحملها على التشرُّف بالانتساب إليه، وكان هو يراها زوجةً للنبي صلَّ الله عليه وسلم،
وأُمًّا للمؤمنين، قد زكَّى رسول الله علمها بالحديث والفقه، ولذا فقد كان يُجلُّها ويثق
بها وبرأيها، ويسألها في أمور الدين، ويأخذ بقولها، ويروي عنها الحديث.
وكان شديد العطف عليها والحنان، وكان يقول لها: (انظري حاجتك فاطلبيها إليَّ). وعن البراء قال: (دخلت مع أبي بكر على أهله، فإذا عائشة ابنته مضطجعة
قد أصابتها حُّمى، فرأيت أباها يُقَبِّل خدَّها، وقال: كيف أنت يا بنية؟)
ولما حضرته الوفاة قال لها:(يا بنية، ما مِن النَّاس أحد أحب إليَّ غنًى بعدي منك،
ولا أعز عليَّ فقرًا منك). كما نحلها -حال حياته- جَدَاد عشرين وَسْقًا من ماله.
وقد كان أبو بكر رضي الله عنه حازمًا في تربية أولاده، وكانت عائشة تخاف
أباها وتتَّقي غضبه، حتى بعد زواجها، يقول أنسرضي الله عنه:((كان للنَّبي
صلَّى الله عليه وسلم تسع نسوة، فكان إذا قسم بينهنَّ لا ينتهي إلى المرأة الأولى
إلا في تسع، فكُنَّ يجتمعن في كلِّ ليلة في بيت التي يأتيها، فكان في بيت عائشة،
فجاءت زينب، فمدَّ يده إليها: فقالت: هذه زينب. فكفَّ النَّبي صلَّ الله عليه
وسلم يده، فتقاولتا حتى اسْتَخَبَتا،وأُقيمت الصلاة، فمرَّ أبو بكر على ذلك،
فسمع أصواتهما، فقال: اخرج يا رسول الله إلى الصلاة، واحثُ في أفواههنَّ التراب.
فخرج النَّبي صلَّ الله عليه وسلم، فقالت عائشة: الآن يقضي النَّبي صلاته، فيجيء
أبو بكر فيفعل بي ويفعل، فلما قضى النَّبي صلَّ الله عليه وسلم صلاته أتاها أبو بكر،
فقال لها قولً شديدًا، وقال: أتصنعين هذا؟ .
ولما سمع صوتها مرة عاليًا دخل، وتناولها ليلطمها، وقال: (لا أراك ترفعين
صوتك على رسول الله صلى الله عليه وسلم. فجعل النَّبي صلَّ الله عليه وسلَّم يحجزه، وخرج أبو بكر مغضبًا).
وفي قصة التخييردخل أبو بكر يستأذن على رسول الله صلى الله عليه وسلم،
فوجد الناس جلوسًا ببابه، لم يُؤذن لأحد منهم. قال: فأذن لأبي بكر فدخل، ثم
أقبل عمر فاستأذن فأذن له، فوجد النَّبي صلى الله عليه وسلم جالسًا حوله نساؤه
واجمًا ساكتًا... وفيه: أنَّ النَّبي صلى الله عليه وسلم قال: هنَّ حولي - كما ترى -
يسألنني النفقة. فقام أبو بكر إلى عائشة يجأ عنقها، فقام عمر إلى حفصة يجأ عنقها،
كلاهما يقول: تسألن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما ليس عنده؟ فقلن: والله لا
نسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئًا أبدًا ليس عنده.
فنشأت عائشة رضي الله عنها في أحضان هذه الأسرة المباركة، وترعرعت في
بيت الصدق والإيمان، وعاشت منذ نعومة أظفارها في ظل تعاليم الدين الإسلامي
الحنيف، وشهدت في طفولتها أشدَّ المراحل التي مرَّت بها دعوة الإسلام، وما لاقاه
المسلمون من الأذى والاضطهاد. وقد حدَّثتنا السيدة عائشة عن بعض ما أصاب
والدها الصِّدِّيق رضي الله عنه من الأذى في سبيل دينه وإيمانه، حتى اضطرَّ ذات
يوم أن يخرج من مكة مهاجرًا نحو أرض الحبشة، يريد أن يلحق بإخوانه المسلمين
هناك، ولما بلغ بَرْك الغِمَدلقيه ابن الدَّغِنَّة، وهو سيد قبيلة القارة، فأرجعه إلى
مكة، وأجاره من أذى قريش، وكان فيما قاله له: إنَّ مثلك يا أبا بكر لا يَخرج ولا
يُخرج، إنَّك تكسب المعدوم، وتصل الرحم، وتحمل الكَلَّ، وتَقْري الضيف، وتُعين
على نوائب الحقِّ، فأنا لك جار، فارجع فاعبد الله ببلدك.
واستمرت في بيت أبيها رضي الله عنه حتى هِجرتها إلى المدينة، وذلك أنَّ النَّبي
صلَّ الله عليه وسلم هاجر - كما هو معلومٌ - مع صاحبه ورفيقه أبي بكر الصِّدِّيق
إلى المدينة، وتركا أهليهما بمكة، ولما استقرَّ بهما الحال هناك أرسل النَّبي صلَّ الله عليه
وسلم من يُضر أهله وأهل أبي بكر، بعد أن تحمَّلوا شدة العيش؛ فعن أسماء بنت أبي
بكرٍ، قالت: (لما خرج رسول الله صلَّ الله عليه وسلم وخرج أبو بكرٍ معه، احتمل
أبو بكرٍ ماله كلَّه، ومعه خمسة آلاف درهمٍ أو ستة آلافٍ، فانطلق بها معه. قالت:
فدخل علينا جَدِّي أبو قُحافة، وقد ذهب بصره، فقال: والله إنِّ لأرُاه قد فَجَعكم
بماله مع نفسه. قالت: قلت: كلا يا أبت، إنَّه قد ترك لنا خيرًا كثيرًا. قالت: فأخذت
أحجارًا فوضعتها في كُوَّةٍفي البيت الَّذي كان أبي يضع ماله فيها، ثمَّ وضعت عليها
ثوبًا، ثمَّ أخذت بيده فقلت: يا أبت، ضع يدك على هذا المال. قالت: فوضع يده
عليه. فقال: لا بأس، إذا كان ترك لكم هذا فقد أحسن، وفي هذا بلاغٌ لكم. ولا والله
ما ترك لنا شيئًا، ولكنيِّ أردت أن أُسَكِّن الشيخ بذلك)
__________________