عرض مشاركة واحدة
  #276  
قديم 05-11-2013, 12:22 PM
Mr. Ali 1 Mr. Ali 1 غير متواجد حالياً
عضو لامع
 
تاريخ التسجيل: Jun 2008
المشاركات: 15,340
معدل تقييم المستوى: 0
Mr. Ali 1 is an unknown quantity at this point
افتراضي

مسجد الأندلس - المغرب









في أيام يحيى بن محمد بن إدريس فكرت أسرة قيروانية كانت تسكن عدوة القروانيين، تتكون من رجل اسمه محمد الفهري القيرواني ومن ابنتين له إحداهما اسمها فاطمة والثانية اسمها مريم. فلما مات هذا الأب خلف مالا كثيرا ففكرت فاطمة في بناء جامع القرويين بهذا المال الموروث. وفكرت أختها مريم في بناء جامع الأندلس وشرعتا في ذلك سنة (245هـ).




عدوة فاس وعدوة القرويين


إن المولى ادريس حينما كان بمدينة وليلي وفد عليه عدد وافر من الأندلسيين والقيروانيين فكان من الضروري أن يفكر في تأسيس مدينة تضم الوافدين وتجمع أسرهم وتلائم أحوالهم فما كان منه إلا أن بنى مدينة فاس.

كانت المدينة أول الأمر صغيرة وكان البناء فيها يقتصر على ناحية كرواوة وما جاورها حيث بنى المولى ادريس مسجدا صغيرا سماه مسجد الأشياخ ولكن الوفود كانت تتوالى عليه وتنضم إلى دولته وتستظل بحمايته فضاقت المدينة وعمد إلى بناء الضفة الأخرى حيث بنى دورا للسكنى ومسجدا آخر عرف فيما بعد بمجد الشرفاء.


إن العدوة الأولى كانت مسكنا للأندلسين الذين التجأوا إلى المغرب بعد فرارهم من الحكم بن هشام الذي أوقع بالفقهاء فنسبت إليهم وأما العدوة الثانية فقد استقر بها المولى ادريس مع بعض القيروانيين فعرفت بعدوة القروانيين.


إن هاته الهجرة التي قام بها القيروانيون والأندلسيون إلى مدينة فاس كانت سببا في نهضتها العلمية والاقتصادية وسببا في ازدهارها وترقيتها وعاملا فعالا في نشر اللغة العربية بين أرجائها وتعميم هاته اللغة من بعد في بلاد المغرب.


وإن الاهتمام الذي أولاه المولى ادريس لهؤلاء المهاجرين جعل الهجرة إلى هاته المدينة يعلو رقمها يوما فيوما وجعلها تستمر ولو بعد وفاته حتى بلغ رقما قياسيا أيام حفيده يحيى بن محمد الذي تولى الملك سنة 234هـ.



تطور العمران والحاجة إلى الزيادة في بناء المساجد


إن كثرة الوافدين على مدينة فاس أيام هذا الملك كانت سببا في عمرانها وحيويتها وتمكين نفوذها في باقي أجزاء المملكة ولكن ليس من المعقول أن تظل المدينة كما كانت من قبل لأن الضرورة أصبحت تدعو إلى زيادة فيها والى توسيعها والى تهييء المساجد الكافية للصلاة والتعليم فقد كان في بلاد الإسلام يعتبر مركزا ثقافيا يتلقى فيه المسلمون دروس دينهم ولغتهم بعد أن يؤدوا فيه صلواتهم ولم يعد المسجدان اللذان كانا بالمدينة كافيين لهذا الحجم الغفير من السكان بل أصبح الواقع يدعو إلى التفكير في بناء مساجد أخرى وكانت أريحية المسلمين تدعوهم إلى الاهتمام بشؤون دينهم وإلى العمل على تركيز أسسه والى إنفاق الأموال في سبيل ذلك ولكنهم كانوا يخشون أن ينفقوا مالا حراما في شيء من هذا لذلك كانوا ينتظرون الفرصة حتى يملكوا مالا لا شبهة فيه وحينئذ تطمئن قلوبهم إلى أن يحققوا بعض المشاريع الدينية وهذا ما وقع بالفعل أيام يحيى بن محمد بن ادريس فإن أسرة قيروانية كانت تسكن عدوة القروانيين تتكون من رجل اسمه محمد الفهري القيرواني ومن ابنتين له إحداهما اسمها فاطمة والثانية اسمها مريم فلما مات هذا الأب خلف مالا كثيرا ففكرت فاطمة في بناء جامع القرويين بهذا المال الموروث وفكرت أختها مريم في بناء جامع الأندلس وشرعتا في ذلك سنة 245هـ.


الأنشطة العلمية لجامع الأندلس

إن هذا الشعور الديني الذي شع من هاتين المرأتين ليعد بحق مفخرة من مفاخر المرأة العربية المسلمة وليعتبر من أقوى مظاهر الرقي الفكري عند نسائنا في الماضي وان تفكير السيدة مريم القيروانية لنستدل به على الانسجام الذي كان سائدا بين سكان فاس أيام الأدارسة وعلى التآلف الحاصل بين عدوتيها وأن ما وقع من التناحر أيام المغراويين بين هاتين العدوتين إنما كان أساسه الخلاف الحاصل بين الحاكمين.


ولما تم المسجد بالبناء أقبل الناس عليه واهتموا به إلا أنه لم يصبح مسجدا جامعا تقام فيه الخطبة إلا في أيام الزناتيين الموالين للأمويين بالأندلس سنة 345هـ بعد مائة عام من تأسيسه فقد زاد فيه الأمير أحمد ابن أبي بكر الزناتي زيادة كثيرة نقل إليه الخطبة من مسجد الأشياخ.

وبعد نقل الخطبة إليه أصبح له دور سياسي خطير لأن منبر المسجد كان يوجه الشعب حسب آراء الدولة الحاكمة ويشرح للرعايا نظام الحكم الجديد ويحلل لهم المبادئ والخطط التي يسير عليها الملوك الحاكمون خصوصا في تلك الفترة الحاسمة التي كان المغرب يعيش فيها مهدد الجانبين وتحاول كل من الدولة الفاطمية التي كانت قد تأسست بتونس سنة 297هـ والدولة الأموية بالأندلس أن يكون تحت قبضتهما وكلما حاول الاستقلال عنهما أو الصمود في وجهيهما لقي الأهوال والشدائد فهذا يحيى بن ادريس بن عمر ابن ادريس أعظم الأدارسة صيتا وأقدرهم على مجابهة الأهوال وتسيير الدولة مني بهجوم العبيديين عليه سنة 305هـ ورغم مقاومته لهم فقد اضطر إلى أن يقيم معاهدة صلح معهم على شرط ذكرهم في المنابر والدعاء لهم في المساجد ورغم هذه الشروط فقد رجع إليه العبيديون مرة أخرى سنة309هـ وبقي سجينا في يد موسى بن أبي العافية ما يزيد على العشرين سنة.


تراجع هذا الدور


ورأى الأمويون أن سلطتهم بالأندلس ستنهار إذا ما استمر العبيديون بالمغرب لأنهم سيجعلونه ممرا إلى غزوهم ولذلك ارتأى نظرهم أن يحتلوه ويشجعوا فيه الفتن حتى إذا جاؤوا إليه وجدوه طائعا لينا واستخدموا دهاءهم السياسي فأفسدوا العلاقة بين موسى بن أبي العافية والعبيديين سنة 320هـ، وضيقوا الخناق على الدولة الادريسية التي انتقلت إلى شمال المغرب وتمكن عبد الرحمن الناصر من سبتة وطنجة وجعلهما مبدأ انطلاقه لاحتلال البلاد وأصبح يقاتل البربر حينا ويستميلهم أحيانا حتى أصبحوا تحت طاعته وما هي إلا أيام حتى احتل مدينة فاس وجعل عليها وليا من الزناتيين هو محمد بن الخير ثم ولى من بعده ابن عمه أحمد بن أبي بكر الذي أبعد الرأي العام عن المسجدين الأولين اللذين كانت تنبعث منهما الدعوة للعبيديين والأدارسة ووجه عنايته إلى اصلاح مسجد الأندلس ومسجد القرويين ونقل الخطبة إليهما.


وكادت فاس تعرف في أيامه نوعا من الاستقرار السياسي وتأمن غوائل الفتن التي كانت تتعاقب عليها وكاد السكان ينسون ما لاقوه من محن وأصبحوا يهتمون من جديد بالثقافة وأصبح مسجد الأندلس منبعا لما يأوي إليه الطلاب من كل صوب وحدب ينهلون منه غذائهم الفكري ويستفتون فيه عن قضاياهم الدينية بل كاد يصبح مركزا للفقه المالكي نظرا لما يقوم به علماء المذهب من نشاط تعليمي حينذاك يقول الجزنائي في كتابه زهرة الآس
أن جماعة من الصلحاء والعباد التزموا جامع الأندلس وتفرغوا فيه للعبادة بعد تحصيل العلم ويقصدهم الناس للفتاوي وطلب العلم والأدب والتماس الدعاء وذكر منهم الفقيه جبر الله بن القاسم نزيل عدوة الأندلسيين بفاس فقال: وهو ممن أدخل علم مالك إليها وهو من مشاهير فقهائها ومتقدميهم لقي أصبغ بن الفرج وسمع منه… وهو ممن لحق دراس بن اسماعيل رحمه الله. كان جبر الله هذا مطلعا على الفقه المالكي اطلاعا متينا حتى أنه استطاع أن يجيب دراسا عن كل ما تضمنه كتاب ابن المواز.


وشاء القدر لهاته النهضة العلمية أن يكبح جماحها ولهذا المسجد أن يفقد نشاطه العلمي حين أرسل العبيديون جيشا عظيما سنة 349هـ بقيادة قائدهم جوهر فدخل فاسا عنوة وقتـل عددا من أبنائها وعلمائها وأسر أميرها أحمد بن أبي بكر الزناتي وخمسة عشر من أعيان البلاد وحملهم إلى القيروان وهم في أقفاص من خشب وطاف بهم ثم حملهم بعد ذلك إلى المهدية حيث سجنوا إلى أن ماتوا في السجن.

رد مع اقتباس