عائشة في عهد علي
تولَّ علي رضي الله عنه الخلافة بعد م*** عثمان رضي الله عنه، ولم يكن بينه وبين عائشة رضي الله عنها قبل تولِّيه الخلافة ما يدعوها إلى مخالفته، والخروج عليه، بل كانت علاقتها معه قائمة على المودة والتقدير، ولا شكَّ أنَّ عليَّ بن أبي طالب رضي الله عنه أعرف النَّاس بمقام أُمِّ المؤمنين، ومكانتها العالية عند النَّبي صلَّ الله عليه وسلم، وهي أيضًا تعرف لعليٍّ رضي الله عنه مكانته وقدره عند النَّبي صلَّ الله عليه وسلم، وقرابته منه، ومصاهرته له، وفضله، وجهاده، وشجاعته، وسابقته.
وكانت ترى أنَّه أولى النَّاس بالخلافة بعد عثمان رضي الله عنه، فقد أخرج الطبري
عن الأحنف بن قيس قال: (حججنا، فإذا النَّاس مجتمعون في وسط المسجد - يعني النبوي - فلقيت طلحةوالزبير، فقلت: إنِّي لا أرى هذا الرجل - يعني عثمان - إلا مقتولً، فمن تأمراني به؟ قالا: عليٌّ. فقدمنا مكة، فلقيت عائشة، وقد بلغنا *** عثمان، فقلت لها: مَن تأمريني به؟ قالت: علي. قال: فرجعنا إلى المدينة فبايعت عليًّا، ورجعت إلى البصرة).
ولما بُويع لعليٍّ رضي الله عنه بالخلافة لم يتغيَّ قلب السيدة عليه، بل كانت ثابتة على موقفها منه رضي الله عنه، ناصحة بمبايعته، أخرج ابن أبي شيبةبسند جيد، عن عبد الرحمن بن أبزىقال: (انتهى عبد الله بن بُدَيْل ابن وَرْقاء الخزاعي إلى عائشة يوم الجمل، وهي في الهَودج، فقال: يا أُمَّ المؤمنين، أتعلمين أنِّي أتيتك
عندما قُتل عثمان، فقلت: ما تأمريني؟ فقلتِ: الزم عليًّا. فسكتت)
.
وقد جرى بينها وبين علي رضي الله عنه شيءٌ من الخلاف في شأن قَتَلة عثمان، كالخلاف الَّذي جرى بين طلحة والزبير وغيرهم من الصحابة مع عليٍّ ومن معه، رضي الله عنهم أجمعين، مع بقاء الودِّ، ومعرفة الفضل بينهم، وسيأتي تفصيل الكلام عن هذا الشأن عند الحديث عن موقعة الجمل، وما دار بين عائشة وعليٍّ رضي الله عنهما، وما تعلَّق به الروافض من شبهات حول هذا الأمر
.
وقد نبتت نابتة الخوارج في خلافة علي رضي الله عنه، فكان لها موقف حازم منهم ومن انحرافهم، فقد كان أهل العراق ومصر يسُبُّون عثمان رضي الله عنه، وأهل الشام يسُبُّون عليًّا، أما الخوارج فيسبونهما، فلما أُخبِت عائشة بذلك قالت: (أُمِروا أن يستغفروا لأصحاب النَّبي صلَّ الله عليه وسلم فسبُّوهم).
قال الإمام النووي: قولها: (أُمِروا أن يستغفروا لأصحاب النبي صلَّ الله عليه وسلم فسبُّوهم) قال القاضي: الظاهر أنَّا قالت هذا عندما سمعت أهل مصر يقولون في عثمان ما قالوا، وأهل الشام في عليٍّ ما قالوا، والحرورية في الجميع ما قالوا
.
وكانت الخوارج لما اعتزلوا عليًّا رضي الله عنه نزلوا بحروراء
، لذا سُمُّوا حروريَّة.
وجاءت امرأة إليها تسألها: أَتَجْزِي إحدانا صلاتها إذا طَهُرَتْ؟ فقالتْ: أحَروريَّة أنتِ؟ كنا نَحِيضُ مع النَّبي صلَّ الله عليه وسلم فلايأمرنا به، أَو قالتْ: فلا نفعله.
فدلَّ قولها: (أحروريَّة أنت). على أنَّا كانت تكره هذه الفرقة، وتنكر عليها، وتراها طائفة خارجة عن السنة.