هجرة المصطفى صلى الله عليه وسلم .
حدثٌ غير مجرى التاريخ , حدثٌ ليس كأيِّ حدث بل حدثٌ عظيم الشأن , جليل القدر , لن نستطيع أبداً
في هذه
الجمعة مهما فعلنا أن نُظهر عظمة الحدث بأكمله , و إنما هي وقفات نقفها مع هذا الحدث الرائع لنستمد منه بعض
الدروس والعبر كي تُضيء لنا
في حياتنا .
الهجرة في لغة العرب : من الهجر أي الترك
فمن ترك شيئاً يُقال : هجره هجر هذا الشيء .
واصطلح علماء الإسلام على تسمية الهجرة : بكلِ تركٍ لبلاد الكفر و الانتقال منها إلى بلاد الإسلام
هاجر الصحابة مرتين إلى الحبشة بإذن رسول الله صلى الله عليه وسلم , و أما الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم فمازال باق
في مكة يبحث عن موطن لدعوته , يتمنى نشر رسالته , قد أحزنه أذى قريش و صدهم عن الدعوة حتى عزاه ربه و سلاه بعتاب رقيق {
لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ أَلا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ } [الشعراء:3]
لعلك قاتل نفسك و مهلك نفسك حزناً على عدم إيمانهم و لكنه أمر الله لحكمة أرادها الله
حتى إذا تجمع مشركي مكة يريدون من النبي صلى الله عليه وسلم واحدة من ثلاث :
إما أن يترك دعوته
إما أن يطيحوا برأسه
إما أن يُخرجوه من بلده و هي حبيبة إليه و حبيبة إلى الله
فما كان من رب العباد جل و علا .. الله .. مالك الكون , و مدبر الكون , مدبر أمر العالمين الرحمن الرحيم
إلا أن أوحى لنبيه صلى الله عليه وسلم بالهجرة من مكة إلى طيبة الطيبة ( المدينة المنورة )
هاجر الصحابة فرادى قبل ذلك , و جاء الوقت لخروج النبي صلى الله عليه وسلم , فتكاثر المشركين حول بيته
و لكن الله جل و علا إذا أراد أمراً قال له :
كن فيكون هذا الأمر
(
وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ ) [يس:9]
و خرج النبي صلى الله عليه وسلم
في رحلة شاقة ناتمس بعض دروسها عما قليل إن شاء الله تعالى .
الهجرة من مكة إلى المدينة التي هاجرها النبي صلى الله عليه وسلم و أصحابه فقد انتهت بفتح مكة حيث قال صلى الله عليه وسلم : " لا هجرة بعد الفتح ؛ ولكن جهاد و نية " .
فلا هجرة من مكة ؛ لأنها أصبحت بلد إسلام ويبقى دين الله شرع الله في مكة قائم حتى يخرج أشرار الخلق حين لا يبقى في الأرض إلا أهل الشر والفساد , فعندها يأذن الله عزوجل بزوال الدنيا فيقوم من يُخرب الكعبة ويهدمها حجراً حجرا.
هذا في زمان الفتن في آخر الدنيا بعد أن يخرج يأجوج ومأجوج , و بعد أن ينتصر أهل الإيمان , وبعد أن يبعث الله عزوجل ريحاً طيبة تأخذ أرواح المؤمنين , فلا يبقى في الأرض إلا الأشرار , فعندها يُصيطر الفساد على الأرض , فمن ضمنها مكة و تُخرب الكعبة كما ثبت هذا في صحيح البخاري وتُقلع حجرا حجرا فعند إذاً تقوم على هؤلاء القيامة والساعة أشرار الخلق .
وأما منذ العام الثامن الهجري الذي فتح الله فيه مكة وإلى ذاك الزمان تبقى مكة بلد الإسلام " لا هجرة بعد الفتح " .
الهجرة تُذكرنا بتعب الأنبياء و نصبهم