الموضوع
:
أين نحن من نساء السلف؟! ... د. خاطر الشافعي
عرض مشاركة واحدة
#
5
29-11-2013, 11:31 PM
abomokhtar
عضو لامع
تاريخ التسجيل: Jan 2008
المشاركات: 11,687
معدل تقييم المستوى:
29
أين نحن من نساء السلف؟!! (4)
الحمدُ لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خيرِ المرسلين، سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه، ومن تبِعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.
وبعد:
فلا زلنا نُبحر في أطهرِ سيرة لأطهر نساء عرَفهن الوجود، اللواتي حفرن أسماءَهن في ذاكرة التاريخ مُقترنةً بأنبل القِيَم والمبادئ والأخلاق،
وكيف لا وهنَّ السائراتُ على درب الطاعة، أينما حلَّت حلَلْنَ، وأينما كانت كُنَّ؟!
واليوم موعدنا مع واحدة من نساء الصحابة اللاتي كان لهن دورٌ جليل في تاريخ الإسلام، وهي واحدةٌ ممن آثرن نعيمَ الآخرة المقيمَ على متاع الدنيا الزائل.
إنها (
أم الدَّحداح الأنصارية
).
•
أسلمت أمُّ الدَّحداح حين قدم مصعَبُ بن عمير المدينة سفيرًا لرسول الله - صلى الله عليه وسلَّم - ليدعوَ أهلها إلى الإسلام؛ حيث كانت ممن ناله شرفُ الدخول في الإسلام، كما أسلمت أسرتُها كلُّها، ومشَوا في رَكْب الإيمان.
•
زوجُها الصحابي الجليل أبو الدَّحداح، ثابت بن الدَّحداح - أو الدَّحداحة - بن نعيم بن غنم بن إياس، حليف الأنصار، وأحد فُرسان الإسلام، وأحد الأتباع الأبرار المُقتدين بنبي الإسلام - صلى الله عليه وسلم - والسائرين على نهجه، الباذلين في سبيل الله أنفسَهم وأرواحَهم وأموالهم.
•
وقد كان لأبي الدَّحداح أرضٌ وفيرة في مائها، غنيَّة في ثمرها، فلما نزل قوله - تعالى -: ﴿
مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا
﴾ [الحديد: 11]، قال أبو الدَّحداح: فداك أبي وأمي يا رسول الله، إنَّ اللهَ يستقرضُنا وهو غنيٌّ عن القرض؟ قال: ((نعم، يريد أن يدخلَكم الجنة به))، قال: فإني إن أقرضتُ ربي قرضًا يضمن لي به ولصبيتي الدَّحداحة معي في الجنة؟ فقال - صلى الله عليه وسلم -: ((نعم))، قال: فناوِلْني يدَك، فناوَله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يده الشريفة، فقال: إنَّ لي حديقتين، إحداهما بالسافلة، والأخرى بالعالية، والله لا أملِكُ غيرهما، قد جعلتُهما قرضًا لله - تعالى - فقال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم-: ((اجعَلْ إحداهما لله، والأخرى دعها معيشة لعيالك))، قال: فأشهدك يا رسول الله أني جعلتُ خيرَهما لله - تعالى - وهو حائطٌ فيه ستمائة نخلة، قال: ((إذَنْ يجزيَك اللهُ به الجنة)).
فانطلق أبو الدَّحداحِ حتى جاء أم الدَّحداح، وهي مع صبيانٍ في الحديقة تدور تحت النخل، فأنشأ يقول:
هداك اللهُ سبلَ الرشاد
إلى سبيلِ الخير والسداد
بِيني من الحائط بالوداد
فقد مضى قرضًا إلى التَّناد
أقرضتُه الله على اعتمادي
بالطوع لا مَنٍّ ولا ارتداد
إلا رجاء الضعف في المعاد
ارتحلي بالنفس والأولاد
والبِرُّ لا شك فخيرُ زاد
قدَّمه المرءُ إلى المعاد!
قالت أمُّ الدَّحداح - رضي الله عنها -: ربِح بيعك! بارك اللهُ لك فيما اشتريتَ، ثم أجابته أمُّ الدَّحداح، وأنشأت تقول:
بشَّرك الله بخيرٍ وفرَحْ
مثلُك أدَّى ما لديه ونصَح
قد متَّع الله عيالي ومنَحْ
بالعجوة السوداء والزهو البلحْ
والعبدُ يسعى وله قد كدَحْ
طولَ الليالي وعليه ما اجترَحْ!
ثم أقبلت أمُّ الدَّحداح - رضي الله عنها - على صبيانها تُخرِج ما في أفواههم، وتنفض ما في أكمامهم حتى أفضت إلى الحائط الآخر، فقال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: ((كم من عِذْقٍ رداح في الجنة لأبي الدَّحداح!)).
•
وكان أبو الدَّحداح - رضي الله عنه - مثالاً فريدًا في التضحية والفداء؛ فإنه لما كانت غزوةُ أُحد، أقبَل أبو الدَّحداح والمسلمون أوزاعٌ قد سُقط في أيديهم، فجعل يصيح: يا معشر الأنصار، إليَّ، أنا ثابت بن الدَّحداحة، قاتِلوا عن دِينكم؛ فإن اللهَ مُظهِركم وناصركم، فنهض إليه نفرٌ من الأنصار، فجعَل يحمل بمن معه من المسلمين، وقد وقفت له كتيبة خشناء، فيها رؤساؤُهم، خالد بن الوليد، وعمرو بن العاص، وعكرمة بن أبي جهل، وضرار بن الخطاب، فجعَلوا يناوشونهم، وحمل عليه خالد بن الوليد الرُّمحَ، فأنفذه، فوقع ميتًا - رضي الله عنه - واستشهد أبو الدَّحداح فعلمت بذلك أمُّ الدَّحداح، فاسترجَعَتْ، وصبَرَتْ، واحتسبته عند الله - تعالى - الذي لا يُضيع أجرَ من أحسن عملاً.
•
يا الله!
ما هذه القلوب الطاهرة؟!
ما هذا الثَّبات المثير للفخر والاعتزاز؟!
دررٌ في جبين الأمة، مَن لازم سيرتها سما وعلا، فهل نحنُ مُلتزمون؟!
__________________
abomokhtar
مشاهدة ملفه الشخصي
البحث عن المشاركات التي كتبها abomokhtar