خامسا – الحرمان من الشرب من حوض رسول الله صلى الله عليه وسلم
ما أشد عطش الناس يوم القيامة ؟! ومن أشد الحرمان أن يحرم العبد المسلم من أن يشرب من حوض نبينا محمد صلى الله عليه وسلم شربة لا يظمأ بعدها أبدا، ويخشى على المبتدعة المفارقين لجماعة المسلمين أن يكونوا ممن يحال بينهم وبين الشرب من الحوض .
ففي الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إني على الحوض حتى أنظر من يرد علي منكم، وسيؤخذ ناس دوني، فأقول: يا رب مني ومن أمتي، فيقال: هل شعرت ما عملوا بعدك؟ والله ما برحوا يرجعون على أعقابهم)) .
وقال صلى الله عليه وسلم : ((أنا فرطكم على الحوض، ليرفعن إلي رجالا منكم حتى إذا أهويت لأناولهم اختلجوا دوني، فأقول: أي رب، أصحابي، فيقول : لا تدري ما أحدثوك بعدك)) .
سادسا – الموت ميتة جاهلية
إن هذا المفارق للجماعة لو مات وهذا حاله فميتته ميتة جاهلية قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من خرج من الطاعة وفارق الجماعة فمات، مات ميتة جاهلية)).
ويقول صلى الله عليه وسلم: ((من رأى من أميره شيئا يكرهه فليصبر، فإنه من فارق الجماعة شبرا فمات فميتته جاهلية))
والمراد بالمفارقة : السعي في حل عقد البيعة التي حصلت للأمير ولو بأدنى شيء، فكنى عنها بمقدار الشبر لأن الأخذ في ذلك يؤول إلى سفك الدماء بغير الحق .
فهذا وعيد شديد لكل من يسعى لقلب الحكم وحل البيعة بسيفه بالإفساد كالتفجير والتهديد وال*** وإخلال الأمن، أو بلسانه بتأليب الناس على الإمام وتحريضهم للخروج عليه، فمن هذا شأنه ومات على ذلك فحال موته كموت أهل الجاهلية على ضلال وليس له إمام مطاع، لا أنه يموت كافرا بل يموت عاصيا .
سابعا – البعد عن التوبة، واستدراجه في معصيته
لقد حجب الله سبحانه التوبة عن صاحب البدعة المفارق للجماعة الخارج عن الصراط المستقيم، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن الله حجز - أو قال حجب - التوبة عن كل صاحب بدعة)) .
وعن يحيى بن أبي عمرو السيباني قال : "كان يقال: يأبى الله لصاحب بدعة توبة، وما ينتقل صاحب بدعة إلا إلى شر منه" .
وتصديق ذلك ما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخوارج: ((يمرقون من الدين مروق السهم من الرمية، ثم لا يرجعون إليه حتى يرجع السهم إلى فوقه)) .
ولعل بيان سبب حجب التوبة عنه وبعدها منه في قوله صلى الله عليه وسلم بعد ذكر الافتراق المشهور وذكره لافتراق أمته قال: ((وإنه سيخرج في أمتي أقوام تجارى بهم تلك الأهواء كما يتجارى الكلب بصاحبه لا يبقى منه عرق ولا مفصل إلا دخله))
يقول الإمام الشاطبي رحمه الله شارحا ذلك: "وسبب بعده عن التوبة أن الدخول تحت تكاليف الشريعة صعب على النفس لأنه أمر مخالف للهوى، وصاد عن سبيل الشهوات، فيثقل عليها جدا لأن الحق ثقيل، والنفس إنما تنشط بما يوافق هواها لا بما يخالفه، وكل بدعة فللهوى فيها مدخل، لأنها راجعة إلى نظر مخترعها لا إلى نظر الشارع، فعلى حكم التبع لا بحكم الأصل مع ضميمة أخرى: وهي أن المبتدع لابد له من تعلق بشبهة دليل ينسبها إلى الشارع، ويدعي أن ما ذكره هو مقصود الشارع، فصار هواه مقصودا بدليل شرعي في زعمه، فكيف يمكنه الخروج عن ذلك؟ وداعي الهوى مستمسك بحسن ما يتمسك به, وهو الدليل الشرعي في الجملة .
ثم ما الذي يصده عن الاستمساك بمنهجه، والازدياد من رأيه، وهو يرى أن أعماله أفضل من أعمال غيره، واعتقاداته أوفق وأعلى؟ أفيفيد البرهان مطلبا؟! كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَن يَشَاء وَيَهْدِي مَن يَشَاء [المدثر:31] .
وينبغي أن نعلم أن هذه النصوص لا تدل على أن لا توبة أصلا للمبتدع المفارق للجماعة، بل قد يتوب ويرجع إلى السنة والجماعة، وقد وقع، فالعموم في الحديث ليس عموما بإطلاق يقتضي الشمول، بل هو عموم عادي يقتضي الأكثرية .
وأغلب من تحجب عنهم التوبة، وتكون بعيدة المنال عنه : من قد أشرب قلبه بهذه البدعة، وأعجب برأيه وفعله، وظن أنه يتقرب بذلك إلى الله، فأخذ يدعو إلى بدعته وفعله، ويوالي ويعادي على ذلك، فهذا بحق يتجارى به الهوى كما يتجارى الكلب بصاحبه .
ولقد توعد الله سبحانه هذا المفارق للجماعة المعجب ببدعته توعده باستدراجه على عمله، قال تعالى: وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيرًا [النساء: 115].
فهذا المفارق للجماعة السالك غير طريق الشريعة التي جاء بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، المخالف سبيل المؤمنين يجازيه الله تعالى بأن نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى أي : نحسن فعله في صدره ونزينه له استدراجا له، وكما قال تعالى: وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَد تَّعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ [الصف: 5] .