ثانيا- ذهاب قوة المسلمين
إن من مضار الفرقة الجسيمة والتي تقع على الأمة ما يحدث بسببها من ذهاب قوة المسلمين: القوة المعنوية، والقوة المادية، لما تسببه الفرقة من تناحر وتقاتل بين الجماعات المسلمة كما في الحديث: ((حتى يكون بعضهم يهلك بعضا، ويسبي بعضهم بعضا))
ولما نزل قوله تعالى: قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِّن فَوْقِكُمْ أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُم بَأْسَ بَعْضٍ انظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ [الأنعام: 65].
فاستجاب الله دعاء نبيه وأعاذه من الأمرين الأولين، ولم يجبه في الأمرين الآخرين وهو أن يجعلهم فرقا مختلفين، ويذيق بعضهم بأس بعض بالحروب وال*** .
إن الفرقة متى ما دبت في الأمة قاتل بعضهم بعضا، وصار كل يريد الغلبة لنفسه، والسيادة لملكه، وتحقيق مصلحة نفسه، حتى لو *** أخاه المسلم، وسبى أهله واعتدى على أرضه وماله.
ولعل المسلم ينظر ويعتبر بما حصل من مفاسد عظيمة جراء الخروج على عثمان رضي الله عنه، ومفارقة الجماعة والإمام؛ فخرج عليه السفهاء الجهلاء حتى ***وه شهيدا مظلوما رضي الله عنه وأرضاه.
ولقد نبه عثمان رضي الله عنه وحذر الذين حاصروه يريدون ***ه ونبههم على ضرر الفرقة فقال: "يا أيها الناس لا ت***وني واستتيبوني، فوالله لئن ***تموني لا تصلون جميعا أبدا، ولا تجاهدون عدوا جميعا أبدا، ولتختلفن حتى تصيروا هكذا، وشبك بين أصابعه" .
ولما *** عثمان قال حذيفة بن اليمان : "والله لئن كان ***ه خيرا ليحلبنها لبنا، ولئن كان ***ه شرا ليمتصن بها دما . وقال عبدالله بن سلام رضي الله عنهم يوم *** عثمان: "اليوم هلكت العرب" . وقال: "والله لا تهرقون محجما من دم إلا ازددتم من الله بعدا" .
ولقد امتصت الأمة الدماء ب*** عثمان رضي الله عنه، فبعد الرخاء والأمن بدأت الفتن تثور بين المسلمين وفي بلادهم، وبدأ القتال والتفرق يطحن في كيان الأمة، فجاءت وقعة الجمل، وأعقبتها صفين، و*** من المسلمين خلق كثير، ف*** في الجمل قرابة العشرين ألفا، وفي صفين سبعون ألفا . وما توالى على المسلمين من وقائع ونكبات أشد وأنكى.
وانظر كيف أشغلت الخلافة الإسلامية في العصور الماضية والحاضرة بقتال الفرق الخارجية الشاقة لعصا الطاعة، وكم من الدماء سفكت لتسكين ثائرتها؟ وكم من الأموال أنفقت لإسكات هذه الفرق؟
إن زعزعة الأمن، وإثارة القلاقل والفتن في المجتمع المسلم تنهك اقتصاده، وتبعثر طاقاته التي من المفترض أن تجتمع لإعمار الأرض بدين الله، والدعوة إلى توحيد المولى سبحانه، والجهاد في سبيله لإقامة الحق ورد الباطل.
فهل يكف هؤلاء المبتدعة أصحاب الفرقة عن مساعدة أعداء الإسلام على الإسلام وأهله؟ وليتقوا الله فيما يقومون به ويفعلونه من إذهاب قوة المسلمين، وإضعاف مواردهم. وليعودوا إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وليسيروا مع الجماعة المسلمة على الصراط المستقيم لتكون صفا واحدا يعلو ويعلو ...، ويرد كيد الأعداء، ويتذكروا قول المولى عز وجل: وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ [آل عمران: 103].