رابعا- خروج الفرق، وفشو الفتن والبدع
ما أن تتفرق الأمة، وتخالف أمر الله تعالى لها بالتزام الجماعة وسلوك الصراط المستقيم إلا وتقوى الفرق، وتخرج على إمام المسلمين، وتقاتل الجماعة، وتوقد معها الفتنة، وتنشر معها البدعة مما يزيد الأمة وهنا، والمسلمين بلاء، ولقد أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخوارج: ((أنهم يخرجون في فرقة من الناس))
وهذا شأن الفرق المبتدعة، شأن الضلالات والظلمات لا تجسر على الخروج إلا عند ضعف شمس الحق، يقول ابن تيمية رحمه الله: "وتجد الإسلام والإيمان كلما ظهر وقوي كانت السنة وأهلها أظهر وأقوى، وإن ظهر شيء من الكفر والنفاق ظهرت البدع بحسب ذلك، مثل: دولة المهدي، والرشيد ونحوهما ممن كان يعظم الإسلام والإيمان، ويغزو أعداءه من الكفار والمنافقين، كان أهل السنة في تلك الأيام أقوى وأكثر، وأهل البدع أذل وأقل ...
وفي دولة أبي العباس المأمون ظهر "الخرمية" ونحوهم من المنافقين، وعرب من كتب الأوائل المجلوبة من بلاد الروم ما انتشر بسببه مقالات الصابئين، وراسل ملوك المشركين من الهنود ونحوهم حتى صار بينه وبينهم مودة.
فلما ظهر ما ظهر من الكفر والنفاق في المسلمين ، وقوي ما قوي من حال المشركين وأهل الكتاب، كان من أثر ذلك ما ظهر من استيلاء الجهمية والرافضة وغيرهم من أهل الضلال، وتقريب الصابئة ونحوهم من المتفلسفة ...
فتولد عن ذلك محنة الجهمية حتى امتحنت الأمة بنفي الصفات والتكذيب بكلام الله ورؤيته، وجرى من محنة الإمام أحمد وغيره ما جرى مما يطول وصفه" .