المجرم السياسي هو من يرتكب جريمة سياسية. والجريمة السياسية حسب المادة 195 من قانون العقوبات السوري هي: الجرائم المقصودة التي أقدم عليها الفاعل بدافع سياسي وهي كذلك الجرائم الواقعة على الحقوق السياسية العامة والفردية ما لم يكن الفاعل قد انقاد لدافع أناني دنيء.
وبالتالي فإن الفرق بين المعتقل السياسي وبين المجرم السياسي فرق كبير . فالمعتقل السياسي يتعرض للتوقيف وحجز الحرية لمجرد أنه يؤمن بعقيدة حزبية أو سياسية معينة أو لمجرد أنه عبر عن آرائه السياسية التي يؤمن بها. أما المجرم السياسي فإنه لا يكتفي بالانطواء على عقيدة سياسية معينة أو التعبير عنها، بل أنه يسمح لهذه العقيدة أن تدفعه إلى ارتكاب جرم مقصود معاقب عليه بالقانون مبتغياً نشر عقيدته السياسية أو تطبيقها أو حمايتها أو خدمتها.
فهنا لم نعد أمام صاحب رأي يعتقل بسبب رأيه، وإنما نحن أمام شخص دفعته عقيدته السياسية إلى ارتكاب جريمة معاقب عليها، وشتان ما بين الحالتين !!
فإذا كان الدستور يحمي أصحاب الرأي ويصون حقهم في التعبير، فإن هذه الحماية مشروطة بعدم مخالفة النصوص القانونية النافذة. وبالتالي فإن صاحب الرأي الذي يقوم بارتكاب جريمة يكون قد تنازل عن الحماية الدستورية المكفولة له ويعرض نفسه للعقوبة كأي مواطن آخر.
ومع ذلك فإن القانون السوري عامل الجرائم السياسية معاملة خاصة تتبدى في ناحيتين: الأولى ألغى القانون السوري عقوبة الإعدام بالنسبة للمجرمين السياسيين، فلا يعدم المجرم السياسي مهما كانت الجريمة التي ارتكبها. والثانية تخفيف العقوبات المفروضة على المجرمين السياسيين وذلك بالتفصيل الذي ذكرته المادة 197 من قانون العقوبات السوري ولا نجد داعياً لذكرها هنا.
ضوابط التمييز بين الاعتقال السياسي والاعتقال الجنائي:
إذا كان يقال أن الشيطان يكمن في التفاصيل، فإنه بالنسبة لهذا الموضوع فإن الشيطان يكمن في هذه الضوابط.
حسب التعريف السابق الذي اقتبسناه من القانون العراقي،قد يبدو من السهل تحديد الضوابط التي تميز بين المعتقل السياسي وبين المعتقل الجنائي.
فالمعتقل السياسي هو من كان اعتقاله بسبب رأيه أو انتمائه السياسي، أما المعتقل الجنائي فهو من كان اعتقاله بسبب ارتكابه إحدى الجرائم المعاقب عليها بموجب قانون العقوبات وغيره من القوانين الجزائية كالسرقة أو ال*** أو الاختلاس وسواها من الجرائم.
لكنَّ موضوع التمييز بين المعتقل السياسي والمعتقل الجنائي، يغدو أكثر صعوبة عندما يرتكب صاحب الرأي السياسي جرماً معاقباً عليه ويجري اعتقاله بسبب هذا الجرم . فهنا هل يعتبر هذا الاعتقال جنائي أم سياسي؟ هنا تماماً تجدون الشيطان يتربص بكم !!!!
فمن يميل إلى صاحب الرأي المعتقل سيقول أن اعتقاله سياسي، أما من يميل إلى خصوم صاحب الرأي المعتقل فسوف يزعم أن اعتقاله جنائي. فكيف يمكن وضع ضابط للتمييزبين الحالتين ؟
الأمر هنا بالغ الدقة جداً، والضابط الذي يوضع للتمييز تترتب عليه نتائج في غاية الأهمية، فإما أن يعتبر المعتقل مجرد مجرم خارج عن القانون وإما أن يرتقى به إلى مصاف المناضلين في سبيل الحرية.
أولاً ـ لا يمكن القبول بالرأي الذي طرحه السيد محمد زيان وزير حقوق الإنسان سابقاً في المغرب عندما قال بلسان أغلبية الحقوقيين أنهم : يعتبرون أن اعتقال مناضل سياسي أو مفكر اجتماعي يدخل في إطار محاربة النضال والفكر ويعتبرونه معتقل سياسي ولو التجأت الحكومات إلى تبرير هذا الاعتقال بارتكاب إجرام لاعلاقة له بهدف سياسي واضح يرمي إلى تغيير طبيعة النظام. فأحيانا يمكن اعتقال مناضل أو مفكر لاستهلاك المخدرات ولكن نعلم جميعا أنه لو لم يكن مناضلا أو مفكرا يواجه النظام لما تماطلت الشرطة القضائية في اعتقاله رغم انه من مستهلكي المخدرات. فالمخدرات هنا مبرر للاعتقال لكن وراء محاربة الإجرام هناك إرادة سياسية من الحكومة تهدف إلى توقيف نشاطه ومعاقبته من اجل أفكاره)) .
نحن نعتقد أن هذا الرأي مبالغ به كثيراً ، خاصة وأن الوزير محمد زيان ضرب مثالاً بتعاطي المخدرات، فيا حبذا لو أعطى غير هذا المثال. إذ ما علاقة تعاطي المخدرات بالعمل السياسي؟ وهل نريد للسياسة أن تمنح حصانة لطبقة السياسيين تخولهم ارتكاب ما شاءوا من الجرائم دون جزاء أو عقاب تحت ستار أنهم يملكون رأياً سياسياً ؟
هذا الرأي مرفوض،من قبلنا، لأننا نعتقد أن صاحب الرأي السياسي أو المناضل يجب أن يكون قدوة في سلوكه وتصرفاته وأن يكون أحرص من سواه على التقيد بالقوانين والأخلاق العامة. لا أن يستغل نشاطه السياسي للتغطية على جرائمه وموبقاته .
ثانياً ـ لا يمكننا، أيضاً، القبول بالرأي المقابل الذي ينظر إلى أصحاب الرأي السياسي على أنهم مجرمون خطرون يجب الزج بهم في ظلمة السجون تحت أي ذريعة أو مخالفة قانونية قد يرتكبونها . فهناك أصحاب رأي مخلصون ووطنيون ويشكلون قدوة حقيقية في سلوكهم واستقامتهم، لايجوز بأي شكل من الأشكال معاملتهم معاملة المجرمين الخارجين على القانون لمجرد أنهم ارتكبوا خرقاً قانونياً أو أساؤا إساءة بسيطة في معرض تعبيرهم عن رأيهم أو ممارسة حقهم المشروع في إبداء آرائهم السياسية.
ثالثاً ـ موضوع التمييز يشكل معضلة حقيقية، وهو ليس بالأمر البسيط خاصة في ظل الواقع السياسي والأمني والقانوني الذي تعيش به معظم الدول العربية. لذلك فإنني أقترح لحل هذه المعضلة مبدئياً، بتبني النص الذي ورد في القانون العراقي، رغم ثغراته، وأن يتم بناءً عليه التمييز بين المعتقل السياسي والمعتقل الجنائي. أي أن يكون المعتقل السياسي هو كل شخص حجزت حريته بسبب آرائه وميوله وانتماءاته السياسية دون أن يكون قداقترف جرماً منصوصاً عليه في القوانين النافذة، ودون إحالته إلى القضاء الطبيعي للنظر في التهمة الموجهة إليه. وذلك مع الأخذ بعين الاعتبار الفارق الجوهري بين المعتقل السياسي والمجرم السياسي والآثار التي رتبها القانون السوري على هذا الفارق.
قد يكون هذا الرأي، غير مقبول من شريحة معينة، لكنني أراه رأياً يتناسب مع عوامل الاستقرار التي تحميها النصوص القانونية النافذة، كما أنه يصون حرية الرأي والتعبير وممارسة العمل السياسي في حدودها الدنيا.
وقد يقول البعض معترضاً، أن النصوص القانونية النافذة، سنتها السلطة الحالية بما يتناسب مع توجهاتها ومصالحها وبالتالي نحن غير ملزمين بها. ومثل هذا الرأي وإن كان، منطقياً، يحمل بعض الصحة إلا أنه عملياً يؤدي إلى زعزعة الاستقرار وتفكيك المنظومة القانونية بكاملها مما يؤدي إلى الفوضى . فلا يستطيع المرء أن يبيح لنفسه مخالفة القوانين لمجرد أنه غير مؤمن بالسلطة التي سنت هذه القوانين، وإلا أصبح بمقدور أي فرد أن يتنصل من نصوص القانون بادعاء أنه معارض للسلطة التي وضعتها، وإذا لم تكن هذه هي الفوضى فلا أعرف كيف تكون .
والمحظور الذي يمكن إثارته ضد هذا الاقتراح بالقول أن السلطة قد تستغل بعض النصوص القانونية ذات التعابير العامة والمرنة والتي يمكن تفسيرها بأوجه عديدة، للإيقاع بأصحاب الرأي وملاحقتهم بموجبها . هذا المحظور في الواقع حقيقي وخطير ولا يمكن تلافيه بأي شكل من الأشكال، إلا بحرص أصحاب الرأي على عدم إعطاء السلطة ذريعة للإيقاع بهم بموجب هذه النصوص .
لكن من جهة أخرى إذا عممنا مفهوم المعتقل السياسي على النحو الذي ذهب إليه الوزير المغربي، فإن محظوراً آخر سيواجهنا وهو استغلال بعض أصحاب الرأي لهذا المفهوم الفضفاض للاعتقال السياسي من أجل التغطية على جرائمهم واعتبار نشاطهم السياسي حصانة لهم ضد الملاحقة وهذا أيضاً أمر في غاية الخطورة ولا يمكن القبول به.
لذلك نعتقد أن النص الوارد في القانون العراقي هو حل وسط بين الفريقين وإن كان يراعي مصلحة السلطة أكثر من مصلحة أصحاب الرأي لكنه يبقى ضابطاً معقولاً ويحقق لمفهوم الاعتقال السياسي مضموناً ثابتاً ومستقراً .