عرض مشاركة واحدة
  #10  
قديم 31-01-2014, 08:51 PM
الصورة الرمزية محمد رافع 52
محمد رافع 52 محمد رافع 52 غير متواجد حالياً
مشرف ادارى متميز للركن الدينى ( سابقا )
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 19,444
معدل تقييم المستوى: 35
محمد رافع 52 will become famous soon enough
افتراضي

عباد الله، اتَّقوا الله - تعالى - وتأدَّبوا بآداب الإسلام، وتخلَّفوا بأخلاق سيِّد الأنام، واعلَموا أنَّ ممَّا حثَّ عليه الإسلام الإصلاحَ بين المسلمين وإزالةَ الضغائن والأحقاد بينهم، فإنَّ السَّاعي في ذلك المحتسب الأجرَ يُثاب على ذلك؛ لقوله - جلَّ وعلا -: ﴿ لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا ﴾ [النساء: 114].

فالكثير من الناس يا عبادَ الله يحصل بينهم شيءٌ من الشِّقاق والنِّزاع؛ إمَّا بسبب أمور دنيويه، أو تطاوُل البعض على البعض الآخَر، أو لاختلاف وجهات نظر، والشيطان حريصٌ على تفريق المسلمين وشَتات شَملِهم وإيقاع العَداوة بينهم.

فإذا أهمَلَ المسلمون تعاليمَ دِينهم، وتَناسوا توجيهات نبيِّهم، دخَل الشيطان بينهم، وأوقَع العداوة بينهم، وأذكى نارَ الفتنة، وأخذ كلُّ واحدٍ يُحاوِل الانتصارَ لنفسه وفرْض رأيه على الآخَر، وتناسَى الحق والعدل والإنصافَ من نفسه، فإذا حصل شيءٌ من ذلك فلا بُدَّ أنْ يتدخَّل المسلمون بين إخوانهم في حَلِّ نِزاعهم، فإنَّهم كالجسد الواحد إذا اشتَكَى منه عضوٌ تَداعَى له الجسد كلُّه، فألمُ الواحد يُؤلم الجميع إذا صَفَتْ سَرائرُهم وصلحت نيَّاتهم؛ قال نبيُّنا - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((مثَل المؤمنين في تَوادِّهم وتراحُمهم وتعاطُفهم مثل الجسد؛ إذا اشتكى منه عضوٌ تداعى له سائرُ الجسد بالسهر والحمَّى))[1].

فإذا اشتكى عضوٌ من أعضاء المسلمين فلا بُدَّ أنْ يتألَّم له سائرُ المسلمين، فقد وصفَهُم نبيُّهم وطبيبُهم - صلوات الله وسلامه عليه - بالجسد والواحد، والجسد الواحد إذا آلَمه شيءٌ من أعضائه تألَّم كلُّه وسهر كله، فلا ترتاح بقيَّة الأعضاء وفيها عضوٌ متألم، ولا تنامُ وفيها عضوٌ يتألَّم.

والله - سبحانه وتعالى - حثَّ على الإصلاح بين المؤمنين ورغَّب فيه بقوله - جلَّ وعلا -: ﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ﴾ [الحجرات: 10].

ونبيُّنا - صلوات الله وسلامه عليه - أخبر أنَّ على كلِّ عضوٍ من أعضاء العبد صدقة، وأنَّ العدل بين الاثنين صدقة؛ فقال في حديثٍ رواه البخاري ومسلم: ((كلُّ سُلامى من الناس عليه صدقةٌ، كل يوم تطلع فيه الشمس يَعدِل بين الاثنين صدَقة))[2].

وأخبر أنَّ فساد ذات البين هي الحالقة؛ ففي حديثٍ عن أبي الدرداء - رضِي الله عنه - قال: قال رسول الله، - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((ألاَ أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصلاة والصدقة؟))، قالوا: بلى، قال: ((إصلاح ذات البَيْن، فإنَّ فساد ذات البَيْن هي الحالقة))؛ رواه أبو داود والترمذي وقال: حديث صحيح.

قال: ورُوِي عن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - أنَّه قال: ((هي الحالقة، لا أقول: تحلق الشعر، ولكن تحلق الدِّين))[3].

ثم إنَّه لا بُدَّ أنْ يكون الإصلاح مقصودًا فيه العدل والإنصاف وعدم الإضرار بأحد الطرفين على حِساب الآخَر حتى يُوفَّق الُمصلِحُ وتطيب نفوس المُصلَحِ بينهم، فإنهم إذا شعروا بالمقصد الحسن والنيَّة الصالحة، يتجاوَبُون ويتقارَبُون ويعرفون أنَّ الدافع حسن، فتحصل الثَّمرة الطيِّبة ويَزُول الشِّقاق والنِّزاع، وتَعُود المياه إلى مجاريها والحقوق إلى أصحابها، وتطيب النفوس ويحصل التوادُّ والتعاطف، وتظهر ثمرة الأخوَّة الإسلاميَّة، ويشعُر كلُّ واحدٍ أنَّه عضوٌ من الآخَر يُسرُّ بسُرورِه ويتألَّم بآلامه.

وهكذا تعاليم دِيننا السمحة، وإرشادات نبيِّنا القيِّمة، فلو أخَذ المسلمون بها لما نالَهم ما يَسُوءهم، ولعاشوا عيشةً طيِّبة، ولسَلِمُوا من تعقيدات الحياة وإتعاب النُّفوس والأجسام، فما أحرى بنا وما أحوجنا إلى العودة إلى تعاليم ربِّنا والتمسُّك بأخلاق نبيِّنا - صلَّى الله عليه وسلَّم -، فقد تنافَرت النفوس وتعبت الأجسام وأخذ البعض لا يَثِقُ بالبعض الآخَر، وقلَّ الاحتسابُ في الإصلاح.

فاتَّقوا الله يا عبادَ الله، وارجِعُوا إليه بصدقٍ وإخلاص، وأَصلِحوا ذاتَ بينكم؛ فإنَّ الله - سبحانه وتعالى - يقولُ: ﴿ يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾ [الأنفال: 1].

بارَك الله لي ولكُم بالقُرآن العظيم، ونفعَنِي وإياكم بما فيه من الآيات والذِّكر الحكِيم، وتابَ عليَّ وعليكم إنَّه هو التوَّاب الرحيم.

أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيمَ الجليلَ لي ولكم ولسائر المسلمين من كلِّ ذنب، فاستغفِرُوه إنَّه هو الغفور الرحيم.



__________________
رد مع اقتباس