◄الواقعة الأولى: هل مراد موافى يحمل مبارك المسؤولية عن قـتـل المتظاهرين؟
هذا السؤال خطير.. لماذا.. لأن إجابته سواء بالنفى أو بالإيجاب سيترتب عليها موقف قانونى جديد للرئيس الأسبق محمد حسنى مبارك، ومن ثم عقيدة جديد لدى القائمين على تحقيق العدالة من هيئة المحكمة الموقرة، خاصة أن تلك الإجابة لا تخرج من رجل عادى إنما من رجل المخابرات الأول وقت ثورة يناير مراد موفى، ولكن قبل الإجابة على هذا السؤال، لابد أن أذكرك، كيف أجاب عمر سليمان مدير المخابرات الأسبق ونائب رئيس الجمهورية على هذا السؤال فى الجولة الأولى من محاكمة القرن.
المستشار أحمد رفعت قاضى القرن وقتها سأل عمر سليمان سؤالين بمضمون واحد ولكن بصيغتين مختلفتين وكلاهما يتعلقان بمدى مسؤولية مبارك عن الأحداث ووقائع قـتل المتظاهرين، وكان السؤال الأول يحمل رقم 17 فى قائمة الأسئلة الموجهة لسليمان ونصه، هل تعلم أن رئيس الجمهورية السابق كان على علم من مصادره بقـتل المتظاهرين؟
أهمية السؤال أن مبارك ادعى فى تحقيقات النيابة أنه لم يكن يعلم وقائع القـتل، وإنه اتخذ وسائل لمنع تطور الأحداث، ومن ثم كان يتوجب على القاضى الجليل المستشار أحمد رفعت قاضى الجولة الأولى من المحاكمة أن يتحقق من هذه الواقعة بنفسه، ويسأل فيها كل الشهود لكى يبنى عقيدة صحيحة يخرج من خلالها بحكم عادل يرضى ضميره.

إجابة سليمان على السؤال، كانت دليل عملى على أن رجل المخابرات سيفصح عما يريد هو أن يقوله وليس عما تريد أنت أو أنا أو القاضى معرفته، فسليمان لم يجب بنعم أو بلا، وهما الإجابتان اللتان ما كان يجب أن تخلو منهما الإجابة أبداً، وإنما أجاب سليمان بـ: «يسأل فى ذلك مساعديه الذين أبلغوه هل هو على علم أم لا».
السؤال الثانى الذى وجهته محكمة القرن إلى سليمان بنفس مضمون السؤال الأول ولكن بصيغة مختلفة حمل رقم 19 وجاء نصه، هل تستطيع على سبيل القطع والجزم واليقين تحديد مدى مسؤولية رئيس الجمهورية السابق عن التداعيات التى أدت إلى إصابة وقـتـل المتظاهرين؟
قبل أن أذكر لك إجابة سليمان، أريد أن أجذب انتباهك فقط إلى طريقة صياغة السؤال نفسه من قبل القاضى الموقر أحمد رفعت، مستخدما عبارة «على سبيل القطع والجزم واليقين»، فى محاولة منه الوصول إلى أى إجابة يقينية، ولكن عمر سليمان لم يفكر أبداً وكانت رده حاضرا بأنه لا إجابة على السؤال ولكن لخصها فى جملة قصيرة من 4 كلمات نصها: «هذه مسؤولية جهات التحقيق».
النتيجة المؤكدة هنا بعد أن سردت لك أهم سؤالين فى شهادة عمر سليمان، أن سليمان لم يحمل مبارك أى مسؤولية مهما كانت جنائية أو سياسية، وكان حريصا كل الحرص على التوازن التام فى الإجابات، وأستأذنك هنا الاحتفاظ بتلك النتيجة ستحتاجها بعد قليل، وأعود بك إلى أصل الحلقة وعنوانها «مراد موافى» والسؤال الصعب، هل مراد موافى يدين مبارك ويحمله المسؤولية عن وقائع قـتـل المتظاهرين خلال ثورة 25 يناير؟
الإجابة على السؤال تقتضى معرفة نص حديث موافى عن تلك الواقعة، وبحسب ما يقول المصدر أن موافى سأٌل فى الحديث.. باعتبارك مدير المخابرات العامة وقت ثورة يناير، هل تعتقد أن رئيس الجمهورية الأسبق حسنى مبارك كان على علم بالمتوفين والمصابين فى أحداث يناير؟، إجابة موافى لم تكن مثل إجابة سليمان تتضمن كلاما بدون معنى واضح، إنما كانت إجابة مركزة وقال: «نعم بالنسبة للمصابين وكان فيه تقرير يومى يرفع إلى الرئيس».

هذه الإجابة وحدها تكفى لتغيير الموقف القانونى لمبارك إلى الأسوأ باعتبارها الاعتراف الأول لرجل المخابرات الأول وقت الثورة أن الرئيس الأسبق مبارك كان يعلم بالمصابين والوفيات، وكان يقدم إليه تقريرا يوميا من المخابرات العامة، وهذه الإجابة ترد على مزاعم محامى مبارك الذين ادعوا أن مبارك لم يكن على علم بالمصابين أو الوفيات وقت الأحداث نهائياً، والأخطر أن موافى عندما سأل عن مسؤولية مبارك عن الأحداث، وهو نفس سؤال عمر سليمان، أجاب موافى بإجابة قاطعة نصها: «مبارك رئيس الدولة مسؤول عن الدولة، وكل جهة فى الدولة بتعد تقرير وتقدمه له وهو مسؤول سياسيا عن الأحداث، والأجهزة الأمنية كانت بترفع تقارير سرية للرئيس كل شهرين أو ثلاث شهور ومن ضمن بنود التقارير الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية».
إجابتا موافى بحسب المصدر هما إجابتان يقلبان موازين قضية القرن خاصة أنهما يحملان دلالات نوعية مهمة فيما يتعلق بإثبات معرفة مبارك لمجريات الأمور فى أحداث يناير من وفيات ومصابين دون قيامه باتخاذ إجراءات تحول دون استمرارها، وهو ما يضعه تحت طائلة القانون جنائيا وسياسياً، باعتباره رئيس الجمهورية وقتها، والقائم على إدارة شؤونها ورعاية أبنائها وحماية مصالحها الوطنية.
يُــتــبــــــــــــــــــــــــــــــــع