الدولة القوميـــــــــــــــــة
هى تلك الدولة التى تجمع مجموعة من الأفراد ترتبط ببعضها البعض بوحدة الأرض والأصل والعادات واللغة من جراء الاشتراك في الحياة وفي الشعور الاجتماعي وجغرافية مشتركة ومصير مشترك ومصلحة اقتصادية مادية مشتركة وثقافة مشتركة.
والواقع ان تكوين الدولة ليس تكويناً اجتماعيـاً فقـط كالأسرة والقبيلة والأمة، فالدولة كيان سياسي تخلقه عدة عوامل أبسطها وأولها القومية.
فالدولة القومية هي الشكل السياسي الوحيد المنسجم مع التكوين الاجتماعي الطبيعي وهي التي يدوم بقاؤها ما لم تتعرض لطغيان قومية أخرى أقـوى منهـا، أو أن يتـأثر تكوينهـا السيـاسي كدولة بتكوينهـا الاجتمـاعي كقبائل وعشائر وأسر. فلو خضع التكوين السياسي للتكوين الاجتماعي العائلي والقبلي أو الطائفي وأخذ اعتباراته لفسد.
أما العوامل الأخرى لتكوين الدولة غير الدولة البسيطة (الدولة القومية) فهي عوامل دينية واقتصادية وعسكرية .
فالدين الواحد قد يكون دولة من عدة قوميات… والضرورة الاقتصادية كذلك … والفتوحات العسكرية أيضاً...
وهكذا يشهد العالم في عصر ما تلك الدولة أو الإمبراطورية ، ثم يراها قد اختفت في عصر آخر.
فعندما تظهر الروح القومية أقوى من الروح الدينية ، ويشتد الصراع بين القوميات المختلفة التي يجمعها دين واحد مثلاً ، تستقل كل أمة راجعة إلى تكوينها الاجتماعي فتختفي تلك الإمبراطورية… ثم يأتي الدور الديني مرة أخرى عندما تظهر الروح الدينية أقوى من الروح القوميـة فتتحد القوميـات المختلفة تحت علم الدين الواحد.. حتى يأتي الدور القومي مرة أخرى وهكذا.
فكل الدول المتكونـة من قوميـات مختـلفة بسـبب ديني أو اقتصادي أوعسكري أو عقائدي وضعي سوف يمزقها الصراع القومي حتى تستقل كل قومية ... أي ينتصر حتماً العامل الاجتماعي على العامل السياسي.
وهكذا فبالرغم من الضرورات السياسية التي تحتم قيام الدولة ، إلا أن أساس حياة الأفراد هو الأسرة ثم القبيلة ثم الأمة إلى الإنسانية ، فالعامل الأساسي هو العامل الاجتماعي وهو الثابت ... أي القومية ومن ثم فإن تجاهل الرابطة القومية للجماعات البشرية ، وبناء نظام سياسي متعارض مع الوضع الاجتماعي هو بناء مؤقت سيتهدم بحـركـة العـامل الاجتماعي لتلك الجماعات.
ولقد توسعت الدولة القومية في قوتها بعد الحرب العالمية الثانية كثيرا، ولأنها الكيان الوحيد المعترف به والذي يؤخذ بصوته في "الأمم المتحدة"، فإن هيمنة أي مجموعة أو حزب أو قبيلة على "الدولة" يعني إفساح المجال أمام هذه الفئة لأن تظلم أفراد المجتمع بحجة الحفاظ على أمن الدولة وبالرغم من أن الأمم المتحدة تشترط على الدول أن تكون منبثقة من شعوبها تحت عنوان "حق تقرير المصير" إلا أن المؤسسة الدولية عاجزة أمام سلطة الدولة داخل حدود تلك الدولة، لان الامم المتحدة تمنع "التدخل في الشئون الداخلية للدول القومية". ولذلك فقد سعى "الإعلان العالمي لحقوق الإنسان" لموازنة "ميثاق الأمم المتحدة" من خلال التأكيد على حقوق المواطن ومطالبة "الدول القومية" بالتوفيق على المعاهدات التي تضمن للمواطنين حقوقهم.
ولا زال المبدأ الأساس لتشكيل الدولة القومية "حق تقرير المصير" يشكو من الخلل والالتباس بخصوص كيفية التحقق من تقرير شعب ما لمصيره. وأيضا من هو الشعب الذي يقرر مصيره ؟ وما هي مكوناته ؟ هل أن الشعب هو الذي تجمعه لغة مشتركة ؟ دين مشترك ؟ أصل أثني مشترك ؟ العيش على ارض مشتركة ؟ أقليم معين ؟
وتواجه الدولة القومية اليوم تحدياً حقيقياً لسلطاتها. فلقد تشبعت الدولة من امتلاكها للسلطات واصبحت عاجزة عن تنمية القدرات الاقتصادية، بل أنها أصبحت عالة على نفسها وعلى المجتمع. ولهذا اتجهت الدول القومية "للخصخصة" و"عولمة الاقتصاد" و"تحرير سوق النقد والاموال" للتخلص من الأعباء التي ألقتها على نفسها، واكتشفت أنها لا تستطيع إدارتها وتنميتها بنجاح.
وفي البعد الآخر فإن حركة حقوق الإنسان العالمية بدأت تؤثر على السياسة الدولية، وأصبحت المواثيق الدولية والعهود والاتفاقيات ذات فاعلية أكبر من ذي قبل. ولعل مؤتمر هلسنكي في العام 1976، "منظمة التعاون والأمن الأوروبي" قد أوجد نقلة نوعية في هذا الشأن إذ اعتبرت المنظمة بأن لها الحق أن تتدخل في الشؤون الداخلية للدول الأعضاء في المنظمة إذا كان ذلك الشأن يتعلق بحقوق الإنسان. وأخذ المفهوم يتعزز منذ ذلك الوقت في المحافل الدولية. ولذلك فإن نشاطات مفوضية حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة آخذة في الازدياد والأهمية.
فالدولة القومية هى تنظيم اجتماعي يتشكل من نواة هي الأسرة. والأسرة عندما تتوسع عن طريق التزاوج مع الأقارب تصبح عشيرة أو قبيلة. أما عندما تكون الروابط الجامعة بين أفراد المجتمع هي غير الإنتماء الأسري فإننا نتقل إلى وضع آخر وأكثر تطورا نشاهده في "المدن". والتنظيم الاجتماعي الإنساني من المفترض أنه تصاعد من القبيلة إلى المدينة ثم إلى الدولة.