عتبة بن ربيعة كان سيداً فى قومه , قال يوماً , وهو فى نادى قريش , ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - جالس فى المسجد وحده :
يا معشر قريش ألا أقوم إلى محمد ؟ فأكلمه , وأعرض عليه أموراً لعله يقبل بعضها , فنعطيه أيها شاء , ويكف عنا ؟
وذلك حين أسلم حمزة رضى الله عنه , ورأوا أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم يكثرون ويزيدون
فقالوا : بلى , يا أبا الوليد قم إليه , فكلمه , فقام إليه عتبة , حتى جلس إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم -
فقال : يا ابن أخى , إنك منا حيث قد علمت من السطة فى العشيرة , والمكان فى النسب , وإنك قد أتيت قومك بالأمر عظيم فرقت به جماعتهم , وسفهت به أحلامهم , وعبت به آلهتهم ودينهم وكفرت به من مضى من آبائهم , فاسمع منى أعرض عليك أموراً تنظر فيها , لعلك تقبل منها بعضها .
قال : فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : قل يا أبا الوليد أسمع
قال يا ابن أخى , إن كنت إنما تريد بما جئت به من هذا الأمر مالاً جمعنا لك من أموالنا حتى تكون أكثرنا مالاً , وإن كنت تريد به شرفاً سودناك علينا , حتى لا نقطع أمراً دونك , وإن كنت تريد به ملكاً ملكناك علينا , وإن كان هذا الذى يأتيك رئيا تراه لا تستطيع رده عن نفسك طلبنا لك الطب , وبذلنا فيه أموالنا حتى نبرئك منه , فإنه ربما غلب التابع على الرحيل حتى يداوى منه
أو كما قال له حتى إذا فرغ عتبة ورسول الله يستمع منه
قال : أقد فرغت يا أبا الوليد ؟
قال : نعم
قال : فاسمع منى
قال : أفعل
فقال : بسم الله الرحمن الرحيم {* حم * تنزيل من الرحمن الرحيم * كتاب فصلت آيته قرآناً عربياً لقوم يعلمون * بشيراً ونذيراً * فأعرض أكثرهم فهم لا يسمعون * وقالوا قلوبنا فى أكنة مما تدعونا إليه }
ثم مضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيها يقرأها عليه , فلما سمعها منه عتبة أنصت لها , وألقى يديه خلف ظهره معتمداً عليهما , يسمع منه , ثم انتهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى السجدة منها فسجد
ثم قال : قد سمعت يا أبا الوليد ما سمعت , فأنت وذاك .
فقام عتبة إلى أصحابه , فقال بعضهم لبعض : نحلف بالله لقد جاءكم أبو الوليد بغير الوجه الذى ذهب به .
فلما جلس إليهم قالوا : ما وراءك يا أبا الوليد ؟
قال ورائى أنى سمعت قولاً والله ما سمعت مثله قط , والله ما هو بالشعر , ولا بالسحر , ولا بالكهانة , يا معشر قريش أطيعونى واجعلوها بى , وخلوا بين هذا الرجل وبين ما هو فيه فاعتزلوه فو الله ليكونن لقوله الذى سمعت منه نبأ عظيم , فإن تصبه العرب فقد كفيتموه بغيركم , وإن يظهر على العرب فملكه ملككم , وعزه عزكم , وكنتم أسعد الناس به
قالوا : سحرك والله يا أبا الوليد بلسانه
قال : هذا رأيى فيه , فاصنعوا ما بدا لكما