عرض مشاركة واحدة
  #23  
قديم 27-04-2014, 11:53 AM
الصورة الرمزية محمد رافع 52
محمد رافع 52 محمد رافع 52 غير متواجد حالياً
مشرف ادارى متميز للركن الدينى ( سابقا )
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 19,444
معدل تقييم المستوى: 35
محمد رافع 52 will become famous soon enough
افتراضي

وقد أخبر صلى الله عليه وسلم أنّه كان يعاني من الوحي شدة طوال فترة بعثته غير أنّه تعود وتحمل دون رعب وفزع منه ومن الملك بخلاف ما كان يعاني وقت بدايته.
ويؤيد هذا ما روته عائشة رضي الله عنها أنّ الحارث بن هشام سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "أحيانًا يأتيني مثل صلصلة[14] الجرس وهو أشده عليَّ حتى يفصم عني وقد وعيت عنه ما قال، وأحيانًا يتمثل لي الملك رجلاً فيكلمني فأعي ما يقول"، قالت عائشة رضي الله عنها: ولقد رأيته ينزل عليه الوحي في اليوم الشديد البرد فيفصم عنه وإن جبينه ليتفصد عرقًا"[15].
وأما بعد أن أمر الله سبحانه وتعالى رسوله صلى الله عليه وسلم بالجهر بالدعوة إلى الله فقد ازدادت الشدة عليه وعلى المؤمنين بسبب معاداة قومه دعوته وإيذائه هو وأصحابه بكل ما أوتي لهم من قوة حسيًّا ومعنويًا.
ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم قد بذل أقصى جهده في إبلاغ الدعوة إلى الناس وهو لا يخاف لومة لائم مهما كانت قوته وسلطته وتحمل المشاق في سبيل إنجاحها.
وقد سلك الرسول صلى الله عليه وسلم في إبلاغ قومه في هذه المرحلة طرقًا شتى وهي إمّا أن يطلب الناس إلى التجمع ليبلغ رسالة ربّه أو أن يذهب إلى أماكن تجمعهم كالمواسم والأسواق، أو أن يذهب إلى مواطنهم ومكان إقامتهم..
وأذكر هنا ما يؤيد ذلك من النصوص الصحيحة:
الطريقة الأولى: تجمع الناس لدعوتهم: ومما يدل على ذلك ما رواه ابن عباس رضي الله عنهما قال: لما نزلت: {وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ} [الشعراء:214] خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى صعد الصفا فهتف يا صباحاه فقالوا: من هذا فاجتمعوا إليه فقال: "أرأيتم إن أخبرتكم أن خيلاً تخرج من سفح هذا الجبل أفكنتم مصدقي؟" قالوا: نعم ما جربنا عليك كذبًا. قال: "فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد" قال أبو لهب: تبًا لك ما جمعتنا إلا لهذا؟[16]
وهذا الحديث يدل على مدى اهتمام الرسول صلى الله عليه وسلم إبلاغ الدعوة إلى قومه بحيث وقف على جبل الصفا في الصباح الباكر قائلاً بأعلى صوته: يا صباحاه لينبه هؤلاء حتى يجتمعوا له ومن ثم يبلغهم ما كلف به من قبل الله سبحانه وتعالى كما أنّه يدل على ما عانى الرسول صلى الله عليه وسلم من قومه من الاستهزاء والاستكبار والإعراض عنه والدعاء عليه وخاصة من أقرب شخص إليه وهو عمه أبو لهب الخاسر.
ولا يخفى ما لهذه الواقعة من المشقة إذ أنها تؤدي إلى اليأس بالنسبة لصاحب الرسالة وللمؤمنين من هؤلاء لولا لطف الله وعنايته المستمرين عليهم وكذلك إخبار الله تعالى عن الأمم السابقة وموقفهم من الرسل عليهم الصلاة والسلام من تكذيب وتعنت تسلية له صلى الله عليه وسلم ولأصحابه.
الطريقة الثانية: وهي الذهاب إلى أماكن تجمعهم كالمواسم: ومما يدل على ذلك ما أخرجه الحاكم عن جابر بن عبد الله قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرض نفسه على الناس بالموقف فيقول: "هل من رجل يحملني إلى قومه فإن قريشًا قد منعوني أن أبلغ كلام ربي" فأتاه رجل من همدان فقال: أنا فقال: "وهل عند قومك منعة؟" قال: نعم وسأله من أين هو؟ فقال: من همدان ثم إن الرجل الهمداني خشي أن يحفزه قومه فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: آتي قومي فأخبرهم ثم ألقاك من عام قابل قال: نعم، فانطلق وجاء وفد الأنصار في رجب)[17].
وهذا الحديث يدل دلالة واضحة على ما قام به مشركو قريش في وقف الدعوة الإسلامية حتى اضطر صاحب الرسالة صلى الله عليه وسلم أن يبحث عن قوم آخرين يوجه إليهم الدعوة التي كلف بتبليغها.
وفي ترك وطنه مشقة كبرى لا يشعرها إلا من مارس ذلك بالفعل لأنّه يقال ليس الخبر كالمعاينة مع الالتفات إلى الأسباب الداعية إلى ذلك وهي ما لقي من مشركي قريش من الأذى حسيًا كان أو معنويًا.
ومن ذلك أيضًا ما أخرجه البخاري ومسلم عن عائشة رضي الله عنها أنّها قالت للنبي صلى الله عليه وسلم: هل أتى عليك يوم كان أشد من يوم أحد؟ قال: "لقد لقيت من قومك وكان أشد ما لقيت منهم يوم العقبة[18] إذ عرضت نفسي على ابن عبد ياليل بن عبد كلال فلم يجبني إلى ما أردت، فانطلقت وأنا مهموم على وجهي فلم أستفق إلاّ وأنا بقرن الثعالب[19] فرفعت رأسي فإذا أنا بسحابة قد أظلتني فنظرت فإذا فيها جبريل فناداني فقال: إن الله عز وجل قد سمع قول قومك لك وما ردوا عليك وقد بعث إليك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم فناداني ملك الجبال فسلم عليَّ ثم قال: يا محمد إن الله قد سمع قول قومك لك وأنا ملك الجبال وقد بعثني ربك إليك لتأمرني بأمرك فما شئت؟ إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين[20]. فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده ولا يشرك به شيئًا"[21].

__________________
رد مع اقتباس