متاع الجبال .. اعجاز علمي @
دكتور أحمد مليجي
أستاذ الجيولوجيا والبيئة بالمركز القومي للبحوث – الدقي – القاهرة.
حينما ينظر الإنسان إلى الجبال الشاهقة تهوله ضخامتها وعظمتها، فهي من عجائب مخلوقات الله الجديرة بالتأمل والاهتمام، ولذا لفت المولى عز وجل الأنظار بالتفكر والتدبر في بديع خلق الله وصنائعه الظاهرة.
• قال تعالى: (أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ(17)وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ(18)وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ)(الغاشية 19)
من أقوال المفسرين
في قوله تعالى: » وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا، مَتَاعًا لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ « [النازعات:32-33].
جاء في تفسير الطبري:
"وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا" أي: وَالْجِبَال أَثْبَتَهَا فِيهَا، أَيْ أَثْبَتَهَا لَا تَمِيد بِأَهْلِهَا. والْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : "مَتَاعًا لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ" يَعْنِي أَنَّهُ خَلَقَ هَذِهِ الْأَشْيَاء، وَأَخْرَجَ مِنْ الْأَرْض مَاءَهَا وَمَرْعَاهَا، مَنْفَعَة لَنَا، وَمَتَاعًا إِلَى حِين .
وجاء في تفسير القرطبي (رحمه الله) : "وَالْجِبَال " بِالنَّصْبِ , أَيْ وَأَرْسَى الْجِبَال " أَرْسَاهَا " يَعْنِي : أَثْبَتَهَا فِيهَا أَوْتَادًا لَهَا، وقوله تعالى "مَتَاعًا لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ" أي " مَتَاعًا لَكُمْ " أَيْ مَنْفَعَة لَكُمْ " وَلِأَنْعَامِكُمْ " مِنْ الْإِبِل وَالْبَقَر وَالْغَنَم .
وجاء في تفسير ابن كثير: وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا أي أقرها وأثبتها في أماكنها، وهو الحكيم العليم، الرؤوف بخلقه الرحيم. وقوله تعالى "مَتَاعًا لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ" أي كُلّ ذَلِكَ مَتَاعًا لِخَلْقِهِ وَلِمَا يَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ مِنْ الْأَنْعَام الَّتِي يَأْكُلُونَهَا وَيَرْكَبُونَهَا مُدَّة اِحْتِيَاجهمْ إِلَيْهَا فِي هَذِهِ الدَّار إِلَى أَنْ يَنْتَهِي الْأَمَد وَيَنْقَضِي الْأَجَل.
وجاء في تفسير الجلالين: " وَالْجِبَال أَرْسَاهَا " أي أَثْبَتَهَا عَلَى وَجْه الْأَرْض لِتَسْكُن، وقوله تعالى "مَتَاعًا لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ" " مَتَاعًا " مَفْعُول لَهُ لِمُقَدَّرٍ , أَيْ فَعَلَ ذَلِكَ مُتْعَة أَوْ مَصْدَر أَيْ تَمْتِيعًا " لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ " جَمْع نَعَم وَهِيَ الْإِبِل وَالْبَقَر وَالْغَنَم.
ما هو الجبل؟؟
قال الله تعالى: "وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا" ﴿7﴾ سورة النبأ
(وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُمْ) سورة لقمان(10).
و (الجبل) في اللغة هو المرتفع من الأرض ارتفاعاً ملحوظاً يجعله يعظم ويطول على ما حوله من الأرض، والجمع أجبال وجبال.
فالجبل - في القاموس الجيولوجي - عبارة عن جسم صخري هائل يرتفع عن (سطح الأرض) ويتميز بمنحدراته الحادة وقمته المستدقة.
ﻓﻬل ﻴﻔﻲ ﻫﺫﺍ ﺍﻟﺘﻌﺭﻴﻑ ﺍﻟﺠﺒل ﺤﻘﻪ ﺍﻵﻥ؟
حينما تتفق الآية القرآنية مع حقيقة علمية فهذا تأكيد لتلك الحقيقة وشاهد على إعجاز القرآن.
قال الله تعالى: "وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا" ﴿7﴾ سورة النبأ
إن وصف الجبال بالأوتاد هو أبلغ وصف لها؛ لم نكتشفه إلا حديثاً. والجبال تشبه الأوتاد شكلاً ودوراً، والحقيقة أنه لم يخطر على بال أحدٍ منذ 14 قرناً أن الجبال الشاهقة مثل جبال الألب أو الهمالايا لها جذور تغوص في الوشاح وأنها تشبه إلى حد كبير جبال الثلج العائمة على الماء، وأنه كلما زاد ارتفاع الجبل كلما ازداد غاطسه تحت السطح، وهذا هو السبب في اختلاف سمك القشرة الأرضية من مكان لآخر، فصخور القشرة كلها ما هي إلا عوامات على صخور الوشاح لأن الوزن النوعي للقشرة أقل من الوزن النوعي لصخور الوشاح.إ
اللغة المشتركة بين الجبال والإنسان
ذكر الله عز وجل في مواضيع عديدة من كتابة العزيز أن الجبال تسابق الإنسان في معرفة الله والخوف منه، فهناك لغة مشتركة بين الجبال والإنسان في معرفة حقوق المولى عز وجل من تسبيح دائم..
سجود وتصدع للجبال من خشية الله وإشفاق الجبل من حمل الأمانة
قال تعالى "أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِّنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَن يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِن مُّكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاء" [الحج:18].
قال تعالى "لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ" [الحشر:21].
قال تعالى "إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا [الأحزاب:72].
بالرغم من ضخامة الجبال وعظمتها إلا أن هناك لغة مشتركة بين الجبال والإنسان وهي لغة تسبيح الله عز وجل، ولكن بلغة لا نعلمها ولا نعرفها، إنما يعرفها خالقها جل شأنه.
قال تعالى: "وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا، مَتَاعًا لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ"
الفرق بين الزينة والمتاع
تعرف الزينة في اللغة: بأنها اسم جامع لكل شيء يتزين به. والزّين ضد الشين. وزان الشيء زيّنه : حسّنه وجمّله وزخرفه. وتزين زينة أي صار موضع حسن وجمال.
أما تعريف المتـــاع: فهو كل شيء ينتفع به ويتبلغ به أو يتلذذ به، ويأتي عليه الفناء في الدنيا.
فالمتاع يرمز لكل المنافع والفوائد والخدمات التي تقدم للإنسان. ويعتبر المتاع أكثر منفعة من الزينة، ولبيان ذلك نجد أن الإنسان بإمكانه أن يعجب بزينة القصر الجميل ولكنه لا يستمتع به إلا إذا عاش فيه.
وإذا تأملنا هذه الآية العظيمة..وسأل سائل لماذا لم يقل المولى عز وجل: زينة لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ ؟ أجيب فأقول: إن القرآن الكريم مليء بالتعبيرات الدقيقة، فنجد أن دقة التعبير في القرآن تجعل كلمة "متاع" توضع في المكان المناسب لتعبر عن الفائدة الحقيقية للجبال. ولو أن الله سبحانه وتعالى استخدم كلمة "زينة"، لما تنبه لذلك معظم الناس، والحقيقة أن كلام الله سبحانه وتعالى يأتي بقدر المعنى تماماً، وفي غاية الدقة ليعبر عن الشئ تعبيراً كاملاً، فلا تجد كلمة مترادفة أو بلا معنى!! فنجد أن المولى عز وجل قد وصف فائدة الجبال بأنها تحقق المتاع لكل من الإنسان والأنعام على السواء، ولقد استخدم المولى عز وجل كلمة "متاع" في الآية القرآنية السابقة ولم يستخدم كلمة "زينة"، وذلك لأن لفظ المتاع أعم وأكثر منفعة من الزينة، والمتاع يشمل الجانب المادي والجانب المعنوي للإنسان والأنعام على السواء، فلا يمكن الاستغناء عن المتاع لأنه من الضروريات، بينما تعتبر الزينة من الكماليات.
هل تحقق الجبال الراسيات المتاع للإنسان؟؟
أولا: معجزة إلقاء الجبال ومتاع الثروات المعدنية.
لقد أشار المولى عز وجل عن عملية تكوين الجبال، والتي لم يكتشفها العلم إلا حديثاً، فلقد قال المولى في كتابه العزيز "والأرض مددناها وألقينا فيها رواسي" وتشير الآية الكريمة بإعجاز علمي بالغ الدقة إلى أن عملية تكون الجبال على سطح الأرض حدثت بطريقة الإلقاء على الأرض، وهذا الإلقاء تم جيولوجيًا عبر العصور نتيجة حدوث البراكين وما يقذفه من باطن الأرض الملتهب من خروج للحمم والصهارة إلى
ينبثق نتيجة للانفجارات البركانية حطام صخري صلب مختلف الأنواع والأحجام عادة في الفترة الأولى من الثوران البركاني .
- تناول هذا البحث رؤية علمية جديدة لتوضيح الإعجاز العلمي في قوله تعالى "وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا، مَتَاعًا لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ" [النازعات:32-33]. حيث تشير هذه الآية بإعجاز علمي بالغ الدقة، عن العلاقة الوطيدة بين الجبال الراسيات في قوله تعالى "وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا" وبين متاع الإنسان والأنعام على السواء وذلك في قوله "مَتَاعًا لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ ".
- كما يشير هذا البحث إلى ضرورة تضافر الجهود العلمية في الاهتمام بالمنتجات والأماكن الجبلية كطب بديل لعلاج الكثير من الأمراض.
- لقد أدرك العالم أهمية الجبال من أجل حمايتها لكي يتمتع الإنسان بها، ولقد أعلنت الأمم المتحدة عام "2002م" عاماً دولياً لحماية الجبال. لذا كان السبق لكتاب الله بإقرار حقيقة أهميه الجبال من أجل متاع الإنسان منذ أكثر من أربعة عشر قرناً من الزمان، حيث قال عز من قائل ”والجبال أرساها متاعا لكم ولإنعامكم“. والحقيقة أنه لا يمكن لعاقل أن يتصور مصدرا لتلك الإشارة القرآنية الباهرة غير الله الخالق