(21) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا نَفَّسَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمِنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ يَسَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَاللَّهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ، ومَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا، سَهَّلَ اللهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ، وَمَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ فِي بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللهِ، يَتْلُونَ كِتَابَ اللهِ، وَيَتَدَارَسُونَهُ بَيْنَهُمْ، إِلَّا نَزَلَتْ عَلَيْهِمِ السَّكِينَةُ، وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ وَحَفَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ، وَذَكَرَهُمُ اللهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ، وَمَنْ بَطَّأَ بِهِ عَمَلُهُ، لَمْ يُسْرِعْ بِهِ نَسَبُهُ».
أولاً: تخريج الحديث: رواه مُسلِم (4/ 2699) وأبو داود (4/ 1425، 3/ 3642، 2/ 1455) والترمذي (5/ 2945) وابن ماجة (1/ 225) وأحمد (12/ 7427).
ثانياً: شَرح الحَدِيث:
- (مَنْ نَفَّسَ): أَزَالَ وَأَذْهَبَ.
- (عَنْ مُؤْمِنٍ): أَيَّ مُؤْمِن.
- (كُرْبَةً): حَزَنٍ وَعَنَاءٍ وَشِدَّةٍ وَلَوْ صَغِيرَة.
- (مِنْ): تَبْعِيضِيَّة.
- (كُرَبِ الدُّنْيَا): الْفَانِيَةِ الْمُنْقَضِيَة.
- (نَفَّسَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً) أَيْ: عَظِيمَة.
- (مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ): الْبَاقِيَةِ غَيْرِ الْمُتَنَاهِيَة.
- (يَسَّر): سَهَّلَ.
- (مُعْسِر): فَقِير.
- (وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا): فِي قَبِيحٍ يَفْعَلُهُ فَلَا يَفْضَحُهُ.
- (سَتَرَهُ اللَّهُ) أَيْ: عُيُوبَهُ أَوْ عَوْرَتَهُ.
- (مَا كَانَ): مَا دَامَ.
- (الْعَبْدُ): مَشْغُولًا.
- (فِي عَوْنِ أَخِيهِ): الْمُسْلِم، فِي قَضَاءِ حَاجَتِهِ.
- (وَمَنْ سَلَكَ): دَخَلَ أَوْ مَشَى.
- (طَرِيقًا): قَرِيبًا أَوْ بَعِيدًا.
- (يَلْتَمِسُ فِيهِ): حَالٌ أَوْ صِفَةٌ.
- (عِلْمًا): نَكِرَةٌ؛ لِيَشْمَلَ كُلَّ نَوْعٍ مِنْ أَنْوَاعِ عُلُومِ الدِّينِ قَلِيلَةً أَوْ كَثِيرَةً، إِذَا كَانَ بِنِيَّةِ الْقُرْبَةِ وَالنَّفْعِ وَالِانْتِفَاعِ، وَفِيهِ اسْتِحْبَابُ الرِّحْلَةِ فِي طَلَبِ الْعِلْم.
- (سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ) أَيْ: بِذَلِكَ السُّلُوكِ أَوِ الطَّرِيقِ أَوِ الِالْتِمَاسِ أَوِ الْعِلْم. - (طَرِيقًا): مُوَصِّلًا وَمَنْهِيًّا إِلَى الْجَنَّة.
- (وَمَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ): جَمْعٌ.
- (فِي بَيْتٍ): فِي مَسْجِد.
- (يَتْلُونَ): حَالٌ مِنْ قَوْمٍ، لِتَخْصِيصِهِ.
- (كِتَابَ اللَّهِ): الْقُرْآنَ الكَرِيم.
- (وَيَتَدَارَسُونَهُ بَيْنَهُمْ): التَّدَارُسُ قِرَاءَةُ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ تَصْحِيحًا لِأَلْفَاظِهِ أَوْ كَشْفًا لِمَعَانِيهِ. وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالتَّدَارُسِ الْمُدَارَسَةَ الْمُتَعَارَفَةَ بِأَنْ يَقْرَأَ بَعْضُهُمْ عُشْرًا مَثَلًا وَبَعْضُهُمْ عُشْرًا آخَرَ، وَهَكَذَا فَيَكُونُ أَخَصَّ مِنَ التِّلَاوَةِ أَوْ مُقَابِلًا لَهَا، وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ شَامِلٌ لِجَمِيعِ مَا يُنَاطُ بِالْقُرْآنِ مِنَ التَّعْلِيمِ وَالتَّعَلُّم.
- (نَزَلَتْ عَلَيْهِمُ السَّكِينَةُ): السَّكِينَةُ: هِيَ الْوَقَارُ وَالْخَشْيَةُ. وَالْمُرَادُ هَنَا صَفَاءُ الْقَلْبِ بِنُورِهِ وَذَهَابُ الظُّلْمَةِ النَّفْسَانِيَّةِ وَالطُّمَأْنِينَةُ وَنُزُولُ الْأَنْوَار.
- (وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ): أَتَتْهُم وَعَلَتْهُم وَغَطَّتْهُم.
- (وَحَفَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ) أَيْ: مَلَائِكَةُ الرَّحْمَةِ وَالْبَرَكَةِ أَحَاطُوا بِهِم، أَوْ طَافُوا بِهِم وَدَارُوا حَوْلَهُم إِلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ وَدِرَاسَتَهُم وَيَحْفَظُونَهُم مِنَ الْآفَاتِ وَيَزُورُونَهُم وَيُصَافِحُونَهُم وَيُؤَمِّنُونَ عَلَى دُعَائِهِم.
- (وَذَكَرَهُمُ اللَّهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ): أَيِ الْمَلَأِ الْأَعْلَى وَالطَّبَقَةِ الْأُولَى مِنَ الْمَلَائِكَةِ، وَذَكَرَهُم سُبْحَانَهُ وتَعَالَى لِلْمُبَاهَاةِ بِهِم، يَقُولُ: انْظُرُوا إِلَى عَبِيدِي يَذْكُرُونِي وَيَقْرَءُونَ كِتَابِي.
- (وَمَنْ بَطَّأَ): مِنَ التَّبْطِئَةِ؛ وهِيَ ضِدّ التَّعَجُّلِ كَالْإِبْطَاءِ، وَالْبُطْءُ نَقِيضُ السُّرْعَة.
- (عَمَلُهُ): السَّيِّئُ فِي الْآخِرَةِ أَوْ تَفْرِيطُهُ لِلْعَمَلِ الصَّالِحِ فِي الدُّنْيَا.
- (لَمْ يُسْرِعْ بِهِ نَسَبُهُ): لَم يُجْبِرْ نَسَبُهُ نَقِيصَتَهُ لِكَوْنِهِ نَسِيبًا فِي قَوْمِهِ، إِذْ لَا يَحْصُلُ التَّقَرُّبُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى بِالنَّسَبِ بَلْ بِالْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ. قَالَ تَعَالَى: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات: 13].