
24-07-2014, 11:31 AM
|
 |
نجم العطاء
|
|
تاريخ التسجيل: Dec 2006
العمر: 68
المشاركات: 8,134
معدل تقييم المستوى: 0
|
|
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة حمدى حسام
عندما قام مجموعة من الضباط الشبان في الجيش المصري ليلة 23 يوليو عام 1952 بانقلابهم العسكري لم تكن أمامهم من رؤية شاملة لمستقبل البلاد أو تصور كيف يحكمونها ، بل إن فكرة الحكم في حد ذاته لم تكن مطروحة وكأن أغلب مطالبهم إصلاحات بالجيش نفسه ، ثم تطورت مطالبهم فكان أهمها تنازل الملك فاروق عن العرش وتولي ابنه الصغير "أحمد" الملك خلفا له بولاية قانونية لصغر سنه ، غير أن الضباط الشبان اكتشفوا هشاشة بنية الدولة ، وأنهم بمجرد أن قبضوا على زمام القيادة العسكرية لم يعد أمامهم أي حاجز أو مانع ، فاكتشفوا سريعا أن "السلاح" هو المؤسس للشرعية والحكم كأمر واقع فتطور طموحهم في إنهاء الملكية كلها وعزل الأمير أحمد ، كانت دوافع هؤلاء الشبان وطنية بامتياز ، كانوا كارهين للهيمنة البريطانية على مصر في الوقت الذي تنحسر فيه الامبراطورية وتنهار في كل مكان في أعقاب الحرب العالمية الثانية ، وكانوا غاضبين من تفشي الفساد والمحسوبية في أعلى رأس السلطة والأخبار التي سارت بها الركبان عن الخلاعة في بعض السلوكيات الملكية واتساع نطاق الفقر واتساع الفجوة مع نخبة صغيرة من الأثرياء المترفين وكانوا ناقمين على سوء إدارة الجيش والهزيمة المذلة في 48 ، كانوا ناقدين للسلوك البوليسي للدولة والتنكيل بالمعارضين واعتقالهم وغياب الديمقراطية أو تحولها لعمل شكلي ، وكان غضبهم وقلة خبرتهم قد ورطهم في عمليات إرهابية ضد قيادات الدولة بعضها نجح كما حدث في واقعة اغتيال أمين عثمان على يد أنور السادات وبعضها فشل كمحاولة الضابط جمال عبد الناصر اغتيال اللواء اسماعيل سري الدهشان ، لم يكن هؤلاء الضباط الشبان يصدرون عن ايديولوجية واحدة أو حزب سياسي واحد ، بل كل منهم كان له انتماء فكري ، فبعضهم ينتمي للإخوان المسلمين وبعضهم ينتمي للحركة الشيوعية وبعضهم ينتمي فكريا لمصر الفتاة ، وكان طموحهم أن يؤسسوا دولة جديدة تنعم بجيش وطني قوي وديمقراطية حقيقية والحريات العامة واحترام الشعب وإرادته وطرد الانجليز وتحقيق العدالة الاجتماعية ، غير أن "المكون" العسكري كان هو الحاكم لتطورات هؤلاء الشبان الفكرية والسياسية ، كانوا يدركون أنهم انتزعوا السلطة بقوة السلاح ، وبالتالي فالدولة تخضع لقوة السلاح ، ثم أصبح الشعب يخضع لقوة السلاح وأجهزته الأمنية الرهيبة التي سارعوا بتشكيلها لحماية النظام العسكري الجديد ، وكانت شرائح من بسطاء الناس تأمل خيرا في بداية تحرك هؤلاء الضباط المنحدرين من أصول ريفية أو شعبية فقيرة مثلهم أو متوسطة ، وخاصة أشواقهم للعدل الاجتماعي ، واحتفلت جماهير غفيرة بعفوية أحيانا وبترتيب أمني أحيانا أخرى بالضباط الشبان ورحبوا بحركتهم ، قبل أن يعم الخوف بفعل سطوة الأجهزة الأمنية والقبضة العسكرية وإخراس كل الألسن وسيطرة القيادة العسكرية على المؤسسات الإعلامية بجميع فروعها من صحافة وإذاعة ثم تليفزيون بعد ذلك مطلع الستينات ، وشكلت السلطة العسكرية رديفا سياسيا لها من بعض المنظمات التي تعمل برعاية أمنية صارمة لتنسيق الأعمال ذات الطابع الشعبي أو الرقابة والتجسس على أجهزة الدولة الإدارية والقضائية وغيرها ، وفي أثناء ذلك كان من الطبيعي أن تبدأ عملية التآكل الداخلي في هذه المجموعة لأنه لا يوجد أي مرجعية للشرعية إلا القوة والسلاح والسيطرة على المؤسسة العسكرية ، فتم إقصاء الضباط الذين تمسكوا بالمشروع الديمقراطي وبعضهم نكل به تنكيلا مروعا كما حدث مع محمد نجيب ، وبعضهم فرضت عليه الإقامة الجبرية في قريته بالصعيد مثل يوسف صديق البطل الحقيقي لانقلاب يوليو لأنه الذي اعتقل قيادات الجيش بالكامل أثناء اجتماعها فجعل الانقلاب بعد ذلك نزهة ، وبعضهم رضي بأن يأخذ شيئا من كعكة السلطة بعيدا عن السياسة مثل خالد محيي الدين وآخرون عاشوا في كنف أقوى رجال الانقلاب عبد الناصر أو عبد الحكيم عامر بصمت وفي الظل لضمان البقاء ، مثل السادات ، وانتهى الأمر بتقاسم السلطة السياسية والعسكرية فعليا بين عبد الناصر وعامر حتى انتهى الأمر بأن تخلص أحدهما من الآخر بعد فضيحة الهزيمة المروعة في يونيو 1967 . لا يوجد خطأ أو خطيئة من تلك التي أخذها الضباط الشبان على العصر الملكي إلا وارتكبوها ، فالقمع للمعارضين وسجنهم والتنكيل بهم استمر وزاد وحشية ، والجيش القوي عاد سيرته الأولى بأسوأ مما كان أيام الملكية ونخره السوس والفساد ، وهزيمة 48 تورطوا في هزيمة أفدح منها وأكثر إيلاما على يد القوات الإسرائيلية في 67 التي اجتاحت سيناء كلها في ساعات قليلة بدون أي قتال حقيقي ، وقبلها كانت الهزيمة العسكرية والأخلاقية في حرب اليمن ، واللهو والعبث مع الراقصات والممثلات استمر على يد قيادات عسكرية كما كان أيام الملكية ، والفقر ظل على حاله ولم يكن هناك من فضيلة إلا أن تم تقريب الطبقات الاجتماعية بإفقار الشرائح الأكثر ثراءا بنزع ملكياتهم ، دون رفع مستوى الفقراء ، فكانت عدالة في توزيع الفقر وليس توزيع الثراء ، وانتقل الثراء إلى بيوت جنرالات اهتموا بحيازة ميراث أسرة محمد علي من الجواهر والتحف أكثر من اهتمامهم بالبحث عن خطط لإنهاض البلاد . كان من حسن حظ الضباط الشبان أنهم ورثوا دولة في حالة من العافية الاقتصادية المعقولة ، حتى أن مصر حين ورثوها كانت دائنة لبريطانيا ذاتها ، وهو ما ساعد على استمرار أخطائهم الكارثية وإجراءاتهم الاقتصادية والسياسية والأمنية المتخبطة والتخريبية لفترة أطول ، حتى بدأت تنهار في نهاية الستينات بعد نفاذ الرصيد وبعثرته على المغامرات العسكرية وسوء إدارة مقدرات الدولة وغياب أي مؤسسات رقابية شعبية أو قانونية ، كما استخدم العسكريون سيطرتهم الإعلامية الشاملة لتوظيف الكتابة والخطابة والأغاني من أجل تخدير الوعي الوطني وإلهائه بوعي وطني مزيف عن العظمة والإباء والانتصارات العظيمة التي تحققها مصر في ظل الحكم الجديد ، في الوقت الذي كانت الانهيارات تضرب في كل أركان الدولة من الاقتصاد للسياسة للقدرات العسكرية التي انتهت بفضيحتين وهزيمتين في 56 ، و67 ، وتم تصوير الأولى على أنها انتصار رغم أن مصر خسرت سيناء بكاملها ، وتصوير الثانية باعتبارها نكسة ، وتدريجيا تحولت مصر إلى واحدة من أفقر دول المنطقة ، وانهارت البنية الأساسية بشكل مروع في الطرق والمواصلات والاتصالات والخدمات الصحية والتعليمية وغيرها، ناهيك عن اتساع دوائر الاعتقال والقمع للمعارضين من كل التيارات وتحويل الدولة إلى آلة رعب وخوف . أخطر ما أنتجته تجربة حكم ضباط يوليو الشبان بقيادة عبد الناصر أنها رسخت فكرة انتقال السلطة من الأسرة الملكية إلى الأسرة العسكرية ، وبعد أن كان الحكم ميراثا لأبناء محمد علي ، أصبح الحكم ميراثا للمؤسسة العسكرية ، وهو وعي ترسخ على مدار السنوات والأجيال العسكرية بما أصبح يستحيل نزعه بسهولة أو تغيير القناعات فيه ، وهناك نظرات محتقرة جدا لفكرة الدولة المدنية أو القيادة المدنية للدولة ، ولذلك حرصت الجمهوريات المتعاقبة على إضعاف الحركة المدنية وتهميشها بمنع الأحزاب نهائيا أو وضعها دائما تحت الضغط وفي نطاق عمل محدود وتجفيف منابع العمل الأهلي وتأميم الأوقاف بكل صورها لمنع تشكل تيار مدني مؤهل لإدارة دولة ، والاكتفاء بارتداء "الجنرال" للبدلة المدنية بدلا من العسكرية وصناعة بنية سياسية مدنية ضعيفة وشكلية لتمثل غطاء أو قناعا للحكم العسكري ، والتركيز الدعائي على أهمية الحاكم الفرد القوي المنقذ وليس المؤسسات الحديثة التي تقوم على اختيار شعبي حر وتداول السلطة والفصل بين السلطات وسيادة القانون واستقلال العدالة ، وما زالت مصر حتى اليوم تدفع ضريبة هذا التحول الذي ولد مع انقلاب 23 يوليو 1952 ، والذي ما زال ميراثه يحول بينها وبين انتقالها من العالم الثالث إلى الوضع الاقتصادي والسياسي والقانوني والإنساني الذي يليق بها كعمق تاريخي وحضاري مبهر .
|
والبنا الذي شحن نفوس أتباعه إلى أقصى مدى بالمشاعر الإرهابية والتحريض ضد الحكومة تجاه قضية فلسطين يجد نفسه مطالباً إما بأن يواجه القصر والحكومة ، وإما أن يواجه أتباعه ، وحاول أن يتخذ موقفاً وسطاً، وكان شباب الجامعة من الإخوان وغيرهم يغلي رفضاً للشروط المهينة التي خضعت لها الحكومة في اتفاقية الهدنة في فلسطين ، ولعل البنا حاول أن يلعب بآخر أوراقه (نفوذه وسط طلاب الجامعة)، ليخفف قبضة الحكومة عن عنق الجماعة، وخرج البوليس ليردعهم كعادته، ودارت معارك مسلحة أمام فناء كلية طب القصر العيني أحد مراكز القوة بالنسبة لطلاب الإخوان ، واستخدم البوليس الرصاص، واستخدم الإخوان المتفجرات، وكان حكمدار العاصمة سليم زكي يقود المعركة من سيارته حيث سُددت نحوه قنبلة أصابته إصابة مباشرة، واتهم بيان حكومي جماعة الإخوان المسلمين ب***ه، وعلى أثر ذلك، صدر قرار من الحاكم العسكري، (كانت الأحكام العرفية معلنة بسبب حرب فلسطين) بإيقاف صحيفة الجماعة. وحاول البنا يائساً إنقاذ الجماعة، فاتصل بكل أصدقائه وحتى خصومه، ولعب بكل أوراقه، وحاول الاتصال بالملك، وبإبراهيم عبد الهادي رئيس الديوان الملكي، وبعبد الرحمن عمار (صديقه الشخصي وصديق الجماعة) وكان وكيلاً لوزارة الداخلية، ولأن الشيخ قد فقد أسباب قوته، فقد بدأوا يتلاعبون به، ففي الساعة العاشرة من مساء يوم 8 ديسمبر 1948 اتصل به عبد الرحمن عمار وأكد له أن شيئاً ما سيحدث لتحسين الموقف وإنقاذ الجماعة، واطمأن الشيخ وقبع هو ومجموعة من أنصاره في المركز العام ينتظرون "الإنقاذ"، فإذا بالراديو يذيع عليهم قرار مجلس الوزراء بحل الجماعة بناء على مذكرة أعدها عبد الرحمن عمار نفسه!!،
|