صلاح نصر في مذكراته: التنحّي حيلة اتفق عليها عبد الناصر وعبد الحكيم عامر
في الجزء الثالث من مذكرات صلاح نصر يحدثنا عن عام 1967 الذي جاء في أعقاب عام سادته الفوضى والاضطراب ، وقد أطلق عليه " العام الحزين " إذ يرى أننا لا يمكن أن نفصل بينه وبين الأعوام القليلة التي تسبقه ، كما أننا لا نستطيع أن نفسره ونحلل خلفياته من دون أن نربط بينه والسنوات الخمس التي سبقته . حيث تعود بنا الذاكرة إلى عام 1962 ، فيما يسمى بـ " الانقلاب السلمي " الذي قام فيه مجموعة من العسكريين على رأسهم المشير عبد الحكيم عامر ، بالضغط على الرئيس جمال عبد الناصر للسيطرة على الحكم والانفراد به ، ويقول صلاح نصر في ذلك " والواقع أن أزمة عام 1962 وما تلاها من أحداث لم تكن تهدف إلا انفراد عبد الناصر بالسلطة ، والتخلص من باقي الضباط الأحرار استكمالاً لسياسته التي بدأها منذ وقت مبكر بعد توليه الرئاسة " وكان هذا أحد الأسباب الرئيسية لتفكك وحدة الصف داخل الثورة .
كما يرى صلاح نصر أن حرب اليمن استنزفت قوتنا ، مما أثر مباشرة على حرب يونيو ، كما كان عام 1965 نقطة تحول في العلاقات المصرية الغربية ، التي وصلت إلى ذروة التوتر في نهاية هذا العام .
ويعتبر صلاح نصر أن عام 1966 يحمل في أعطافه كل مسببات الفوضى وكل عوامل الاضطراب والتناقض ، حيث الهجوم السافر من واشنطن ولندن على عبد الناصر لأنه مد نفوذه إلى الجزيرة العربية ، والتقارب الذي حدث بين القاهرة ودمشق في بداية العام ، وإقامة مشروع مشترك بينهما ، ثم عودة إلى الانقسام في الجزء الأخير من العام ، وكان وقع الانفصال فظيعاً ، ثم هجوم عبد الناصر على الدول العربية الموالية للغرب واتهامه للرجعية العربية بالخداع وخدمة أهداف إسرائيل .
وعن التفكك الواقع بين أعضاء مجلس الثورة ، يقول صلاح نصر في بعض تصريحاته " كنت أحس بحكم موقعي وخبرتي ما كان يحدث بين الكواليس ، كان الصراع قائماً بين كل أفراد الحكم في القمة ، وكانت التكتلات والشلل هي الصورة السائدة ، وكانت المناورات الحزبية وأعمال الدس رائداً لأغلبية المجموعة التي تشارك في الحكم " ، " كان عبد الناصر يعتمد على المخابرات اعتماداً كلياً ، وكنت قريباً منه قبل أزمة عام 1962 ، فوجد البعض الفرصة سانحة لتدمير علاقتي به ، وتشكيكه في جهاز مخابراته كي يعتمد على الأجهزة الأخرى التي كانت تتبع هؤلاء ، ومن ثم بدأ عبد الناصر يعتمد على التقارير التي يقدمها له سامي شرف ، من مقابلاته السرية لضباط الجيش ، ومن المعلومات التي يجمعها من جهاز مخابرات أنشأه بصفة سرية ، كذا أخذ يعتمد على تقارير المباحث العامة التابعة لوزارة الداخلية ، ومن بعض الصحفيين المقربين له الذين كانوا يمدون عبد الناصر بمعلومات خاصة عن المجتمع المصري . لقد قال البعض لعبد الناصر إنني أنا الذي حرضت عبد الحكيم على الاستقالة ، وأنني أقوم بمراقبة تليفوناته وتليفونات أعضاء مجلس الثورة ، وأنني أسجل لهم حياتهم الخاصة ، مما جعل عبد الناصر يغضب ويقاطعني لفترة زادت على السنة حتى تصالحنا " .
ثم ينتقل نصر إلى الحديث عن ثورة اليمن والصراعات التي أحاطت بها وقامت داخل الثورة اليمنية بعد قيامها مباشرة ، فيقول " لم يكن باليمن قبل الثورة سوى حركات طائفية تعتمد أساساً على تنافس قبلي بين الزيدية والشوافع ، ثم ظهر حزب البعث في قلة من المتعلمين الشبان .. وبعد وفاة الإمام أحمد ظهر تياران ، الأول بزعامة القاضي عبد الرحمن الإيرياني وأحمد النعمان ، الذي يطلق عليه أبو الأحرار اليمنيين ، وكان هذا التيار يرى التعاون مع الإمام البدر درأ لقيام حرب أهلية وخوفاً من تدخل السعودية . والتيار الثاني بزعامة العسكريين ويرى أنه لا جدوى من التعاون مع البدر ولا بد من خلعه والثورة عليه . وقام عبد الرحمن البيضاني الذي كان يعيش في مصر بالهجوم على البدر ، وقامت ثورة اليمن في 27 من سبتمبر سنة 1962 ، واتهم البيضاني النعمان بأنه ملكي ولا يمكن التعاون معه في النظام الجديد . كما أتهمه النعمان بأنه على رأس العناصر المخربة التي تقوم بتخريب الثورة ، ولذا آثر أن يبقى في منزله بمنطقة الدقي بالقاهرة ، بعيداً عن الأحداث . كما اتهم مشايخ القبائل البيضاني بنهب القصور الملكية ، وقال النعمان إنه سبب الفوضى السائدة في