فقد كان العرب يئدون البنات ويحرمون أشياء مما رزقهم الله تعالى بغير حجة أو برهان، قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما:إذا سرك أن تعلم جهل العرب فاقرأ ما فوق الثلاثين والمائة من سورة الأنعام:" قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُواْ أَوْلاَدَهُمْ سَفَهاً بِغَيْرِ عِلْمٍ وَحَرَّمُواْ مَا رَزَقَهُمُ اللّهُ افْتِرَاء عَلَى اللّهِ قَدْ ضَلُّواْ وَمَا كَانُواْ مُهْتَدِينَ" [الأنعام:140] ، وكانوا يأكلون الميتة ويشربون الدم، كما قال الله تعالى مبينا حالهم، وآمرا رسوله أن يقول لهم:" قُل لاَّ أَجِدُ فِي مَا أُوْحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَن يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَّسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ اللّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ" [الأنعام:145]، وفوق ذلك كله كانوا مشركين يعبدون الأصنام والأوثان من دون الله، ويحرمون على أنفسهم الاستفادة من بعض حيواناتهم، ويجعلون إنتاجها للطواغيت، كما نعى الله عليهم ذلك في قوله:"مَا جَعَلَ اللّهُ مِن بَحِيرَةٍ وَلاَ سَائِبَةٍ وَلاَ وَصِيلَةٍ وَلاَ حَامٍ وَلَكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ يَفْتَرُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ وَأَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ" [المائدة :103]، ولم يكن أهل الكتاب بأحسن حالاً منهم فحرفوا كتابهم المنزل على رسولهم، وافتروا على الله الكذب وأشركوا بالله، وادعى اليهود أن لله تعالى ولدًا، كما ادعت النصارى أن لله تعالى ولدًا :"وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللّهِ وَقَالَتْ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُم بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِؤُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ"[التوبة:30 ]، تعالى الله عما يقولون علوًا كبيرًا، واتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله تعالى، قال الله تعالى في وصف ذلك:" اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُواْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ إِلَهاً وَاحِداً لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ" [التوبة:31]، ولم يكونوا يتناهون عن المنكرات التي تحدث بينهم كما قال الله عنهم:"لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ" [المائدة:78-79]، وكانوا المجوس يعبدون النار ويستحلون نكاح المحارم فينكح الرجل منهم أخته أو ابنته، وبالجملة فقد كان العالم في ظلام دامس وشرك وضلال، حتى جاءهم الرسول الكريم بالرسالة الشاملة الهادية إلى صراط مستقيم، فبأبي أنت وأمي يا رسول الله.
كما يبين الحديث الغرض الذي لأجله بعثه الله تعالى، وهو دعوة الناس إلى الله تعالى ومجانبة طريق الشرك والضلال، وإخراجهم من الظلمات إلى النور بإذن ربهم، قال النووي:"إنما بعثتك لأبتليك وأبتلى بك، معناه لأمتحنك بما يظهر منك من قيامك بما أمرتك به من تبليغ الرسالة، وغير ذلك من الجهاد في الله حق جهاده، والصبر في الله تعالى وغير ذلك، وأبتلى بك من أرسلتك إليهم فمنهم من يظهر إيمانه ويخلص في طاعاته، ومن يتخلف ويتأبد بالعداوة والكفر، ومن ينافق" ، ولم ينس الرسول صلى الله عليه وسلم الذي كان العدل والإنصاف من شمائله أن يستثني من الشرك والضلالة طائفة من أهل الكتاب ظلت محافظة على عهد الله تعالى إليهم، فقال:"إلا بقايا من أهل الكتاب"، فالإسلام دين يحث على العدل والإنصاف وعدم غمط الناس، يقول الله تعالى:" لَيْسُواْ سَوَاء مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَآئِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللّهِ آنَاء اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ [آل عمران:113] وقال:"وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمَن يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِمْ خَاشِعِينَ لِلّهِ لاَ يَشْتَرُونَ بِآيَاتِ اللّهِ ثَمَناً قَلِيلاً أُوْلَئِكَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ إِنَّ اللّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ" [آل عمران:199]، وقال:"وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِن تَأْمَنْهُ بِقِنطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُم مَّنْ إِن تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لاَّ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلاَّ مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَآئِماً ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ" [آل عمران:75 ] وغير ذلك من الآيات.
ماذا قدمت دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم للعالمين:
|