(14)
احذرى ......
صرخ الذئب وهو يدفع كاترين بقسوه فسقطت على الأرض بعـنـف وهى تصرخ من الألم
نهضت ببطء متأوهه وهى تنظر اليه بغضب وتصرخ قائله : لماذا فعلت ذلك؟
أشار الى الأرض وهو يقول : قذائف فقاس
نظرت حيث يشير وقالت بدهشه : ماذا؟ ....لم أفهم
قال بهدوء : فقاس ألغام بشرية مضادة للأفراد وهى كثيرة الشظايا وصغيرة بحيث لا تلاحظ بسهوله ...يلغمون بها طريق القرى لتنفجر فى طريق المهاجرين الذين سيمرون من على هذا الطريق
تأملت القذيفة بدهشة وخوف وابتلعت ريقها ثم نظرت اليه قائله بامتنان : كدت أموت ...لقد أنقذت حياتى
قال بلامبالاة: هذا فى أسوأ الظروف ..ولكن فى الغالب كنت ستفقدين ساقا أو يدا ..انهم يتقنون صنعها بحيث لا تقــتل مباشرة فهم يريدون جعل موتنا بطيئا
نظرت اليه بذهول .لكنه تركها تكمل عملها وأخذ يدور فى أرجاء القرية
انشغلت كاترين بالتقاط الصور وأخذها الحماس الشديد وحبها لعملها, لكنها استفاقت فجأة لتجد نفسها وحيدة فى المكان, أخذت تتلفت حولها باحثة عن الذئب, لكنها لم تجده
بدأ الخوف يزحف بقوة الى قلبها, لكنها تماسكت وأخذت تبحث عنه فى المناطق القريبة وهى تنادى : أيها القائد, أين أنت؟
هل انتهيت؟
أجفلت بشدة وهى تلتفت الى مصدر الصوت, رأته وهو يخرج من بيت قريب ويقترب منها
أخذت تلهث وعلامات الخوف تتبدل فى ملامحها الى الغضب وهى تهتف : الى أين ذهبت؟
قال بطريقته المباشرة المختصرة, والتى بدأت فى التأقلم معها : كنت أبحث عن سيارة
تأملته مليا بدهشة, كان قد بدل ملابسه العسكرية بأخرى مدنية,
لكن ما أثار دهشتها حقا هو ذلك الكم من الوسامة التى يحملها وجهه بعد أن نزع لثامه الأسود
هتفت بانبهار : وااااااو ..أ كل الشيشانيين بتلك الوسامة؟
تجاهل نظراتها تماما ولم يرد على عبارتها, وتركها وأخذ يبحث فى أرجاء المكان عن سيارة
تبعته بصمت وقد بدأ الهدوء يعود اليها, وغمرتها الطمأنينة عوضا عن الحنق الشديد من طريقته الجافة فى التعامل معها
استطاع أخيرا العثور على سيارة سليمة فى احدى الجراجات لمنزل تهدم أغلبه
سألته كاترين بدهشه: سياره سليمه وسط كل هذا الدمار ؟ !!
علق قائلا بسخرية : يبدوا أنهم كانوا متعجلين فلم ينجزوا عملهم بدقه
نجح الذئب فى جعل السيارة تدور بمهارة بدون المفاتيح (التى أضناهما البحث عنها) عن طريق سلكى التشغيل فى مقدمة السيارة
قالت كاترين وهى تبتسم : أنت ماهر فى ذلك
قال بسخريه : فعلتها مرات عديده فيما مضى
انطلق بالسيارة مغادرا القرية التى أصبحت خرابا
وفى الطريق أفصحت له عن السؤال الذى يدور فى رأسها : لم بدلت ملابسك العسكرية؟
رد مباشرة : علينا أن نكون أكثر حرصا فى تحركاتنا, فلا يمكن أن نتوقع ما الذى يمكن ان نقابله فى طريقنا
قالت بخبث وابتسامة ماكرة تنبت على شفتيها : أتخشى الروس؟
قال بجدية : أخشى ألا يصل حملى الثقيل الى منطقة آمنة
أشاحت بوجهها بعيدا بغضب وهى تشعر باستياء شديد لتلك الصفة التى أطلقها عليها
زفرت بضيق شديد, وقالت بسخرية:أعلم الآن لم يسميكم الروس [ الشعب الذي لا يرهب الموت ].
مرت فترة طويلة من الصمت والسيارة تقطع الأرض فى طريقها, حتى قالت كاترين أخيرا : أتعلم لم كنت أبحث عنكم؟
عاد لصمته من جديد فقالت بخيبة أمل : لا تريد أن تعرف , ولكنى سأخبرك على الرغم من ذلك ....
كنت أريد أن أعرف لماذا تقومون بتفجيرات وعمليات ارهابيه داخل المدن الروسيه؟
أدارت وجهها للطريق من جديد وتنهدت بضيق وهى تعلم أنها لن تتلقى اجابه , وقالت بيأس: عدت لصمتك من جديد...
فوجئت بصوته يصل الى أذنها وهو يقول : وهل تصدقينى ان تكلمت؟
التفتت اليه بدهشه وقررت الا تضيع الفرصه وتجعله يتكلم فقالت له : لو لم أكن مستعده لأن أصدقك ما كنت سألتك
قال : التفجيرات التى حدثت فى المدن الروسيه وخاصة للمدنيين ليس لنا يد فيها...فنحن لا نضرب الا قواعد عسكريه
صمتت كاترين ولم ترد فقال : كنت أعلم أنك لن تصدقينى
قالت بصدق : على العكس, أنا أصدقك أكثر مما تتوقع..
لقد حصلت على معلومات مؤكده تنفى أن لكم يدا فى تلك التفجيرات ومن مصدر لا يخضع لأى شك ...
من ضابط روسى فى فرقة (قرؤوا)
عقد حاجبيه بشدة ونظر اليها مندهشا لكنها أكملت بجديه : لقد أخبرنى بلسانه أن هذه التفجيرات تم تنفيذها من قبل مجموعة خاصة من ( f.s.p) (المخابرات الروسية) ومجموعة من فرقة قرؤوا بإيعاذ من رئيس الوزراء لتغيير الرأى العام الروسى ليكون ضد شعب الشيشان ..وحتى يكون لديهم المبرر الكافى لخوض تلك الحرب واحتلال الشيشان وكذلك ليرتفع اسم رئيس الوزراء عاليا فى صفوف شعبه
هل هذا هو ماكنت ستخبرنى به؟
نظر اليها بدهشة ثم سألها فجأه : كيف استطعت أن تنتزعى منه كل تلك المعلومات التى تعتبر أسرارا عسكريه شديدة السرية
قالت بغرور وهى سعيدة أنها استطاعت جذبه للحديث : كل صحفى وله طرقه الخاصة
تغير وجهه ومط شفتيه ثم أدار وجهه للطريق وعاد لصمته
لم تعجبها النظرة التى رماها بها فقالت بانفعال وكأنما تحاول الدفاع عن نفسها : لقد اعترف بكل ذلك وهو تحت تأثير الخمر .. وبعد أن أخذت منه كل المعلومات التى اريدها تركته مسجى على الأرض بعد تناوله جرعة كبيرة من الدواء المنوم الذى أحمله دائما فى حقيبتى , وغادرت المعسكر
سألته مرة أخرى : أخبرنى ..كيف تحصلون على الأسلحه رغم أنكم ..تعتبرون دولة فقيرة؟
رد مباشرة : أغلبها أسلحه روسيه نغنمها من معاركنا التى ننتصر فيها
سألته بدهشه : وهل تنتصرون؟
أردفت بسرعه : عفوا لكن مصادر الأخبار تقول ..
قاطعها قائلا : من مصلحة الروس أن يهونوا من شأن انتصاراتنا ويخفوا خسائرهم حتى لا يثور الشعب ضدهم
أردف بلهجة تمتلئ بالسخرية : يظن الرئيس الروسى أنه اللاعب الوحيد الذي بإمكانه أن يصرع المجاهدين الشيشان , وأن يكسر أنف الشعب الشيشانى, فبكل قسوة وعـنـفوان لاعب الجودو عمل على قمع الشعب الشيشاني, ونفذ بحقه حملته البشعة لـ"التطهير العرقي" حتى قـتـل من الشعب الصغير الذي يجاوز المليون بقليل أكثر من مائة وخمسين ألفا وشرد وهجر ما بين 200 و500 ألف مسلم شيشاني بحسب المصادر القوقازية الرسمية وغير الرسمية (أي نحو نصف عدد سكان الجمهورية على حد قول بعض المصادر الإنسانية)
أكثر من نصف الشعب لا يجدون مأوى لهم , ويعانون من قلة الطعام وأحوال الطقس الشديدة وندرة الرعاية الصحية.
ومع كل هذا الدمار, ظن أن الأمور تسير دوما لصالحه لكن الرياح لم تأت بما يشتهيه البحار الروسي , فالذى حدث خلال الأشهر القليلة الماضية أن كثرة رماح الروس لم تستطع أن تحن جباهنا,
لاشك أن بعض أخبارالعمليات الفدائية الضخمة التى قمنا بها خلال الأشهر القليلة الماضية قد وصلتكم, على الرغم من أن الحكومة الروسية تعمد دائما الى اخفاء أرقام خسائرها الحقيقية
قالت باسمة : لاأعتقد أن الروس بامكانهم اخفاء كل تلك الأعداد من القـتـلى من جنودهم, خاصة عندما يصل الأمر الى أرقام ذات صفرين وثلاثة حسب إحصاءات جمعية أمهات الجنود الروس
والمصادر الرسمية الروسية
قال ساخرا : ولكنهم لايزالون يعتبرون أن هذا ثمن بخس لتطويع الجمهورية المسلمة الأبية الغنية بالنفط
عقدت حاجبيها قائلة : قد يطول الأمر لسنوات حتى تستطيعوا اقناعهم بعكس ذلك
قال بثقة : نحن أيضا لسنا متعجلين, إن طريق الإستقلال لايزال طويلا
وهذا ما كان يدركه تماما الرئيس الشيشاني الراحل جوهر دوداييف عندما قال : "إن المعركة الحالية مع روسيا ستستمر50 سنة على الأقل لتحقيق الاستقلال الكامل"
ورغم كل مكابرتها فلقد بدأت روسيا طريق الاندحار في الشيشان وهي في النهاية ستذعن, فسخونة معارك الصيف القادم ستذيب جليد الثلج الروسي
كان صوته العميق يحمل الكثير وهو يقول بثقة لا حدود لها : على العالم ان يدرك -وروسيا من قبلهم- أن القضية الشيشانية لا يمكن للروس "حلها" عسكريا مهما فعلوا
............................................
يتبع.........................