عرض مشاركة واحدة
  #52  
قديم 29-08-2014, 09:05 AM
الصورة الرمزية مسلمة متفائلة
مسلمة متفائلة مسلمة متفائلة غير متواجد حالياً
طالبة بالأزهر الشريف
 
تاريخ التسجيل: Sep 2007
المشاركات: 6,603
معدل تقييم المستوى: 25
مسلمة متفائلة is on a distinguished road
افتراضي

تابع (14)

تنفس عمر الصعداء عندما عبر الجنود من أمام باب البيت ولم يتوقفوا ..بل استمروا فى سيرهم وعندما ابتعدت أصواتهم
خارت قواه وانزلق جسده الى الأرض وظهره للجدار ..

أسند رأسه الى الجدار وأغلق عينيه وهو يلهث بقوه وجلست زهره الى جواره وهى لاتزال ممسكة بيده وبيدها الأخرى مسحت حبات العرق التى تناثرت فوق جبينه وهى تقول بحنان : عمر ..هل أنت بخير الآن؟

أخذ نفس عميق .وهز رأسه موافقا و قال بعد تردد : نعم ..ولكن عليك أن تغادرى جروزنى الليلة

هتفت باعتراض : ولكن...

قاطعها بانفعال : ألا تدركين الخطر المحدق بك؟
انهم يبحثون عنى كالكلاب المسعورة..وأنا...أنا...
صمت قليلا وأدار وجهه بعيدا عنها حتى لا ترى الضعف فى عينيه

قالت بصوت بالغ الحنان : عمر..ما بك؟

قال بعد تردد : ..أخشى ..أخشى..أن يحترق قلبى وأفقد زهرة فؤادى ..
قد أتحمل كل عذابات الحياه لكنى لن أستطيع أن أتحمل أبدا أن تذبل زهرة روحى ..
نظر فى عينيها من جديد محاولا أن يستمد منهما القوه

فقالت بعد تفكير : عمر.. ان احترقت زهرة , فجبال بلادنا تنبت أجمل واندر الزهور

قال بحنين : ولكن قلبى لا يسع سوى زهرة واحده

ابتسمت بحب : وستظل تحيا فى قلبك ترتوى من حبك لهذه الأرض

أكملت فى شجاعه : لا تقلق علىّ ..سيصبح كل شئ بخير ان شاء الله

قال برجاء : زهره, يجب أن تغادرى جروزنى من أجلى, لن أتحمل أن أكون هناك وقلبى يتمزق من القلق عليكى فى كل دقيقة
عدينى أنك سترحلى مع قوافل المهاجرين أنت وأمك وأخوتك.
ولا تنسى أنك على وشك وضع طفلنا الأول

تنهدت باستسلام ثم قالت وهى تبتسم بحب : ماذا أقول ...لا أستطيع أن أخالف أمر زوجى, سأغادر غدا مع قوافل المهاجرين

ابتسم ابتسامة كبيرة وهو ينظر الى بطنها المتكور الذى يحمل طفلهما الأول ووضع كفه عليها وقال : وانت أيها الولد الشقى ..كن رجل البيت , ولترعى أمك فى غيابى..هل تفهم؟ كن ولدا مطيعا

خفتت ابتسامته وتنهد بقوه وهو يقول : لن يطول الأمر , سأعمل على أن نعود الى بيتنا سريعا

اشتعلت عينيه ببريق غاضب شديد الشراسه : لن ندعهم يهنئون فيها...سنخرجهم منها صاغرين

...............................................

انتفض الذئب مستفيقا من ذكرياته عندما لمع ضوء سريع قوى على وجهه ونظر الى كاترين فوجدها تبتسم والكاميرا على عينها فقال بغضب : صورتى ليست للنشر

أنزلت الكاميرا ببطء وهى تبتسم وتقول : أعلم..اطمئن فهذه الصورة ليست للنشر, فقط أحببت أن أحتفظ بصورة لذئب أنقذ حياتى

نظر الى الطريق بصمت, وشاركته صمته, حتى بدأ يهدئ من سرعة السيارة تدريجيا

التفتت اليه فوجدته قد عقد حاجبيه بقلق وهو ينظر بعيدا
قالت حينما انتقل اليها قلقه : ماذا حدث؟

قال مباشرة : هذا ما كان ينقصنا, حاجز تفتيش
لم يجد الذئب مناصا من التقدم, فتقدم بالسيارة نحو حاجز التفتيش المقام على الطريق

أخذت كاترين تتأمل المشهد والقلق يزداد بداخلها
طابور طويل من السيارات يتوقف أمام حاجز التفتيش الذى يقف عنده مجموعة من قوات الأمن الروسية وتقوم بتفتيش السيارات وتفحص أوراق وهويات العابرين على الطريق

انضم الذئب قسرا الى طابور السيارات, ولم يلبث أن اقترب منه أحد الجنود وطلب منه مغادرة السيارة هو ورفيقته, كما فعل مع جميع السيارات

غادرا السيارة باستسلام والقلق ينهشهما واقتربت كاترين منه وسارت بجواره وكأنما تحتمى به, وشعر هو بخوفها فقال بهمس وهو يسير بخطوات متمهلة : اطمئنى, سأتحدث اليهم, أعلم تماما مايريدونه

فكرت كاترين قليلا ثم قالت عندما اعطتها شجاعته الكثير من الطمأنينة : دعنى أحاول معهم, لا تنسى اننى صحفية ولى طرقى الخاصة

قال بسخرية ضايقتها : منوم أيضا؟

رفعت احدى حاجبيها بضيق وقالت : لدى اشياء أخرى أكثر فاعلية,

قالت وهى تتقدم : انتظر هنا فقد يرتابون بأمرك, سأذهب أنا اليهم

اجاب بصرامة وهو يضغط حروف كلماته مؤكدا : خلفك تماما

التفتت اليه بدهشة وقالت وهى تبتسم : حقا. مسلم !

لم تنتظر كاترين تعليقا منه على عبارتها, ولم يهتم هو بالتعليق بل تجاهل الأمر تماما, فقد كان ذهنه مشغول بالجنود وهم ينظرون اليهما وهما يتقدمان نحوهم

استجمعت كاترين شجاعتها وابتسمت وهى تتحدث الى جنود قوات الأمن الروسية
لكنها فجأة شعرت بالخوف, كانت ردود أفعالهم غير متوقعة ابدا بالنسبة لها
فقد ظهر فى وجوههم القلق والإرتياب, وبات واضحا لها عدم راحتهم لتواجد اثنين من الصحفيين فى ذلك المكان

وعبثا حاولت كاترين اقناعهم بالسماح لهما بالعبور للحاق ببقية الصحفيين
وارتعد قلبها رعبا عندما أمرها أحد الجنود ان تتنحى جانبا لحين التأكد من هويتهما وصدق روايتهما
واستسلمت كاترين وتبعت الذئب الذى انتحى جانبا وسار يفكر فى موقفهما الدقيق وهى بجواره حتى انضما الى مجموعة العابرين الذين غادروا سياراتهم بأمر من الأمن

جلس الذئب يراقب الموقف بهدوء وجلست كاترين بجواره والخوف يكاد ان ينتزع قلبها من مكانه برغم محاولاتها المستميته لترسم على وجهها تعبيرا طبيعيا

قالت بصوت هامس : ماذا سنفعل الآن ؟

قال بثقة شديدة : اطمئنى, حفنة من المال ستسوى الأمر على نحو جيد
أذهلها هدوءه الشديد فى ذلك الموقف الصعب وأخذت تنظر اليه نظرات تمتلئ بالإعجاب,
ولكنه لم يلاحظ نظراتها فقد كانت عيناه مشغولتان بمراقبة المكان وعقله يحسب حسابات الموقف الراهن بسرعة

تنهدت باحباط عندما ادركت انه لا يعيرها ادنى اهتمام برغم حرصه الشديد على حياتها
أدارت وجهها تتأمل فيمن حولها
كان المكان يمتلئ باعداد كبيرة من الشيشانيين ينتظرون الجنود ان يفرجوا عنهم وعن اوراقهم, وبسرعه أخرجت الكاميرا من حقيبتها وبدأت تلتقط الصور

لكنها توقفت فجأة عندما هتف أحد الجنود وهو يقترب منها بسرعة : ممنوع التصوير, ممنوع التصوير
أراد أخذ الكاميرا منها, لكن الذئب تدخل ووعده بعدم التصوير, ولم يتركها الا عندما أقنعه بأن أخذ الكاميرا قد يفسر على انه اعتداء على حرية الصحافة وقد يسئ لسمعة روسيا بأكملها

دست كاترين الكاميرا فى حقيبتها وهى تكاد تنفجر غيظا, وشغلت نفسها بتأمل ما حولها والتحدث الى الناس وتكوين صورة متكاملة عن الوضع فى تلك البلاد وأحوالها

جذب عينيها طفل صغير فى حوالى السادسة يجلس بالقرب منها وبجواره رجل كهل يبدو عليه الضجر الشديد, اقتربت كاترين من الصغير وبدأت تداعبه بحنان وتمسح على شعره, ثم أخذت تحادث الرجل الكهل حديث طويل, كانت فرصة لا يمكن ان تضيعها كصحفية للإقتراب من هؤلاء البشر ومعايشة واقعهم على الطبيعة ومعرفة المزيد عن مأساتهم عن قرب

نظر الذئب قليلا اليها وهى منهمكة فى الحديث مع الرجل, وتداعب الطفل بحنو, ثم ادار وجهه واخذ يتفحص وجوه البشر من حوله والتى يحكى كل منها دون كلام قصة مأساه يحياها كل يوم من قلة الغذاء وتدنى الخدمات الى انعدام الأمن

فجأة علا فى المكان صوت سيدة تتحدث بحدة وغضب, التفت الي الصوت ليجد سيدة شيشانية تقف امام جنديين ومشتبكة معهما فى مشادة حادة

تأمل السيدة التى توليه ظهرها, وقفزت الى رأسه صورة زهرة
فقد كانت السيدة تشبهها كثيرا من الخلف وهى ترتدى حجابها
بدأت الدماء تغلى فى عروقه وتتصاعد الى رأسه عندما رأى الجنديين يتعمدان مضايقة السيدة والتحرش بها

انتفض قائما من مكانه وتقدم من السيده وصورة زهرة لاتفارق قلبه, وقف أمام الجنديين مباشرة وحال بجسده بينهما وبين السيدة, وأخذ يتحدث اليهما بهدوء بصوت لم يصل الى كاترين التى وقفت تراقبه من بعيد بخوف وقلق

ازداد خوفها وهى ترى الجنديين يدفعانه فى صدره ولكنه لم يمد اليهما يدا, بل عاد يتحدث اليهما من جديد, بهدوء
لكن احد الجنديين اقترب من السيدة وبدأ يضايقها من جديد
وحاول الذئب ابعاده عنها بالحسنى بلا جدوى

وتفجر الموقف فجأة نيرانا ملتهبة مع صرخات مستنجدة أطلقتها السيدة عندما نزع الجندى حجابها من فوق رأسها بعـنـف وبصورة مفاجأة, ووجدت كاترين الذئب يهجم على الجندى بغضب هادر ويكيل له اللكمات العنيفة
تراجعت عدة خطوات للوراء برعب وجسدها كله يرتجف عندما أخرج الجندى الثانى سلاحه وصوبه نحو الذئب المشغول بعراكه مع الجندى الأول

وفجأة اندفع الكهل الذى يصاحب الطفل الصغير يجرى بسرعة, ودفع الجندى الممسك بالسلاح فى صدره, مما جعل الرصاصة تخطئ طريقها الى ظهر الذئب وتطيش فى الهواء

وازداد الموقف اشتعالا عندما انضم عدة رجال آخرين الى الذئب والكهل فى معركتهما مع الجنديين
واتى بقية الجنود يطلقون أسلحتهم بغزارة

وفجأة تشبثت كاترين بالطفل الصغير الواقف بجوارها, واحتضنته بقوة, وأصابها ذعر شديد
لم تكن تدرى لحظتها هل تحاول أن تحمى الطفل أم تحتمى به؟
وجد الذئب نفسه فى قلب النيران هو ورفاقه المدنيين الذين انضموا اليه برغبتهم

وتساقط قـتـلى من المدنيين الشيشانيين, وتفجرت الساحة بالدماء
مما دفع الذئب ان يرفع كفيه فوق رأسه ويصرخ بأعلى صوته : لا تطلقوا النار, نحن نستسلم
أدرك الذئب بخبرته فى التعامل مع الروس أنهم لن يتوقفوا الا عندما يصير المكان حماما من الدماء, كان يخشى على النساء والأطفال المتواجدين فى المكان
وبرغم ان الرجال الذين انضموا اليه دون ترتيب لم يكونوا يعرفونه, الا أنهم توقفوا على الفور عن القـتال وكأنهم تلقوا ذلك الأمر من قائد لهم

وتوقفت أيضا النيران الروسية بعد أن خلفت عددا من القـتـلى, واقتادوا المجموعة الباقية المتمردة تحت تهديد السلاح الى بيت قريب كانوا قد أخلوا سكانه قسرا ليتخذوه مقرا لهم

وسار الذئب بين طابور الأسرى مستسلما ويده فوق رأسه,وعيناه تدوران فى المكان بحثا عن كاترين, وبمجرد أن رآها أشار اليها برأسه اشارة تعنى أن تذهب بالسيارة وتتركه لمصيره
ظلت كاترين ترتجف وهى تحتضن الصغير بقوة وبدأ الجنود فى صرف الناس حتى لا يحدث تمرد آخر
وانصرف البشر وقلوبهم تتميز من الحقد والغضب, وجوارحهم المكبلة تتمنى الإنتقام

بدأت كاترين بالتحرك وهى تبحث عن الكهل الذى يصحب الصغير, ولكنها كادت تخر على وجهها رعبا عندما وجدته بين الجثث المفترشة الطريق, وفى أثناء ارتدادها للخلف, كادت تتعثر بجثة اخرى, جثة المرأة التى بسببها, قامت تلك المذبـحــة

احتضنت الطفل باشفاق كبير وادارت وجهه الى كتفها حتى لا يرى ذلك المشهد الرهيب, ودموعها تتفجر بغزارة
واستسلم الصغير لها وأسند رأسه الى كتفها, لكن لدهشتها لم يبكى,
لم يبكى أبدا

بدأت الشرطة الشيشانية تتوافد الى المكان, وكاترين تتراجع وهى تحمل الصغير المتعلق بعنقها
انتفضت فزعا عندما اصطدمت بأحد الأشخاص, والتفتت بحدة لتجده أحد رجال الشرطة الشيشانية
حاول ان يهدئ من روعها, وسألها عما حدث, فقصت عليه كل شئ وأخبرته ان صديقها معتقل هناك فى ذلك المنزل,طمئنها الشرطى ووعدها بانه سيحاول اخراجه من هناك, ثم طلب منها طلبا غريبا,

طلب منها ان تقود السيارة وتنتظره على الطريق بعد مائتى متر
لا تدرى كاترين كيف عادت الى السيارة ومعها الصغير ولا كيف قادتها وجسدها يرتجف من الرعب, والأعجب انها لم تدرى كيف وثقت بذلك الشرطى وأطاعته وانتظرت فى السيارة فى المكان الذى حدده لها,

ربما لأنها لم تكن تمتلك اى حل بديل, أو ربما لأن الرعب قد شل تفكيرها,
جلست فى السيارة تنظر للصغير الذى استكان تماما فى المقعد المجاور لها وأدار وجهه الى النافذة ينظر الى السماء

تنهدت كاترين باشفاق كبير لهذا الصغير الوحيد, وتساءلت فى نفسها : لماذا لا تبكى؟
هل تكرر ذلك المشهد كثيرا أمام عينيك حتى لم يعد يثير فيك مشاعر الفزع؟
هل جفت دموعك من كثرة المعاناة والألم؟

اسندت رأسها الى المقعد باستسلام وتنهدت بقوة وهى تسترجع صورة الذئب والجنود يقتادونه مع الأسرى, وبدأت تشعر بألم كبير فى قلبها وهى تتذكر كيف كان حريصا عليها, وكيف أنقذ حياتها, وهى الآن عاجزة تماما عن تقديم أى معونة له

تمتمت بأسى : ترى ماذا يفعلون بك الآن؟ ..
أغمضت عينيها وأردفت بحزن وهى تتذكر ملامح وجهه : هل سنلتقى ثانية؟
طال الوقت عليها وهى جالسة فى السيارة تنتظر...
تنتظر ماذا؟
لاتدرى..

>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>
يتبع.....................................
__________________

رد مع اقتباس