ثامنا: لم يكن مبارك حنونا ً ولا عطوفا ً ولا يحب العفو..
حتى بدا كجلمود صخر لا يأبه بالعواطف والمشاعر ولعل تربيته العسكرية الجامدة ساعدت على ذلك وابتعاده عن الفنون والآداب
وما شابه ذلك طوال عمره وغياب التجارب الإنسانية العميقة طوال فترة عمله الشاق والمضنى..
كل ذلك جعله مثلا ً لا يعفو حتى عن قائده فى حرب أكتوبر الفريق الشاذلى ليخرج مثل أى سجين..
ولا يعفو حتى عن المرأة السجينة، التى استلمت منه جائزة حفظ القرآن ثم عادت إلى السجن..
مع أن عادة الملوك والرؤساء إنه إذا سلم على سجين فلا يمكن أن يعود إلى السجن مرة أخرى..
ولكن مبارك لم يكن يفهم مثل هذه المعانى بعكس السادات الذى ذاق السجن فى مقتبل عمره وعرف معانى الحياة كلها..
وقد قال مبارك كلمة تلخص شخصيته "أنا لم أعف عن أى أحد".. مع أن العفو هو زكاة الحكم والقدرة ومن شيم الكرام
ولا يدوم حكم إلا بالعفو والصفح.. ولك أن تقارن بين مبارك والملك حسين الذى لم يعدم أى سياسى طوال 40 عاما ً رغم حدوث 40 محاولة انقلاب واغتيال ضده..
وقد كتبت فى هذا المعنى كثيرا.
تاسعا: لك أن تتأمل مدى التخلف الذى لحق بمصر فى عهد مبارك من التقدم المذهل الذى حققته إسرائيل التى تصنع الدبابة الميركافا الخاصة بها..
وعدة طائرات حربية بل وتصنع الأقمار الصناعية لأغراض التجسس أو البحث العلمى. والأدهى من ذلك أنها تصنع الصاروخ الذى يطلق القمر الصناعى..
أما نحن فلا نصنع أى جهاز طبى أو هندسى أو تقنى له أى قيمة.. والشىء الوحيد الذى نحسنه هو صناعة الشيبسى والصناعات الغذائية متوسطة الجودة.
عاشرا: كان مبارك محظوظا ً طوال عمره وكلما دخل فى محنة خرج منها كالشعرة من العجين..
فقد أرادت جيهان السادات ومجموعتها عزله من منصبه كنائب للرئيس السادات فإذا بأقدامه تثبت ويعزل منصور حسن، الذى كان يتهيأ للمنصب..
ولما اشتدت الأزمة الاقتصادية فى منتصف الثمانينيات جاءت حرب الخليج الأولى بين العراق وإيران لتنقذه،
حيث فتحت العراق أبوابها للصناعة والزراعة والتجارة والعسكرية المصرية.. فضلا ً عن ملايين المصريين..
ولما تأزم الموقف مرة أخرى جاءت حرب الخليج الثانيةومشاركته مع التحالف لتسقط كل ديون مصر العسكرية وتهب الاقتصاد المصرى قبلة الحياة..
وعندما حوكم قال الجميع إن مبارك سينتهى بهذه المحاكمة.. فإذا بكل الدماء التى تسيل بعد سجنه
مع انهيار الاقتصاد وشيوع الفوضى وضياع السياحة وتعطل الصناعات والمهن تجعل الناس تتعاطف معه مرة أخرى..
وكأن فى هذا الرجل شيئا ً عجيبا..
وقد يكون هذا استدراجا من الله له وقد يكون لأسباب أخرى..
وأحيانا ً أقول لنفسى: "لعل السنوات الطويلة التى قضاها فى دفاعه عن الوطن وحربه مع الإسرائيليين هى التى تنقذه بين الحين والآخر من شرور أفعاله..
وعموما ً الإنسان حاكما ً أو محكوما ً يقاس بخيره وشره.. ونفعه وضره.. وإيجابياته وسلبياته.. وحسناته وسيئاته".
__________________
الحمد لله
|