بسم الله الرحمن الرحيم
الحلقة القبل الاخيرة
بس ايه مفاجاة للجميع
لم ارى شيئا كهذا .. أن الروح تأبى أن تستجيب لي .. إنها ذائبة بالأثير إن كنت تفهم ما أقول !!
هززت رأسي بلا مبالاة ..
نهضت بعدها من مكاني بهدوء وأضأت الأنوار وسط استغرابه :
لم يكن هناك داع لإضاعة وقتي !! .. قلتها له وكأنني ابصق بوجهه ..
يبدو أن النصابين هم أكثر الناس إيحاء بالثقة .. وإلا فكيف ينجحون بعملهم ؟!
انتبه إلى طريقة كلامي إليه فقال وهو ما زال يلهث بشدة :
هل تتهمني بالكذب ؟ .. لماذا أضيع وقتي معك برأيك ؟
قلت له بغضب :
يظهر انك تعاني من عقدة النقص .. الأمر الذي يجعلك تريد جذب انتباه الناس ..
رد بكبرياء :
أنا إنسان متعلم ولن أضيع وقتي الثمين مع طفل مثلك محاولا إبهارك .. إنني أقوم بمساعدتك فقط لأنني أحب هذا العمل واعشقه حتى النخاع .. وأحب أن أعيش تجارب تحضير الأرواح وادرسها بعناية .. إن كنت ترى إنني أضيع وقتك فأرحل ألان لو سمحت ..
عدت اسأله في عناد :
الم تقل بأنك نادرا ما تفشل في تحضير الأرواح فلماذا فشلت في تحضير روح والدي بالذات ؟!
رد قائلا بعصبية :
لم يكن فشلا .. أعطني فرصة أخرى .. ولكن ليس ألان فقد بذلت مجهودا جبارا ولن استطيع تحضير أي روح اليوم .. تستطيع أن تزورني غدا .. فربما استطيع تحضير روح والدك .
وقد كان إصراره هذا هو ما جعلني أثق به وأعود إليه في اليوم التالي !! ..
وكما حدث في زيارتي الأولى .. كنت جالساً معه في ذات الغرفة الخالية .. وكان مصمما هذه المرة أكثر مني على تحضير روح أبي والدي .. بدا وكأن الأمر بالنسبة له اختيار صعب وتحديا يريد مواجهته واجتيازه .. أما بالنسبة لي فالأمر يتعلق بالحصول على معلومات هامة جداً أكاد أن اجن لمعرفتها …
بدأ بترديد التعاويذ ذاتها .. العرق يحتشد على جبهته مرة أخرى .. باختصار شديد : نفس تفاصيل الجلسة الأولى .. عدا شيء واحداً .. لقد بدا وكأن السيد ( حسن ) يواجه صراعاً شديد هذه المرة فتغيرت ملامحه كثيراً وبدا لي وكأنه يختنق !! .. وبدأ يرتجف بقوة .. فانكمشت على نفسي وأنا انظر إليه بذعر .. واصدر حشرجة مؤلمه .. وجحظت عيناه على حين غرة .. وشعرت بضباب خفيف يحيط بالغرفة .. لم يلبث أن تكاثف ببطء!! ..
هل أنت خائف ؟! .. لا ألومك كثيرا .. فانا مثلك .. هل أنت مشمئز ؟! .. بالطبع .. إن هذا الجو الملوث لا يناسب الأشخاص الحساسين مثلي ومثلك ..
كنت لحظتها أحدق بخوف وذهول بالسيد حسن ولكن فجأة استكانت ملامحه .. وبدأ ينظر إلى ناحية أخرى من الغرفة بجمود وبنظرة خاوية بنفس الوقت .. وكأنه لا ينظر إلى شيء إن كنت تفهم ما اعني .
رفعت رأسيي ببطء من موضعي لأنظر إلى الناحية التي ينظر لها السيد ( حسن ) .. فرأيت مشهداً لن أنساه مدى الحياة !! .. مشهداً كاد قلبي أن يتوقف بسببه !! .
أبي !!!! .
قلتها وأنا اصرخ من هول المفاجأة .. بل الصدمة .. كان تأثير رايتي له اقرب إلى تأثير المشي فوق كابل من الكابلات الجهد العالي .. فقد اقشعر جلدي .. وشهقت من فرط الدهشة والانفعال وأنا أرى أبي واقفا على بعد ثلاث أمتار مني مرتديا منامة .. كان مشهداً يفوق الوصف .. جعلني ارتجف ..
مرت لحظات كأنها دهرا وأنا أحدق بوالدي الذي كان واقفا وقفة مهيبة مخيفة وكان بدوره يحدق بي .. اعرف كيف يبدو والدي فانا املك الكثير من صوره .. ولدي صوره له تم التقاطها قبل انتحاره بشهر تقريبا .. وأكاد أن اقسم أن الذي يقف هو والدي فعلا .. ولكن هناك شيئا غريب في كل هذا .. فقد كان يبدو مخيفا نوعا ما .. نعم إن الرجل يشبه والدي إلى أقصى حد .. ولكنه يبدو مختلفا قليلا .. لم افهم سبب ذلك .. والأغرب من هذا هو انه كان يبدو مضطربا بشده بشكل واضح بسبب مجهول !! .
تحدث أبي باضطراب شديد وبصوت جمد الدم في عروقي :
ما الذي يجري ؟! ..
قالها بتوتر ملحوظ ..
ثم قال لي السيد ( حسن ) بصوت عميق وبنظرة خاوية وكأنه في حالة تنويم مغناطيسي كالتي نراها في السينما-:
هذا هو والدك .. اسأله ما شئت ….
حاولت جاهدا أن أخرج الكلمات من فمي من هول الموقف :
أ….أ….أبي لقد قمت بتحضير روحك لأسألك سؤالا هاما ….
ثم ازدردت لعابي بصعوبة بالغة:
أ…أ…أريد أن أعرف..هـ..هـ..هناك *****ات تخصك وجدتها في المنزل وتدل على وجود مبلغ هائل من المال …ولكنها ناقصة …فهل هناك أموال أو ممتلكات تركتها لنا ؟!…
وهل تعرف مكانها؟…
بدا وكأنه لم يسمعني …فهو مازال واقفا ينظر إلي باضطراب شديد ولا أبالغ إن قلت بأنه كان يبدو مندهشا…إن هذا أمرا غريبا يفوق المقاييس المادية فعلا…ولكن …
حدث شيئا آخر أثار انتباهي …لقد تغيرت نظرة الاضطراب التي رأيتها في عين والدي …لتحل محلها بعد لحظات نظرة حقد وكراهية شديدة لم أجد مبررا لها !!.. لماذا يرمقني أبي بهذه النظرة
لم يقل لي بعدها سوى شيئا واحدا…وبصوت عميق كأنه يتحدث من بئر:
ولم يكمل عبارته …فقد تلاشت صورته ..وشهق السيد ( حسن ) مرة أخرى بقوة .. نظرت إليه مذعورا فوجدته يتنفس بقوة وكأنه يحاول إدخال أكبر قدر من الهواء إلى رئتيه … وظل على هذا الحال حتى راح يسترد عافيته تدريجيا ويجفف عرقه الغزير !!…
قال بعدها بحيره شديدة :
لم أواجه شيئا كهذا .. كدت القى حتفي !! .. لقد قمت بتحضير أرواح العديدين .. ولكني لم أواجه موقفا كهذا .. لقد كان هناك أمر غير مفهوم يعوق أمر هذه التجربة وكأن شيئا قويا يمنعني من استمرار الاتصال الروحي .. لن اكرر هذه التجربة أبدا مع والدك .. كان هناك شيئا يحاول استرداد والدك .. شيئا مجهولا مرعب لا استطيع وصفه لم أتعرض له من قبل ! .
طلبت منه أن يقوم بتحضير روح أبي على أن يسأله بنفسه ذات السؤال المتعلق بمكان الأموال ولكنه رفض بقوة :
أسف … لا مجال للمناقشة في هذا الأمر .. أرجوك أن ترحل وانسي أمري تماما .. لا أريد الموت .. لقد كدت أن القى حتفي بالفعل .. لا يمكن أن تفهم ما شعرت به .. كان شعوراً رهيبا لا يوصف .. أرجوك أن ترحل ألان .
نهضت متثاقلا .. وخرجت من شقة السيد ( حسن ) .. وفي ذهني ألف سؤال وسؤال ظلت علامات الاستفهام تؤرقني حول ما حدث .. وفي نفس الليلة أحضرت ورقه وقلما لأرتب أفكاري ورحت أدون النقاط المهمة التي في هذه القضية كما افعل دائما حين أكون مشتت الذهن :
1- لماذا بدا أبي مختلفا حين تجسدت روحة ؟ .. لا يمكن أن يكون الأمر خدعه .. فالسيد ( حسن ) لم ير والدي أبدا من قبل .. وحتى لو رآه وعرف ملامحه .. فكيف يستطيع تجسيد هيئته أمامي بهذه الصورة ..
2- لماذا كان يبدو مضطربا حين تجسدت روحه ؟ .. لن أنسى أبدا ملامحه المضطربة .. كان متوترا بشدة وهذا شيئا غريبا بالفعل حتى أن السيد ( حسن ) ابدي استغرابه من الأمر عندما سألته ؟
3- لماذا ابدي كراهيته نحوي ؟ .. لم اضر والدي بشيء في حياتي .. بل إنني ولدت بعد وفاته ولم يكن يعلم أصلا أن أمي حامل قبل انتحاره !! ..
4- السؤال الذي فعلت لأجله ما فعلت .. أين هي الأموال ؟!
لم أجد ألا جابه على هذه الاسئله .. وشعرت بأنني لن أجدها أصلا .. ظللت أفكر في الأمر دون جدوى .. هناك شيئا هاما ينقصني لتكتمل أركان هذا اللغز العجيب ..
بعد تلك الحادثة بيومين جلست أتصفح جريدة اليوم قبل الذهاب إلى المدرسة .. فوجدت بها خبرا صغيرا قرأته بسرعة ونسيت كل شيء بشأنه بعدها .. لم أظنه خبرا مهما ..
مر بعدها يوم عاديا هادئا جدا بلا تقلبات أو مشاكل حياة هادئة كالنهر ..
لا زلت أفكر بما حدث .. فكما ذكرت .. هناك أمر غير مفهوم بهذا اللغز .. فجوه ما .. المادة ألاصقه التي ستتخلل أجزاء اللغز المبعثر وتجعلها كتله واحده متماسكة .. أفكر بذلك وأنا أتأمل جهاز الكمبيوتر حيث تسبح الأسماك الملونة على شاشته في برنامج واقي الشاشة الذي استعمله .
اعتقد أن الأمر يحتاج إلى تفسير خارق للطبيعة لان كل ما حدث لي حتى ألان كان خارقا للطبيعة كنت شارد الذهن أعيد التفكير في الاسئله التي لم أجد لها أجوبه :
1- لماذا بدا أبي مختلفا حين رأيته ؟! .
2- لماذا كان يبدو مضطربا ؟! .
3- لماذا قال بأنه يكرهني ؟!
4- أين هي الأموال ؟!
ما الذي تقودنا إليه كل هذه الاسئله ؟! .. فعلا !! .. ما الذي تقودنا إليه كل هذه الاسئله ؟! ..
عند السؤال الأخير بالذات تذكرت شيء .. الخبر !! .. نهضت كالملسوع لأقرأ الخبر الذي قرأته في الجريدة هذا الصباح والذي ظننت انه لا يهمني .. ظللت اقرأ الخبر مره أخرى وأخرى وأنا أتساءل في حيره .. ما الذي يعنيه هذا ؟! .. اشعر أن هناك رابطا بين كل هذا .. لكني لا اعرف ماهو !! الخبر يتحدث عن وفاة رجل أعمال هولندي من أصل كويتي بسكتة قلبيه مفاجئه .. لماذا بدا أبي مختلفا حين رأيته ؟! .. أين ذهبت الأموال ؟! .. هبطت الحقيقة علي ببطء شديد .. شديد جدا !! .. ثم بدأت تتجسد وتتخذ شكلا ماديا .. وشعرت ببسيلات شعري تنتصب .. وتحفزت حواسي .. هذا هو اقرب الاحتمالات إلى الدقة .. إن الأمر لا يصمد لأي تفسير منطقي أخر .. بل هذه الحقيقة .. حقيقة مريعة .. مريعة إلى درجة لا يمكن الحياة معها ..
ياللهول !!!!!
شهقت بقوة وأنا أقول : لا يمكن أن أكون فعلت هذا .. هل فهمتم ؟؟ .. انه أمر مريع .. مريع لا يصدق !! .. لقد قمت بتحضير روح شخص حي !! .. يا الهي .. لقد كان والدي حياً طوال هذه السنوات !! .. نعم .. فهم لم يعثروا على جثته أبدا .
اخر يتبع هنقولها................