
25-01-2015, 12:18 AM
|
عضو لامع
|
|
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 37,356
معدل تقييم المستوى: 0
|
|
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة simsim elmasry
عن الإرهاب والسياسة والإسلام
2015-01-24 | برهان غليون
ثم إن الإرهاب ليس مذهبا ولا قضية، لكنه وسيلة توضع في خدمة قضية قد تكون مشروعة أو لا مشروعة. وأنه، لذلك، ليس واحداً، ولا توجد نظرية جامعة لل*** والإرهاب، تبين أن هذه الجماعة الدينية، أو تلك، هي الأكثر استعدادا للتلوث به، أو الانخراط فيه. فللبيئة الاجتماعية والسياسية التي تعيش فيها الجماعات، وللسياق الذي تحصل فيه الاعتداءات، أهمية أكبر بكثير من الأفكار، مهما كانت درجة راديكاليتها، في تحويل سلوك الأفراد أو دفع بعضهم إلى الخروج على القانون، واللجوء إلى ال*** الإرهابي، أو غير الإرهابي، كالثورة والتمرد المسلح وغيرهما. وكما أن كل متطرف ليس قابلاً للتحول "الإرهاب، بعكس الجريمة الجنائية، لا ينفصل عن السياسة، وإن معالجته بعيداً عن سياقه السياسي لا يمكن أن يقود إلى نتيجة نهائية، حتى لو أنه يستطيع، في مقابل ثمن سياسي مرتفع، أن يحد من انتشاره وتمدد شبكاته" بالضرورة إلى إرهابي فاعل، ذلك أن التجرؤ على ال*** والإرهاب يفترض استعدادات نفسية، وتجارب شخصية خاصة، لا يتمتع بها كل فرد، كذلك لا يقود التعصب والتطرف الجماعات، في كل وقت وأية ظروف، إلى الدخول في دورة ال*** التي لا تعني تكبيد الخسارة للطرف الآخر فحسب، وإنما أيضاً، القبول بمخاطر كبيرة تجاه الذات، وأحياناً، كما هو الحال في العمليات الإرهابية الفردية، الاستعداد للموت والتضحية بكل شيء.
المقصود من هذا هو القول إن الإرهاب، بعكس الجريمة الجنائية، لا ينفصل عن السياسة، وإن معالجته بعيداً عن سياقه السياسي لا يمكن أن يقود إلى نتيجة نهائية، حتى لو أنه يستطيع، في مقابل ثمن سياسي مرتفع، أن يحد من انتشاره وتمدد شبكاته. وهذا، مع ذلك، أمر مطلوب، لكنه ليس كافياً. فلا ينبغي أن تختلط مواجهة الإرهاب، أي ال*** الخارج عن القانون والمرتبط بمواقف نابعة من العقيدة، دينية كانت أم سياسية، مع مواجهة ال*** الجنائي العادي، ولا تنفع فيه الإجراءات الأمنية ذاتها. فبينما يصدر ال*** الإجرامي عن رغبة أنانية في جلب منافع، أو مصالح، أو متع غير مشروعة، بكل الوسائل، عادة ما يصدر ال*** الإرهابي عن غيرية مفرطة، وأحيانا مرضية، يرى فيها الفرد نفسه ممثلاً للجماعة وفادياً لها، ويتوقع أن تنظر إليها الجماعة المرجعية التي يتطلع إلى اعترافها، كعمل بطولة، يرفع من قيمته، ويبرر تضحيته بنفسه، ولا تستقيم إرادة الفعل العنيف وتستبد بالفرد إلا من خلال استبطانه مبادئ وقيماً وأفكاراً، وتماهيه مع حقيقةٍ يعتبرها فوق كل اعتبار، قانوني أو سياسي أو اجتماعي، وتجعل الفاعل على استعداد للقيام بأي شيء لتحقيقها. فالمجرم الجنائي يرتدع عن الفعل، عندما يدرك أن ثمن خرق القانون الذي يقدم عليه أغلى بكثير من الفائدة التي يتوخاها منه، وأن المخاطر أكبر من احتمالات النجاح.
"الفرق بين ال*** الجنائي والإرهابي لا يتعلق بالشكل. فهما يستخدمان الأساليب والوسائل ذاتها، وإنما بالمضمون. ومضمون الإجرام والإرهاب على طرفي نقيض" ولهذا، تشكل الإجراءات الأمنية القائمة على تشديد الرقابة والعقوبة رادعاً عن الدخول في الفعل، في حين لا يوجد ردع ممكن أمام شخصٍ نذر حياته لقضية يعتبرها عادلة، واستعد للموت في سبيلها، حتى لو كانت في حقيقتها، وبالنسبة للآخرين، واهية أو خاطئة ومنحرفة.
الفرق بين ال*** الجنائي والإرهابي لا يتعلق بالشكل. فهما يستخدمان الأساليب والوسائل ذاتها، وإنما بالمضمون. ومضمون الإجرام والإرهاب على طرفي نقيض. فالأول يتحرك بدافع الأنانية المحض، والثاني بدافع إنكار الذات، أي بدافع مبدئي، ديني أو أخلاقي أو سياسي. وإذا كان من الممكن ردع المجرم عن فعلته، بتعظيم ثمن الانحراف الأناني، لا يمكن ردع الإرهابي عن عمله من دون التأثير على اعتقاداته نفسها، وهذه الاعتقادات ليست مفصولة أبداً عن الجماعة التي ينتمي إليها، وما يعتقد أنها تتوقع منه، والتي لا يقبل المقامرة بروحه في عمل يعتقد أنه يخدمها، إلا من أجل نيل اعترافها وتقديرها. من دون ذلك لا يبقى معنى لعمله، كما أن اندفاعه لصالح الجماعة لا ينفصل عن إدراكه وأعضاء الجماعة للظلم الذي تعاني منه، سواء أكان ظلما متخيلا أم حقيقياً. الإرهاب السياسي فعل يقوم به أفراد خاصون، أو ذوو استعدادات نفسية ووجدانية خاصة، يعتقدون أنهم يفدون بعملهم جماعتهم، ويدافعون عنها في وجه مظالم غير قادرة على ردّها، ولا تملك وسائل مواجهتها بالطرق الطبيعية، النظامية أو القانونية، ويقومون به ضد أعداء يعتقدون أنهم مسؤولون عن الحالة المأساوية التي تعيشها.
سياسة الإرهاب
ليس للإرهاب موطن محدد، ولا يرتبط بأي عقيدة دينية أو دنيوية. إنه شكل من أشكال الحرب غير النظامية التي مارسها فاعلون من كل الأديان، وفي كل الأماكن والأزمان. وقد ارتبط، منذ القرن التاسع عشر، بالحركات الثورية التي نمت على هامش الثورة الاجتماعية، والآمال التي أطلقتها فكرة الحرية والجمهورية، وما صادفته من قمع وقهر على يد النظم المستبدة، خصوصاً في روسيا القيصرية، وكانت أهم تقنياته اغتيال الملوك أو الوزراء المتهمين بالمسؤولية عن معاناة الشعوب أو التنظيمات السياسية. واستخدمته حركات تحرير شعبية عديدة في البلاد النامية التي لم تكن تملك وسائل المواجهة الحربية النظامية مع خصومها من الدول الاستعمارية. وقد تستخدمه الحكومات في مواجهة التنظيمات السرية للمعارضة، أو حركات الاحتجاج التي تهدد استقرارها، كما تستخدمه النظم السياسية، واحدتها ضد الأخرى.
وفي الشرق الأوسط، استخدم الإرهاب سياسة رسمية لردع الشعوب، وإخضاعها وإجبارها على التسليم بحقوقها، وأنشئت من أجل ذلك، تحت اسم المخابرات أو الحرس الوطني أو الحرس الثوري، منظمات إرهابية بالمعنى الحقيقي للكلمة، مهمتها الرئيسية التنكيل بالأفراد، وتلقينهم درس السيادة والعبودية، وسجنهم ومعاقبتهم والانتقام منهم وتشريدهم لمنعهم من المطالبة بحقوقهم، أو تحويلهم إلى رعايا في دول تحولت هي نفسها إلى إمارات قروسطية، وتحول فيها الحاكم إلى أمير حرب، يحكم بقوة السلاح، وعدد الميليشيات التي يستطيع تمويلها وقيادتها. واستخدم إرهاب الدولة على نطاق واسع، مع وسائل الحرب النظامية وأدواتها من الأسلحة الثقيلة والخفيفة، بل والأسلحة الكيماوية، لإخماد الثورات الاجتماعية، و*** حركات الاحتجاج أو الثورة، في المهد. كما استخدمته دول ضد دول أخرى بديلاً عن الحرب النظامية.
ونشأ على هامش إرهاب الدولة والإرهاب الرسمي إرهاب مقابل، اندفعت إليه بعض الحركات السياسية. وبمقدار ما تحول الإرهاب إلى وسيلة للحكم، والاستمرار فيه أصبح أيضاً وسيلة للاعتراض، ورفض الاستسلام عند بعض الحركات التي وجدت الطريق مقفلاً أمام التغييرات السياسية. والواقع أن الإرهاب في الشرق الأوسط لم يعد ظاهرة ثانوية، أو فردية، تعبر عن التعصب الأعمى لبعض الأفراد، أو نزقهم، أو كفرهم بالمجتمع والدولة، أو ضيق حيلتهم وأفقهم وضعف تفكيرهم، وإنما سياسة قائمة بذاتها، وكما ذكرت في مقال قديم، صار الإرهاب مختصر الحياة السياسية في هذه المناطق وروحها.
من دون فهم الدوافع السياسية والبيئة التي تنمو فيها الأفكار المتطرفة والمشاريع الإرهابية، والتعمق في تحليل الأزمات التي تدفع إليها، والانسدادات التي تعيشها المجتمعات، وتجعل التفكير في ال*** الوسيلة الوحيدة لكسرها في أذهان أفراد كثيرين، وليس فقط في أذهان الفاعلين الإرهابيين، لا يمكن بناء أي استراتيجية فاعلة ومجدية لمقاومة الإرهاب والحد من انتشاره.
"
|
شكرا على نقل المقال
|