عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 06-05-2015, 02:54 PM
الصورة الرمزية ابو وليد البحيرى
ابو وليد البحيرى ابو وليد البحيرى غير متواجد حالياً
عضو لامع
 
تاريخ التسجيل: Apr 2015
العمر: 61
المشاركات: 4,132
معدل تقييم المستوى: 15
ابو وليد البحيرى will become famous soon enough
افتراضي



القرآن الكريم روضة المربِّين والدَّارسين


محمد يوسف الجاهوش


آداب تلاوة القرآن الكريم:


1- الإخلاص: وهو أن يقصد بقراءته وجه الله تعالى؛ فالإخلاص أساسُ قَبول كل عمل {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [البينة: 5]، ومن كلام ابن عباس: "إنما يُعطى الرجل على قدر نيته".

2- طهارة البدن من الحدث الأكبر والأصغر، ومن الحيض والنفاس، ونظافة الثوب والمكان، وأن يستاك؛ ليكون فمُه نظيفًا؛ لأنه مجرى كلام الله - عز وجل - ومن كلام علي - رضي الله عنه-: "إن أفواهكم طرق للقرآن؛ فطيِّبوها بالسِّواك".


3- الاستعاذة بالله من الشيطان عند البدء:

قال تعالى: {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآَنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} [النحل: 98]، ثم يُسمي الله في أول السورة. ويرى الشافعيَّة أنه يُسمي الله إذا بدأ قراءته من وسط السورة كذلك.

4- التَّدبُّر والتفكُّر في معاني ما يَقرأ أو يَسمع، ولو اقتضاه هذا التدبر أن يُردِّد الآية مرات كثيرة؛ لأن هدف التلاوة إنما هو فَهم الخطاب الرَّباني، والوقوف عند أوامره ونواهيه، وقد بَيَّن لنا ربنا - عز وجل - أنه إنما أنزل القرآن من أجل تدبُّر آياته، والتفكُّر في معانيه ومقاصده؛ لتفقَه القلوب ما فيه من حقائق وتوجيهات، فتَصدُر عن وعي وإدراك، وتُطبّق عن فهم واطمئنان.

ومن كلام عليٍّ - رضي الله عنه -: "لا خير في عبادة لا فقه فيها، ولا في قراءة لا تدبُّر فيها". وقال ابن مسعود: "من أراد علم الأوَّلين والآخرين، فليتدبر القرآن".
كما ذمَّ الله - سبحانه وتعالى - من يغفل عن تدبر القرآن؛ فيُعرض عنه إعراضًا تامًّا، أو يتلوه وهو غافل لاهٍ عن التأمل والتدبر في نصوصه وأحكامه، قال تعالى: {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} [محمد: 24]. وقال تعالى: {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آَيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ} [ص: 29]. وصحَّ عن أبي ذر أن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - قام بآية يردِّدها حتى أصبح، وهى قوله عز وجل: {إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [المائدة: 118].
وعن عوف بن مالك - رضي الله عنه - قال: "قمت مع النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - ليلة، فقرأ سورة البقرة، لا يمر بآية رحمة إلا وقف وسأل، ولا يمر بآية عذاب إلا وقف وتعوَّذ"[4].

5- أن يتذكر القارئ من واقع حاله ما هو موافق لما يطلبه ربنا عز وجل في كتابه، وما هو مخالف وقائم على غير هدى من كتاب الله؛ ليعمل على تدارك التقصير، ويزداد نشاطًا في فعل الخيرات، قال تعالى: {وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآَنِ لِيَذَّكَّرُوا وَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا نُفُورًا} [الإسراء: 41].


6- أن يحرِص على النَّظر في المصحف ولو كان حافظًا مُتقِنًا؛ لأن النظر في المصحف ضَرْب من العبادة، روى البيهقي عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((أعطوا أعينكم حظَّها من العبادة)). قالوا: "وما حظُّها من العبادة؟" قال: ((النظر في المصحف)).


7- أن يتحرى أوقات حضور قلبه وخشوعه
، فيستغلها بالتلاوة والتدبر، وأهمها: ما كان عقب الصلاة المفروضة، وفي هَدْأة الليل وسكونه، قال تعالى: {أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآَنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآَنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا} [الإسراء: 78]. والنصف الأخير من الليل أفضل من الأول، والقراءة بين المغرب والعشاء محبوبة، وأفضل قراءة النهار بعد صلاة الصبح، ويُفضَّل من الأيام: الجمعة، والاثنين، والخميس، ويوم عرفة، والعشر الأواخر من رمضان، والعشر الأوائل من ذي الحَجة، ورمضان شهر القرآن "التبيان" للإمام النووي[5].


8- وعلى سامع التلاوة الإنصات
، وتأمل المعاني، ومتابعة القارئ، والابتعاد عن اللَّغو والكلام أثناء سماع التلاوة؛ فإن ذلك من أسباب نزول رحمة الله عز وجل، وقال تعالى: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآَنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ}. [الأعراف: 204].


9- ويستحب للقارئ وللسامع إذا قرأ أو سمع آية رحمة أن يسأل الله من فضله، وإذا مرَّ بآية عذاب أن يستعيذ بالله من الشر، أو من العذاب، سواء أكان يقرأ في الصلاة أم خارجها، ويستوي في ذلك المنفرد، والإمام، والمأموم[6]، فقد صحَّ عن حُذيفة بن اليمان أنه صلى خلف النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - ذات ليلة، فكان إذا مرَّ بآية فيها تسبيح سبَّحَ، وإذا مرَّ بسؤال سأل، وإذا مرَّ بتعوُّذ تعوَّذ[7].


10- أن يتجنب القارئ قطع قراءته، فيبتعد عن الكلام والضَّحك أثناء القراءة، إلا كلامًا يُضطر إليه؛ فقد أخرج البخاري في صحيحه: "أن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - كان إذا قرأ القرآن لا يتكلم حتى يفرُغ مما أراد أن يقرأه"[8].


11- تزيين الصوت وترقيقه، بما لا يُعَد تكلُّفًا؛ فإن رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - كان يُحب سماع القرآن من ذوي الصوت الحسن، وقد صحَّ عنه - صلَّى الله عليه وسلَّم - أنه قال: ((زيِّنوا القرآن بأصواتكم))؛ رواه أبو داود، والنسائي. وأثنى على أبي موسى الأشعري؛ لحُسن صوته بقوله: ((لقد أوتيت مِزمارًا من مَزامير آل داود))[9].


12- وينبغي لقارئ القرآن أن يُرتل قراءته ويُجوِّدها؛ قال تعالى: {وَرَتِّلِ الْقُرْآَنَ تَرْتِيلًا} [المزمل: 4].

ولو قال قائل بوجوب الترتيل لكان أقرب إلى ظاهر ما يدل عليه النص القرآني؛ ولذا قال الزركشي: "على كل من قرأ القرآن أن يُرتله، وقد سئل علي - رضي الله عنه - عن الترتيل فقال: هو تجويد الحروف، ومعرفة الوقوف".
وقد نعتت أم المؤمنين أم سلمة - رضي الله عنها - قراءة رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - بأنها كانت: "قراءة مفسَّرةً: حرفًا، حرفًا"[10].
عن ابن عباس: أن رجلاً قال له: "إني أقرأ المُفصَّل في ركعة واحدة". فقال له: "هذًّا كهذِّ الشعر؟! إن قومًا يقرؤون القرآن لا يُجاوز تراقيَهُم! ولكن إذا وقع في القلب فيرسخ فيه نفع". وقال أيضًا: "لا تنثروه نثر الدَّقَل[11]، ولا تَهذوه هذَّ الشعر، قِفوا عند عجائبه، وحرِّكوا به القلوب، ولا يَكن همُّ أحدكم آخر السورة".


13- خشوع القلب، وسكون الجوارح، واستحضار عظمة من أنزل القرآن - سبحانه وتعالى - والبكاء خوفًا من الله تعالى، ومحاولة التباكي إن لم يَتأتَّ له البكاء؛ فقد أثنى الله على أقوام لبكائهم عند سماع آياته: قال تعالى: {وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آَمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ} [المائدة: 83].

وقد روى ابن مسعود أنه قرأ على رسول الله، فلما وصل إلى قوله تعالى: {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا} [النساء: 41]، نظر إلى رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - فإذا عيناه تَذْرِفان[12].

14- الدعاء بعد كل تلاوة بما يتناسب والآيات التي تلاها، ويَتأكَّد الدعاء بعد ختم القرآن الكريم، فهو مَظِنَّة الاستجابة، قال مجاهد: "كانوا يجتمعون عند ختم القرآن، ويقولون: تنزِل الرحمة".

عن أنس - رضي الله عنه - أنه كان إذا ختم القرآن جمع أهله ودعا[13].
وعنه - رضي الله عنه - مرفوعًا: ((من قرأ القرآن، وحمِد الربَّ وصلى على النبي- صلَّى الله عليه وسلَّم - واستغفر ربه، فقد طلب الخيْرَ مَكَانَهُ))[14].

15- يُسن إذا فرَغ من الختمة أن يَشْرَع في ختمةٍ جديدةٍ مباشرة؛ ليكون متواصل القراءة دون فترة أو مهلة أو تقاعُس بعد الختمة.

قال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((أحب الأعمال إلى الله الحالُّ المُرتحِل، الذي يضرب من أول القرآن إلى آخره، كلما حلَّ ارتحل))[15].
وعن ابن عباس، وأُبيِّ بن كعب - رضي الله عنهما -: "أن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - كان إذا قرأ: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ} [الناس: 1]، فتح من الحمد، ثم قرأ من البقرة: {وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [البقرة: 5]، ثم دعا بدعاء الختمة ثم قام"[16].

فضل التلاوة وثوابها:

إن فضل التلاوة عظيم، وثوابها جزيل، ومنزلة العبد عند ربه بمقدار قربه من كتابه - عز وجل - ومُعايَشته له، وكثرة تلاوته، وإقامة أحكامه، قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ * لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ} [الرعد: 29-30].
فانظر يا أخي إلى فائدة التلاوة وثواب المُثابِرين عليها، إنها مِفتاح كل خير، وسبيل المحافظة على الصلوات واطمئنان النفس إلى فضل الله وموعوده، فتراها تجود و تبذل، لا تخشى إلا الله - عز و جل.
- إنهم ممن وعدهم الله - تعالى - بالتجارة الرابحة في ديناهم وأخراهم.
- وتعهَّد لهم ربنا - عز وجل - أن يُوفِّيَهم أجورهم كاملة غير مَنقوصَة.
- أن يزيدهم من فضله، ثوابًا فوق ثوابهم، وجزاء يفوق ما استحقُّوه بأعمالهم.
- ويَختِم لهم بالمغفرة (إنه غفور شكور)، وما الذي يرجوه المؤمن من بعد هذا؟!
وإن تلاوة القرآن بفَهم وتدبر وخشوع تُحقِّق الخير الكثير لصاحبها؛ فهو يَنال زيادة على ما تقدم:
يتبع





رد مع اقتباس