الخصائص العامة للإسلام
د. إبراهيم بن حماد بن سلطان الريس
الخصيصة الخامسة:
ديـن العـلم:
للعلم في الإسلام مكانة سامية، ويكفي دلالة على ذلك أن أول كلمة نزلت من عند الله تعالى على نبي الهدى صلى الله عليه وسلم، هي قوله تعالى: ï´؟ اقْرَأْ ï´¾.
دين يحترم العلم ويجلُّ العلماء، ويرى أن العلم طريق للخشية والخضوع والانقياد لأمر الله تعالى كما قال سبحانه: ï´؟ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ ï´¾ [فاطر: 28].
دين يرفع من شأن العلم: ï´؟ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الأَْلْبَابِ ï´¾ [الزمر: 9].
وآيات القرآن العظيم توجِّه إلى التفكر والتدبر والنظر، وإعمال العقل واللُّبِ في الوصول إلى الحق والصواب.
ولهذا ختم الله تعالى كثيرًا من الآيات بالأمر بذلك والحث عليه، كما في قوله سبحانه: ï´؟ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ï´¾، ï´؟ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ ï´¾، ï´؟ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ï´¾، ï´؟ وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ ï´¾، ï´؟ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ ï´¾، ï´؟ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ الله لَكُمُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ ï´¾، ï´؟ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ï´¾، ï´؟ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ï´¾، ï´؟ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ï´¾.
وقد أرشد الله تعالى في القرآن العظيم إلى أن الكون بحقائقه يتفق مع ما جاء في القرآن العظيم، وأن العلم الصادق يزيد الإيمان في النفس، فقال جل وعلا: ï´؟ سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآْفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ï´¾ [فصلت: 53].
هذا هو العلم وهذا شيء من موقف الإسلام منه، مطلب العلم المادي الذي تحتاجه الأمة وتستغني به عن سواها من الأمم الكافرة واجب من الواجبات، وذلك لما يترتب عليه من استقلال الأمة وغلبتها وتمكنها من الصناعة والإنتاج.
والإنسان مهما بلغ في درجات العلم المادي البحت فإنه لا يزال قاصرًا عن أن يحيط علمًا بكل شيء، فالله تعالى يخبر عن ذلك فيقول: ï´؟ وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً ï´¾ [الإسراء: 85].
وقد أثر ذلك تأثيرًا حضاريًّا قويًّا في الأمة، وكان ذلك بدافع من الدين الإسلامي الذي شجع العلم، وقدر العلماء ودعا إلى التأمل والتفكر والتجريب، وأوروبا مدينة لهم بذلك)[26].
ولهذا فهناك فرق شاسع بين موقف الإسلام من العلم وخاصة العلوم التجريبية وموقف الكنيسة من ذلك، خاصة ما كان في أوربا قبل الثورة الفرنسية، وسيطرة الكنيسة ورجالاتها على عقول الناس وتفكيرهم، وتحريمها كل محاولة للتحرر من العبودية لرجال الكنيسة. وما نتج عن ذلك من الثورة على الكنيسة. بينما الإسلام قام أصلاً على العلم والتوجيه إليه والتحاكم إليه، فلا يصح عقلاً ولا واقعًا إسقاط أخطاء الكنيسة الباطلة على دين الإسلام، وادعاء أن الدين الإسلامي عائق عن العلم ومانع من التقدم التقني والصناعي. وإن كان ذلك منهاج لمن لا معرفة عنده، أو من كان قصده غير الحق.
وإن المطّلع على قرارات المجامع العلمية - وخاصة ما يختص منها بالإعجاز العلمي في القرآن والسنة - وما توصل إليه العلماء من حقائق علمية[27] تتطابق مع ما جاء به الخبر في دين الله تعالى، يرى إعجاز دين الإسلام؛ فيجد في ذلك الطمأنينة والثقة والأنس بأن الله تعالى أنعم عليه بالهداية للإسلام، وأكرمه باتباع سيرة خير الأنام، محمد عليه الصلاة والسلام.
ولنعرض لذكر أمثلة مختصرة على الإعجاز العلمي في الكتاب والسنة:
أعلن الطبيب الفرنسي (موريس بوكاي) إسلامه بعد دراسة طويلة للقرآن، وألف كتابه: (التوراة والإنجيل والقرآن والعلم)، وقد هاله كثرة الحقائق العلمية في القرآن.
ومن نماذج ذلك الإعجاز:
• أسلم بعض الفلكيين لما سمع قول الله تعالى: ï´؟ فَلاَ أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ * وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ ï´¾ [الواقعة: 75، 76] ، وقال تصديقًا لهذه الآية: حقًّا إننا لا نرى إلا مواقعها القديمة التي لم يصلنا ضَوْءُها إلى الآن لبعدها عنا وهي تحركت عنها الآن، وأن التشكيلة المرئية إنما هي صورة لمواقعها.
• إخبار الله بضيق التنفس عند الصعود إلى أعلى ((الضغط الجوي))، يقول سبحانه: ï´؟ فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِْسْلاَمِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ... ï´¾ [الأنعام: 125]، فهذه حقيقة علمية حديثة.
• أخبر الله عن موجين فيه: الموج الذي نراه، وموج آخر داخل البحار لم يكتشفه العلماء إلا حديثًا، فقد قال سبحانه: ï´؟ أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ ï´¾ [النور: 40]. ولما سمع بحار إنجليزي بهذه الآية سأل هل ركب محمد البحر؟ فلما قيل له: لا. آمن على الفور، وقال: إن ما ذكره محمد صلى الله عليه وسلم إنما هو من عند الله، وليس من تلقاء نفسه.
• ومما ذكره الله عن البحر: ï´؟ وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخًا وَحِجْرًا مَحْجُورًا ï´¾ [الفرقان: 53]، فلا تختلط مياه البحار ولا تطغى على مياه الأنهار مع أنها تلتقي، بل جعل الله حاجزًا طبيعيًّا يمنع انتقال الملح إلى مياه الأنهار حتى في حالات المد.
• مراحل خلق الإنسان بدءًا بأصله وهو من تراب ثم أحوال الجنين في بطن أمه، قال سبحانه: ï´؟ وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِْنْسَانَ مِنْ سُلاَلَةٍ مِنْ طِينٍ * ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ * ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ ï´¾ [المؤمنون: 12 – 14].
وجاء الطب الحديث بما يوافق تلك الحقائق التي نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم قبل أربعة عشر قرنًا، حتى أسلم عدد من علماء الأجنة.
• أخبر الله سبحانه عن بداية الأرض وأنها كانت ملتصقة مع الشمس ثم انفصلا، وأن الماء أصل كل حياة، ودور الجبال في ثبات الأرض، وحفظ توازنها، وجريان الشمس والقمر كلٌّ في فلك يخصه: ï´؟ أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالأَْرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلاَ يُؤْمِنُونَ * وَجَعَلْنَا فِي الأَْرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ وَجَعَلْنَا فِيهَا فِجَاجًا سُبُلاً لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ * وَجَعَلْنَا السَّمَاءَ سَقْفًا مَحْفُوظًا وَهُمْ عَنْ آيَاتِهَا مُعْرِضُونَ * وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ ï´¾ [الأنبياء: 30 – 33][28].
فهذه آيات الله تعالى مسطورة في كتابه العظيم، ومبثوثة في سنة نبيه الكريم، وشاهدة صدق في واقع الكون والحياة، يهدي بها الله عباده إلى وحدانيته وألوهيته وأسمائه وصفاته جلَّ وعلا.
وللموضوع تتمة