عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 09-05-2015, 03:35 PM
الصورة الرمزية ابو وليد البحيرى
ابو وليد البحيرى ابو وليد البحيرى غير متواجد حالياً
عضو لامع
 
تاريخ التسجيل: Apr 2015
العمر: 61
المشاركات: 4,132
معدل تقييم المستوى: 15
ابو وليد البحيرى will become famous soon enough
افتراضي

الواضح في التفسير


(الحلقة الثانية)



أ. محمد خير رمضان يوسف

سورة البقرة

(الآيات 26 – 66)


بسم الله الرحمن الرحيم




{إِنَّ اللَّهَ لاَ يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا فَأَمَا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَأَمَا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلاً يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلاَّ الْفَاسِقِينَ} [البقرة:26].


26- والله لا يستحيي أن يضربَ مَثلاً بشيءٍ ما، صَغُرَ أو كَبُر، من بعوضٍ فما فوقها، فإن في كلِّ شيءٍ خلقَهُ حكمةً وعظة.
فالذين آمنوا يعلمونَ أن ضربَ المَثَلِ بالبعوضِ حَقٌّ، فيؤمنونَ به وبحكمته، أما الكفرةُ فيزدادونَ به ضلالة، ويقولون: ما قيمةُ البعوض، وما موقعهُ في الكونِ حتى يُضْربَ به المَثَلُ، وهو من أحقرِ المخلوقات؟!.
والبعوضُ مخلوقٌ عجيبٌ حقاً، فهو مع صِغَره، له عينانِ ضخمتانِ تتكوَّنانِ من آلافِ العدساتِ السداسية، وفي رجلها خمسةُ مفاصلَ رئيسية، مع زوجٍ من المخالب، وعضلاتٍ قوَّيةٍ تلتصقُ بجدارِ الصدر، ودبُّوسٍ للتوازنِ في جناحيها، وتتحرَّك الأجنحةُ ما يقربُ من ألفِ مرَّةٍ في الثانية! وله جهازٌ يمنعُ تجلُّطَ الدمِ ليستطيعَ مصَّه، وقد يمتصُّ دماً أكثر من وزنهِ مرَّةً ونصفَ المرَّة! وله أكثرُ من ثلاثةِ آلافِ نوع، وتضعُ الأنثى ما بين مائةٍ وثلاثمائةِ بيضةٍ في المرَّة الواحدة، وتضعُ ثلاثةَ آلافَ بيضةٍ طوالَ حياتها. وينقلُ أسوأ الأمراض، وماتَ الملايينُ من البشرِ بسببِ ذلك، وهو موجودٌ في كلِّ أنحاءِ العالم.

{الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الأرْضِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ} [البقرة:27].

27- إنَّ هؤلاءِ الكفرةَ والمنافقينَ لا عهدَ لهم ولا ميثاق، فقد تركوا الإقرارَ بالحقِّ مع صحَّةِ أدلَّته، وكذَّبوا الرسلَ والكتبَ المُنزلةَ على الأنبياء، مع علمهم أن ما أُتُوا به حقّ. وهم مع عِنَادِهِمْ وفسادِ عقيدتهم فإنهم غيرُ أوفياءَ مع أقربِ المقرَّبينَ إليهم، فهم يقطعونَ علاقاتهم مع أهليهم وقراباتهم، وقد خسروا بهذا وتعرَّضوا إلى غضبِ الله، وحالتْ أعمالهم السيِّئةُ بينهم وبين رحمةِ الله العظيمة.

{كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} [البقرة:28].

28- وكيف تجحدونَ وجودَ الخالقِ وقد كنتم عَدَماً فأخرجكم إلى الوجود، ثم يُميتُكم موتةَ الحقّ، ثم يُحييكم مرةً أخرى حين البعث؟

{هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيءٍ عَلِيمٌ} [البقرة:29].

29- إنه الإلهُ الذي خلقَ الأرضَ وما فيها لكم، وخلقَ سبعَ سماواتٍ فوقكم، وعلمهُ محيطٌ بجميعِ ما خلق، لا يخفى عليه شيء.

{وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ} [البقرة:30].

30- واعلمْ يا نبيَّ الله أن ربَّكَ قالَ لملائكته: سأجعلُ بني آدمَ خلفاءَ في الأرض، يخلفُ بعضُهم بعضاً، وسأسخِّرُ جميعَ ما خلقتهُ فيها من طاقاتٍ وخاماتٍ لهم.
وقد فهمتِ الملائكةُ من الطبيعةِ البشرية، أو بإلهامٍ من الله، أنَّ من البشرِ مَنْ يُفسدُ في الأرض، ويستغلُّ طاقاتها في غيرِ وجهتها الصحيحة، فقالوا استعلاماً واستكشافاً عن الحكمةِ في ذلك، لا اعتراضاً على الله سبحانه: يا ربَّنا، أتجعلُ في هذه الأرضِ من يعيثُ فساداً ويريقُ الدماءَ بغيرِ حقّ، متجاوزينَ الحكمةَ والصواب؟
وإذا كان الهدفُ من استخلافهم فيها عبادتك، فها نحن ننزِّهُكَ ونحمدُكَ ونمجِّدك، ونعبدُكَ ونصلِّي لك؟
فقالَ الله لهم: إني أعلمُ من المصلحةِ في استخلافهم فيها ما لا تعلمون، فإذا كانَ فيهم مفسدون، فإنه يكونُ منهم أنبياءُ وصدِّيقون، وأولياءُ لله مقرَّبون، وعلماءُ عاملون، وعُبّادٌ خاشعون، وشهداءُ أبرارٌ في علِّيين.

{وَعَلَّمَ آدَمَ الأسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلاَئِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلاَءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [البقرة:31].

31- وعلَّمَ آدمَ -عليه السلامُ- أسماءَ الأشياءِ كلَِّها، ثم عرضها على الملائكةِ وقالَ لهم: اذكروا لي أسماءَ هذه الأشياء، إن كنتمْ صادقينَ في قولكم من أني إذا جعلتُ في الأرضِ آدمَ خليفةً عصاني ذرِّيتهُ وأفسدوا وسفكوا الدماء، وإذا كنتم أنتم خلفاءَ أطعتموني واتبعتم أمري بالتعظيمِ والتقديس. فإذا كنتم لا تعلمونَ أسماءَ هذه الأشياءِ وأنتم تشاهدونها، فأنتم عمّا هو غيرُ موجودٍ من الأمورِ الكائنةِ التي لم توجدْ أحرى أن تكونوا غيرَ عالمينَ بها.
إن الملائكةَ لا حاجةَ لهم إلى هذه الأشياء؛ لأنها لا تناسبُ طَبِيعتهم، بل هي مختصَّةٌ بابنِ آدم، ولذلك جُعلتِ الخلافةُ له في الأرضِ لا لهم.

{قَالُوا سُبْحَانَكَ لاَ عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ} [البقرة:32].

32- عند ذلك استسلمتْ ملائكةُ الرحمنِ للحقّ، فقدَّستْهُ ونزَّهتْهُ وقالت: سبحانك، لا علمَ لنا بشيءٍ إلا ما أحطتنا به من عندك، فأنت تعلمُ كلَّ شيء، ولكَ الحكمةُ في خلقِكَ وأمرك، وتعلِّمُ من تشاءُ ما تشاء، وتمنعُ من تشاءُ ممّا تشاء.

{قَالَ يَاآدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ} [البقرة:33].

33- وطلبَ الله من أبينا آدم أن يذكرَ للملائكةِ أسماءَ الأشياء، من أعلامٍ وحيواناتٍ وجمادات، فأنبأهم بها، وظهرَ فضلهُ في ذلك، من علمِ ما لا يعلمونه، فقال الله لهم: ألم أقلْ لكم إني أعلمُ علمَ الغيب، فلا يخفى عليَّ شيءٌ من أمرهم وأمركم وما في الكونِ جميعاً، وأعلمُ ما تسِرُّونَ في أنفسكم وما تظهرونه، فما خفي عليَّ قولكم من يُفسدُ فيها، ولا خفيَ عليَّ أمرُ إبليسَ في خلافِ أمري والتكبُّرِ على طاعتي.

{وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاَئِكَةِ اسْجُدُوا لآِدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ} [البقرة:34].

34- وقد كرَّمَ الله آدمَ -عليه السلامُ- عندما قال لملائكته: اسجدوا لآدم، فسجدوا له طاعةً لربِّهم، فكانت السجدةُ لآدم، والطاعةُ لله، كرامةٌ من الله أكرمَ بها آدم. إلا إبليس، الذي كان بينهم، وهو من الجنّ، أبى أن يسجدَ له، تكبرُّاً واستعلاء، فكان بذلك من العاصينَ الضالِّين.

{وَقُلْنَا يَاآدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلاَ مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ} [البقرة:35].

35- بعد هذا التكريمِ لآدم، أباحَ الله له الجنَّةَ ليسكنَ فيها حيث يشاء، هو وزوجُهُ حوّاء، ويأكلا منها في رغدٍ وهناء، وسَعَةٍ وسعادة، لكنْ حذَّرهما فقال: لا تَقْرَبا هذه الشجرة، وعيَّنها لهما، فإنكما إذا أكلتُما منها عصيتُما ربَّكما وظلمتُما أنفُسَكما، ووقعتْ عليكما عاقبةُ المخالفة.
وكان ذلك امتحاناً لهما، وتوجيهاً لسلوكهما، وتعليمَهما الوفاءَ بالشرط، ولابدَّ في ذلك من إرداة.

{فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الأرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ} [البقرة:36].

36- لكنَّ الشيطانَ أغواهما ونحّاهما عن الجنة عندما زيَّنَ لهما الأكلَ من الشجرةِ فأكلا منها! وأخرجهما بذلك من الجنّاتِ الجميلةِ وما فيها من رزقٍ هنيءٍ وراحةٍ ومنزلٍ رحب، فقالَ الله عقبَ هذا العصيان: انزلا من الجنةِ إلى الأرض، لتتحكَّمَ العداوةُ بينكم وبين الشيطانِ الذي غرَّكم فأخرجكم من هذا النعيم، وسيكونُ لكم قرارٌ في الأرض، ورزق، ورغبةٌ وانتفاع، ولكنْ إلى زمنٍ محدود.

{فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} [البقرة:37].

37- وعرفَ آدمُ ذنبَهُ وندم، واستغفرَ ربَّهُ وطلبَ منه الصفحَ والمغفرة، فقبلَ توبتَه، إنه كثيرُ الغفرانِ للذنوب، لطيفٌ بخلقه، رحيمٌ بعبيده.

{قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدَىً فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ} [البقرة:38].

38- تكريرٌ وتحذيرٌ من جديد، لآدمَ وذرِّيتِه، حتى لا يقعوا في الخطأ مرَّةً أخرى: انزلوا إلى الأرض، فإذا بعثتُ إليكم أنبياءَ ورسلاً، وأنزلتُ عليكم كتباً لتهتدوا بها، واتبعتم هذا الهدي، فلا تضلُّونَ في الدنيا، ولا تشقَوْنَ في الآخرة، ولا تحزنونَ على ما فاتكم من أمورِ الدنيا، ولا تخافونَ ما ينتظركم يومَ القيامة.

{وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [البقرة:39].

39- أمَّا من كَفَرَ وكذَّبَ بأنبيائنَا وكُتُبِنَا، فلا شكَّ أنهم أصحابُ النار، لا مَحِيدَ لهم عنها ولا محيص، خالدينَ فيها فلا خروج.

{يَابَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيكُمْ وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ} [البقرة:40].

40- يا أبناءَ إسرائيلَ (يعقوبَ) النبيِّ الكريمِ المطيعِ لله، تذكَّرُوا نعمتي عليكم أن جعلتُ منكم أنبياءَ وملوكاً، وأنزلتُ عليكم الكُتب، وأنجَيتُكُمْ من عبوديةِ فرعونَ وآلِه... وأوفوا بالعهدِ الذي طلبتُ منكم الإيفاءَ به، وهو اتِّباعُ دينِ الإسلام ومتابعةُ النبيِّ محمدٍ صلى الله عليه وسلم إذا أُرسل، فإذا وفيتمْ بالعهدِ الذي في أعناقكم، رضيتُ عنكم وأدخلتُكم الجنَّة، وإلا فاذكروا ما أنزلتُ بآبائكم من النِّقم، كالمسخِ وغيره، فإني قادرٌ أن أُنزلَ بكم ما أنزلتهُ بهم.

{وَآمِنُوا بِمَا أَنْزَلْتُ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ وَلاَ تَكُونُوا أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ وَلاَ تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلاً وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ} [البقرة:41].

41- وآمِنوا بالقرآنِ المُنزَلِ على النبيِّ محمدٍ صلى الله عليه وسلم، المصدِّق لما معكم، ممَّا هو مكتوبٌ في التوراةِ والإنجيل، ولا تكونوا – يا يهودَ المدينة – أوَّلَ من يكفرُ بنبوَّةِ محمدٍ صلى الله عليه وسلم من بني إسرائيل. ولا تستبدلوا بالإيمانِ وتصديقِ رسولي محمدٍ صلى الله عليه وسلم الدنيا وشهواتِها القليلةَ الفانية، وأطيعوني رجاءَ رحمتي بكم وهدايَتِكُمْ وإنقاذِكُمْ من العذاب.

{وَلاَ تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [البقرة:42].

42- ولا تخلطوا الحقَّ بالباطلِ والصدقَ بالكذب، ولا تسكتُوا عن الحقِّ فتكتموهُ وأنتم تعلمونَ أنه الحقّ، فإنَّ عندكم معرفةً برسولي وبما جاءَ به، وهو مكتوبٌ عندكم، فلِمَ لا تُعلنونَ الإيمانَ به، بل تكذبونَ وتقولونَ إنه ليس بنبيّ؟!

{وَأَقِيمُوا الصَّلاَةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ} [البقرة:43].

43- فآمِنوا به، وصلُّوا معه، وادفعوا زكاتَكُم إليه، وكونوا مع من آمنَ به من أصحابهِ في أحسنِ أعمالهم، واركعوا للَّهِ معهم كما يركعون.

{أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ} [البقرة:44].

44- أتَطلُبونَ من الناسِ أن يعملوا الخيرَ ولا تعملونَ أنتم به، وعندكم العلم، بما تقرؤونَهُ في الكتب، وتعلمونَ جزاءَ مَنْ خالفَ أوامرَ الله في ذلك؟ ألا تتنبَّهونَ إلى خطأ ما أنتم فيه وخطرهِ عليكم؟ فهلاّ اتَّصفتم بالعقلِ وعملتمُ الخيرَ كما تأمرونَ به الناس؟

{وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ} [البقرة:45].

45- واستعينوا- أيها المؤمنون- على طَلَبِ الخيرِ في الآخرةِ والدنيا، بالصبرِ على طاعةِ الله، والصلاة. فإنَّ الصبرَ لابدَّ منه في كلِّ أمرٍ شاقّ، والصلاةُ تُعِينُ على الثباتِ على الأمر، وهي مَشَقَّةٌ ثقيلةٌ إلا على الخاشعينَ المطيعينَ لله.

{الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاَقُو رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيهِ رَاجِعُونَ} [البقرة:46].

46- الذين يؤمنونَ بوعدِ الله ووعيده، وبأنهم محشورونَ إليه يومَ القيامة، ومعروضةٌ أعمالهم عليه. وهذا الإيمانُ هو الذي يدفعهم إلى طاعته، وتجنُّبِ معاصيه.

{يَابَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ} [البقرة:47].

47- واذكروا يا بني إسرائيلَ نِعَمِي على آبائكم وأسلافكم، وأني فضَّلتُكم آنَذَاكَ على العالمين، بإرسالِ الرسلِ إليهم، وإنزالِ الكتبِ عليهم.

{وَاتَّقُوا يَوْمًا لاَ تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلاَ يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلاَ هُمْ يُنْصَرُونَ} [البقرة:48].

48- واحذروا يومَ الجزاء، الذي لا يُغني فيه أحدٌ عن آخَر، ولا يُقْبَلُ من كافرٍ تقرُّبٌ ولا فداءٌ للتجاوُزِ عن كفرهِ ومعصيته، ولا أحدَ يدافعُ عنه وينْصُرهُ لينقذَهُ من العذاب، فكلُّ نفسٍ مسؤولةٌ عن نفسها.

{وَإِذْ نَجَّيْنَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيْسَتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلاَءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ} [البقرة:49].

49- واذكروا يا بني إسرائيلَ من نِعَمِي الأخرى عليكم إنقاذَكُم من ظلمِ فرعونَ وآله، عندما كانوا يُذِيقُونكم أقسى أنواعِ العذابِ وآلَمَه، في***ونَ كلَّ ذَكَرٍ يُولَدُ فيكم ويُبْقُونَ على بناتكم؛ خوفاً من أن يكونَ زوالُ مُلكهِ على يدي رجلٍ منكم. وفي إنقاذكم من هذا العذابِ نعمةٌ عظيمةٌ من ربَّكم عليكم، فلا تَنْسَوْها.

{وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنْجَيْنَاكُمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ} [البقرة:50].

50- واذكروا عند خروجكم مع موسى استنفارَ فرعونَ جيشَهُ لمتابعتكم والقضاءِ عليكم، فانفلقَ البحرُ لكم وخلَّصكم الله منهم، فحجزَ بينكم وبينهم، وأغرقهم، وأنتم تنظرونَ إليهم.

{وَإِذْ وَاعَدْنَا مُوسَى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ} [البقرة:51].

51- واذكروا أيضاً عندما غابَ موسى وذهبَ إلى ميقاتِ ربِّهِ للمناجاة، مُسْتَخْلِفاً هارونَ عليكم، وبقيَ أربعينَ يوماً وقد أُنزِلَ عليه التوراة، فاتخذتم العجلَ إلهاً وعبدتموهُ بتسويلِ السامريِّ لكم، وقد كان عملكم هذا ظلماً عظيماً، عندما تركتم عبادةَ الله واتجهتم إلى عبادةِ العِجْل.

{ثُمَّ عَفَوْنَا عَنْكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [البقرة:52].

52- ومع هذا فقد عفا الله عنكم، لعلكم تشكرونه، وتعرفونَ نعمتَهُ عليكم.

{وَإِذْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَالْفُرْقَانَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} [البقرة:53].

53- واذكروا من نِعَمِنا عليكم أن أَعْطَيْنا موسى التوراة: كتاباًَ منزَّلاً وحجةً يفرِّقُ بين الحقِّ والباطل، لعلكم تهتدونَ بالتدبُّرِ فيه والعملِ بما يتضمَّنه.

{وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَاقَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} [البقرة:54].

54- واذكروا عندما قال موسى لبني إسرائيلَ الذين عبدوا العِجْلَ: لقد ارتكبتم جُرْماً عظيماً ومعصيةً كبيرةً عندما اتخذتمُ العجلَ ربّاً دونَ الله، ولا توبةَ لكم عند خالقكم إلا أن يَقْتُلَ بعضُكُم بعضاً، في***َ البريءُ منكم المجرمَ، فإنه أنسبُ عقوبةٍ لنفوسِكم السيِّئة، وقلوبِكم القاسية، وطبيعتِكُمُ المنحرفة، وعسى أن يكونَ هذا توبةً لجرمكم الشنيع، وتذكرةً مؤلمةً لكم لئلا تعودوا إلى مثله. ثم أدركتكمْ رحمتُهُ فَتَابَ عليكم، فهو يقبلُ التوبَةَ الصادقةَ من عباده، رحمةً بهم.

{وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنتُمْ تَنظُرُونَ} [البقرة: 55].

55- ثم قلتم لنبيِّكم موسى: نرفضُ أن نؤمنَ حتى نرى الله عِيَاناً! وهو مما لا يُستطاعُ لكم ولا لأمثالكم، فَنَزَلَتْ عليكم صَيْحةٌ قويةٌ من السماء؛ لِفَرْطِ عِنادِكم وتعنُّتِكُمْ وطلبِ المستحيل، فمتُّم بينما ينظرُ بعضُكم إلى بعض.

{ثُمَّ بَعَثْنَاكُم مِّن بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [البقرة: 56].

56-ثم رحِمْناكم فأحييْنَاكم لِتَسْتوفُوا بقيَّةَ آجالِكُم وأرزاقِكُم، وعسى بذلك أن تشكروا نعمةَ ربِّكم عليكم.

{وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْغَمَامَ وَأَنزَلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِن كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} [البقرة: 57].

57- ومن نِعَمهِ عليكم في التِّيهِ أن ظلَّلَ عليكم السحابَ الأبيضَ ليقيَكُم حَرَّ الشمسِ المُحرق، وأرسلَ إليكم طعاماً شهيّاً لا تتعبونَ في تحصيله، وهو المَنُّ الذي تجدونَهُ على الأشجارِ حلواً كالعسل، وطائرُ السُّمَانَى القريبُ المنال، فكُلُوا هذا الطعامَ الطيِّبَ هنيئاً مريئاً. ولكنكم ظلمتم وجحدتم، فكانتْ عاقبةُ ظلمكم على أنفسكم.

{وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُواْ هَذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُواْ مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَداً وَادْخُلُواْ الْبَابَ سُجَّداً وَقُولُواْ حِطَّةٌ نَّغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ} [البقرة: 58].

58- ولما طُلِبَ منكم دخولُ بيتِ المقدس، وقتالُ مَنْ فيها من العماليقِ الكفرة، نَكَلْتم عن قتالهم، فرماكم الله في التِّيه، حتى ينشأ جيلٌ جديدٌ على غيرِ ما أنتم عليه، الذي قادهم يوشعُ بن نون، ففتحَ المدينةَ ودخلها، لتعيشوا في القدسِ في رغدٍ وهناء. وطُلِبَ منكم أن تقولوا عند الدخول: "حِطَّةٌ": حُطَّ عنا ذنوبَنَا واغفرْ لنا، مع تواضُعٍ وخشوع. فإذا قلتم ذلك غفرنا لكم ذنوبَكم، وزدنا المحسنينَ منكم إحساناً.

{فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُواْ قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ رِجْزاً مِّنَ السَّمَاء بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ} [البقرة: 59].

59- لكنَّ فريقاً ظالماً منكم خالفوا وعصَوْا، فبدَّلوا ما أُمروا به من الخضوعِ بالقولِ والفعل، فَبَدَلَ أن يدخلوا ساجدينَ مُسْتغفرين، دخلوا على هيئةٍ أُخرَى مخالِفة، وقالوا قَولاً آخرَ غيرَ الذي أُمروا به، مخالفةً ومعاندة!
فأنزلَ الله على هؤلاءِ الظالمينَ غضبَهُ وعذابه؛ لفسقهم وعصيانهم.

{وَإِذِ اسْتَسْقَى مُوسَى لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِب بِّعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْناً قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَّشْرَبَهُمْ كُلُواْ وَاشْرَبُواْ مِن رِّزْقِ اللَّهِ وَلاَ تَعْثَوْاْ فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ} [البقرة: 60].

60- واذكروا يا بني إسرائيلَ من نعمي عليكم، عندما استُحِببَ دعاءُ نبيِّكم موسى عليه السلام، لما طَلَبَ السُّقيا لكم، فأمرناهُ أن يضربَ حجراً بعصاه، ففجَّرنا منه الماء، منِ اثنتي عشرةَ عيناً، لكلِّ قبيلةٍ من قبائلكم عينٌ قد عرفتها. فكُلُوا المَنَّ والسَّلوى، واشربوا من هذا الماءِ المَعين، الذي جاءَكم بدونِ كدٍّ ولا تعب، واعبدوا الله الذي سخَّرَ لكم كلَّ هذا ويسَّره، ولا تقابلوهُ بالجُحُودِ والعصيانِ فتُسْلَبُوها.

{وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَن نَّصْبِرَ عَلَىَ طَعَامٍ وَاحِدٍ فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنبِتُ الأَرْضُ مِن بَقْلِهَا وَقِثَّآئِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ اهْبِطُواْ مِصْراً فَإِنَّ لَكُم مَّا سَأَلْتُمْ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَآؤُوْاْ بِغَضَبٍ مِّنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُواْ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذَلِكَ بِمَا عَصَواْ وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ} [البقرة: 61].

61- واذكروا نعمةَ الطعامِ الطيِّبِ الذي رزقكموهُ من المَنِّ والسَّلوى، ولكنكم ضجِرتُم منه ورغبتم في الأدنى، فطلبتم من موسى أن يدعوَ الله ليُخْرِجَ لكم البُقُول، من قِثَّاءٍ وثُومٍ وعَدَسٍ وبَصَل، فاسْتَنْكَرَ نبيُّكم منكم هذا، وقال: أتريدونَ الطعامَ الأقلَّ قِيمةً وذوقاً على العيشِ الرغيدِ والطعامِ الهنيءِ الطيِّبِ النافع؟
إن هذا الذي سألتموهُ ليس بعزيز، وهو هيِّنٌ زهيد، بإمكانكم أن تذهبوا إلى أيِّ مكانٍ لتجدوهُ فيه.
ووضعَ الله عليهم الذُّلَّ والصَّغار، فلا يزالونَ كذلك، يَستذلهُّم ويُهينُهم مَنْ وجدهم، واستحقُّوا السُّخْطَ والغضبَ من الله بما فعلوهُ من آثامٍ كبيرةٍ وذنوبٍ عِظام، من كفرهم بآياتِ الله وحُجَجِهِ البيِّنة، واستكْبارِهم عن اتِّباعِ الحق، وإهانتِهم و***ِهم أفضلَ الخلقِ أجمعين: أنبياءَ الله ورُسُلَه؛ فهذا جراءُ مَنْ عصى الخالقَ واعتدى على خلقه.

{إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَادُواْ وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ} [البقرة: 62].

62- إنَّ كلَّ مَنْ آمنَ بحقّ، من اليهود، والنصارى والصابئة، وهم قومٌ أصحابُ ديانةٍ بالعراق، أو مَنْ لم تَبلُغْهُم رسالةٌ، آمنَ بالله وحده، وبيومِ القيامة، وأَتْبَعَ إيمانَهُ بعملٍ صالحٍ موافقٍ للحق، فإن جزاءهم الْحُسنى كما قدَّموه، فلا خوفٌ عليهم فيما يستقبلونَهُ من أحداث، ولا هم يحزنونَ على ما يتركونَهُ ويخلفونَه، فالعبرةُ بِصِحَّةِ الْعقيدةِ واتباعِ النبيِّ في وقته. وهذا كلُّهُ قبل البعثة، أمَا وقد خُتمتِ النبوَّة، فلا دينَ إلا الإسلام {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [آل عمران: 85].

{وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُواْ مَا آتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُواْ مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة: 63].

63- واذكروا يا بني إسرائيلَ ما أُخِذَ عليكم من العهودِ والمواثيقِ بالإيمانِ بالله واتِّباعِ رُسله، ورفعنا الجبلَ فوق رؤوسكم ليسقطَ عليكم إذا لم تقرُّوا بما عُوهِدتم عليه، ولتأخذوا هذا العهدَ بقوَّةٍ وعزم، فلا مُهَادَنَةَ ولا مُجَامَلَةَ في أمرِ العقيدة.
وتذكَّروا جيِّداً ما في هذا العهدِ أو ما أُنزلَ عليكم في التوراة، ليكونَ لكم سُلُوكاً وخُلُقاً ونظامَ حياة، لعلكم بذلك تَنْزعونَ عما أنتم عليه وتتحسَّنُون، فَعَاهَدتم على الالتزامِ بهذا الميثاق، والعملِ بما فيه.

{ثُمَّ تَوَلَّيْتُم مِّن بَعْدِ ذَلِكَ فَلَوْلاَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَكُنتُم مِّنَ الْخَاسِرِينَ} [البقرة: 64].

64- لكنَّكم بعد هذا الوعدِ المؤكَّدِ والميثاقِ العظيم، نَقَضْتُم قولَكُم، وأدرتم إليه ظهوركم. ومع هذا النكْثِ والخيانةِ رحِمَكم الله وتفضَّلَ عليكم، فأرسلَ إليكم النبييِّنَ والمُرْسَلين، لِيُذكِّروكم بالإيمانش والطاعة، ولولا ذلك لكنتم في خسرانٍ مُبينٍ، وَنَدَمٍ دائم، بنقْضِكُمُ الميثاق.

{وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَواْ مِنكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُواْ قِرَدَةً خَاسِئِينَ} [البقرة: 65].

65- وتذكروا معشرَ اليهودِ ما حلَّ من العذابِ بأهلِ القريةِ التي لم تلتزمْ بعهدِ الله، عندما طلبوا يومَ راحةٍ مُقَدَّساً لا يعملونَ فيه، فجعلَ الله ذلك يومَ السبت، فابْتَلاهمُ اللهُ بوفرةِ الحيتان في ذلك اليوم، فما صَمَدُوا أمامَ أطماعِهِمْ وشهَوَاتهم، وخافُوا إن نَقَضُوا العهد، فَتَحَايَلُوا، وما يَحْتَالُون إلا على أنفسهم، نَصَبُوا الشِّبَاكَ والحبائلَ والبِرَكَ قبلَ يومِ السبت، فإذا انقضَى أخذوا ما فيها يومَ الأحد. فلمّا فعلوا ذلك ونَكَلُوا عن عهدهم مع الله، عاقَبَهُم بالمسخ، وجعلهم في صورةِ القِرَدَة، أذلَّةً صاغرين.

{فَجَعَلْنَاهَا نَكَالاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا وَمَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِينَ} [البقرة: 66].

66- لقد كانتْ عقوبةُ أهلِ تلك القريةِ عِبْرةً لما حولها من القرى، وعِظةًَ لمن يَحْذَرُونَ نقمةَ الله وسُخْطَهُ، لئلا يستحلُّوا محارمَ الله بأدنى الحِيَل.
رد مع اقتباس