الواضح في التفسير
(الحلقة الثالثة)
أ. محمد خير رمضان يوسف
سورة البقرة
(الآيات 67 – 110)
بسم الله الرحمن الرحيم
{وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُواْ بَقَرَةً قَالُواْ أَتَتَّخِذُنَا هُزُواً قَالَ أَعُوذُ بِاللّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ} [البقرة: 67].
67- واذكروا يا بني إسرائيلَ عندما قُتِلَ أحدُكُم ولم تعرفوا قاتله، وسألتمْ نبيَّكُم معرفتَه، فطلبَ منكم أن ت***وا بقرةً -وستأتي الحكمةُ من ذلك – فَقُلْتُمْ في جفاءٍ وسوءِ أدبٍ وتكذيب: أتهزأ بنا وتسخرُ منَّا؟
فقالَ لكم، وهو مُعَلِّمُكُمْ ومُرشِدُكُمْ إلى الخير: حاشا أن أكونَ من المُسْتَهزئينَ بالمؤمنين، إنما الأمرُ بِوَحْي من الله.
{قَالُواْ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لّنَا مَا هِيَ قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لاَّ فَارِضٌ وَلاَ بِكْرٌ عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ فَافْعَلُواْ مَا تُؤْمَرونَ} [البقرة: 68].
68- فقال اليهود: إننا لا نعرفُ أَيَّ بَقَرَةٍ تقصد. ولو أنهم ***وا أيَّ بقرةٍ لكفت، ولكنَّهُمْ شَدَّدُوا فشَدَّدَ الله عليهم. قالوا: فما هِيَ وما وَصْفُهَا؟
قال لهم نبيُّهم: إن الله يقول: إنها لا كبيرةٌ هَرِمَةٌ، ولا صغيرةٌ لم يلحقْها الفحل، فهي بين الكبيرةِ والصغيرة، وهو أَقْوَى وأحسنُ ما تكونُ الدابَّة. فنفِّذُوا ما أُمِرْتُم به.
{قَالُواْ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا لَوْنُهَا قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاء فَاقِعٌ لَّوْنُهَا تَسُرُّ النَّاظِرِينَ} [البقرة: 69].
69- وَعَادوا إلى السؤالِ والتشديدِ مرَّةً أخرى، فقالوا: ما لونها؟
قال نبيُّهم: يقولُ الله: إنها بَقَرَةٌ صفراءُ صافيةُ اللون، تُعْجِبُ الناظرينَ في ذلك.
{قَالُواْ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا هِيَ إِنَّ البَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا وَإِنَّا إِن شَاء اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ} [البقرة: 70].
70- وعادوا ليسألوا سؤالاً آخر، فقالوا: اطلبْ من ربِّكَ أيها النبيُّ أن يُحَدِّدَ لنا وَصْفَهَا وَحِلَّهَا لنا، فإذا فعلَ ذلك فإننا بذلك إنْ شاءَ اللهُ سنهتدي إليها.
{قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لاَّ ذَلُولٌ تُثِيرُ الأَرْضَ وَلاَ تَسْقِي الْحَرْثَ مُسَلَّمَةٌ لاَّ شِيَةَ فِيهَا قَالُواْ الآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُواْ يَفْعَلُونَ} [البقرة: 71].
71- فقالَ لهم: إن الله يقول: إنها بَقَرَةٌ غَيْرُ مُذَلَّلَةٍ لحَرْث الأرض، ولا هي مهيَّأةٌ للنَّضْحِ والسقي، بل هي مكرَّمَةٌ مُعْتَنًى بِها، صحيحةٌ لا عَيْبَ فيها، ولا شَيْءَ يُكَدِّرُ لَوْنَهَا الأصفر. فقالوا: الآن بَيَّنْتَ لَنَا. فَذَبَحوها، وَمَا كادوا أن يفعلوا ذلك بعد كلِّ هذا الإيضاح، وما غرضُهم إلا التعنُّت.
{وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا وَاللّهُ مُخْرِجٌ مَّا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ} [البقرة: 72].
72- واذكروا الحكمةَ من ***ِ البقرةِ الآنَ، فإنكم عندما قَتَلتُمْ نفساً واختلفتُمْ في ذلك وتَخاصَمتُمْ فيه، أرادَ الله أن يُظْهِرَ مَا كنتم تُغَيِّبونَ من الحقّ، فإنَّ القاتِلَ ما كان يَعْتَرِف.
{فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِي اللّهُ الْمَوْتَى وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} [البقرة: 73].
73- فقلنا: اضربوا القتيلَ بجزءٍ من أجزاءِ البقرةِ المذبوحة، فسيحيا المقتول، ويذكُرُ قاتِلَهُ. وهذا مثالٌ لقدرةِ الله على إحياءِ الموتَى، وَصَيْرُورةِ الرميمِ إلى ما كان، وإن لم تُدْرِكُوا كُنْهَهُ، ولكنه درسٌ واقعيٌّ شاهدتموهُ عِياناً، لتعْقِلُوا وتَتفَكَّرُوا، وتُؤْمِنُوا بقدرةِ الله.
{ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُم مِّن بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاء وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللّهِ وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ} [البقرة: 74].
74- وبعد كلِّ هذه الآياتِ والنِّعَمِ والتحذيرات، قَسَتْ قلوبُكم فصارتْ كالحجارةِ التي لا علاجَ لِلِينها، وبعضُها أجدبُ وأَقْسَى مِنْهَا، فإنَّ من الحجارةِ ما تتفجرُ منه العيونُ الجارية، ومنها ما يَتشَقَّقُ فيخرجُ منه الماءُ وإن لم يكنْ جارياً، ومن الحجارةِ ما يهبِطُ من رأسِ الجبلِ خوفاً من الله، وقد دُكَّ الجبلُ عندما تجلَّى اللهُ له وَخَرَّ موسى صَعِقاً. وقلوبُكُمْ لا تَلِينُ، ولا تنْبِضُ بخشيةِ الله، والله ليس بِغَافِلٍ عن أعمالِكُمْ وقَساوَةِ قُلُوبِكُم، التي لا يُنْتَظَرُ منها سوى الأعمالِ السيِّئة، إنما هو تأخيرٌ إلى موعدِ محاسبتكم.
{أَفَتَطْمَعُونَ أَن يُؤْمِنُواْ لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلاَمَ اللّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِن بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [البقرة: 75].
75- بعد أن تبَيَّنَتْ لكم طبيعةُ اليهود، في قساوةِ قلوبهم وتكذيبهم بآيات الله، أَفَتَطْمَعُونَ أيها المؤمنونَ أن يَنْقَادُوا لَكُمْ بالطاعة، وقد كان فريقٌ منهم، وهم أَحْبَارُهُم ورَبَّانِيُّوهُمْ، يسمعونَ التوراةَ ويعرفونَ معانِيَها، ثم يُؤَوِّلُونها تأويلاتٍ بعيدةً عَلَى غيرِ مَدْلُولها الصحيح، وَهُمْ يعرفونَ أنهم آثِمُونَ بذلك ؟!
{وَإِذَا لَقُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ قَالُواْ آمَنَّا وَإِذَا خَلاَ بَعْضُهُمْ إِلَىَ بَعْضٍ قَالُواْ أَتُحَدِّثُونَهُم بِمَا فَتَحَ اللّهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَآجُّوكُم بِهِ عِندَ رَبِّكُمْ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ} [البقرة: 76].
76- وإذا لَقِيَ اليهودُ أصحابَ النبيِّ – صلى الله عليه وسلم – قالوا: آمنا بأنَّ محمداً مُرْسَل، يعني على ما بَشَّرَتْ به التوراة، فإذا كانوا وَحْدَهُمْ قالوا لبعضهم البعض: كيف تُقِرُّون عندهم بصحةِ رسالةِ محمَّدٍ – صلى الله عليه وسلم – مِنَ التوراةِ لِيَكُونَ ذلك حُجَّةً لهم عليكم، فَيُحَاجُّوكم به عند ربكم، فَيَخْصِمُوكم، اعْقِلُوا إذًا، فَاكْتُمُوا وَاسْكُتُوا!
{أَوَلاَ يَعْلَمُونَ أَنَّ اللّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ} [البقرة: 77].
77- أَوَلا يعلمُ هؤلاءِ اليهودُ أن الله مُطَّلِعٌ عليهم، ويعلمُ ما يُبْطِنُونَ وما يُظْهِرُون، ويعلمُ أنهم يُسِرُّونَ بتكذيبِ محمَّدٍ – صلى الله عليه وسلم – {الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ} [الأعراف: 157].
{وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لاَ يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلاَّ أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ} [البقرة: 78].
78- وَمِنْ أهلِ الكتابِ مَنْ لا يعرفونَ الكتابةَ ولا يدرونَ ما في التوراةِ، فَهُم لا يَتَكَلَّمُونَ إلاّ بِأَوْهَامٍ وَظُنُون، إنهُمْ لا يَفْقَهُونَ شيئًا، بل يَتَخَرَّصُونَ الأباطيل، وَيَجْحَدُونَ نُبُوَّتَكَ بِالظَّنِّ.
{فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِندِ اللّهِ لِيَشْتَرُواْ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَّهُم مِّمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَّهُمْ مِّمَّا يَكْسِبُونَ} [البقرة: 79].
79- وفريقٌ آخَرُ منكم يدعونَ إلى الضلال، فَيُزَوِّرُونَ ما في التوراة، يكتبونَ بأيديهِمْ ما ليس مِنْهَا ويقولونَ إنه مِنْ عند الله، وذلك مُقَابِلَ هَدَفٍ حَقِيرٍ وَطَمَعٍ زَائِل، هو أن يُعْطَوْا مُقَابِلَهُ مبلغاً زهيداً من المال. فالهلاكُ والدمارُ لهؤلاءِ المُزَوِّرِين، الذين يكتبونَ بأيدِيهِمْ من الكذبِ والبُهْتَانِ والافتراء، وَوَيْلٌ لَهُمْ من كَسْبِهِم الدِنيءِ وَمَا أكلوا به من السُّحْت.
{وَقَالُواْ لَن تَمَسَّنَا النَّارُ إِلاَّ أَيَّاماً مَّعْدُودَةً قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِندَ اللّهِ عَهْداً فَلَن يُخْلِفَ اللّهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ} [البقرة: 80].
80- ومن جهلهمْ أن يقولوا إنهم لن يَبْقَوْا في العذابِ إِلا أيَّاماً معدودات، ثم يخرجونَ منها إلى النعيم. فَقُلْ لَهُمْ يا محمَّدُ – صلى الله عليه وسلم – هلِ اتَّخَذتُمْ بذلك عهداً عندَ الله؟ فإذا كان كذلك فإنه سبحانَهُ لا يُخْلِفُ عَهْدَهُ، ولكنْ متى كانَ هذا وكيف؟ إنهُ ما جرى ولا كان، بل هم يَكْذِبُونَ ويَفْتَرُون على الله.
{بَلَى مَن كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [البقرة: 81].
81- فليسَ الأمرُ كما قُلتُمْ ولا كما تَمَنَّيتُمْ، بل إنَّ من ارتكبَ ذنباً وجاءَ يومَ القيامةِ وليستْ له حسنةٌ، بل جميعُ أعمالهِ سيئاتٌ، فإنه من أهلِ النار. وهو حالُ الكافر.
{وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [البقرة: 82].
82- أَمَّا الذين آمنوا بالله ورَسُولِهِ وعملوا الأعمالَ الصالحة، فكانتْ موافقةً للشريعةِ وخالصةً لله، فإنهم من أهلِ الجنة، مُخَلَّدُونَ فيها أبداً.
{وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لاَ تَعْبُدُونَ إِلاَّ اللّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنكُمْ وَأَنتُم مِّعْرِضُونَ} [البقرة: 83].
83- واذكروا أيْضاً يا بني إسرائيلَ ما أَمَرناكمْ به وأخذْنَا ميثاقَكمْ عليه، وهو ألاّ تعبدوا إلا الله ولا تُشْرِكُوا به شيئاً، وهذا ما أُمِرَ به جميعُ الخلق، وهو حقُّهُ سبحانَهُ عليهم. ثم حَقُّ المخلوقينَ بأن يُحسِنَ كلٌّ إلَى وَالِدَيْهِ وَيُطِيعَهُمَا في غيرِ معصية، ويُحْسِنَ كذلكَ إلى أقرِبَائِهِ وَاليتَامَى، والمَسَاكِينِ الذين لا يجدونَ ما يُنْفِقُونَ على أنفُسِهِمْ وأهليهم. وأن تقولوا الكَلامَ الطيِّبَ والقولَ الحسن، في حِلْم وعَفْوٍ ولِينِ جانب، وخاصَّةً الأمرَ بالمعروفِ والنهيَ عن المنكر. وأن تُقِيموا الصلاةَ لِرَبِّكُم، وَتُؤْتُوا الزكاةَ لأَهْلِها.. لكنكم أَعْرَضْتُمْ عن كلِّ هذه الأوامرِ وتَنَكَّرتُمْ لَهَا، إلا القليلَ منكم.
{وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لاَ تَسْفِكُونَ دِمَاءكُمْ وَلاَ تُخْرِجُونَ أَنفُسَكُم مِّن دِيَارِكُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنتُمْ تَشْهَدُونَ} [البقرة: 84].
84- واذكروا أيضاً أنّا أخذنا منكمُ الميثاقَ بأنْ لا يَقْتُلَ بعضُكُم بعضاً، ولا يُخْرِجَهُ من دياره، ولا يُظَاهِرَ عَلَيْه، وذلك أنَّ أَهْلَ المِلَّةِ الواحدة بِمَنْزِلَةِ النفسِ الواحدة. وقدْ أَقْرَرتُمْ بِهَذا الميثاقِ وصِحَّتِه، وَشَهِدْتُمْ به.
{ثُمَّ أَنتُمْ هَؤُلاء تَقْتُلُونَ أَنفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقاً مِّنكُم مِّن دِيَارِهِمْ تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِم بِالإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَإِن يَأتُوكُمْ أُسَارَى تُفَادُوهُمْ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْرَاجُهُمْ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاء مَن يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنكُمْ إِلاَّ خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ} [البقرة: 85].
85- وَلَكِنَّكُمْ نَقَضْتُمُ الميثاقَ في هذا كما نَقَضْتُمُوهُ في غَيْرِه، فَصِرْتُمْ تَقْتُلُونَ بعضَكم بعضًا، فَفَرِيقٌ مَعَ الأوْسِ وَفَرِيقٌ مَعَ الخَزْرَج. كما تُخْرِجُونَ بعضَكم من بيوتِ بَعْض، وَتَنْهَبُونَ ما فيها من المالِ والمتاعِ وَتَأْخُذُونَ سَبَايَاهُمْ، وَتُقَوُّونَ أَعْدَاءَكُمْ على بعضِكُمُ البعضَ وَتُسَاعِدُونَهُمْ عَلَيْهِم، وإذا انتهتِ الحربُ صِرْتُمْ تَفُكُّون الأُسَارَى من الفريقِ المغْلُوبِ وَتُفَادُونَهُمْ ولا تَقتُلُونَهُمْ عملاً بِحُكْمِ التوراة، ولكنْ لماذا تعملونَ هنا بالتوراةِ بينما تُنَاقِضُونَ أَحْكَامَهَا فِيمَا مَضَى وَيَقتُلُ بعضُكم بعضاً فِي الحَرْبِ وهو مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ؟ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ التوراةِ وَتَكْفُرُونَ بالبعضِ الآخرِ فيه؟
إنَّ جَزاءَ من يكونُ كذلكَ هو الخزيُ والعارُ في الحياةِ الدنيا، كما كان عاقبتَكم، من ال***ِ والسبي، والجلاءِ والنفْي، وهو بسببِ مُخالَفَتِكُمُ الشرعَ. أمَّا يومَ القيامة، فالعذابُ الشديد، جزاءَ كتمِكُمْ ما في كتابِ الله وعصيانِكُمْ أَحْكَامَهُ، والله ليس بِغَافلٍ عن هذا كُلِّهِ، بل يُحْصِيهِ عَلَيْكُمْ لِيُحَاسِبَكُمْ يَوْمَ القيامة.
{أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُاْ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالآَخِرَةِ فَلاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ} [البقرة: 86].
86- فَإِنَّ جزاءَ من استَحَبَّ الدنيا وفضَّلَهَا ولم يحْسَبْ حسابَ الآخرة، هو ألاّ يُخَفَّفَ عنه العذابُ، ولا يُدافَعَ عنه، ولا يُنْقَذَ منه.
{وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَقَفَّيْنَا مِن بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ أَفَكُلَّمَا جَاءكُمْ رَسُولٌ بِمَا لاَ تَهْوَى أَنفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ} [البقرة: 87].
87- واذكروا أيها اليهودُ من مواقِفِكمْ في مخالفةِ الأنبياءِ ومُعانَدَتِهِمْ واتِّباعِ أهوائكم في ذلك، أنْ آتينا موسى التوراةَ، التي حَرَّفْتُمُوها وبَدَّلْتُمُوها، وخالفتُم أوامِرَها وأوَّلتُموها. وأَتْبعناهُ برسلٍ آخرينَ كانوا يحكمونَ بما في التوراة، حتى جاءَ عيسى ختامُ أنبياءِ بني إسرائيل، فأيَّدناهُ بالمعجزاتِ الكبيرة، كالإخبارِ بما في الغيب، وإبراءِ المرضى، وإحياءِ الموتَى بإذنِ الله. وقوّْيَناهُ بجبريلَ كذلك، يكونُ معه ويُصَدِّقُ ما جاءَكم به، وأنزلنا عليهِ الإنجيلَ فيه مخالفةٌ لِبَعضِ أحكامِ التوراة، فما وافقَ ذلك أهواءَكم ونزواتِكم المتقلِّبة، مع كلِّ ما أُيِّدَ به، فعاندتموهُ وتعالَيْتُمْ على موافقته، وانصرفتمْ إلى مُجادَلَتِهِ ومُخالَفته. أَوَكُلَّمَا أرسلنا إليكمْ رسولاً استكبرتمْ عن قبولِ الحقّ، ففريقٌ منكم يكذِّبهم، وآخرُ ي***هم؟!
{وَقَالُواْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَل لَّعَنَهُمُ اللَّه بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلاً مَّا يُؤْمِنُونَ} [البقرة: 88].
88- وقال اليهود: قلوبُنَا مُغَلَّفَة لا تَنْفُذُ إليها دعوةُ الإسلامِ ولا تقبلها! بل قلوبُهُم مَلْعُونةٌ مُبْعَدَةٌ من رحمةِ الله وهُدَاه، فَطُبِعَ عليها بالكفرِ لرفضِها وخِذْلانِها عن قبولِ الحق. فإيمانُهم قليل، أو إِنَّ القليلَ منهم يؤمن.
{وَلَمَّا جَاءهُمْ كِتَابٌ مِّنْ عِندِ اللّهِ مُصَدِّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ وَكَانُواْ مِن قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُواْ فَلَمَّا جَاءهُم مَّا عَرَفُواْ كَفَرُواْ بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّه عَلَى الْكَافِرِينَ} [البقرة: 89].
89- ولمّا جاءَ اليهودَ القرآنُ الكريم، المُنزَلُ على محمَّدٍ رسولِ الله – صلى الله عليه وسلم – وهو مُصَدِّقٌ لما في التوراة، وكانوا قبلَ مبعثهِ – صلى الله عليه وسلم – يستنصرونَ به على أعدائهم المشركينَ إذا قاتلوهم، يقولون: إنَّ نبيًّا يُبْعَثُ نتَّبعُه، قد أظلَّ زمانُهُ، ن***كمْ معهُ قَتْلَ عادٍ وإرَم. فَلَمَّا بُعِثَ – صلى الله عليه وسلم – من قريشٍ وهم يعرفونَ أَنَّهُ هو، بصفاته، كفروا به وجَحَدُوا ما كانوا يقولونَ فيه؛ لأنه ليس منهم، فلعنةُ الله عليهم بسبب كفرهم، وسُخْطُ اللهِ وعَذابُهُ على الجاحدينَ بمحمَّدٍ – صلى الله عليه وسلم.
{بِئْسَمَا اشْتَرَوْاْ بِهِ أَنفُسَهُمْ أَن يَكْفُرُواْ بِمَا أنَزَلَ اللّهُ بَغْياً أَن يُنَزِّلُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ عَلَى مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ فَبَآؤُواْ بِغَضَبٍ عَلَى غَضَبٍ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُّهِينٌ} [البقرة: 90].
90- فَبِئْسَتِ التجارةُ تجارتُهم أن شَرَوُا الحقَّ بالباطل، فكفروا بما جاءَ به محمَّدٌ – صلى الله عليه وسلم - حَسداً وبُغضاً وتكبُّراً أن لم يكنْ منهم. و{وَاللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ} [الأنعام: 124]، فيصطفي مَن يشاءُ من عبادهِ لتَحَمُّلِ أعباءِ الرسالة، وَلَيْسُوا هم الذين يحدِّدونَ الرسول.
لقد استحقُّوا بِهَذا غَضَباً مضاعفاً: عندما ضيَّعوا التوراةَ وهي معهم، ثم كُفْرُهم بالنبيٍّ – صلى الله عليه وسلم.
وقَدْ خَسِرُوا في تجارتهم عندما لم ينضمُّوا إلى لواءِ الإسلامِ المجيد، كما سَيَنْدَمُونَ في الآخرةِ بما ينتظرهم من العذابِ جَزَاءَ كُفْرهم هذا، وسوفَ يكونُ عذاباً مَهِيناً وَمُذِلاًّ لَهُم.
{وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُواْ بِمَا أَنزَلَ اللّهُ قَالُواْ نُؤْمِنُ بِمَا أُنزِلَ عَلَيْنَا وَيَكْفُرونَ بِمَا وَرَاءهُ وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقاً لِّمَا مَعَهُمْ قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنبِيَاءَ اللّهِ مِن قَبْلُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} [البقرة: 91].
91- وإذا قيلَ لليهودِ أو أهلِ الكتابِ عامَّةً آمِنوا بما أُنْزِلَ على النبيِّ محمَّدٍ – صلى الله عليه وسلم – وصَدِّقُوهُ واتَّبِعُوه، قالوا: نكتفي بما أُنْزِلَ علينا من التوراةِ والإنجيل، وفيهما الحقّ، ولا نُقِرُّ بغيرهما، فيكفرونَ بالقرآن، وهم يعلمونَ أنه مُصَدِّقٌ لِمَا فِيهِمَا، وهم كاذبونَ عَنِيدُون.
فقلْ لهم يا محمَّد: إذا كنتم تَدَّعُونَ صِدْقَ الإيمانِ فيما أُنْزِلَ عليكم، فَلِمَ قَتَلْتُمُ الأنبياءَ الذين جاؤُوكم بتصديقِ التوراةِ والحُكْمِ بها وأنتمْ تعلمونَ صِدْقَهُمْ؟ بَلْ هُوَ الْهَوَى والتشهِّي، والبغي والاستكبار، وليس هذا من صفاتِ المؤمنين.
{وَلَقَدْ جَاءكُم مُّوسَى بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِن بَعْدِهِ وَأَنتُمْ ظَالِمُونَ} [البقرة: 92].
92- وقد جاءكمْ موسى عليه الصلاةُ والسلام بِدَلائِلَ قاطعة، وآياتٍ واضحة، كالطوفان، والجراد، والعصا، وفَلْقِ البحر، وغيرِها الكثير، ثم اتَّخذتُمُ العِجْلَ مَعبوداً من دونِ الله، في زَمَانِهِ وآياتِهِ، وكان في الطُّورِ يُنَاجِي رَبَّهُ!! فكنتُمْ بذلك ظالمينَ عاصين، لا مؤمنينَ كما تَدَّعُون.
{وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُواْ مَا آتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ وَاسْمَعُواْ قَالُواْ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَأُشْرِبُواْ فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ قُلْ بِئْسَمَا يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمَانُكُمْ إِن كُنتُمْ مُّؤْمِنِينَ} [البقرة: 93].
93- ومن إِعْرَاضِكُم عن الحقِّ ومخالفتِكم للميثاق، عندما رَفَعْنَا فوقكم الجبل، وأخذنا عليكم العهدَ بالإيمانِ والطاعةِ بِقُوَّةٍ وَإِرادَةٍ وعزمٍ وإلا سقطَ عليكم، فاستجبتُم لذلك، ولكنكم عُدْتُم إلى عِصيانكم وَعِنَادِكُم واتِّبَاعِ هواكم.
لقد أُشْرِبَ في قلوبهمْ حبُّ العجلِ وعبادتهُ بكفرهم، وكأنَّهُ مَوقِفُهُمُ المفضَّلُ بعد كلِّ أمر! فبئسَ هذا الإيمان، إن كانَ مِنْ إيمانٍ، الذي يأمركم بالكفرِ بآياتِ الله ومخالفةِ الأنبياء، ثم الكفرِ بما أُنْزِلَ على محمَّدٍِ – صلى الله عليه وسلم – خاتمِ النبيِّين، المبعوثِ للناسِ أجمعين.
فكيف تدَّعونَ الإيمانَ بما عندكم وَقَدْ نَقَضتُمْ هذهِ المواثيق، وكفرتُمْ بآياتِ الله، وعَبَدْتُمُ العِجْل؟!
{قُلْ إِن كَانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الآَخِرَةُ عِندَ اللّهِ خَالِصَةً مِّن دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُاْ الْمَوْتَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ} [البقرة: 94].
94- يقولُ الله سبحانَهُ لرسولهِ محمَّدٍ – صلى الله عليه وسلم – قُلْ لِلْيَهُود: إذا كنتُمْ تَزْعُمُونَ أنكمْ وَحْدَكُمُ الفَائِزُونَ يومَ القيامةِ دونَ سائرِ الأمم، فَتَعَالَوْا إلى المباهَلَة، بأنْ يقفَ فريقٌ من المسلمين، وفريقٌ من اليهود، ويدعُوَا اللهَ بِمَوْتِ الكاذبِ منهما.
{وَلَن يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمينَ} [البقرة: 95].
95- وَلَنْ يَتَمَنَّوُا الموتَ أبداً، بما جَنَتْ أَيْدِيهِمْ واقترفتْ من آثام، ولمِا يعلمونَ من مآلهم السيِّئِ وعاقبتِهمُ الخاسرة. فما استجابوا لِلْمُبَاهَلَةِ، وهم يعلمونَ أنهم إن طَلَبُوا الموتَ خافُوا أنْ يَسْتَجِيبَ الله فَيَأْخُذَهُمْ، وهم يعلمونَ ما قَدَّمُوا مِنْ عَمَل، واللهُ عليمٌ بهم وبما صدرَ عنهم من أنواعِ الظلمِ والمعاصي المفضيةِ إلى العذاب.
{وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ أَن يُعَمَّرَ وَاللّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ} [البقرة: 96].
96- وستجدهم أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى طُولِ العُمر، وَوَدُّوا لَوْ عُمِّرُوا أَلْفَ سنة؛ لمعرفتهم بمآلهمُ السيِّئ، بل يَوَدُّونَ لو تَأَخَّرُوا عن يومِ الحسابِ بما أَمْكَنَهُم، لمِا يَتَوَقَّعُونَ ما ينتظرهم. وكذا المشرك، لأنَّهُ لا يَؤْمِنُ بِيَوْمِ البعث، والدنيا جَنَّتُهُ، ولا حَظَّ له في جَنَّةِ الْخُلْد، بل ينتظرهُ العذابُ، مَهْمَا عُمِّرَ في الدنيا، فلا مَنْجى من الحسابِ والعقاب، وَاللَّهُ عَالِمٌ بِمَا يعملُ الجميعُ، من خيرٍ وشرّ.
{قُلْ مَن كَانَ عَدُوّاً لِّجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللّهِ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ} [البقرة: 97].
97- لقد زعمتِ اليهودُ أن جِبْرِيلَ -عليه السلام- عَدُوٌّ لَهُمْ، لأنه وَلِيُّ رسولِ الله – صلى الله عليه وسلم، وَأَنَّهُ لَو كانَ وَلِيَّهُ غَيْرُهُ لاتَّبَعُوهُ، كما في الحديث الصحيح! اخترعوا هذه القصَّةَ المُضحكةَ لَمَّا رَأَوْا أَنَّ جِبْرِيلَ يَنْزِلُ بِالوَحْيِ على النبيِّ محمَّدٍ -صلى الله عليه وسلم –، وما هُوَ إِلا عبدٌ مُنَفِّذٌ، لاا يَزيدُ على ما أمرَهُ اللهُ به، وقد قالَ لهم رسولُ الله – صلى الله عليه وسلم: ((فإنَّ وليِّي جبريلُ عليه السلام، ولم يَبعثِ اللهُ نَبِيًّا قَطُّ إِلا وَهُوَ وَلِيُّهُ)) كما رواهُ أحمدُ وغيرُهُ بإسنادٍ صحيح. فَقُلْ لَهُمْ: من كانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فإنَّهُ الروحُ الأمينُ الذي نَزَلَ بالقرآنِ على قلبِكَ بإذنِ اللهِ ومَشِيئَتِه، الكتابِ المصدِّقِ للكتبِ السماويةِ المُتَقَدِّمَة، هُدًى لِلْقُلُوبِ المؤمنة، وتبشيراً لهم بالجنَّة.
{مَن كَانَ عَدُوّاً لِّلّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللّهَ عَدُوٌّ لِّلْكَافِرِينَ} [البقرة: 98].
98- إنَّ مَنْ عَادَى رَسولاً فقد عَادَى جَمِيعَ الرسُل، وَمَنْ آمَنَ برسولٍ فعليهِ أن يؤمنَ بجميعِ الرسُل، كما أنَّ مَنْ كَفَرَ بِرَسُولٍ فقد كفرَ بجميعِ الرسُل. يقولُ اللهُ سُبحانه: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَن يُفَرِّقُواْ بَيْنَ اللّهِ وَرُسُلِهِ وَيقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَن يَتَّخِذُواْ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقّاً} [النساء150، 151].
ومَنْ عادَى اللهَ وملائكَتَهُ وأنبياءَهُ ورُسُلَهُ، وبَينَهُمْ جبريلُ وميكالُ، فإنَّ اللهَ عَدُوٌّ لَهُمْ لكفرهم، ومن عاداهُ اللهُ باءَ بالخسرانِ حتماً.
{وَلَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَمَا يَكْفُرُ بِهَا إِلاَّ الْفَاسِقُونَ} [البقرة: 99].
99- ولقد أنزلنا إليكَ يا محمَّدُ (صلى الله عليه وسلم) دَلائِلَ وَعَلامَاتٍ واضحاتٍ على نبوَّتِكَ وصدقِ ما جئتَ به، ولا يكفرُ بها إلا الفاسقونَ المنحرفونَ عن الفطرةِ السليمة.
{أَوَكُلَّمَا عَاهَدُواْ عَهْداً نَّبَذَهُ فَرِيقٌ مِّنْهُم بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ} [البقرة: 100].
100- أَوَكُلَّما عَاهَدَ اليهودُ على الالتزام بأمرٍ نَكَلَ فريقٌ منهم ورفضَ العهدَ؟ وهذا دأبهم حتى خانوا العهدَ الذي أبرموهُ مع الرسولِ – صلى الله عليه وسلم – عند مَقدَمهِ إلى المدينة.. بل أكثرهم لا يؤمنونَ بالرسولِ المبعوثِ إليهم وإلى الناسِ كافَّة، الذي يجدونَ صفتَهُ في كتبهم، وقد أُمِرُوا باتِّباعهِ ومناصرته.
{وَلَمَّا جَاءهُمْ رَسُولٌ مِّنْ عِندِ اللّهِ مُصَدِّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِّنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ كِتَابَ اللّهِ وَرَاء ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ} [البقرة: 101].
101- ولما بُعِثَ الرسولُ الذي انتظروه، وقد جاءَ مُصَدِّقاً لما معهم من الكتابِ عامَّة، طَرحتْ طائفةٌ منهمُ الكتابَ الذي بأيديهم وراءَ ظهورهم، لمِا فيه من البِشارةِ بمحمَّدٍ – صلى الله عليه وسلم – وكأنهم لا يعلمونَ ما فيها!
لقد تركوا الكتابَ وأقبلوا على السِّحر! تركوا ما ينفَعُهُمْ وأقبلوا على ما يَضُرُّهُمْ ويَضُرُّ غَيْرَهُمْ، كما يأتي.
{وَاتَّبَعُواْ مَا تَتْلُواْ الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيْاطِينَ كَفَرُواْ يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولاَ إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُم بِضَآرِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُواْ لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاَقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْاْ بِهِ أَنفُسَهُمْ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ} [البقرة: 102].
102- واتَّبَعَ اليهودُ الذين أَعْرَضُوا عن التوراةِ وخالفوا رسولَ الله – صلى الله عليه وسلم – اتَّبعوا ما ترويهِ الشياطينُ وتُخْبِرُ به في مُلْكِ سليمانَ، وتَكْذِبُ عليه وتقول: إِنَّهُ كان ساحراً، وإنَّ ما سُخِّرَ له كان بما يستخدمهُ من سحر. وكان عليه السلامُ نبيًّا كريماً قانتاً، وما كان كافراً كما قالتْ يهودُ أوِ الشياطينُ لَعَنَهُمُ اللهُ {وَوَهَبْنَا لِدَاوُدَ سُلَيْمَانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ} [ص: 30]، ولكنَّ الشياطينَ هم الذين كفروا، حيث يُعَلِّمُونَ السحر. وَلَمْ يَنْزِلِ السحرُ على المَلَكَيْنِ هارُوتَ وَمَارُوتَ في بابل، بَلْ كانا هناك لحكمةٍ لا نعرفها، وَلِلَّهِ أَنْ يَمْتَحِنَ عِبادَهُ بما شاء.
فإذا أَتَاهُمَا مَنْ يريد تَعَلُّمَ السحرِ قالا لهم: إنما نحن هنا فتنةٌ وابتلاء، فلا تعملوا بالسحر، فإنَّ من اعتقدَ بحقيقتهِ وجوازِ العملِ به كَفَر، فيتعلمونَ من علمِ السحرِ ما هو مذموم، من شرٍّ وأذًى، فَيُفَرِّقُون بين الزوجين، مع ما جعلَ اللهُ بينهما من محبَّةٍ ورحمة. على أنهم لا يتمكَّنونَ من الضررِ بأحدٍ إلا إذا قدَّرَ الله وخلَّى بين السحرةِ وما أرادوا، فإذا شاءَ سلَّطهمْ على المسحور، وإذا لم يشأ لم يسلِّطهم، فلا يستطيعونَ مضرَّةَ أحدٍ إلا بإذنِ الله.
وهكذا صاروا يتعلمونَ ما يضرُّهم في دينهم ولا ينفَعُهُمْ، لأنهم يقصدونَ به الشرّ. وقد علمَ اليهودُ الذين استبدلوا السحرَ بالإيمانِ ومتابعةِ الرسولِ – صلى الله عليه وسلم – أنهم ليس لهم نصيبٌ عند الله في الآخرة، فَبِئْسَتِ التجارةُ تجارتهم.
قال ابنُ كثيرٍ رحمَهُ اللهُ في قصَّةِ هاروتَ وماروت: حاصلُها راجعٌ في تفصيلِها إلى أخبارِ بني إسرائيل، إذ ليس فيها حديثٌ مَرْفُوعٌ صحيحٌ مُتَّصِلُ الإسنادِ إلى الصادقِ المصدوقِ المعصومِ الذي لا ينطقُ عن الهوى. وظاهرُ سياقِ القرآنِ إجمالُ القصَّةِ من غيرِ بسطٍ ولا إطنابٍ فيها، فنحن نؤمنُ بما وردَ في القرآنِ على ما أرادهُ اللهُ تعالى، واللهُ أعلمُ بحقيقةِ الحال.
{وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُواْ واتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِّنْ عِندِ اللَّه خَيْرٌ لَّوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ} [البقرة: 103].
103- ولو أنهم آمَنوا واتَّقَوُا اللهََ فاجتنبوا ما حرَّمَ الله من سحرٍ وشرك، ومخالفةٍ للأنبياء، لكانَ أجرُهم عند اللهِ خيراً من هذا الذي رَضُوا به لأنفسِهم من باطلٍ وشرّ.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقُولُواْ رَاعِنَا وَقُولُواْ انظُرْنَا وَاسْمَعُوا ْوَلِلكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [البقرة: 104].
104- أيها المؤمنون، لا تتشبَّهوا باليهودِ والمشركينَ في مقالهم وفَعالهم، ولا يكنْ في كلامِكمْ توريةٌ فيها تنقيصٌ، فَلا تَقُولُوا: ((رَاعِنَا))، الذي فيه توريةٌ بالرعونة، وهو الهوَجُ والحُمْق، مثلما يقولُ اليهودُ لرسولِ اللهِ – صلى الله عليه وسلم – ولو كان قصدَكم أنتم المراعاةُ والمراقبةُ والتأنِّي، ولكنْ قولوا: ((انْظُرْنا)) أي أَنْظِرْنَا وَأَمْهِلْنَا.
ولليهودِ الكافرينَ عذابٌ موجعٌ لما اجترؤوا عليه وَجَعَلُوا ما يقولونَ سبباً للتهاونِ برسولِ اللهِ – صلى الله عليه وسلم.
{مَّا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلاَ الْمُشْرِكِينَ أَن يُنَزَّلَ عَلَيْكُم مِّنْ خَيْرٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَاللّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَن يَشَاءُ وَاللّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} [البقرة: 105].
105- إِنَّ الكُفَّار – سواءٌ كانوا مشركينَ أو من أهلِ الكتاب – شديدو العَدَاوَةِ لَكُم، ولا يريدونَ لكمُ الخيرَ ألبتَّة، فلا تَتَشَبَّهُوا بهم ولا تُوَادُّوهُمْ، فَإِنَّ قُلُوبَهُمْ تَغْلِي بالحقدِ والحسدِ على ما خَصَّكُمُ اللهُ به من رحمتهِ الواسعةِ وفَضْلِهِ الكَبِير، فَأَنْزَلَ الوحْيَ عَلَى مُحَمَّدٍ – صلى الله عليه وسلم – وهو بين ظَهْرَانَيْكُمْ، فَاسْتَمْسِكُوا بهذا الذي يَحْسُدُونَكُمْ عليه، واشْكُروا فضله، لِيَحْفظَهُ فيكم ويزيدَكُمْ منه – وليس هناك أجلُّ من نعمةِ الإيمانِ والاستجابةِ لدعوةِ النبيِّ – صلى الله عليه وسلم – فاحرصوا على ذلك.
{مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللّهَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [البقرة: 106].
106- ما نُبَدِّلُ من آية، أو نَنْقُلُ حكماً منها إلى غيره، كتحويلِ أمرٍ إلى نهي، أو محظورٍ إلى مباح، من التشريعاتِ والتكاليفِ التي تلائمُ أحوالَ الناسِ وأمورَهم المتطوِّرة، أو نُنْسِيهِ النبيَّ – صلى الله عليه وسلم – ونمحو ما نشاء، إلا كان الذي أُثْبِتَ خَيْراً من السابقِ أو مثلَهُ، حسبَ مُقْتضَياتِ الأحوالِ وصلاحِ البشريَّة، واللهُ لا يُعْجِزُهُ شَيْءٌ، فهو القادرُ على كلِّ شيء.
{أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ} [البقرة: 107].
107- ألم تعلمْ أيهاالنبيُّ محمَّدُ – صلى الله عليه وسلم – أن اللهَ هو المُتَصرِّفُ في خَلقه كما يشاءُ دونَ غيره، فلهُ الأمرُ والنهيً لا لغيره، وينسخُ ويبدِّلُ، ويغيِّرُ ويقرُّ من الأحكامِ لعبادهِ ما يشاء، فهو أعلمُ بهم وبما يُصْلِحُهُمْ وَيُصْلِحُ أحوالهم، وما عليهم إلا السمعُ والطاعةُ في تنفيذِ ما أَمَر، والكفُّ عَمَّا نَهَى. وَلَيْسَ للمؤمنينَ وَلِيٌّ يُقَوِّيهِمْ ويَهديهم، ولا نصيرٌ يؤيِّدُهم وينصرُهم إلا الله، فكونوا على حذرٍ من تشكيكِ أعدائكم، واحذروا أَضَالِيلَهُمْ وَخُدَعَهُمْ.
{أَمْ تُرِيدُونَ أَن تَسْأَلُواْ رَسُولَكُمْ كَمَا سُئِلَ مُوسَى مِن قَبْلُ وَمَن يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالإِيمَانِ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاء السَّبِيلِ} [البقرة: 108].
108- أم تريدونَ – لبعضِ الصحابة – أن تسألوا رسولَكُم على وجهِ التَّعَنُّتِ كما سألتْ بنو إسرائيل نَبِيَّهُمْ موسى -عليه الصلاةُ والسلامُ- تكذيباً وعناداً؟
فاحذروا، واعلموا أن من يستبدلِ الكفرَ بالإيمانِ فقد خرجَ عن الطريقِ المستقيمِ إلى ظلماتِ الجهلِ ودَرَكِ الضلال، وهو حالُ من كان يقترحُ على الأنبياءِ الأسئلةَ التي لا يحتاجونَ إليها على وجه التَّعَنُّتِ والكفر، فَيَعْدِلُون عن تصديقِهم واتِّبَاعِهم إلى مخالفتهم وتكذيبهم، فإيّاكم وهذا، وإيَّاكُمْ أن يَقُودَكُمُ اليهودُ إِلَى مثلِ هذا، فَإِنَّ نِهَايَتَه الضَّلالُ.
{وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِّن بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُواْ وَاصْفَحُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [البقرة: 109].
109- إِنَّ كثيراً من اليهودِ والنصارَى يَتَمَنَّوْنَ لو قَدَرُوا عَلَى أَنْ يُعِيدُوكُمْ إلى الكفرِ كما كنتم، وَأَنْ يَسْلُبُوا منكم هذا الخيرَ الذي هُدِيتُمْ إليه؛ حسداً وحقداً من نفوسهم الشِّرِّيرَة، التي لا تحبُّ الخيرَ للناس، بَعْدَما تَبَيَّنَ أن محمَّداً رسول الله، كَمَا يَجِدُونَهُ مكتوباً عِنْدَهُمْ في التوراةِ والإنجيل، فَكَفَرُوا به حسداً وَبَغْياً أنْ لم يَكُنْ مِنهُمْ.
ولكنْ لا تقابلوهم أنتم بهذا الخلقِ السيِّئ، بل كونوا أَرْفَعَ من هذا وأعلى، فَلا تُؤَاخِذُوهم ولا تؤنِّبوهم، بل اعْفُوا واصفَحوا الآن، حتى يأتيَ أمرُ الله، وهو الإِذْنُ بالقتال، أو هو ***ُ بني قُرَيْظَة، وَإِجْلاءُ بني النَّضِير – وإِذْلالُهُم بضربِ الجِزْيَةِ عليهم. والله قادرٌ على كلِّ شيء، فينتقمُ منهم إذا حانَ وقته.
{وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ وَمَا تُقَدِّمُواْ لأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللّهِ إِنَّ اللّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} [البقرة: 110].
110- وَصَلُّوا للهِ وداوموا على عبادته، وادفعوا زكاةَ أموالكم، واشتغلوا بما ينفعُكم وتَعُودُ عاقبتُهُ عليكم بالخيرِ يومَ القيامة، فإنكم مَهْمَا عَمِلْتُمْ من خيرٍ أو شرّ، في السرِّ أو في العَلن، فإنهُ بصيرٌ به، يَدَّخِرُهُ لكم حتى يحاسبَكم عليه، فَكُلٌّ يُجَازَى بعمله.