معجم البابطين لشعراء العربية
مراجعة ونقد (1)
أ. محمد خير رمضان يوسف
ملاحظات منهجية:
1- هناك أمور منهجية ذكرها "المعجم" لاختيار الشعر والشعراء، سنورد عليها ملاحظات وتساؤلات في هذه المراجعة قد يكون فيها أخذ وردّ، لكن الذي شغلني فيه كثيرًا، هو اعتبار الشاعرية في أصحاب القصيدة والقصيدتين، الذي قد لا يوافق على هذا النهج أو الاختيار الكثير، وإن كان من قبيل التوسع فيه، فلنورد أولاً كلام هيئة المعجم، حيث قالت: "...وفي هذا المدار أيضًا -من رحابة النظر- كان التعامل مع إنتاج الشخصيات المهمة في الساحة الحضارية والثقافية ولكن المتوفر من إنتاجها الشعري قليل. وربما انطبقت هذه النظرة -أيضًا- على بعض الشعراء من ذوي القصيدة الواحدة، ما دام لم يعثر للشاعر على غيرها، وما دامت قصيدة جيدة".
فلا أظن صاحب القصيدة الواحدة يسمى شاعرًا حتى تورد له ترجمة لأجل قصيدته، وقد تكون عدة أبيات فقط، نظمها في مناسبة لم تتكرر، ولم تأخذ منه سوى دقائق أو سويعات في لحظات تأمل من سنوات عمره، فتدرس وتحلل من خلال عاطفة عارضة، أو ضيافة مفاجئة، أو مناسبة راحلة؟
وليس كل من أوردوا لهم هذه الأبيات ذوي ثقافة وحضارة وأثر علمي أو عملي، كما بدا من ترجماتهم، وكما أوردت نماذج منها، ولا ُيحكم بها على شاعرية وأدب، ولا يقبل صاحبها أن يُقال له شاعر، بخلاف رواية يؤلفها أحدهم، فهي تشبه هنا ديوانًا، فهي بحجمه، فيمكن أن يُقال للأول هنا قاص وروائي، ويُقال للآخر شاعر.
وقد أوردوا اسم "عبدالحليم الأزهري" بين شعراء المعجم، وقالوا إنهم لم يعثروا له إلا على قصيدة واحدة في تقريظ كتاب "حديث الطف" مؤرخًا به عام طبع الكتاب!! ولم يذكروا له ترجمة ولا سنة وفاة! فهل مثل هذا يسمى شاعرًا؟ أوَ ليس هو تكلفًا ظاهرًا؟
وفي ترجمة "عبدالحميد السيد نصر" قالوا كذلك: "ليس له إلاّ قصيدة واحدة". وليس هو بمشهور، ففي بيان عمله لم يزد قولهم فيه: "عمل مدرسًا في محافظته حتى وفاته"! مع تقديري لرسالة التعليم والمعلمين الأمناء، فإن الحديث هنا عن العلَمية والأثر.
وهناك العديد من أمثاله في هذا المعجم.
أقول هذا لما يتطلبه النقد العلمي، وأنا أعلم أن في إيراد الترجمة فائدة لأمور أخرى، وأنها لو لم تورد فلربما بقي خبر صاحبها مجهولاً.
ولو بُذلَ الجهد –بدل ذلك- في تتبع أخبار الشعراء الحقيقيين والتأريخ لهم لكان أقرب إلى الموضوعية، فهناك عشرات الآلاف -وليس بضعة آلاف- تنظم الشعر بالعربية، في أمة عظيمة تبلغ مئات الملايين من البشر.
2- ذُكرَ في المقدمة -التي سقتُ قطعة منها- من لم يعتبرهم المعجم شعراء؛ لأسباب أخلاقية، وأخرى علمية.
أما الأخلاقية فلا مناص من اعتبارهم شعراء، ولا قدرة للمعجم على إزاحةِ هذا اللقب عنهم... أما قال الله تعالى عنهم: ﴿ وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ... ﴾ [ سورة الشعراء: 224] فسماهم شعراء ولو كانوا غاوين؟ وهذه الصفة ليس خاصة بفئة قليلة منهم، فكثير منهم لا ينطلقون من مفاهيم إيمانية وأخلاقية، وخاصة في عصرنا هذا، ولكن أحسن المعجم عندما لم يدخلهم في قائمته من الشعراء، وإنه لإيمانٌ ورجاحةُ عقلٍ وسلامةٌ تربوية.
وأما العلمية فمعهم الحق في ذلك، وكنت أودُّ توسيع قاعدتهم في المنع لتشمل بعض أهل النظم المقلِّدين تقليدً بيِّنًا، ممن لا فنَّ شعريَّ عندهم، ولا تُحسبُ قصائدهم في حساب الشعر، ولا هم يفكرون بذلك ولا يريدون أن يطلق عليهم لقب شاعر، مثل قصائد الرثاء والبكاء والعويل والصراخ الكثيرة جدًا التي تخصُّ طائفة معيَّنة من المسلمين، مما هو مكرر ومعروف، ولا مظهرَ فيها لدلالة فنية وأدبية، وكأنها كلها منقولة بعضها عن بعض؛ لتشابهها في الرثاء أو المدح حتى الملل.
وكذلك بعض من توسَّع في مفهوم الشعر الحرَّ فأصدر دواوين لا أثر فيها لوزن أو قافية، وإنما هي كلمات نثر متقطِّعة...
وقد ذكروا في ترجمة "عبدالحسن الشذر" مثلاً، أن "ما أتيح من شعره قليل غير متقيد بشرط الأوزان ولا القوافي، وكأنما يلقيه على السجية"!
أقول: فلماذا يسمَّى إذًا شعرًا؟ إن ما لا وزن له ولا قافية يسمَّى نثرًا بلا خلاف، بل إن هناك كثيرًا من النثر فيه سجع ووزن وإيقاع جميل يكون أفضل مما قالوا عنه إنه شعر، وإلاّ فهو تجنٍّ على الشعر، لو علموا.
ولو دخلنا في ساحةِ الشعر وفنونه، لما نُظرَ إلى أيِّ منظومةٍ علميةٍِ نظرةَ شعر، ولو كان صاحبَ ألفِ بيتٍ في النحو، فهذه تصنَّف في النحو وليس في الشعر وفنونه، وصاحبها يقالُ له ناظم، ولا يُقال له شاعر. ولو عُدَّ الأمرُ كذلك لكان كلُّ عالمٍ ونحوي موريتاني شاعرًا، فلا يكاد يخلو عالم من بلاد شنقيط إلا وقد نظم في علمٍ أو فنّ!
وفرقٌ بين النظم والشعر، وليس هذا رأيي وحده، بل هو رأي آخرين كذلك، ورأي المعجم نفسه، فقد ورد في ترجمة "عبدالله ولد محمد المجلسي": "ما وصلنا من شعره أبيات أقرب إلى النظم منها إلى الشعر الحقيقي".
لكن "المعجم" قدَّم عذره بأنه يريد التوسُّع بهذا. ولو جرى تحكيم علمي بين ما قلت وما صنعوا لكان أفضل.
3- وقولهم إن الشعر هو أنبل الفنون، لا يوافقهم عليه إلا الشعراء ومن دار في فلكهم، وفيه تجنّ على علوم جليلة، وفنون أدبية وعملية مفيدة.
4- الأسلوب الوارد في ترتيب أسماء الشعراء، نهج غريب لا يتوافق مع أسلوب الفهارس السهلة المعاصرة، وقد ذكر هذا المنهج في "معجم البابطين للشعراء العرب" المطبوع في تسعة بنود، وهي:
• اعتبار الاسم الذي اشتهر به الشاعر ونشر به شعره.
• إدخال "ال" في الترتيب الهجائي (إبراهيم السالك قبل إبراهيم بن حسن).
• إدخال كلمات مثل: بن، أبو، ولد، في الترتيب.
• تطبيق قاعدة الخالي أولاً (أحمد يونس قبل أحمدو) و(أم كلثوم قبل إمام).
• اعتبار الحرف المشدد بحرف واحد تبعً للرسم.
• وضع الألف بعد الهمزة... فإسلام قبل إسلم.
• اعتبار التاء المربوطة هاء.
• الهمزة المقصورة والهمزة الممدودة في أول الاسم اعتبرتا همزة من نوع واحد، مثل أماني وآمنة، حيث وضعتا بالترتيب السابق.
• اعتبرت الهمزة همزة دائماً حتى لو كتبت على واو أو ياء. (ثائر قبل ثاني). اهـ.
وإن اعتبار (ال)التعريف و(أبو) و(ابن) في الترتيب يدخلنا في مسالك غير سليمة وغير معقولة، وينقض سلك ترابط الأسماء وحبات الأسماء المتشابهة تمامًا، فاسم "حسن" هو هو، إن كان معرَّفًا بـ(ال) أو غير معرَّف به، فلماذا يأتي واحد في حرف الألف، ويكون الآخر في حرف الحاء؟ وكيف يوضع اسم "اليحيى" في حرف الألف؟ و(أحمد بن يونس) هو نفسه أحمد يونس، فكيف يأتي أولاً مسلسلاً مع حرف الباء، ثم يكون في آخر تنظيم من حروف الهجاء؟ وكيف يدري الباحث أن هذا الاسم فيه (بن) أو لا يوجد فيه؟ فالأفضل والأسلم عدم اعتبارهما.
وبما أن هناك أسماء تقترن بالألف واللام، فقد تضخَّم حرف الألف كثيرًا، واحتوى على نحو (1560) اسم! والمئات من هذه الأسماء تابعة لحروف أخرى، ولكن ذنبها أنها تمتعت بحرفين غير أصليين، أولهما ألف، فاعتبرهما المعجم أصليين! فدخلت في حرف الألف!
وقد اعتبر المعجم الهمزة همزة دائماً، حتى لو كتبت على واو أو ياء!.
وليس هو مقبولاً هكذا، فبما أن الهمزة تتلون بلون الحرف الذي تأتي عليه، فالأولى أن تكون معه أو مثله، والعرب يتساهلون في الهمزة كثيرًا.
وترتيب الأسماء وفهرسة مداخلها صنعة مكتبية، وقد تطورت الفهارس حتى وصلت إلى أفضل الأحوال في هذا العصر، فلا يُنافَسُ المكتبيون فيه، وكان الأولى بهيئة المعجم أن يسلِّموا الفهارس إلى متخصصين فيها، ولا يبتدعوا فهرسًا جديدً غريبًا على القراء وعلى المكتبة العربية والأجنبية، إلا في بعض المكتبات بأقطار أو مدن، التي لم تأخذ بالتطور الحديث للفهارس، وأمر بيانها يطول، والمكتبات موجودة، والمكتبيون قائمون عليها.
وكان الأولى بالمعجم أن يذكر الاسم الأصلي للشاعر كما هو في هويته، ويعمل الإحالات من شهرته ولقبه إلى اسمه الأصل، وليس العكس. وقد لا يُعرف العَلَمُ باسمه حقًا، وإنما بكنيته، أو بشهرته، أو بلقبه، وقد لا يعرف بهذا أو ذاك عند البعيدين عنه، ولكن معظم الناس يُعرفون بأسمائهم الحقيقية، فالأفضل الأصل، وبما أن هذا الاختلاف بين الأسماء موجود، فإنه يُنهج نهجٌ واحد في جمعها، ليتوحَّد جميعها في صفٍّ واحد محكم، وهو جمعها تحت أسمائها الحقيقية، ثم تعمل الإحالات اللازمة من المشهورة إلى الاسم الأصل كما ذكرنا، ليعرفها الباحث على حقيقتها أولاً، وليتمكن من الوصول إلى طلبته منها بأي من هذه الاحتمالات. وهذا بعض ما ذكرته في رسالة "آداب التحقيق"، وتفصيله فيه وفي غيره.
وأذكِّر أن الفهارس المتعددة التي صنعها المعجم، كافية لأن يكتشف القارئ اسم أي شاعر فيه، وبأي شكل كان اسمه، ولكن جاء الحديث عن المنهج. ومن هذه الفارس: فهرس الشعراء، فهرس شعراء المعجم حسب الاسم الكامل، فهرس الشعراء حسب البلدان، فهرس الشواعر، فهرس وفيات الشعراء، فهرس الدواوين والمجموعات الشعرية.
ومع هذا فقد وردت أخطاء في ترتيب الأسماء على غير النهج المذكور في المعجم نفسه، وهذه أمثلة قليلة عليها، كما وردت في "الموقع":
فقد ورد في حرف الباء اسم بطرس، ثم بتراكي!
وفي حرف الراء جاء رؤوف في أول القائمة (على نهج المعجم)، وجاء راشد وراضي يتبعهما راتب!
ورتيبه جاءت بين رضي ورعد!
وأول اسم في حرف الحاء هو حازم، ويليه حاتم!
5- وربطًا بما سبق، أشير إلى خطأ أو أكثر في أسلوب المعجم في تدوين البيانات الببليوجرافية للكتب والدواوين والمراجع والمصادر التي يوردها، فقد دأب على إيراد الناشر قبل مكان النشر، وهو خطأ، والصحيح -كما في قواعد الفهرسة المتفق عليها دوليًا، وتسمى القواعد الأنجلو أمريكية- ذكر العنوان، ثم المؤلف (وهذا في جسم بطاقة الفهرسة، الذي يعلوه ما يسمى "المدخل"، وهو تقنين اسم المؤلف بشهرته)، يليه رقم الطبعة، فوصفها، فمكان النشر، ثم الناشر، فسنة النشر، وأخيرًا بيان التوريق، فمكان الطبع والمطبعة عند اللزوم، وحجم الكتاب ومقاسه لمن أراد أن يدوِّنه.
ومن المؤسف أن يُعتمد التاريخ الميلادي وحده في كل هذه البيانات، دون اعتبار التأريخ الهجري (للمسلمين) الذي كان ينبغي أن يُذكرَ مرادفًا للميلادي على الأقل.
وما سبق ذكره من الخطأ يأتي في المعجم كله، بآلاف تراجمه ومعلوماته، ولو أن هيئة المعجم تبنَّت الأسلوب العلمي في ذكر البيانات المذكورة، لاستعانت بالفنيين المكتبيين، ولما وقعت بذلك في هذه الأخطاء وغيرها، فإن علامات الترقيم الواردة بين هذه البيانات هي فواصل أو بدونها في المعجم، بينما هي مقعَّدة مكتبيًا، وهي متوفرة لمن أراد الاطلاع عليها... وهذا عصر التخصص.. ولكل وظيفته.
6- في كل التراجم التي بلغت الآلاف، تُتبع دائمًا بمصادر الدراسة، وببياناتها الببليوجرافية الكاملة: المؤلف، والعنوان، ومكان النشر، والناشر، وسنة النشر.
وهو عمل مرهق لا لزوم له، وإنما يُطلبُ ذكر العنوان وحده وإتباعه برقم الصفحة، وتذكر البيانات الكاملة مرة واحدة في المراجع العامة، ولو كثرت.
ومن المؤسف أن تذكر المصادر بدون ذكر الجزء والصفحة، وليس هو عملاً دقيقاً. وبعض المصادر غير مرتبه على حروف المعجم، بل على الوفيات، أو المهن، أو غيرهما.
7- وامتلأ المعجم بأخطاء عند تحويل سنوات الميلاد والوفاة من الميلادية إلى الهجرية، لاعتماده على تقاويم غير دقيقة، ولعدم الاكتراث باليوم والشهر الذي مات فيه الشاعر. ويأتي بيانه مع أمثلته في موضعه.
8- ودخلت كلمات دخيلة فيه، أوردتها في مكانها كذلك.
9- وأشير إلى مصطلح تردَّد كثيرًا في ترجمة شعراء المعجم، وهو "مجموع شعري"، فهل هو و"الديوان" واحد؟
لم أعتبرهما واحدًا، فالنفس تميل إلى أن المقصود بالمجموع ما يكون أقل مرتبة من الديوان، وكأنه غير مكتمل، أو أنه صغير، أو غير مرتب... وما إلى هذا.
وإذا كان على غير ما ظننت، فإن المطلوب بيانه من قبل هيئة المعجم. وقد سألت شاعرًا عن هذا فقال: إن المتداول من معنى "مجموعة شعرية" هو دواوين الشعر الحر. ولكن جوابه لا يوافق استعمال المعجم لهذا المصطلح، ومن المؤكد أنه يفرِّق بينهما، وإلاّ لم يخصص فهرس لـ "الدواوين والمجموعات الشعرية"، فلا بدَّ من البيان.
10- الصور والوثائق غير كافية، من صور الشعراء وخطوطهم، وقد لاحظت هذا النقص من خلال أسماء مشهورة وردت لم توثَّق بالصور، ومن السهل الحصول عليها، وبعضها متوفر في الشبكة العالمية للمعلومات.
11- لاحظتُ ميلاً إلى جانب سياسي في دراسة بعض الأعمال الشعرية لشعراء من بلد عربي، وهو ما لا يليق ولا يُقبل في الأعمال العلمية، وقد بيَّنته مع نماذج في فقرة "المنحى السياسي".
12- وهناك ملاحظة علمية لا أعرف أنها أثيرت، وهي تسمية المشاريع والأعمال العلمية بأسماء أشخاص، لهم إمرة أو سطوة عليها، مثل الجامعات والمراكز العلمية والهيئات والجمعيات المهتمة بالثقافة والأبحاث العلمية، فيوضع لها أسماء تخص رؤساء وملوكاً وأمراء، وتجارًا ووجهاء، وربما أحزابًا (مثل جامعة البعث بسورية). وإذا صدر هذا من جهات علمية محضة لا سيطرة لأحد عليها؛ تكريمًا لأعمال قويمة قدَّمها الشخص، أفادت وأثمرت، فقد لا يعلِّق عليها أحد. أما لو كان الأمر من قبل صاحب العمل نفسه، فيسميه باسمه، مثل هذا المعجم، أو من له سيطرة على الأمور، فإن الأمر يحتاج الأمر إلى مراجعة جادة، فالأعمال العلمية ليست محلات ومؤسسات تجارية حتى تجرَّ إلى هذه الأسماء. وماذا لو سمي المعجم "معجم شعراء العربية" أو "معجم الشعراء العرب"، ثم يبيَّن أن مموِّله والمشرف العام عليه هو البابطين؟ ولماذا يُلصقُ الاسم بالعنوان؟ إنه لا يبدو محبَّذًا في الأمور العلمية، مادام العمل علميًا.