جيش من النساء العنوسة آثارها، أسبابها، علاجها
يحيى بن موسى الزهراني
14- غلاء المهور:
هذه مشكلة المشاكل، ومصيبة المصائب، غلاء المهور، بل والتباهي بذلك، والتفاخر به، حتى بلغت بعض الزيجات مئات الآلاف من الريالات، فقدت البركة، وحصل الخلاف والشقاق، وبالتالي الفراق، فهناك رجل تزوج بامرأة مقابل أربعمائة ألف ريال، فتم الزواج، وفي الصباح عادت الفتاة إلى أهلها مطلقة، هذه نتيجة حتمية لمثل هذه الزوجات التي تكاليف التكاليف الباهظة، وما أجمل هدي النبي - صلى الله عليه وسلم -، وما أعظم هدي السلف الصالح من هذه الأمة، حيث كانوا يتسابقون إلى الزواج بأقل مهر كان، رجل تزوج بخاتم من حديد، وأخر تزوج بقدر نواة التمر من ذهب، وثالث تزوج بما معه من القرآن، وامرأة اشترطت مهرها أن يسلم خاطبها، فأسلم فتزوجته، ورجل زوج ابنته بريال واحد، وآخر بمائة ريال، وآخر بمخمسائة ريال، وهكذا ضرب أولئك الرجال الأفذاذ أروع المثل في تسهيل المهر، وتيسير زواج بناتهم، لم يركنوا إلى الدنيا، ولم يجعلوها همهم وأكبر علمهم، بل أنها حقيرة وضيعة، فطلقوها طلاقاً بائناً، وخطبوا الآخرة، وسعوا لها سعيها، فكان سعيهم مشكوراً، قال - تعالى -في شأن الدنيا: (مَن كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لاَ يُبْخَسُونَ * أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ إِلاَّ النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُواْ فِيهَا وَبَاطِلٌ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ) [هود15-16].
وقال - عز وجل -: (إَنَّ الَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَاءنَا وَرَضُواْ بِالْحَياةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّواْ بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ * أُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمُ النُّارُ بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ) [يونس 7-8].
عَنْ عَائِشَةَ - رضي الله عنها -، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: (( إِنَّ مِنْ يُمْنِ الْمَرْأَةِ، تَيْسِيرَ خِطْبَتِهَا، وَتَيْسِيرَ صَدَاقِهَا، وَتَيْسِيرَ رَحِمِهَا)) [رواه أحمد].
نحن في مجتمعنا المحافظ، المحاط بالدين من كل جهاته، لا نعرف مثل هذه العادات البغيضة، الدخيلة علينا، فما فائدة فتاة تتزوج بمئات الآلاف ثم تطلق، مهر مرتفع، خمسون ألفاً من غير الذهب، وربما تبعه شيء للأم، وشيء للأخوة والأخوات، والقريبين والقريبات، وهدايا وشنطة محملة بآلاف الريالات، فيه من الطلبات ما تنوء بحمله الجبال، وعربية تُحمل عليها بعض الهدايا، وتكلفتها آلاف الريالات أيضاً، وقصر كذلك، وذبائح مثلها، وإذا بالمحصلة بغض وكراهية للزوجة وأهلها من قبل الزوج وأهله، ثم شقاق، ثم محاكم، ثم مشاكل لا أول لها ولا آخر، كل ذلك لمخالفتنا لهدي رسولنا وحبيبنا وقرة أعيننا - صلى الله عليه وسلم - الذي تزوج وزوج بناته على دراهم معدودة، لا تُعد اليوم في عرف الناس شيئاً، لأن جمع المال وإنفاقه في مثل هذه الأمور ليس مقصداً شرعياً، ولا مطلباً دينياً، بل المهم في ذلك هو تكون الأسرة المسلمة، وإحصان الفروج، وإعفاف الرجال والنساء عن الوقوع في الحرام.
وكم من أسر وآباء وأمهات أدركوا عظمة أمر تسهيل المهور، وتيسير الزواج، فعاشت بناتهم أحسن عيشة، وبلغ الحب بين الزوج وزوجته ذراه، ووصل مداه، كل ذلك بسب تقليل المهر، واختصار حفلة الزواج على الأقرباء والجيران، في مكان مختصر، في ساحة في قرية، أو استراحة لا تزيد عن ألف ريال، وذبائح تكفي المعازيم والمدعوون، والحمد الله الذي بنعمته تتم الصالحات.
أما أن نتكلف ونقلد الناس في المشرق والمغرب، وتصبح أعراسنا صخب وسهر، وتكاليف باهظة، تنفق فيها مئات الآلاف من الريالات، مهور مرتفعة، وهدايا لا داعي لها، وقصور مكلفة، وامور مبتدعة ما أنزل الله بها من سلطان، بل فيها من المخالفات الشرعية ما الله به عليم، مما هو مشاهد في كثير من أفراحنا اليوم، حتى يكسر كاهل الزوج، فيصبح مكبلاً بالديون، مثقلاً بحمل لا يتحمله، حتى يأتي يوم وينفجر من شدة الضغوط وطلبات أصحاب الديون، فتسوء العشرة الزوجية، ويحصل الانقسام، وتكثر المشاكل، فلا حل، إلا بإرجاع المهر وكامل التكاليف التي تكلفها الزوج، حتى أن بعضهم طلب الملابس الداخلية التي اشتراها للمرأة نكاية في أهلها، فماذا استفاد الأب والأم عندما أصروا على مثل هذه النفقات العظيمة، والخسائر الكبيرة، والنتائج الوخيمة؟
والله لن يجنوا من ورائها الأموال التي يأملونها، ولن يحققوا المكاسب التي يرجونها، ولكنه السفه وقلة التفكير، وضعف التدبير، وترك الأمور لناقصات العقل والدين، يشترطن ويأمرن، ويقمن على الزوج، فتصبح القوامة بيد أحدهن لا بيد الزوج، وكما جاء في الحديث قَالَ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: (( لَنْ يُفْلِحَ قَوْمٌ وَلَّوْا أَمْرَهُمُ امْرَأَةً )) [رواه البخاري].
فهلا عقلنا هذا الحديث وأمثاله، وهلا ائتمرنا بأمر ربنا، وكنا على حذر من الإسراف والتبذير، وهلا رجعنا إلى سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في تيسيره للزواج، وتسهيله للمهور؟
أرجو أن تجد هذه الكلمات قلوباً واعية، وآذاناً صاغية، حتى نخرج من عنق الزجاجة، وتكون أفراحنا أفراحاً شرعية، لا شرقية ولا غربية.
15- الرغبة في الرجل الغني:
بعض الأسر لا تريد إلا الرجل الغني أياً كان نوعه، وكيفما كان دينه، ولو كان فاسقاً أو لا يصلي، أو فاقد العطف والحنان، المهم أن يُقذف بالفتاة في أحضانه مقابل أمواله، وهذا من أعظم الغش للفتاة، وأكبر الظلم الذي سوف يسأل عنه الوالد يوم القيامة، ولسوف تشقى بنته شقاءً لا بعده شقاء، فليست الأموال وجمعها هي أساس الحياة، بل الأمر أعظم من ذلك، ألم نسمع هذا الحديث عَنْ كَعْبِ بْنِ عِيَاضٍ - رضي الله عنه - قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: (( إِنَّ لِكُلِّ أُمَّةٍ فِتْنَةً، وَفِتْنَةُ أُمَّتِي الْمَالُ )) [رواه الترمذي وقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ].
وأخرج البخاري ومسلم من حديث عَطَاءٍ قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - يَقُولُ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: (( لَوْ كَانَ لاِبْنِ آدَمَ وَادِيَانِ مِنْ مَالٍ لاَبْتَغَى ثَالِثاً، وَلاَ يَمْلأُ جَوْفَ ابْنِ آدَمَ إِلاَّ التُّرَابُ، وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَنْ تَابَ)).
فالغني إذا لم يكن صاحب دين وخلق قويم، وإلا فلا خير فيه، وتزويجه ظلم لمن تتزوجه، وهضم لحقوقها، وأكل لمالها.
وما فائدة مال يموت عنه صاحبه عاجلاً أم آجلاً؟ يقتسمه الورثة من بعده، وهو يقاسي أتعابه، ويُسأل عنه من أين جمعه، وأين وضعه؟
وما فائدة مال يحاسب عليه صاحبه، ويكون وبالاً عليه يوم القيامة؟
عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: (( يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ، لاَ يُبَالِى الْمَرْءُ مَا أَخَذَ مِنْهُ أَمِنَ الْحَلاَلِ أَمْ مِنَ الْحَرَامِ)) [رواه البخاري].
فيا أيها الأب اسع لتزويج ابنتك من الخاطب الكفء، الذي يسعى جاهداً لسعادتها وهنائها وإرضائها، فإن أرادها بقي معها على خير وطيب، وإن لم يردها أعادها إلى أهلها معززة مكرمة.
وإياك أن تجعل ابنتك سلعة تساوم عليها، من يدفع أكثر يحوزها ويفوز بها، فإن فعلت فإنك إذاً من الظالمين.
إياك أن تموت وأنت ظالم لبناتك، وقد وضعتهم في أحضان أزواج ظلمة، أزواج لا يردن الزواج بهم، إياك إياك أن تفعل مثل ذلك.
16- القبلية:
لما جاء الإسلام أرسى دعائم هذا الدين في قلوب الناس، ومنع العصبية القبلية، وحرمها، فلا تفاخر بالأحساب، ولا تعاظم بالأنساب، بل ميزان التفاضل هو قول الله - تعالى -: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) [الحجرات13].
يا أيها الناس إنَّا خلقناكم من أب واحد هو آدم، وأُم واحدة هي حواء، فلا تفاضل بينكم في النسب، وجعلناكم بالتناسل شعوبًا وقبائل متعددة؛ ليعرف بعضكم بعضًا، إن أكرمكم عند الله أشدكم اتقاءً له، إن الله عليم بالمتقين، خبير بهم.
واليوم أعاد بعض الناس عادات الجاهلية الجهلاء، والأثرة العمياء، فلا يقبلون الخاطب الكفء بحجة أنه ليس من القبيلة، أو ليس من الفخذ، أو ليس من جهتهم شمالاً أو جنوباً، شرقاً أو غرباً، وهذا ليس من قبيلتنا، وهذا ليس له أصل ولا فصل، وهذا فيه، وذاك لا يخطئه، وهلم جرا من ترهات الأحلام، وكثرة الأوهام، حتى يرى بعضهم أنه أفضل نسباً من أبي بكر وعمر وغيرهما من الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين، مع أن بلال عبد حبشي جاء من الحبشة، فأكرمه الله بالإسلام، وأعزه بالإيمان، فدخل الجنة، وسمع النبي - صلى الله عليه وسلم - دف نعليه في الجنة، وقال عن سلمان الفارسي من فارس وليس من العرب: " سلمان منا آل البيت "، وغيرهم كثير، فهل نفع النسب والحسب أبو جهل، أو أبو طالب أو أبو لهب عما رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، بل هم في النار، وهم من أشراف العرب نسباً وحسباً، وتأمل هذا الحديث النبوي الكريم، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: ((... وَمَنْ بَطَّأَ بِهِ عَمَلُهُ، لَمْ يُسْرِعْ بِهِ نَسَبُهُ )) [رواه مسلم]، فماذا فعل النسب بأشراف قريش الذين ماتوا على الكفر؟ فمن لم يكن له عمل صالح يقربه من ربه، فلن يقربه حسبه ونسبه.
وهل يرضى مسلم رضي بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد - صلى الله عليه وسلم - رسولاً أن يعود إلى الوراء مئات السنين ليدرك أعمال الجاهلية، التي حذر منها الإسلام، وجاء بإلغائها والتحذير منها، عن أَبَي مَالِكٍ الأَشْعَرِيَّ، أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: (( أَرْبَعٌ فِي أُمَّتِي مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ لاَ يَتْرُكُونَهُنَّ: الْفَخْرُ فِي الأَحْسَابِ، وَالطَّعْنُ فِي الأَنْسَابِ، وَالاِسْتِسْقَاءُ بِالنُّجُومِ، وَالنِّيَاحَةُ )) [رواه مسلم].
فعلينا أن نترك عادات الجاهلية، وإذا تقدم للفتاة الخاطب الطيب صاحب الدين والخلق، من أي قبيلة كان، ومن أي مدينة حضر، فعلينا تزويجه، وإن لم نفعل فلا نلومن إلا أنفسنا، ولنصغي لقول الحبيب المصطفى - صلى الله عليه وسلم -، عَنْ جُنْدَبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْبَجَلِيِّ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: (( مَنْ قُتِلَ تَحْتَ رَايَةٍ عُمِّيَّةٍ، يَدْعُو عَصَبِيَّةً، أَوْ يَنْصُرُ عَصَبِيَّةً، فَقِتْلَةٌ جَاهِلِيَّةٌ )) [رواه مسلم]
وعَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ - رضي الله عنه -، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: (( لَيْسَ مِنَّا مَنْ دَعَا إِلَى عَصَبِيَّةٍ، وَلَيْسَ مِنَّا مَنْ قَاتَلَ عَلَى عَصَبِيَّةٍ، وَلَيْسَ مِنَّا مَنْ مَاتَ عَلَى عَصَبِيَّةٍ )) [رواه أبو داود].
وعَنْ عَبَّادِ بْنِ كَثِيرٍ الشَّامِيِّ عَنِ امْرَأَةٍ مِنْهُمْ يُقَالَ لَهَا فُسَيْلَةُ قَالَتْ: سَمِعْتُ أَبِى يَقُولُ: سَأَلْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم – فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ: أَمِنَ الْعَصَبِيَّةِ أَنْ يُحِبَّ الرَّجُلُ قَوْمَهُ؟ قَالَ: (( لاَ، وَلَكِنْ مِنَ الْعَصَبِيَّةِ أَنْ يُعِينَ الرَّجُلُ قَوْمَهُ عَلَى الظُّلْمِ )) [رواه أبو داود وابن ماجة].
وعن جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ - رضي الله عنهما - قَالَ: كُنَّا فِي غَزَاةٍ فَكَسَعَ رَجُلٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ رَجُلاً مِنَ الأَنْصَارِ، فَقَالَ الأَنْصَارِيُّ يَا لَلأَنْصَارِ، وَقَالَ الْمُهَاجِرِيُّ: يَا لَلْمُهَاجِرِينَ، فَسَمِعَ ذَاكَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: (( مَا بَالُ دَعْوَى جَاهِلِيَّةٍ " قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ: كَسَعَ رَجُلٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ رَجُلاً مِنَ الأَنْصَارِ، فَقَالَ: " دَعُوهَا فَإِنَّهَا مُنْتِنَةٌ)) [متفق عليه].
فإذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه، وعرفتم عليه سمات الصلاح والخير، فلا تترددوا عن تزويجه ولو كان من بلداً غير بلدكم، ودولة غير دولتكم، فربما كان هذا الزوج جنة لابنتكم، محباً لها، مقدراً لعشرتها، عطوفاً بها، مجيباً لها، وربما كان غيره من قبيلتها أشد فتكاً بها، وأعظم لها ضرراً، فلنكف عن هذه الأهواء الشيطانية، والعادات الجاهلية، ولنيسر زواج بناتنا وأخواتنا، ولا نكون حجر عثرة في زواجهن، بل نسعى جاهدين لإخراجهن إلى بيوت أزواجهن، حتى لا يبقين حبيسات أجدر أربعة، فيركبن قطار العنوسة، ثم يحدث من الانحراف ما تحمد عقباه، وكل ذلك بسبب القبلية والعصبية التي حذر من لأوائها الإسلام، بل توعد عليها بعاقبة سيئة وخيمة، ونهايات قبيحة عظيمة.
17- الزواج من الخارج:
فالشاب الذي يتزوج أجنبية عن بلاده، غريبة على مجتمعه، معنى ذلك أن بنتاً من بنات بلده ستصبح عانساً بدون زوج.
وقد اتضح بما لا يدع مجالاً للشك أن الزواج من الخارج عواقبه خطيرة في الغالب؛ لأن الانفتاحية هناك أصبحت على مصراعيها، وعدم التمسك بالشريعة أضحى واضحاً، حتى حكموا الدساتير الغربية والقوانين الوضعية، بل الشريعة الإسلامية، فضلوا وأضلوا كثيراً وضلوا عن سواء السبيل، ثم إن هناك من المشاكل الأسرية ما لا يُحصى بين أسرة الزوج، وأسرة الزوجة، كما أن الأبناء ربما تربوا في أحضان أم وأهل لها لا يخافون الله - تعالى -، لاسيما وأمر الاختلاط لديهم أمراً عادياً جداً، وكذلك التبرج والسفور أصبح أمر مسلماً به، مع أن الشريعة الإسلامية جاءت بسد الذرائع المفضية إلى الفاحشة، وأنا عندما أقول مثل هذا الأمر فإنني لا أُعمم، فهناك من الأسر من هي أفضل بكثير من بعض الأسر لدينا، لكن أتحدث عن الغالب الأعم، وأيضاً هناك من الأسر من تطمع في الشاب من بلدنا، نظراً لماله، وأنه من دولة كذا، فيرغبون به لاستنزاف ماله، ثم تقع بعد ذلك المشاكل التي لا يمكن أن تحل في بلد الزوجة، لأنها بلاد لا تحكم بالشريعة الإسلامية، فكان من الخطورة الزواج بغير السعودية، بل الصبر على السعودية مهما كانت الأسباب، والقضاء على العنوسة في بلادنا، والزوجة من زوجها، فالزوج يستطيع بعلمه وعقله أن يطوع الزوجة كيفما يريد.
18- الدلال والدلع الزائد:
هناك من الأسر من تعيش حياة انفتاحية، فكل شيء لديها حلال، ولا بأس به، وقد ألغت من قاموسها الحياتي، وهذا من أغلط الغلط، وأشنع الخطأ، لأن الله - تعالى -يقول: (الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلاَلَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) [الأعراف157].
عَنْ النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ - رضي الله عنه - قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: (( الْحَلاَلُ بَيِّنٌ وَالْحَرَامُ بَيِّنٌ، وَبَيْنَهُمَا مُشَبَّهَاتٌ لاَ يَعْلَمُهَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ، فَمَنِ اتَّقَى الْمُشَبَّهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِيِنِهِ وَعِرْضِهِ، وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ، كَرَاعٍ يَرْعَى حَوْلَ الْحِمَى، يُوشِكُ أَنْ يُوَاقِعَهُ، أَلاَ وَإِنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمًى، أَلاَ إِنَّ حِمَى اللَّهِ فِي أَرْضِهِ مَحَارِمُهُ، أَلاَ وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً، إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، أَلاَ وَهِىَ الْقَلْبُ )) [متفق عليه].
فمن تأمل هذين النصين الشرعيين تبين له أن هناك حلال وحرام، لكن هناك من الأسر من لا تريد كلمة حرام أو مكروه أو لا يجوز، بل تريد انفتاحية بحتة، وهكذا سينشأ أبناءٌ في مثل هذه الأسر، لا يعرفون كثيراً من أحكام الشريعة، ولا قيودها المنيعة، لا يفرقون بين الحلال والحرام، وبهذا يختلط عندهم الحابل والنابل، وتشتبه لديهم الأمور، فيهرفون بما لا يعرفون، ومن هنا يسود الدلال والدلع وعدم الاهتمام بأوامر الدين، فتكون هذه الأسر ومع أدبها وربما أدبها الجم، إلا أنها تتقمص عادات غربية وشرقية، وانسياقية هائمة وراء مغريات الحياة، وتتهرب من جميع القيود الشرعية، فترى الألبسة القبيحة الفاضحة المخالفة لكل فطرة سوية، والتبرج ولباس الزينة، والنقاب الفاضح، المظهر لكثير من الوجه، بل ربما بعضهن لا تلبس غطاء للوجه، وكذلك بعض الدلال الزائد، الخارج عن عادته، المقصود أن مثل هذه الأسر التي دأبت على الانفتاحية قد لا يرغب بالزواج من بناتها أحد، لأنهم يعيشون حياة يسودها الكبر والغطرسة في الغالب، ورؤية الناس كالذباب، فهم يرون أنهم يعيشون في مستوى حياتي راقي، وفي الحقيقة أنه مستوى فيه من الخطأ ما فيه، بل ربما أن هذه الأسر لو تقدم لها الرجل الكفء صاحب الدين والخلق، لتم رفضه، لماذا؟
لأن هذه الأسر كما أسلفت ترغب في العيش حياة لا قيود شرعية تحيط بها، بل تريد العيش بلا سياج من الدين، اللهم إلا ما عُرف كمثل الصلاة والصيام وأمثال ذلك، ونسأل الله الهداية لجميع المسلمين والمسلمات، والعودة إلى دينه القويم، وصراطه المستقيم، فهذا مما يقرب وجهات النظر بين المسلمين جميعاً.
19- وضع قيود ومواصفات لزوجة المستقبل:
كثير من الشباب يضع مواصفات تعجيزية للفتاة التي يريد الزواج منها، وربما هذه المواصفات لا توجد حتى في الحور العين، الجمال جمال الروح والنفس والتعامل، كم من امرأة ليست بجميلة، لكنها جذابة في تعاملها مع زوجها، وسرعان ما تنتشر المحبة والوئام بين الزوجين بسبب هذا الجمال الذي يغفل عنه كثير من الشباب، إذ ربما تزوج الشاب بفتاة غاية في الجمال، لكنها تفقد روح المرح والدعابة والحب والألفة، وربما لم تكن صاحبة دين، فتكون وبالاً على زوجها، فاظفر بذات الدين تربت يداك، فهي المطلوبة في عصر وحين، وهي وصية النبي - صلى الله عليه وسلم -، فعليك بوصيته، ويا لها من وصية.
20- سمعة الأهل:
كأن تكون الأم سيئة أو متسلطة، أو الأب مدمناً أو شرساً، أو يكون الأخ سيء السيرة بين الناس، ويعرف بالفجور والجريمة، فيتحاشى الناس خطبة هذه البنت خوفاً من السمعة السيئة، أو لما يلحقه من الضرر والخطر من معاشرة أهلها، فالسلوك السيئ في الأسرة سببٌ من أسباب العنوسة، وعدم تقدم الناس لخطبة أولئك البنات، والناس اليوم تسعى جاهدة للاتصال بالأسر العريقة، الطيبة السمعة، لاسيما الأسر المحافظة على دينها، وتمسكها به، فمثل هذه الأسر تكون مقصد الناس، ومهوى أفئدتهم، ومطلبهم الغالي والنفيس.
لكن هل تترك مثل هؤلاء الفتيات يتكدسن في بيوت أهلهن، إذ ليس لهن سبب في ذلك؟
أقول: ينبغي أن لا تُترك مثل هؤلاء الفتيات فريسة لمثل هذه الأسرة السيئة، فربما انساقت في حبائل الشيطان، وطغى عليهن واقع الأسرة، فيحصل منهن فساد عريض، لأنه لم يتقدم لهن الخاطب سواء الكفء أو غيره فهنا ربما وأقول: ربما تتبدد الفتاة، وتصبح صيداً سهلاً لهتَّاك الأعراض، وإلا فالأصل أن الفتاة تتمسك بدينها، وتتشبث به، ولا تحيد عنه قيد أنملة، مهما تعرضت له من ضغوط أو وساوس وهواجيس، وعليها باتباع الإرشادات النبوية، كالصيام والصلاة والتمسك بحبل الدين المتين، هناك لن تزيغ بإذن الله - عز وجل -، مهما تعرضت له من صدمات وكدمات.
ينبغي أن لا نترك هؤلاء الفتيات لتعصف بهن عواصف الفساد والشر، لتلقفهن ذئاب بشرية، وصديقات سوء، بل علينا أن نسعى جاهدين لحل مشاكلهن، عن طريق الجهات المختصة كإمارات المناطق، والمحاكم الشرعية، وكبار العلماء، ومن بيده الحل والعقد، والجمعيات الخاصة بالزواج، حتى تحل مشاكلهن بإذن الله - تعالى -، وإذا تكاتفت الجهود، حصل المقصود.
21- البطالة وعدم توفر الفرص الوظيفية للشباب:
ومن سيزوج شاباً ليس لديه وظيفة، هكذا هو لسان حال الكثير من الأسر، مع أن الإنسان لو تدبر قول الله - تعالى -: (وأنكحوا الأيامى) وكلام أهل العلم في تفسير هذه الآية لعلم علم يقين أن الزواج سبب للبركة والخير من الله - تعالى -.
بعض الآباء إذا تقدم لأبنته شاب أو رجل كفء لها صاحب دين وأمانة وخلق سأله عن عمله ورابته، ثم تعذر منه ورده!
لماذا تعذر منه؟ لأنه غير موظف، أو راتب الوظيفة قليل، وهذا في عرف بعض الناس فقير، فبعض الآباء يخاف على ابنته من الجوع، أو أن تعيش ابنته على الزكوات والصدقات والتبرعات الخيرية مع هذا الزوج.
وهذه نظرة قاصرة من بعض الآباء والأولياء، وإلا فإن القارئ لكتاب الله والعارف بسنة الحبيب - عليه الصلاة والسلام -، يعلم علم اليقين بأن الزواج من أعظم أبواب الرزق ومفاتيحه، وقد أمرنا الله - سبحانه وتعالى - بتزويج الصالح وإن كان فقيراً، ولقد تكفل - جل وعلا - بغناه، قال - تعالى -: (وَأَنْكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) [النور32]، والأيامى: جمع أيم، وهو الذي لا زوج له من الرجال والنساء، وفي الآية حث على التزوج، ووعد للمتزوج بالغنى بعد الفقر، قال أبو بكر الصديق - رضي الله عنه -: " أطيعوا الله فيما أمركم به من النكاح، ينجز لكم ما وعدكم من الغنى ".
وقال ابن مسعود - رضي الله عنه -: " التمسوا الغنى في النكاح: (إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ).
وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: (( ثَلاَثَةٌ حَقٌّ عَلَى اللَّهِ عَوْنُهُمْ: الْمُجَاهِدُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَالْمُكَاتَبُ الَّذِي يُرِيدُ الأَدَاءَ، وَالنَّاكِحُ الَّذِي يُرِيدُ الْعَفَافَ )) [رواه أحمد والنسائي وابن ماجة والترمذي وحسنه].
ولاشك بأن مجالات العمل كثيرة ومتوفرة ولا نحصرها بالوظيفة فقط، وقد تكون الأعمال الحرة الحلال أكثر نفعاً وبركة وأعظم أجراً وأقوى توكلاً على الله من الوظيفة إذا صلحت النية والتزم المسلم بالصدق والحلال، فما على العبد إلا أن يتوكل على الله - عز وجل - ثم يفعل أسباب الرزق، وقد تكفل - عز وجل - بأرزاق عباده بل جميع مخلوقاته فقال - سبحانه وتعالى -: (وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ) [هود6].
وأني لأعجب من بعض الآباء أن يكون حريصاً جداً على رزق ابنته ومعيشتها وهذه الأشياء مضمونة في الكتاب والسنة، ولا يكون حريصاً على دينها، ولئن يعيش المسلم فقيراً أو يموت فقيراً صابراً محتسباً ومتمسكاً بدينه خير له من أن يعيش غنياً أو يموت غنياً وهو معرض عن ربه هز وجل، لأن الدنيا وسعادتها قليلة ومؤقتة والآخرة وسعادتها دائمة وباقية كما قال - سبحانه وتعالى -: (بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى) [الأعلى16-17].
فعلى الآباء والأولياء أن يحرصوا على الزوج الكفء وإن كان غير موظف ويثقوا بأن أبواب الرزق سوف تنفتح عليه كما وعد بذلك ربنا - سبحانه وتعالى - وأخبرنا به رسولنا - صلى الله عليه وسلم-.
22- عادة تأخير الزواج:
بعض الأسر تتعذر بهذا العذر القبيح، نحن عادتنا أن لا نزوج البنت صغيرة، وقد بلغت البنت سن الزواج، أو ربما قد دخلت في سن العنوسة المبتدئة، فربما لغت العشرين، ويقولون صغيرة على الزواج، وأين الصغير مع هذا السن، مع العلم أن جميع الشباب يرغبون بالزواج من الفتيات اللاتي هن أقل من العشرين، بل مثل هذا السبب ربما كان سبباً مباشراً وهو كذلك في تكدس جيش العوانس، لأن الناس إذا علموا أن هذه الأسرة لا تزوج إلا بعد العشرين، فلن يتقدم أحد لهم، وبالتالي يصبح لديهم من الفتيات العوانس ما الله به عليم، وربما أفضى ذلك إلى آثار سيئة بهذه الأسرة، فعلى الأب العاقل أن يسعى جاهداً لتزويج بناته إذا جاءه الرجل العاقل الطيب، والذي ليس لديه مخالفات شرعية، فعلى الأب أن يسارع في مثل هذه الحالة لتزويج بناته، ولو كن في المتوسطة مثلاً، فالزواج ليس عائقاً عن إكمال الدراسة، ولهم أن يشترطوا ذلك في عقد النكاح، وهكذا نقضي على العنوسة، ونجتث أسبابها، وننهي معاناة الشباب والشابات.
23- كلمة حق أريد بها باطل:
ما هي هذه الكلمة؟
هي قول الأب: ما تقدم لها أحد، فتجلس حتى يأتيها نصيبها.
كلمة حق ما جاءها من يخطبها، لكن أتبقى البنت عانساً، ألا تبحث لها أنت عن زوج، يا أخي: اخطب لبنتك، قبل ولدك.
أما علم الوالد أن البحث عن زوج لابنته هو من أسباب رزقها.
وقاصمة الظهر أن بعض الآباء إذا قيل له: أخطب لابنتك، أبحث لها عن زوج، فإنه يغضب عليك، ويستغرب سؤالك، ويقول: أنا أخطب لابنتي، أنا أبحث لها عن زوج. هذا التصرف عيب، ماذا يقول الناس عني " هذا لا يريد ابنته، وهي رخيصة عنده، يريد التخلص منها، يريد أن يهديها للأزواج، وغير ذلك من الكلمات ".
وما علم ذلك الأب، أنه لو بحث لابنته عن خاطب كفء لها، فهو خير له عند ربه، ورفعة له عند الناس، وهو بذلك يستر ابنته، ويحافظ عليها، لتكوين بيت مسلم، وأسرة طيبة، وسوف لن تنسى لأبيها هذا الجميل ما بقيت حية، وكذلك زوجها، وأهل الخير من الناس، سوف يكون هذا الأب مضرب المثل في الأب الفاضل، الذي يبحث عن صون لابنته من أن تتقاذفها الأهواء والرغبات، وصديقات السوء، غذ ربما وقعت في الرذيلة، بسبب تعنت الأب وعدم تزويجها.
24- الرضوخ للتهديدات:
بعض الفتيات ربما وقعت ضحية للذئاب البشرية، ولم ينل منها شيئاً غير صورة، ثم يبدأ بالمساومة والتهديد، وابتزاز الفتاة بين الحين والآخر، ومن خوفها لا تستطيع إخبار أهلها أو ذويها بذلك، وهذا خطر شنيع، فلا تقبل بأي خاطب خوفاً من الفضيحة، وأنني أقول على كل فتاة أن تحفظ عفافها وحياءها وكبرياءها، والحذر من كل كلام معسول، يلقيه عليها دعي مأفون من المفسدين في الأرض، واللاعبين بالأعراض، ومن وقعت في هذا الفخ والشرك، فعليها أن تبادر بإبلاغ رجال الهيئة والحسبة، فهم الرجال الفضلاء، كتمة الأسرار، ومسدلوا الستار، ومهما قلت في حقهم فلن أوفيهم شيئاً، فأقول على كل فتاة وقعت ضحية لمثل هذه الأفعال الإجرامية، أن تلجأ بعد الله - تعالى -لرجال الحسبة، فهم أعرف الناس بكيفية إنقاذ الفتاة من براثن لصوص الشرف والفضيلة.
وربما أدى مثل ذلك الأمر، وابتزاز هذا المجرم للفتاة، وتهديدها بالصور أو اللقطات إلى تأخرها في الزوج خشية الفضيحة والعار، فيفوتها فعلاً قطار الزواج، وتصبح من العوانس.
كلمة للآباء والأولياء:
العضل من المخالفات الشرعية الشائعة في وقتنا الحاضر، وهو منع المرأة من التزوج بكفئها إذا رغب كل منهما في ذلك.
لقد جاء الإسلام آمراً بتيسير الزواج، حاضاً على تسهيل سبله، قال الله - تعالى -: (وَأَنكِحُوا الْأَيَامَى مِنكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِن يكُونُوا فُقَرَاء يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) [النور 32]، وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (( يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ مَنْ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ)) [متفق عليه]، وقال - عليه الصلاة والسلام -: (( النِّكَاحُ مِنْ سُنَّتِي فَمَنْ لَمْ يَعْمَلْ بِسُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي وَتَزَوَّجُوا فَإِنِّي مُكَاثِرٌ بِكُمْ الْأُمَمَ وَمَنْ كَانَ ذَا طَوْلٍ فَلْيَنْكِحْ وَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَعَلَيْهِ بِالصِّيَامِ فَإِنَّ الصَّوْمَ لَهُ وِجَاءٌ )) [رواه ابن ماجة].
وفي عضل النساء ما لله به عليم من حقد البنت على أهلها، لظلمهم لها، وتجاهلهم لمشاعرها، ورغبتها في تكوين عالمها الخاص بها، والعيش في ظلال الزوجية الوارفة، فكم من رجل دعت عليه ابنته بدل أن تدعو له، وكم من بنت تكن لأبيها بغضاً وكرهاً بدل الحب والاحترام، وما ذاك إلا لظلمه لها، وعضلها عن الزواج، والوقوف حائلاً بينها وبين الحياة، في ظل حياة أسرية لها فيها بعل وأبناء، نص الله على أنهم زينة الحياة الدنيا.
وتأمل المفارقة في هذا الزمان الذي كثرت فيه الفتن، فبينما تجد الناس اليوم يؤخرون الزواج ويعضلون البنات بحجج واهية، كان للسلف في عصور العفة والحياء شأن آخر، فقد حرص السلف الصالح رضوان الله عليهم على تزويج بناتهم، حرصاً منهم على الاطمئنان عليهن، بإدخالهن عالم الزوجية السعيد، فهذا عمر - رضي الله عنه - لما مات زوج حفصة - رضي الله عنها -، عرضها على أبى بكر، فلم يرجع إليه أبو بكر كلمة، فغضب من ذلك، ثم عرضها على عثمان حين ماتت رقية، فقال: ما أريد أن أتزوج اليوم، فانطلق عمر إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فشكا إليه عثمان وأخبره بعرض حفصة عليه، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (( تتزوج حفصة خيراً من عثمان )).
وقد بشر النبي - صلى الله عليه وسلم - من زوج بناته بعد أن رباهن على محاسن الأخلاق وأدبهن بآداب الإسلام بالجنة، فأي نعيم يعدل نعيم الجنة، وأي سبب يحول بين الرجل وبين جعل بناته جسراً له إلى الجنة، عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: قالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: (( مَنْ عَالَ ثَلَاثَ بَنَاتٍ فَأَدَّبَهُنَّ وَزَوَّجَهُنَّ وَأَحْسَنَ إِلَيْهِنَّ فَلَهُ الْجَنَّةُ)) [رواه أبو داود].
أيها الأب الكريم، أيها الولي اتق الله - تعالى -فيمن ولاك الله أمرهن من النساء، واعلم أن العضل ومنعهن من الزواج، يحرمك من هذا الفضل العظيم، فاختر لنفسك، فأنت المخير بين تزويج بناتك، فيسعدن في الدنيا، وتسعد بهن في الدنيا والآخرة، وبين عضلهن فيتعسن في الدنيا، وتشقى بظلمهن في الدنيا والآخرة.
كلمة للفتاة:
أوجه هذه الكلمة للفتاة، إذا وجدت جحوداً من أبيها، ونكراناً وعقوقاً من ولي أمرها، بأن تتق الله ولا تنساق وراء أصحاب الشر والفساد، بل تصبر على طاعة ربها ولها الجنة، فالصبر مفتاح الفرج، ومع العسر يسراً، ولن يغلب عسراً يسرين، فأوصيك يا أخية بتقوى رب البرية، وإياك والانجراف في كهوف مظلمة، وسراديب مدلهمة، إن دخلتها فلن تخرجي منها سالمة.
وإذا وجدت جفوة من والدك، ووقف حجر عثرة في طريق زواجك، فعليك بالتضرع إلى الله والدعاء بإخلاص وصدق، ولسوف تجدين الفرج، والإجابة منه - سبحانه -، فهو القائل - عز وجل -: (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ) [غافر60].
فالله وعد على الدعاء بالإجابة، ولن يخلف الله وعده.
ثم عليك بتوسيط أهل الخير والصلاح من أهلك وأقربائك، لاسيما والدتك وإخوانك وأعمامك وأخوالك، ثم التوسط بأهل الخير من الحي، وأهل العلم كإمام المسجد والخطيب والدعاة، وهكذا سنفرج الأمر بإذن الله - تعالى -.
وإذا لم يجد الأمر فارفعي أمرك إلى القضاء فهناك الحل بتوفيق الله وتسديده، فكم من فتاة حًلت عقدتها عن طريق المحاكم، أو رجال الهيئات، فثقي بنصر الله لك، وفتحه عليك، والله معك يراك ويرعاك، لاسيما وأنت تطالبين بأعظم حقوقك على أبيك، وهو تزويجك بالرجل المناسب صاحب الدين والخلق.
------------------
ملاحظة: هذه أرقام المشاريع الخيرية المنتشرة بالمملكة لتيسير الزواج ومنها:
1 منطقة مكة المكرمة - محافظة جدة
مكتب الزواج وإصلاح ذات البين
026974823 02838461
2 منطقة القصيم محافظة الرس
جمعية البر الخيرية مشروع تيسير الزواج
لجنة التوفيق والسعي 063380696
اللجنة النسائية 063392229
3 المنطقة الشرقية محافظة الأحساء لجنة تيسير الزواج
035752088 - 035754066
4- جمعية البر الخيرية
مكتب الزواج وإصلاح ذات البين
026974823 02838461
3 المنطقة الشرقية الدمام
جمعية البر الخيرية مشروع تيسير الزواج
لجنة التوفيق بين راغبي الزواج
038411584 - 038411644
وأختم هذا الموضوع بالدعاء لكل مسلم ومسلمة بالتمسك بدين الله - تعالى -، والتشبث به، وعدم الروغان عنه، فالله خير حافظاً وهو أرحم الراحمين، والحمد لله رب العالمين