عرض مشاركة واحدة
  #3  
قديم 26-05-2015, 05:03 PM
الصورة الرمزية ابو وليد البحيرى
ابو وليد البحيرى ابو وليد البحيرى غير متواجد حالياً
عضو لامع
 
تاريخ التسجيل: Apr 2015
العمر: 61
المشاركات: 4,132
معدل تقييم المستوى: 15
ابو وليد البحيرى will become famous soon enough
افتراضي

عورة المرضى بين الكشف والتكشف

هشام عطية



انحسار الظاهرة:
هل ظاهرة كشْف العورات بدأتْ بالانحسار، أم ما زالت على حالها، خاصَّةً أنَّنا نلحظ كثيرًا من شكاوى المرضى؟
جواب هذا السُّؤال يحتاج إلى معلومات مستقاة من الواقع، والذي أعلمه أنَّ هناك وعيًا متناميًا لدى الأوساط الطبيَّة بأهميَّة هذه القضية، وهناك اهتمامٌ على الصَّعيد الرسميِّ وغير الرسمي بالمخالفات الواقعيَّة في هذا الشأن، كما أن تَضمُّنَ مقرَّرات كلية الطِّب لمادةٍ تبيِّن الأحكام الشرعيَّة في الممارسة الطبيَّة أمرٌ مهمٌّ في هذا الشأن.

ضوابط شرعية:
ما الضابط الشرعي لكشْف عورة المريض؟
من أهمِّ القواعد والضوابط الشرعيَّة ما يلي:
أ - قاعدة: ما جاز لعذر بطل لزواله.
ب - قاعدة: الضرورات تُبيح المحظورات.
ج - قاعدة: الضرورة تُقدَّر بقدرها.
د - قاعدة: الحاجة تنزل منزلةَ الضرورة.

ففي هذه القواعد يتبيَّن لنا أنَّه لا يَحِلُّ الكشف عن شيءٍ من عورة المريض إلاَّ لضرورة أو حاجة، كأن يترتبَ على عدم الكشف عليه مرضٌ يؤدِّي إلى هلاكه، أو يتعطَّل مقصد مهمٌّ له في حياته؛ كطلب النَّسْل، أو يكون عليه حرجٌ شديد بعدم التداوي المتضمن كشفَ العورة، وبالتالي فلا يجوز كشْف العورة لحاجة يسيرة غير معتبرة.

هذا من جانب، ومن جانبٍ آخرَ، فإذا قلنا بجواز الكشْف عن العورة، فإنَّه لا يحلُّ أن يُكشف منها إلاَّ القدر الذي يُحتاج إليه فقط، فلا يتجاوزه النظر إلى غيره؛ لأنَّ الأصل حرمةُ الكشْف، وكذلك لا يجوز النظر إلا َّلِمَن يُحتاج إلى نظره، فأمَّا باقي أعضاء الفريق الطبيِّ من الممرضين والممرضات، وغيرهم من الذين لا يُحتاج إلى نظرهم - فلا يَحِلُّ لهم النَّظر، ولا يمكَّنون منه.

طرح ونقاشات:
هل ترى أن القضية أخذتْ حقَّها من الطرح والتداول بين الأطباء والعلماء، أم أنَّها ما زالت بحاجةٍ إلى مزيدٍ من النِّقاشات والتوعية؟
نعم، القضية تحتاج إلى المزيد من النِّقاش والتوعية، والحرص دائمًا على إيجاد البرامج العمليَّة والبدائل الشرعيَّة لِمَا يقع فيه مخالفة، والحرص على متابعة ذلك، حتى يُعلمَ التطبيق من عدمه، والتواصي بذلك دائمًا.

أثر نفسي:
ما الأثر النفسي والاجتماعي الذي يمكن أن يتركَه كشْفُ عورة مريضة؟
أرى أنَّ هذا الأثر يمكن أن يتصوَّره الإنسان لو كانت المريضة قريبتَه؛ كأمِّه أو أخته، أو بنته أو زوجته، أو كان المريض قريبَه؛ كابنه أو أخيه.. إلخ.

فهل يرضى أن يطَّلع الناس على عورة مريضته أو مريضه؟! وماذا يكون شعورُه عند ذلك؟! أتصوَّر أن شعورَه سيكون شعورَ مَن قال له النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((أترضاه لأمِّك؟!)) والمؤمن لا يرضى لأخيه إلاَّ ما يرضاه لنفسه.

ولا شكَّ أنَّ التساهُل في كشف العورات، ونظر الفضوليين لعورات المسلمين والمسلمات، وأحيانًا تعليقاتهم الفاجرة والمجرمة على ما بين أيديهم من العورات - تُثير الغضبَ في نفس كلِّ مؤمن في قلبه غَيْرة، وربَّما تحدَّث هؤلاء الفُسَّاق مع أصحابهم بما شاهدوه، من غير خوفٍ من الله ولا مراقبة له، فمثل هؤلاءِ يستحقُّون أشدَّ العقوبات، والله المستعان.

مستشفى للنساء فقط، هل يمكن تحقيقه أم هو مستحيل؟!
تتعرَّض النِّساء لكثير من الحرج عند الذَّهاب إلى المستشفى، وقيام الأطباء بالاطِّلاع على عوراتهنَّ في أثناء الكشْف عليهن، وذلك بحُكم الواقع، وهذا يضطر بعضَ النِّساء إمَّا إلى عدم الذَّهاب إلى المستشفيات وتحمُّل الأمراض، أو أنهنَّ لا يسمحن للأطباء بعمل الفُحوصات التامَّة على المرض، وهو ما يؤدِّي في النهاية إلى النتيجة نفسِها.

"المستقبل الإسلامي" تطرح في هذا التحقيق تعميمَ فكرة تخصيص مستشفيات للنِّساء، يقوم عليها العُنصر النِّسائيُّ في كلِّ أقسامها، والمرضى من النِّساء لَسْنَ بأقلَّ من عدد المرضى من الرِّجال، فهل هذا الأمر ممكن من الناحية العمليَّة؟ وهل هناك تجارِبُ واقعيَّةٌ موجودة للاستفادة منها؟

الدكتور طارق الشابوني - أستاذ الأمراض الباطنية بطب القصر العيني جامعة القاهرة - يَعتبرُ هذه الفِكرةَ جيِّدةً، وهي أُمنيَّة يجب العمل على إيجادها، وتعميمها في كلِّ مكان؛ لأنَّ مِن شأنها أن تحافظَ على كرامة المرأة، ولا تعرِّضها للحرج من اطِّلاع أجنبي على عورتها.

وعليه؛ فإنَّ بعض النِّساء أحيانًا يُفضِّلنَ المرض على الذَّهاب إلى الطبيب؛ ولذلك يجب الإسراع في إنشاء مثل هذه المستشفيات.

ويستدرك الدكتور الشابوني مؤكِّدًا أنَّ الأمر في الوقت الحالي سوف يواجه بعضَ المشكلات الخاصَّة بتوفير الأجهزة البشريَّة، خاصَّة أنَّنا في كثيرٍ من بُلدان العالَم العربيِّ نعاني نقصًا في توفير طبيبات في مختلف التخصُّصات، ونقصًا في فنيات العمليات والأشعة؛ لكن ما لا يُدرك كلُّه لا يترك جُلُّه، فيمكن البَدءُ في هذه المستشفيات، وإذا ما كان هناك عجزٌ - سواء في الأطباء أم في الفنيين - يُستعان بالمتخصِّصين من الرِّجال الأمناء فيها لفترة مِن الوقت، حتَّى يمكن استكمال هذا العجز لاحقًا؛ لأنَّ الفنيِّين يمكن تدريبهم في أشهر معدودة، أمَّا الأطباء ففي خلال عدَّة سنوات يمكن تحقيق الاكتفاء في ذلك، وإن بقيت تخصُّصاتٌ نادرة في هذه الحالة تستمر الاستعانة بالمتخصَّصين فيها.

ويضيف الدكتور طارق أنَّ هذا الأمر ليس جديدًا، فهناك تجربةٌ بمصرَ؛ وهي كلية طبِّ الأزهر للبنات، فالطلبة والأساتذة من النِّساء، ويُستعان بالأطباء الذُّكور في حالات نادرة، وهي تجرِبة إن كانت لم تتعمقْ بصورةٍ كافية؛ لعدم الاهتمام الكافي بها، فإنَّها إذا ما وُضعت في بؤرة الاهتمام، فسوف نصل في فترة وجيزة إلى صورة طيِّبة في هذا الأمر، الذي هو أفضل للنِّساء والمجتمع، وسوف يكون الوقت جزءًا من العلاج.

الرجال يعترضون:
أمَّا الدكتورة إيمان حسن - المتخصِّصة بالأشعة، القصر العيني - فتقول: على رغم أنَّ تخصيص مستشفى خاصَّة بالنِّساء المريضات والعاملات سيغضب الأطباء الرِّجال، فإنَّ الفكرة جيِّدة وسوف تلقى رواجًا واستحسانًا لدى الناس عامَّة، وهذه الفِكرة موجودةٌ على أرض الواقع في بعض بُلدان العالَم، خاصَّة دولَ الخليج، ومنهم المملكة العربية السُّعودية، التي تعتبر رائدةً في فكرة فصل ال***ين في مجالات الطِّبِّ والتعليم، وقد أثبتتِ التجارِبُ أنَّ الاختلاط يجلب مشاكلَ اجتماعيَّةً كثيرة، وما انتشار الزَّواج العُرفي في بعض البلدان العربية إلاَّ لشيوع الاختلاط في المجتمع، كما يوجد غيابٌ لخصوصية المرأة في مؤسَّسات التعليم، أو الصحة، أو المواصلات، أو العمل، أو الشارع.

وتقول الدكتورة إيمان: في الحقيقة حتى الدُّول الأوروبيَّة التي نأخذ عنها الانحلال والاختلاط تراعي المحافظة على الخصوصية.

وتحكي الدكتورة إيمان قصة زوجة أحد الأطباء التي ذكرتْ لها - والتي كانت برفقة زوجها في أثناء فترة بعثته بإنجلترا لنيل درجة الدكتوراه - كيف أنَّها كانت عندَ دخولها المستشفى تُستشارُ؛ هل تطلب في فَحصِها طبيبًا، أم طبيبة؟ ويترك لها الاختيار الذي يُحترم وينفَّذ بدقة، ونتمنَّى أن تُحترم آدمية المرأة التي يَكشف عليها طبيبٌ، أو تضطرها الظروف القاهرة إلى الذَّهاب إلى مستشفى مختلط، يلاحظ فيه أنَّ الطبيبَ يفتح باب الغرفة التي فيها المريضة من دون استئذان، كأنَّها ليستِ امرأة بحاجة إلى أن تُستر.

وأعتقد أنَّ التجارِبَ أثبتت أنَّ الفصل والتخصُّص أفضلُ لكلا ال***ين؛ لئلا نسمعَ كلَّ يوم عن سوء تصرُّف أخلاقي من طبيب مع مريضاته، وسنرى قريبًا كيف أنَّ الغرب سيلجأ إلى وسائلنا في حماية المجتمع من الرذائل بوضْعِ ضوابطَ للاختلاط، وفصْل ال***ين في مواضعَ معينة، وحينها سنصبح رائدين بوسائلِ الحماية، التي هي أصلاً من أخلاق الإسلام، وسوف يكون تعبير "للنِّساء فقط"، لا على المرحاض فقط؛ بل على المستشفى، وعلى كلِّ مكانٍ تريد المرأة أن تُعفَّ نفسَها فيه من وحل الانحلال.

ترحيب عام:
ربَّما يظنُّ بعض النَّاس أن المتدينين فقط هم الذين يُطالبون بأن تخصَّص مستشفيات للنِّساء؛ لكن الدكتورة أميرة عبد العليم، المتخصِّصة بأمراض النِّساء والتوليد - تُشير إلى أنَّ جميع الأُسر سوف ترحِّب بهذه الفكرة، وسوف تحرص معظم النِّساء على الذَّهاب إلى هذه المستشفيات دون غيرها؛ وذلك لحرصهنَّ على ستْر عوراتهنَّ، وكثيرٌ من الأزواج الذين يُرافقون زوجاتِهم إلى عيادات أمراض النِّساء التي تقوم عليها الطبيبات - ليسوا من المتدينين؛ بل هم أناسٌ عاديون من مختلف فئات المجتمع، فهم شرقيُّون، والشرقي بطبعه الممتزج بأخلاق الإسلام يَغارُ على أهلِه، وهم زوجته وابنته وأمُّه وأخته، وهو دائمًا يُفضِّل أن يبقين في الرُّكن الآمن المحافظ، حتى لا تضيع وتنتهك حرماتهنَّ.

واليوم، وبعد مسيرة التعليم الطويلة التي حظيتْ بها البنت في بلادنا، أصبحَ لدينا نحن - المسلمين - كفاءاتٌ نِسائيَّة متنوِّعة في جميع التخصُّصات، لا في مجالات النِّساء والتوليد فقط، وتذكر الدكتورة أميرة مثلاً لذلك: أنَّها في حالات التوليد التي تقوم بها تستعين بطاقمٍ نسائيٍّ كامل متميز، بما فيه طاقم التخدير؛ ولذلك فليس معنى مستشفى للنِّساء فقط أن يكون مستشفى للولادة، وإنَّما مستشفى يَجمع كلَّ التخصُّصات الطبيِّة التي تحتاج إليها المرأة؛ كالعيون، والأنف والأذن، والباطنية، والمسالك البوليَّة، وغيرها من التخصُّصات الطبيَّة، حتَّى الجراحة التي كان يُعتقد قديمًا أنَّها تخصُّصٌ رجاليٌّ بالاحتكار، فالمرأة اليوم دخلتْ هذا المجال، وحقَّقت فيه تفوُّقًا كبيرًا؛ ولذلك فإن "مستشفى للنساء فقط" بكل التخصُّصات سيوفِّر أطقمًا نسائيَّة طبيَّة تملأ كلَّ فراغاته، وسيحقِّق السعادة والطُّمأنينة لدى الأسرة الشرقيَّة التي ما زالت تشعر بالأمان مع كلِّ فكر محافظ يحمي حرمات الزوجة، والأم، والابنة، والأخت من الانتهاك.

قسم وليس مستشفى:
أمَّا الدكتور عبدالفتاح رزق - عضو مجلس نقابة أطباء مصر - فيخالف مَن سبق في رأيه، ويَعتبر أنَّ الواقع الآن غير قابل للتطبيق الكامل لهذه الفِكرة؛ ولذلك يجب اتِّباع ضوابط وأخلاقيات الإسلام التي أقرَّتْها مواثيقُ شرف المهنة، ويرى أنَّ المهنة الطِّبيَّة هي مهنةٌ إنسانيَّة بالدرجة الأولى، والأصل فيها أنَّها تزيدُ مِن إيمان مَن يُمارسها بالله - عزَّ وجل - فهو يرى كلَّ يوم إعجازَ الله في خلقه.

وهناك ضوابطُ ومعاييرُ يجب أن يتبعها الطبيبُ؛ سواء كان رجلاً أم امرأة، وقد ورد ذلك في ميثاق شرف المهنة؛ بل ظهر مؤخَّرًا ما يُسمَّى بالدستور الطبيِّ الإسلامي، وهذا ما يجب أن يسودَ بين الأطباء.

والمطالبة بوجود مستشفى خاصٍّ بالنِّساء فكرةٌ جيِّدة من حيثُ الشكل، إلاَّ أنَّ تطبيقَها غير ممكن الآن، كما أنَّها ليستِ الفُضْلَى الآن في كلِّ الحالات، خاصَّةً في بعض التخصُّصات التي لا تتناسب مع طبيعة المرأة؛ مثل: تخصُّصات جراحة العظام، والأورام التي تحتاج إلى تدريب شاقٍّ، وخبرة قويَّة، ومجهود كبير؛ لكن هناك تخصُّصات أخرى يمكن أن تُجيد فيها المرأة؛ مثل طِبِّ الأطفال، وجانب كبير من النِّساء والتوليد، والأمراض الجِلديَّة والباطنيَّة، وغيرها من التخصُّصات التي لا تستغرق وقتًا طويلاً في أثناء العلاج، كما أنَّ المجهود فيها يكون أقلَّ.

ومن الناحية الواقعيَّة - يضيف رزق - فأقلُّ مستشفى يحتوي على 50 سريرًا للمرضى تحتاج إلى 400 فرد من الأطباء والممرضين والموظفين والعُمَّال، مع مراعاة أنَّ هناك كثيرًا من التخصُّصات التي ذكرتها يندُر فيها وجود طبيبة متخصِّصة وذات كفاية، وهذا ليس نقصًا أو تقليلاً من كفاية النِّساء وقدراتهن، فتخصُّصٌ مثل جراحة العِظام - مثلاً - يحتاج إلى تدريب شاقٍّ لمدة خمس سنوات بدوامٍ لا يقلُّ عن 15 ساعة يوميًّا، وهو ما لا تتحمَّله النِّساء، وإذا ما وُجدت طبيبة في هذا التخصُّص فهي ذات كفاية أقلَّ، وهذا في كلِّ دُول العالَم، وليس في البلاد العربيَّة والإسلاميَّة فقط، هذا بالإضافة إلى نسبة الفتيات في كليات الطبِّ تكون ثلث نسبة البنين، وبعد التخرُّج قد لا يمارس المهنة منهنَّ 10%، وكلَّما تقدَّم السِنُّ فضلَّتِ الطبيبة الأسرةَ على ممارسة المهنة؛ ولذلك يصعُب أن يوجد مستشفى كاملٌ خاصٌّ بالنِّساء، لكن يمكن أن يكون هناك أقسامٌ خاصَّة بهنَّ في حدود المتاح.
يتبع
رد مع اقتباس