
26-05-2015, 05:31 PM
|
 |
عضو لامع
|
|
تاريخ التسجيل: Apr 2015
العمر: 61
المشاركات: 4,132
معدل تقييم المستوى: 15
|
|
المعتمد بن عباد ودون خوان مانويل (2/10)
د. جاسم العبودي
د - شهرة استحقاق أم شهرة تعاطف؟
د-1- من 1846 إلى 1920
لم يكن المعتمد أوَّل ملك أُنزل عن عرشه، فهل كان من طراز خاص؟ وهل حقًّا ما يقول جبرائيل جبور[1]: "ولستُ أعلم رجُلاً في تاريخِنا العربي، أو في تاريخ الأُمَم الأخرى كان لنكبتِه من الأثر مثلُ ما كان لنكبة الملك الشاعر"؟
لنرَ - كما قُلْنا في البداية - من خلال بعض المؤلَّفات فيما إذا كانت شهرته قد اجتازت حقًّا حدود العربيات، فأذْكت قرائح وذكريات، وهو ما يشدّ عزم جبور في بعْض خطوط مقولته السَّابقة، ولنبدأ في ليدن سنة 1846 - 1853، حين طَبع فيها دوزي تاريخَه عن بني عباد، مدافعًا عن آل عباد حتَّى النخاع، فعادت الابتسامة للمعتمد، وإن كانا يتكلَّمان لُغَتين مختلِفَتين، ويَدينان بثقافَتَيتن متضادَّتين.
ويغادر هولندا إلى برلين سنة 1865 بدعْوة من سكاك، فيحتضِنُه في كتابه "شعر العرب وفنهم في أسبانيا وصقلية"[2]، ولعلَّ التعاطُف مع المعتمد كان سببًا مهمًّا في ترجمة هذا الكتاب من الألمانيَّة إلى الأسبانيَّة في إشبيلية عام 1881 م، وآخر طبعة له اطَّلعتُ عليها كانت في مدريد سنة 1988.
ولم يكسُه شكيب أرسلان - وهو الأمير - بما يليق بالأمراء، لا في (خلاصتِه، ط 1، 1897، ط 2، 1925)، ولا من (الحلل السندُسية، ط 1936).
وتأبى إشبيلية - موطن عرشِه المنهار - إلاَّ أن تَحتفل به، فينبري بلاس إنفانته[3] (1885 - 1936) لهذا، فيؤلّف عنه سنة 1920 كتيِّبًا صغيرًا بعنوان (المعتمد، آخر ملك لإشبيلية)، وهو عرض تراجيدي لممْلكة المعتمد، دون الرُّجوع إلى المصادر العربيَّة.
ورغم أنَّ البرتغال لم تتأسَّس إلاَّ عام 1145، فإنَّ بعض البرتغاليِّين حريصون على اعتبار المعتمد شاعرًا برتغاليًّا - عربيًّا، مفتخرين به أيَّما افتخار، فقد اعتنَوا بترجمة أشعاره ودراستها وتدريسها إلى اليوم، وأقاموا في 1928 حفلاً رسميًّا كبيرًا في مدينة شِلْب Silves تكريمًا للرَّجُل، وقد كان من الحاضرين بلاس إنفانته Blas Infante، سافر من إشبيلية إلى شِلْب خصيصًا لهذا الغرض، قبل الموعِد بأرْبع سنوات؛ أي: في 1924.
هذا الرَّجُل يعتبر الأب الروحي للأندلس الحاليَّة، وواضع كلِمات النَّشيد الوطني لأندلثيّا إلى اليوم، فقد سعى إلى تأسيس فكرة أندالُوثِيَّا Andalucía حديثة تكون بمثابة استِمْرار للأندلس السابقة، إلى أن اغتالتْه قوَّات فرانكو.
وفي 28 شباط (فبراير) من كلِّ سنة، يَحتفل الأندلسيُّون بيوم الأندلس، مستحْضرين بلاس إنفانته والمعتمد وغيرهما ممَّن ينتمون إلى الأمَّة الأندلسيَّة. وممَّا يذكر أنَّه بعد وضع كتابه هذا عام 1920، ورغْم ظروف الحرب بين الخطابي والأسبان، قام بزيارة قبر المعتمد في أغمات.
د -2. من 1924 إلى 1965
ونجد المعتمد في القاهرة سنة 1924 م حيث يسعد حينًا بمصاحبة أحمد ضيف وكامل الكيلاني؛ لأنَّهما - على الأقل - نالا له من المرابطين وشيخهم يوسف بن تاشفين، أملاً في عطائه، بعد أن نُسي حاله.
وفي سنة 1928 استقبله آنخل غونثالث بالنثيا Ángel González Palencia في كتابه "تاريخ الفكر الأندلسي: 86 - 107"، حيث اعتبره من "شعراء العربيَّة الذين أجمع النَّاس على الإعجاب بهم في العالم الإسلامي كلِّه".
وقبْله كتب عنه غارثيا غومث García Gómez: "إذا كان لا بدَّ من تصوير المِحْنة العامة التي شملت الشعر خلال ذلك العصر في صورة شخصٍ واحد من أهله، فليس أوْفق لذلك من المعتمد بن عباد؛ صاحب إشبيلية (1068 - 1091)، كان أبوه المعتضد صاحب الأفاعيل الشنيعة وأبناؤه جميعًا كلّهم شعراء، ولكنَّه بَزَّهم جميعًا، وفاق كلَّ معاصريه في ذلك المضمار؛ لأنَّه كان يمثل الشِّعر من ثلاثة وجوه: أوَّلها: أنَّه كان ينظم شعرًا يُثير الإعجاب، وثانيها: أنَّ حياته كانت شعرًا حيًّا، وثالثها: أنَّه كان راعي شُعراء الأندلس أجمعين، بل شعراء الغرْب الإسلامي كلّه، فإلى بلاطه لجأ شُعراء صقلية وإفريقية عندما غزا النورمان بلادَهم، واستولَوْا على بعضها وهدَّدوا الباقي". "تاريخ الفكر الأندلسي: 89".
وفي عام 1932 ألْحق الكيلاني وعبدالرحمن خليفة ما تيسَّر لهما من أشعارِه، في ذيل "ديوان ابن زيدون"، ص 377 - 400.
ويطول التغرُّب عليه، ولا أحدَ يواسيه، حتَّى دعتْه تطْوان سنة 1941، على لسان أحمد بلا فريج، ثُمَّ عبدالسلام الطود سنة 1946، ولكنَّه كان يقدِّم رِجْلاً ويؤخِّر أخرى؛ لأنَّ شبح "قمعستان الأغماتية" يلاحِقُه أينما حلَّ، وزاده أنَّه لم يحصل منهما على "شهادة اعتراف بظلم، ولا صكّ تعويض عن السّنين الجحاف".
ولمَّا لَم يجد في بساتين البستاني في بيروت عام 1946، ما عهده ولا حتَّى في واحدة من حدائق "القصر الزاهي، ولا الثريَّا، ولا المبارك ولا الوحيد" شدَّ الرِّحال في السَّنة نفسها إلى بالتيمور، فشدَّ أزْره نايكل[4] في كتابه "الشعر الأندلسي"، فوصل صوْتُه مدويًّا على الأقل إلى نصف متكلِّمي الإنجليزيَّة.
وهدى الله له أحمد بدوي وحامد عبدالمجيد، فتعهَّدا له بكلِّ ما استطاعا جَمع ديوانِه مستقِلاًّ سنة 1951، في القاهرة.
ولم يغمره علي أدْهم بما كان يبغي، ولكنَّ روحه سكنتْ إلى علي دياب، حين ذكره بأيَّام لهوه وعزِّه، وأجلسه على مائدة الغزَل مع ابن زيدون.
ثمَّ خطف رجله منها إلى دمشق سنة 1955، ولكنَّه لم يسمع من الركابي إلاَّ كلامًا معادًا.
وفي عام 1958، كان له أوَّل لقاء فاتر مع صلاح خالِص في بغداد (المعتمد بن عباد)، وباقر سماكة؛ وذلك بعد حصوله على الدكتوراه من جامعة برشلونة في (الأدب الأندلسي في شتى عصوره).
ويذهب - وبين يديْه قصيدة النيلوفر والتي ننشُرها هنا لأوَّل مرَّة - معاتبًا جبرائيل جبور في الجامعة الأمريكيَّة في بيروت عام 1963، على قوله: "إنَّ المعتمد لم يلتفِتْ إلى شعر الطبيعة الذي ازدهر في عصره"، وانقشعتْ سحابة العتاب، عندما قدمت له طالبتُه هلدا شعبان، وانفرجت أساريره من أنَّ امرأة عربيَّة قد تذكَّرته، وجاءتْه وبين يديْها صحائف ماجستير (المعتمد بن عباد: الملك الشاعر).
د - 3- من 1966 إلى 1979 (وفيها 2006)
ويدخُل في مرحلة جديدة، يؤنِسُه فيها - رغم رُعْب العقول - كلام ابن خلدون "وصار طرفُ الملك بعده حسيرًا"، وجهود طائفة من أعضاء جمعيَّات محترفي القلم، حيث يَحظى بمؤازرَتِهم على الحصول على "شبه وثيقة سفر عالميَّة"، تؤهله إلى أن يسمع صوْته بلغات أخرى، فتقربه من أذْهان كانت قد أبت سماعه، وشارك بعض منها في يومٍ ما بإذْلاله؛ فترجم له صلاح خالص كثيرًا من شعره إلى الفرنسيَّة، وطبع بالجزائر سنة 1966 عن (نشوء دولة بني عباد).
ويحصل محمد مجيد السَّعيد على ماجستير من جامعة القاهرة في (الشعر في ظل بني عباد) سنة 1969، وتُطْبع فيما بعد بالنجف، وسمع صوته في جامعة كولمبيا سنة 1971، ثُم ثلاث من قصائده في باريس سنة 1973 على يد سيكندلن[5]، الذي جعل منهما كتابًا جديًّا عن الوزن والبنية الشعرية عند المعتمد، وظهر في ليدن 1974، ثم يحتفل به مونرو[6] في لندن في نفس السنة، فيترجم له بإنجليزيَّة متعاطفة بعضًا من قصائده.
ويعود متعبًا إلى تونس سنة 1975، بدعْوة من السويسي لطبع ديوانه ثانية، ولكنَّه خرج منه مغاضبًا؛ لأنَّه لم يلق الدِّفْء في طبعته الَّتي هي سلخ لطبعة القاهرة، ويبدو أنَّ السويسي أحسَّ بذنب داخلي، فكتب عنْه بالفرنسيَّة [7] سنة 1977، ثُم بالعربية عام 1985: (ملك إشبيلية الشاعر)، في حملة استرضائِه، وكسب ودِّه.
وفي سنة 1994 تعرَّفت على ميغيل هيجرتي؛ أستاذ في قسم اللغة العربية في جامعة غرناطة، فأفادني أنَّه ترجم عددًا من قصائد المعتمد[8]، سنة 1979، بعنوان (قصائد المعتمد)، ولما اطَّلعت عليها كانت عبارة عن ترجمة أوَّليَّة.
ثم عاد وأضاف إليْها قصائد أخرى بلغت 160 قصيدة، فنشَرَها بعنوان (المعتمد الإشبيلي: أشعاره الكاملة)[9] في غرناطة سنة 2006، زاعمًا أنَّها جميع قصائده، ولم يطَّلع على قصائد أخرى؛ ومنها هذه القصيدة التي ننشُرها هنا، ممَّا أزعج المعتمد كثيرًا، ولاسيَّما أنَّه قد نعته وبالنَّصِّ: "قاتل بدون شفقة".
انظرْ أسلوب المترجم هذا لتَحْكُم على درجة دقَّته في البحث: "إنَّ المعتمد عندما فقد كلَّ شيء، ذهب إلى أغمات لقضاء بقية أيامه".
علاوة على أنَّ ترجمته هي جافَّة، تنمُّ عن معرفة ضحْلة بالعربيَّة وبلاغتها.
والسطور التي كتَبَها بلديُّنا صبيح صادق[10] عن هذا الكتاب بعنوان "المستعْرب الإسباني ميغيل هاجرتي يُعيد ترجمة شعر المعتمد بن عباد"، كنتُ آمل أن تكون مقالاً نقديًّا وليس كلام جرائد.
نافذة من نوافذ قصره
البهو المطل على حدائقه
جانب من داخل القصر
القصر من الخارج
ــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] جبور، "المعتمد بن عباد، الملك الشاعر"، الأبحاث، بيروت، حزيران 1963: 185 -216.
[2] Schack, Adolf Friedrich von: Poesía y arte de los árabes en España y Sicilia. Trad. del alemán por Juan Valera.
[3] Blas Infante, Motamid: último rey de Sevilla, Sevilla ,1920.
[4] Nykl, A.R.: Hispano-Arabic poetry and its relations with de Old Provençal troubadours, Baltimore 1946.
[5] Scheindlin, Raymond P.: Form and structure in the poetry of Al-Mutamid Ibn Abbad. Leiden: Brill, (1974).
[6] Monroe, James T.: Hispano-Arabic poetry, Los ángeles- London, 1974.
[7] Souissi, Ridha. Al Mutamid Ibn Abbad et son oeuvre poétique: étude des thèmes. Université de Tunis, 1977.
[8] Hagerty ed., Miguel José: Poesia: Al-Mutamid. Barcelona: Antoni B., 1979.
[9] Al-Mutamid de Sevilla: Poesía completa, Granada, EditorialComares, 244 páginas, 2006
[10] جريدة الشرق الأوسط (السبـت 26 جمادى الثاني 1427 هـ، 22 يوليو 2006 ، العدد 10098).
|